الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحت وطاة الانعطاف القسرية :موضوعات في طبيعة الشخصية التونسية

فوزي النوري
مناضل يساري تونسي

(Ennouri Fawzi)

2020 / 11 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مجتمعنا يئنّ تحت وطأة الانعطاف القسري
أوّل سؤال تبادر الى ذهني منذ فترة طويلة هوّ : كيف أنتج هذا الفرد الذي نراه و الذي لا نرى ملامح شخصيّة مجتمعيّة يرتدّ إليها و لا علامة تدلّ على ميله و مزاجه ...
في اعتقادي يجب أن نكون حذرين في الصمود أمام اغراءات الاجابات الاختزالية و التي تحيل تفسير هذا المنتج البشري للعوامل التاريخية و العناصر الموضوعيّة الماديّة بل يجب الافلات من سطوتها دون تحييدها .
التونسي كائن فريد متفرّد لا ملامح له لم يتعرّف بعد على ذاته الاّ من خلال وعاء غريب عنه سواءا كان هذا الوعاء شرقيّا أو غربيّا .
هذا الكائن ينتصر للتقاليد و للمعتقد و للنزعة التحرّريّة و لقيم العولمة في مستواها السّطحي ... ليكون النسيج الاجتماعي مجموعات مختلفة و أحيانا صراعيّة تلتقي كلّها في التسطيح في فضاءات مبتذلة من التفاهة و اللاّمعنى و تحوّلت هذه البنى الذهنيّة السطحيّة الى معاقل تتحصّن داخلها هذه المجموعات المتناثرة التي تشكّل نسيجا مجتمعيّا هشّا .
عندما نتأمّل الخطاب الذي يفرزه هذا النسيج المجتمعي نلاحظ حضورا مكثّفا للمعتقد حتّى في أشكال الخطاب الأكثر تحرّرا (الفنّ) ( السياسة) كما نلاحظ عنفا استقرّ لدينا و أصبح علامة دالّة عن مدى ارتباطنا و تجذّرنا و مطابقتنا للمواصفات التونسيّة .
في اعتقادي و تحت وطأة التحوّلات العميقة في مفهوم " الكائن المعولم " و التصدّعات التي أنتجتها المعلوماتيّة و المساحات الافتراضيّة و ما أنتجته من امكانات التفاعل الحرّ بشكل يتجاوز الحدود الجغرافيّة و الذّهنيّة عمّقت التمزّق داخل النسيج المجتمعي بين الرّغبة في كسر الحواجز الدينيّة و الاجتماعيّة و الأخلاقيّة و بين حتميّة التحصّن بالمعتقد و كلّ أنماط الدّوائر المغلقة كالمعتقد و ما ارتبط به و ما شابهه من حصون التسليم و اليقين في تاريخ مشبوه و مزوّر .
إنّها أزمة حضارة برمّتها قامت على الانغلاق و العنصريّة و التكلّس تعرّت في عاصفة من التحوّلات الكبرى في كلّ المستويات و البنى و فتحت أبوابها عنوة للوافد المعرفي و السياسي فأنتجت هذا الفرد المنفصم و اللاّسوي و العنيف و المتطرّف و التّائه الضعيف ليواجة بهذا الارث الثقيل و باللاّعقل ما عجزت عن استيعابه تربة العقلانيّة و مهدها و الحضارة التي بنتها.
في اعتقادي فإنّنا جميعا تائهون فيما يحصل فينا و حولنا و حتّى ما اصطلح عليه بالنّخبة فلم نسمع لها صوتا و لا صدى وهي لا زالت تتلكّأ في لعب دور لم تتعوّد عليه ولم تتحرّر الى اليوم للدرجة التي تسمح لها بالتأثير أو التأطير أو الاسناد أو حتّى تفسير ما يحصل من اليومي و المباشر .
الظواهر السياسيّة كان بإمكانها أن تلعب دورا في تأطير الظواهر الاجتماعيّة و حتّى في استفزاز بنية الوعي و حثّها على التحرّر من السائد المعرفي و القيمي و لكنّها هيّ الأخرى اختارت الطريق الأسهل للوصول الى السّلطة من خلال المحافظة على الأوضاع بما يستميل تلك البنى الهشّة و المتدنّية فكانت تتأرجح بين الشعبويّة و الديماغوجيا و تجارة المقدّس.
المحاولة الوحيدة لزعزعة كلّ هذه الوثوقيّات من خلال تصوّر فكري و منظومة قيم مترابطة قام بها اليسار في تجاربه المتعدّدة و لكنّ الستالينيّة التنظيميّة أجهضت تحوّله الى تنظيمات واسعة لكنّه كان الأكثر جرأة في التعاطي مع قضايا المعتقد و المرأة و تحرير الطبقة العاملة رغم عجزه التواصلي و أخطائه السياسيّة التي ذكرتها في مقالات سابقة .
التحوّلات التي نعيشها اليوم تقودنا في انعطاف قسري سينسف هذه البنى و سيقتلع مذاهب و تصوّرات من جذورها و سيحملنا نحو كائن معولم بهويّة أخرى لا أثر فيه للمحدّدات التقليديّة لسلوكنا الفردي بما يطيل حالة الضياع التي نعيش و يزيد التصدّع تصدّعا و البؤس بؤسا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها