الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟ القسم الثاني
جمال علي الحلاق
2006 / 7 / 13الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قلت أن السؤال ليس مكتبيّا ، وهذا يحتّم علينا النزول الى الشارع ، أن نقترب من الناس أكثر ، نقترب من المفاتيح التي صبغت حياتنا اليومية بهذا السواد المتراكم .
نريد أن نبني إنسانا مروّضا ، لكن ، لا بطريقة التنازل عن الذات ، نريد أن نبني إنسانا يتأقلم مع ذاته أولا ، ومن ثمّ مع الآخرين ، فالطبيعة .
القضية أكبر من أن يتمّ سكبها في كلمات قليلة ، ولا أعتقد أنّ فينا من الطوباوية ما يكفي لامتلاكنا مثل هذا الشعور ، فنحن نتحدّث عن علاقة الفرد بذاته ، وعلاقته بمن حوله وبمن معه على سطح الكوكب ، وعلاقته بالطبيعة التي هي بيته الأول والأخير .
أتحدّث عن أبجدية أخرى لحواسّنا اليومية .
وبما أنّنا أفراد أصلا ولسنا مؤسسات ، رغم علمي أن كلّ فرد هو مؤسسة لنفسه ، فما أقترحه هنا لا يتعدّى أن يكون مبادرة فردية تدعو لمبادرات فردية ، وسنكون محظوظين جدا لو أنّ جهة علمانية تبنّت الأمر ، ودعونا لا نشكّ في حصول ذلك حقا .
لكي نعمل بهذا الإتجاه نحتاج الى طاقة هائلة من الأمل ، شرط أن نبادر في أيّ ممارسة يمكن أن تخلق مناخا إجتماعيا يقلّم أظفار يقينياتنا المدبّبة .
لكي نعيش لا نحتاج الى يقين ، بقدر ما نحتاج الى حواس تمتلك من الشفافية ما يجعلها ( تستمتع ) بالتفاصيل اليومية الدقيقة ، هل يمكن إدخال مفهوم الاستمتاع بالحياة ضمن بنية ثقافتنا اليومية ؟
نحتاج الى القدرة على الاندهاش ، كيف نحافظ على هذه النبتة الطفولية – أن نندهش – وأن نعلن عن دهشتنا إزاء الاشياء الجميلة ؟
أذكر مرّة أن خالي الماركسي تحدّث مع أبي المتديّن عن بانوراما القادسية في سلمان باك ، كان يتحدّث بعين هيمنت عليها دهشة طفل ، قال أبي : " لا أحب أيّ شيء يخرج عن طريق نافذة دكتاتورية "، قال خالي يومها : " وما علاقتي بالدكتاتور ، أنا أتحدّث عن فنّ رفيع عليك أن تراه " .
الحياة جميلة ، وتحتاج الى نفوس جميلة كي تتفتّح أيضا وأيضا ، لا تحتاج الى تعقيد كثير ، لكنّها تحتاج في الوقت ذاته الى رغبة في أن تعاش .
السؤال الذي يهيمن الآن : هل نريد أن نعيش حقا ؟
الرغبة نافذة سريعة للتغيير ، وأعتقد أنّ الجرأة على الإفصاح بهذه الرغبة يجعل من عملية التغيير حدثا يوميا .
التغيير لن يكون بين ليلة وضحاها ، ولا يتمّ حتى بسقوط أشخاص وقيام آخرين ، التغيير يشبه تماما إضافة لبنة واحدة - كلّ يوم - لبناء هائل يتكامل .
إذن ، نحن أمام بطء في الحركة قد يكون ثقيلا ، وربما يكون مدعاة لليأس عند أفراد لا زالوا يفكّرون على الطريقة القديمة ( كن فيكون ) .
ما نريد الإنتباه له هنا ، هو أن نعي أنّنا نريد التغيير نحو الأفضل ، وأنّنا نتحرّك وفق هذا الوعي .
وحتى لا نقع في الفخّ القديم جدا ، أقصد فخ ّالإنشغال بالقبح عن الجمال ، وحتى لا نكرّر صيحة الجميل أبي العلاء المعرّي :
كم أردنا ذاك الزمان بمدح
فشغلنا بذمّ هذا الزمان
فلنمنح أنفسنا فرصة التحرّر من تكرارية فجّة تلطّخ وجه أيامنا بروث اليأس ، لنقترب من ذواتنا ، كيف يمكن أن ينتبه كلّ فرد لذاته ؟
إيمان الفرد بذاته خطوة نحو صيانتها ، وخطوة نحو الإنشغال بها عن غيرها ، ينبغي أن نعي أنّ الناس مغيّبة عن ذواتها ، وأنّ الانضواءات المنغلقة لم تحجّم تفكيرها فقط ، بل حجّمت حواسّها أيضا .
لدينا كمّ هائل من الناس قصيري الحواس ، وليسوا بإرادتهم كانوا كذلك ، هنالك ( تنويم جمعي ) تحت مسمّيات عديدة لكنها تجتمع كلّها في تذويب إنشغال الفرد بذاته ، وبالتالي خلقت عند الأفراد هذه القدرة على التنازل والتلوّن .
الإنتباه للذات أوّل خطوة تجاه الإعتراض ، والإعتراض باب الحياة الحقّة .
وعلينا أن نعي أنّ الإنتباه للذات هو انتباه لسلوكيات وممارسات لا تليق بوجودها في العالم ، أو بوجودها كلحظة فاعلة في تاريخ الإنسان على الأرض .
ينبغي الإنتباه الى عدم فائضية أيّ إنسان مهما كانت درجة وعيّه ، لكن ، ما يهمّنا هنا هو كيف يمكننا إنتشال ما نستطيع من الناس الذين توشك حيواتهم على الغرق في أوهام تفتقر الى عقلانيتها ؟
في تقرير حديث أثبت أن قرابة ( 800 ) مليون إنسان في الهند لا يمتلكون مرافقا صحيّة في بيوتهم ، والموضوع ذاته يتكرّر في أماكن كثيرة من أفريقيا ، ذكر لي صديق سوداني أن قريته في السودان كانت بلا مرافق ، وأن الناس تذهب الى العراء لقضاء حاجاتها .
لا زلت أذكر أزمة المجاري في ضواحي بغداد عندما تطفح على الشوارع أمام البيوت وفيها ، ولا أعتقد أنّ الأمر قد تغيّر حتى الآن .
ما أريد قوله ، أنّ الانتباه لبعض التفاصيل يمكن أن يقود الى تغييرات كبيرة ، وبالتأكيد ستكون النظافة جانبا مهما وأساسيا في انتباهاتنا ، وأعتقد أنّ النظافة شعار مرفوع دائما مع وقف التنفيذ .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. وول ستريت جورنال: إسرائيل تريد الدخول إلى رفح.. لكنّ الأمور
.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق الحالية بين حماس
.. صحيفة يديعوت أحرونوت: إصابة جندي من وحدة -اليمام- خلال عملية
.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه
.. نتنياهو يعلن الإقرار بالإجماع قررت بالإجماع على إغلاق قناة ا