الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-التّعلم البيولوجي- أو في ترحيل التربية من المدرسة إلى البيت

هيبة مسعودي
باحث

(Messaoudi Hiba)

2020 / 11 / 8
التربية والتعليم والبحث العلمي


لا شيء سيبقى على حاله بعد جائحة كورونا، الكلّ في تحوّل أو في إعادة تشكّل وفق ما يمكن أن نطلق عليه "بالإستعداد الإنساني لتّأقلّم" وهو ما يدفعنا إلى تدبّر عالمنا الحالي وفق إستراتيجيات مغايرة تنحو بنا من الاستحالة والتعطّل إلى الممكن في هذا الظرف بالذات. رُبّ تحدٍ ليس بالهين، خاصة وقد تعلق الأمر بالتّعلم واستمرارية التربية بالنسبة إلى الأطفال الذين أجبروا على المكوث في منازلهم حذو أوليائهم في فترة الحجر الصحيّ. فكيف لنا أن نتفكّر تعطّل المدرسة اليوم؟ وهل التربية حكرا على الفضاء المدرسيّ؟ و إذ كان الأمر كذلك هل تعطّل المدرسة خلال جائحة كورونا اليوم ينجرّ عنه تعطّل فعل التّعلم؟وماذا لو استمرّ تعطّل المدارس فترات طويلة قد تصلُ إلى سنوات؟
"التّعلم والمدرسة" إشكاليّة كان لابّد من تفكيك أوجه اللّبس فيها بحثا عن إمكانية أخرى أو فعل تعلّم موازٍ يُخرجنا من عمق الإرباك الحاصل الآن، دون أن ندّعي إمكانية تعويض المدرسة أو المربّي لكنّنا نعي ما كتبه إدغار موران في كتابه تربية المستقبل"إحدى التحديات الأكثر صعوبة هي تغيير طرق تفكيرنا لمواجهة التعقيد المتصاعد والتحولات المتسارعة واللامتوقعة التي تطبع عالمنا." ونحن علينا أنْ نعدّل أوتار حياتنا وفق اللامتوقع الوبائي، الذي ألزمنا الانعزال ربّما داخل أكثر الفضاءات ضيقا، لكنّها أكثر حميميّة بالنسبة للطفل وأكثرها فقدا لإمكانية التعلّم أو ممارسة الفعل التربويّ بالنسبة للوليّ. وهي إشكالية إرتأينا تفكيكها وفق عنصرين:
_ الـلّبس بين التربية والمدرسة.
_ التّعلم البيولوجي أو التربية في البيت.
اللّبس بين التربية والمدرسة:
إنّ الخلط بين المفاهيم من الأخطاء الشائعة التي تقود ضرورة إلى مغالطات خطرة نظرا إلى ما سيترتّب عنها من معارف وفي بعض الأحيان تصنع ضربا من الأوهام المستعصية التي تزدهر في المجتمعات الفاقدة للعقل الحصيف. ولعلّ الخلط بين التربية والمدرسة يمثّل شكلا من أشكالها حيث ساد الاعتقاد أن التربية لا تكون إلا داخل أسوار المدرسة وبإشراف المربي دونهما ينتفي الفعل التربوي. غير أنّ هذا الخلط " يعدّ إرباكا مسيئا " على حدّ عبارة ثيري باردوThierry Pardo ،إساءة تلحق بالتربية بصفة عامّة وبفعل التّعلم بصفة خاصة، علما وأنّه لزام علينا أن لا نخلط بين التربية والتعليم لأنّ البون بينهما شاسع أيضا.
إذن، نحن نسيء إلى التربية كمفهوم رحب يتّسع إلى ما يمكن أن ينهله الإنسان في درب العيش ويمسّ أبعاده المتعدّدة، أمّا المدرسة فهي نوع من مأسسة التربيةinstitutionnalisation de l’éducation في مرحلة تاريخيّة بعيْنها بحيث يصبح الفعل التربوي أكثر تنظيما يتكفل به فضاءٌ محددٌ، يعمل تحت إشراف الدولة لذلك من الحيْف أن نتّهم الإنسان قبل ظهور المدارس، وهي مرحلة طويلة في تاريخ البشرية، بافتقاره للتربية أو أن نجزم بغياب فعل التّعلم قبل المدرسة وهو ما حدا بثيري باردو إلى الإقرار"لا تمثّل المدرسة إلا جزءا صغيرا فقط من تاريخنا التربوي " أمّا ذاك الجزء العظيم المتبقّي من تاريخ البشرية والأهمّ في اعتقادنا كان يُكتسب خارج هذه المؤسسة حديثة العهد، فكيف أمّنت الشعوب التربية للناشئة في منأى عن المدرسة؟ أليس من المُمكن الاستفادة من تجارب القدامى في وضعية تعطّل المدارس تأقلما مع الوضع وتبديدا لحيرة الأولياء؟
التّعلم البيولوجي أو التربية في البيت:
يكتب أندري ستارن André Stern " التّعلم مثل النّمو هو استعداد عفوي " حيث يولد الطفل فطريّا وله استعداد النمو والتعلّم طبيعيّ أينما حلّ وكيفما كان مقامه أو وضعيته في العالم. وهذا الاستعداد للتّعلم يكون في غرفته مثلما في المدرسة أو في الحديقة. فالمكان لا يُفقد الأطفال استعدادهم للتربية. نكتشف صحة هذا التوجه مع التربية الطبيعيّة في فلسفة ابن طفيل في كتاب حيّ ابن يقضان عند العرب ومثله في كتاب إيميل أو في التربية عند جون جاك روسو في فلسفة التربية الفرنسيّة لنتأكدّ أن التربية يمكن أن تكون فعلا عفويّا لدى الأطفال.
يكتب روسو" التربية تأتينا إمّا من الطبيعة أو من الناس أو من الأشياء " وهذه العناصر الثلاثة توجد ضرورة في البيت. وهو ما يخوّل لنا استعادة سؤال التربية داخل الفضاء الحميمي و تدبّر فعل التّعلم داخل ما تسميه حنا آرنت "هذه الجدران الأربعة التي يحيا الناس بينها حياتهم الخاصة، وهي بمثابة درع واقية في العالم، وخصوصا من الناحية العامة للعالم. إنّها تحيط بمكان آمن، لا يستطيع شيء حيّ أن يزدهر من دونه. " لتكون هذه المرّة الحاضنة للنّمو الجسدي والذهني للطفل معا حينما يكون الوليّ على وعي بذلك. فإمكانيّة التربية داخل البيت هي ما نسعى إلى ترسيخه داخل الفضاء الأسري أثناء الحجر الصحي وأثناء العطل كثقافة تربوية جديدة نكتسبها في مجتمعاتنا حيث أنّ التّعلم البيولوجي هو شكل من أشكال التّعلم دون مدرسة، نرعى من خلاله استمراريّة فعل التعلّم الإيجابي عند الطفل خاصة من خلال اللّعب حتى تغدو"المعرفة مرحة" في استعارة لعنوان نيتشه. فاللّعب ليس مسارا مضادا للتّعلم كما يُخول للبعض، بل هو"التّعلم ذاته في ذهن الطفل " ليكون لعبه داخل غرفته أو في المنزل خلال فترة الحجر الصحي هادفا يُنمي من خلاله مهاراته ومعارفه خاصة"ونحن نلاحظ الأطفال الصغار، نرى أنّهم يملكون دافعيّة حماسيّة كل ثلاث دقائق " هذه الدافعيّة الحماسيّة على الأولياء استغلالها في تعليم أطفالهم داخل المنزل وكأنّما نحن إزاء ضرب من استرداد الولي للمهمّة التربوية لأنّ الطفل شديد الملاحظة بحيث يمكن أن نحوّل كل وضعياتنا الحياتيّة إلى وضعيات تعليميّة بالنسبة إليه.
يعتبر هذا الاسترداد للتربية الطبيعيّة البيولوجيّة داخل البيت حدثا هامّا بالنسبة للطفل والولي على حدّ السواء يمكننا استثماره لتّخفيف من الآثار النفسيّة للانعزال القسري وتعطّل الفعل التربوي داخل أسوار المدارس، غير أنّه لا خيار لدينا غير المراهنة على تربية الناشئة في أي ظرف كان لأنّ التربية تنتمي إلى ذاك الضرب من ضروب صناعة المستقبل، صناعة تزدهر عند الشعوب التي تحسن التّأقلّم اليوم من أجل إستمرارية البقاء في الغد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تبدع في تجهيز أكلة مقلقل اللحم السعودي


.. حفل زفاف لمؤثرة عراقية في القصر العباسي يثير الجدل بين العرا




.. نتنياهو و-الفخ الأميركي- في صفقة الهدنة..


.. نووي إيران إلى الواجهة.. فهل اقتربت من امتلاك القنبلة النووي




.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب نتنياهو أركان حكومته المتطرف