الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة بريطانيا تجاه موقف المؤسسة الدينية من تمرد الاثوريون

سعد سوسه

2020 / 11 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كان الاثوريون(هم مجموعة قبائل جبلية ، كثيرة الاعتزاز بنفسها ، مقاتلون ممتازون ، يمتهنون الرعي والزراعة ، يتكلمون اللغة السريانية الارامية وللاثوريين وضع قبلي وديني خاص متداخل ، فهم يخضعون إلى نظام ديني هرمي ، يتسيد على قمة هرمه بطرياركهم ، الذي يتلقب بـ(مار شمعون) ومعناه (السيد) ، وهو لقب كل بطريرك يرأسهم ، ويمتلك المار شمعون السلطة الدينية على اتباعه ) (1) قبل الحرب العالمية الأولى يعيشون في حدود الدولة العراقية وإيران ، وكانوا يتركزون في ولايات الموصل وارضروم ووان ، وأغلبهم من اتباع الكنيسة النسطورية . وهؤلاء زعموا أنهم من بقايا الاشوريين سكان العراق القدماء وقد خضع النساطرة إلى رئيسهم (مار شمعون) (2) . وقد جاءت بهم بريطانيا إلى العراق من إيران وتركيا قبل الهدنة وإسكانهم في مدينة بعقوبة مدة ثلاث سنوات(3) .
لم يكن جلب البريطانيين للاثوريين حدثاً عادياً ، وإنما أرادوا بوساطتهم تنفيذ برامجهم في العراق ، فجعلوهم يتصورون أن قيام بريطانيا بإسكانهم في العراق هو مكافأة لهم مقابل مساندتهم إياها في الحرب ، وافهموهم بان لا يستخدموهم للدفاع عن العراق ، بل وعدوهم بالعودة إلى اوطانهم . كان الاثوريون يأملون من حلفائهم البريطانيين المساعدة بعد عودتهم إلى مواطنهم السابقة إلى (تأسيس حكم ذاتي) تحت الحماية البريطانية . وقامت قوات سلطات الاحتلال بنقلهم إلى زاخو ودهوك والعمادية وعقرة وفتحت معسكراً جديداً في مندان شمال شرق الموصل ، ومع ذلك كانت مسألة توطين الاثوريين في العراق من الامور الجدية للسلطات البريطانية . فقد نصت مقترحات ارنولد ولسن ، التي قدمها إلى "اللجنة الشرقية البريطانية" على ان ضم ولاية الموصل إلى العراق ضروري لتأمين بقاء الاثوريين ضمن العراق بحسب رغبتهم .
استمرت بريطانيا في مساندة الاثوريين في العراق ، ففي مؤتمر القسطنطينية الذي افتح في التاسع عشر من ايار 1924 بين بريطانيا وتركيا ، فقد أشار كوكس في هذا المؤتمر إلى قضية الاثوريين الذين استعانوا بالحكومة البريطانية لاعادة إسكانهم في مواطنهم السابقة تحت الحماية البريطانية ، وقد أخبر كوكس فتحي بك رئيس الوفد التركي أن الحكومة البريطانية قررت أن تضمن خطاً للحدود بشكل جماعة متماسكة ضمن حدود العراق . واستمرت بريطانيا في مساندة الاثوريين حتى عقد معاهدة 1930 بين العراق وبريطانيا ، فقد نظر إليها الاثوريون نظرة شك وريبة لأنها لم تضمن لهم ما يحقق رغائبهم بالحكم الذاتي على الرغم من العرائض التي قدموها لعصبة الامم . فقد اتخذ مجلس عصبة الامم قراراً يقضي بعدم قبول طلب الاثوريين المتعلق بحكم ذاتي إداري في داخل العراق ، واستدعاء خبير أجنبي لمساعدة الحكومة في تنفيذ مشروعها لاسكان اثوريي العراق بأحوال مناسبة على قدر الامكان في وحدات متجمعة بشرط أن لا تمس الحقوق الموجودة للسكان(4) .
على اثر ذلك توترت العلاقة بينهم وبين الحكومة العراقية والتي اضطرت أن تدخل في إختبار وهو الوقوف لأول مرة امام قوة عسكرية دربها البريطانيون ، وبدأت الصدامات المسلحة بين القوات الحكومية بزعامة بكر صدقي والاثوريين(انتهز البريطانيون قيام الحكومة العراقية بالزام المار شمعون بالاقامة في بغداد ، فعملوا على زيادة العلاقات سوءاً بينهما ، فصوروا انفسهم مدافعين عن مصالح الاثوريين حتى يشجعوا زعيمهم = =المار شمعون في موقفه المتصلب ، وزيدوا في الوقت نفسه اصرار الحكومة على موقفها ، وبذلك أصبح الجو مهيأ للانفجار في أي لحظة يريدونها) ، وتمكن الجيش من إجبارهم على الانسحاب ، واستسلام الاثوريين والقضاء على حركتهم ، ونقل المار شمعون إلى قبرص بطائرة بريطانية خاصة على اثر إسقاط جنسيته في السادس عشر من اب 1933 .
أما موقف المؤسسة الدينية ، فقد أظهر علماء الموصل موقفاً ضد ذلك التمرد، ويمكن القول إن موقفهم كان موحداً إزاء ذلك التمرد العسكري الذي حمل معه طابعاً طائفياً، فقد دعا محمد حبيب العبيدي الشعب العراقي إلى النهوض والوقوف ضد الاثوريين في قصيدته (جمعتهم الضراء وفرقتهم السراء) ، نقتبس منها هذه الأبيات:
ما للالئ كانت الضراء تجمعهم تفرقوا زمــــــــن الســـــراء فــــي احسن
أخدمة النفس كانو يبتغون بها قالوا وما فعلوا ام خدمة الوطن.
أما عبدالله النعمة فقد رفع برقية مع رؤوساء الطوائف الدينية إلى الملك فيصل الأول أظهر فيها روح الوحدة والتضامن الشعبي التي كانت عليها الموصل ابان ذلك التمرد نقتبس منها ما نصه :" ان عقدة التاخي الوطني بين طوائفنا ليس باستطاعة اية ايدِ اثيمة ان تعبث بها وليس حوادث عصابة التيارين سوى تخبط طائش انتهى في مجراه القانوني " .
وأيدت المؤسسة الدينية قرار مجلس الوزراء بإسقاط الجنسية العراقية عن الذين لم ينتموا إلى الأسر التي سكنت العراق قبل الحرب العالمية الأولى . فقد أكد علماء المؤسسة الدينية في برقية بهذا الخصوص هذا نصها : " طالما كدر صفو العراق فى دور تكوينه غير أبنائه الوارثين ، التجارب أثبت خطرهم على راحة البلاد فالأمة قبل نوابها تصادق بالتصويت العام على مرسوم إسقاط الجنسية العراقية عند الحاجة وتشكر الحكومة على إتخاذها هذا التدبير الحكيم لحفظ الأمن"
المصادر
1 . رياض رشيد ناجي الحيدري ، الاثوريون في العراق 1918-1936 ، مطبعة الجيلاوي ، القاهرة ، 1977.
2 . عبد الرزاق الحسني ، تاريخ الوزارات العراقية ، الجزء الثالث ، الطبعة السابعة ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 1988 ، ص256.
3 . عمار يوسف عبدالله ، بريطانيا والاثوريون في العراق 1918-1933 ، "التربية والعلم" (مجلة) ، جامعة الموصل ، المجلد (14) ، العدد (1) ، 2007 ، ص60.
4 . "العالم العربي" ، العدد 2234 ، 3 تشرين الاول 1933 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا