الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب- منهجية البحث- للكاتب الفرنسي ماثيو جيدير

حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)

2020 / 11 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يعتبر كتاب " منهجية البحث" للكاتب الفرنسي ماثيو جيدير، من بين الكتب المهمة التي يستند إليها الطلبة والباحثون الجدد، لإعداد بحوثهم وأطروحاتهم الجامعية، وفقا لخطوات منهجية دقيقة، حيث قامت مليكة أبيض بترجمة هذا الكتاب من الفرنسية إلى العربية. فأصبح الكتاب بوصلة توجيهية لمن قرر خوض غمار البحث. ويتكون هذا الكتاب من 124 صفحة، وهو من الحجم المتوسط. وقد قسم المؤلف كاتبه إلى مقدمة وثلاثة فصول. وهو كتاب يكتسي أهمية بالغة من حيث توضيحه لمنهجية البحث التي يحتاجها الباحثون. فيقع الخلط والخطأ في القضايا المنهجية حسب تعبير صاحب الكتاب. فيؤدي الجهل بالمنهجية إلى اختلاط الأمور على الطالب، ويصعب عليه أن يكتب بحثا بالمعايير الأكاديمية. ولهذا السبب شمر الكاتب عن ساعد الجد، مستهدفا إظهار الركائز الأساسية، والخطوط العامة لكتابة البحوث.
فالمؤلف أخذ على عاتقه تبيان هذا الأمر، وسنرى درجة وفائه ببسط كافة عناصر المنهجية. أي هل اشتمل كتابه على الخطوات المنهجية الضرورية المطلوبة لإنتاج البحوث؟ وهل طبقها الكاتب نفسه على بحثة؟
وسأتناول بالتقديم فقط الفصل الثاني، المعنون ب "مراحل إعداد البحث" بسبب أهمية هذا الفصل ضمن فصول الكتاب.
تطرق الباحث في المرحلة الأولى إلى خطوة اختيار البحث، حيث ضمنها مجموعة من النقاط التي عادة ما تراود أذهان الباحثين أول ما يختارون البحث. ومنها التفكير في الإشكالية، ثم طرح الأسئلة المؤطرة لها. ومنها العوامل الموضوعية والذاتية الدافعة لاختيار هذا البحث. لكن يبدو أن الكاتب أغفل نقاطا أخرى، مثل أن يكون سبب اختيار البحث تكليفا من جهة ما، أو اقتراحا من الأستاذ المشرف، الذي يفترض أن يكون أعرف بالثغرات التي يجب ملؤها في ذلك الموضوع. 1
ومعلوم أن العوامل الذاتية والموضوعية تندرج في خطوة التقديم العام، وليس في المقدمة؟. ثم ذكر في نقطة "اختيار البحث" قضية وضع الفرضية للموضوع. وهذا الأمر يفعله ويسلم به عدد من الباحثين. لكن ثلة أخرى من الباحثين تفضل إبقاء طرح الإشكالية إلى غاية إنهاء البحث. أي أن البحث لا يبدأ بالفرضية بل ينتهي بالفرضية. فالبحث يصل إلى نتائج يصوغها على شكل فرضية. ومن جاء بالفرضية منذ البداية أو صاغها يتهم بأنه إنما توصل إلى نتائج كان قد تصورها قبل الانطلاق؟!2
وبعد هذا، ينتقل الباحث للحديث عن المرحلة الثانية من هذا الفصل. وقد ناقش فيها كيفية البحث عن الوثائق، وأعطى شرحا تفصيلا جامعا، وقدم الفرق بين المصادر والمراجع، وكيفية الوصول إليها.
ثم انتقل إلى الحديث عن المرحلة الثالثة. وهي مرحلة القراءة والتفكير. وتعتبر هذه الخطوة غاية في الأهمية. وهي تحتاج من الباحث إلى التريث والرزانة، لأنها عملية اطلاع وفهم لكافة الأفكار. كما قدم بشكل سريع أنواع القراءات، التي تساعد الباحث على تدبر المعلومات، وتيسير الطرق للحصول عليها. لكن يبدو أن الكاتب أغفل من غير قصد مسألة القراءة الانتقائية، وهي مهمة جدا في انتقاء أهم المعلومات من الكتاب؟
لتأتي المرحلة الرابعة التي يعرض فيها الباحث كيفية تقسيم وتبويب الموضوع، وهذا الأمر ضروري لوضع إطار عام للبحث، وجعله واضحا من خلال تلك الخارطة التي وضعها الباحث، لكن في المقابل نجد الكاتب لم يلتزم بهذا التقسيم في بحثه.
انتقل الكاتب في المرحلة الخامسة إلى الحديث عن جمع وتخزين المعلومات. وهي من أصعب الرهانات التي تواجه الباحث، لصعوبة اختيار المعلومات الأهم فالمهمة، لأن كثرة المعلومات وزخمها يوقع الباحث في حيرة وهو يختارها. ولهذا تحدث عنها الكاتب في هذه المرحلة بشكل مفصل. ولكن يعاب عليه في هذه النقطة أنه تحدث بشكل نظري فقط، ولم يحضر أمثلة تطبيقية توضح للباحث خارطة عمله، بينما نجدها أن لها توضيحا تطبيقيا في كتاب "الأساس في منهجية البحث" 3 للأستاذ الفاضل الدكتور العربي الحمدي.
أما المرحلة السادسة والأخيرة فقد بدا أن الكاتب خصصها لتقنيات تحرير البحث خاصة الأكاديمي منه. وهي مرحلة حاسمة في عمل الباحث حيث ينتقل من النظري إلى التطبيقي. وهي تتمل في تحرير الدراسة وصياغة نتائجها. وذلك وفقا لمحددات منهجية علمية دقيقة. وقد لخصها فيما يلي: تحديد لمنهج البحث، وذكر لكيفية توثيق مصادره، وضبط لهوامشه. وبين الكاتب كيفية وضع الاقتباسات، لكنه أهمل جوانب شكلية للتحرير وهي كالآتي: أـ وضع الهوامش، ب ـ علامات الوقف والترقيم، ج ـ التفقير (أي وضع فقرات)4 . كما أدرج عناصر التقديم العام في المقدمة. ويبدو أن الباحث وقع في الخلط بين هذين العنصرين، على أن أضرابه من الفرنسيين هم من سموهما بتسميتين مختلفتين - propot Avant = التقديم العام، و Introduction = المقدمة.
في هذا الصدد أريد أن أوضح الفرق بينهما: فالتقديم العام تذكر فيه ست عناصر وفقا لما اتفق عليه الأكاديميون وهي:
1ـ طرح الاشكالية، 2ـ دواعي اخيار الموضوع، 3ـ وصف موجز لمحتويات الموضوع أو وصف التصميم موجزا، 4ـ الحديث عن الصعوبات والشكر، 5ـ المختصرات، 6ـ تقديم المراجع ونقدها.
أما المقدمة فهي غير ذلك، فهي تفكير في الموضوع ذاته وما يجب أن يحتوي عليه أو العكس. وتوضيح للمعطيات الناقصة، وتبرير لدواعي نقصها. ومثل هذا يفعله الباحث مع ما زاده منهجيا كأن يكتب الإحالات بطريقة مختلفة عما اتفقت عليه الجامعات من طرق أكاديمية، أو موضوعيا، كأن يزيد عنصرا في فصل، وكان من اللائق أن لا يشتمل عليه البحث. يبرر للقراء لماذا زاده. كما قد يوضح في المقدمة لماذا بقي جانب من بحثه غامضا؟ وكان من المفروض أن يوضحه، إلا أنه لم يجد معلومات عن ذلك.5
ومن الملاحظات العامة حول الكتاب أن الكاتب لا يهتم بوضع علامات الترقيم، ولم يدرجها في الشق النظري من الكتاب. أضف إلى هذا غياب الإحالات من ص. 40 إلى ص. 68. وهذا يظهر أن ما تحدث عنه الكاتب على طول هذا الفصل إن لم أقل على طول الكتاب، لا يلتزم هو نفسه بما يعظ به الآخرين؟ ! فيبقى من الذين يبينون المنهجية العلمية لكن لا يلتزمون ببعضها. كما لاحظت وجود بعض الأخطاء المنهجية مثلا على صفحة 9 :الإحالة غير كاملة، والمطبعية أو الإملائية؟ كماعلى ص.50 وردت كلمة علاف بدل(غلاف)، وكلمة هامة بدل (مهمة)....
والخلاصة أن هذا الكتاب مهم ومفيد رغم عدم اشتماله على بعض الجوانب الضرورية للبحث. وما عرفت هذا إلا من خلال مقارنته بكتاب أستاذنا الدكتور العربي الحمدي، الذي أعتز بالتلمذة عليه وهو:"الأساس في منهجية البحث". ويبقى كتاب ماثيو جيدير، كتابا ينفع الباحثين، ويشق لهم طريق الفلاح في البحث موضوعا ومنهجا. فله مني ومن كافة الطلاب أسمى تقدير، وأعمق احترام.
الاحالات
1ـ الحمدي العربي، الأساس في منهجية البحث ، مكناس- المغرب، مطبعة وراقة سجلماسة، الزيتون، ط.1، 2007م.، ص.13ـ
2عزمي بشارة، في أولوية الفهم على المنهج، محاضرة افتتاحية، الدورة السابعة لمؤتمر العلوم الاجتماعية والانسانية الذي عقده المركز أيام 22ـ24 مارس2019، والمخصص لموضوع مناهج البحث.
3ـ الحمدي العربي، المرجع السابق، ص. 18 ـ 19.
4ـ نفس المرجع، ص.37.
5 نفســــه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|