الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة العربية الإسلامية (أطوار التحول من الغزو التوسعي إلى الانحطاط والتبعية والسقوط المدوي) 14

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 11 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الإسلام العابر للبحر المتوسط

لم تكن إسبانيا المسلمة فترة واحدة، بل كانت سلسلة من الفترات التاريخية المختلفة على النحو التالي:

• الإمارة التابعة (711-756).
• الإمارة المستقلة (756-929).
• الخلافة (929-1031).
• عصر المرابطين (1031-1130).
• الموحدين الرافضين (1130-1492).

الخطوط العريضة لحقيقة زمكان تلك الحقبة
• في عام 711 غزت القوات الإسلامية شبه الجزيرة الأيبيرية في سبع سنوات.
• حققت فيها الدولة العربية أعظم انجازاتها. وصلت قمتها مع الخلافة الأموية في قرطبة في القرن العاشر.
• تراجع الحكم الإسلامي بعد ذلك وانتهى عام 1492 عندما تم فتح غرناطة.
• كان معقل الحكم الإسلامي يتركز بجنوب إسبانيا.

من هنا تبدأ الحكاية
القصة التقليدية: في عام 711 م، ذهب زعيم مسيحي مضطهد، "جوليان"، إلى موسى بن نصير، حاكم شمال إفريقيا، طالبًا المساعدة ضد حاكم إسبانيا القوطي الغربي المستبد "رودريك".

استطاع المسلم/البربري طارق بن زياد؛ أن يعبر المضيق الذي يصل البحر المتوسط بالأطلسي، والذي سُميَّ باسمه لاحقا؛ وحقق الانتصار على القوط الغربيين وقتل ملكهم لذريق (رودريك) في معركة جواداليتي (وادي برباط أو لكة) في 19 يوليو 711.
بعد الانتصار الأول، غزا المسلمون معظم إسبانيا والبرتغال بصعوبة قليلة، وفي الواقع، مع القليل من المعارضة. بحلول عام 720 كانت إسبانيا إلى حد كبير تحت سيطرة المسلمين (المغاربة).

الأسباب
• كان أحد أسباب النجاح الإسلامي السريع هو شروط الاستسلام السخية التي قدموها للشعب، والتي تتناقض مع الظروف القاسية التي فرضها حكام القوط الغربيين السابقين.
• كانت هناك تبادلات وتحالفات بين الحكام المسلمين والمسيحيين مثل المحارب الإسباني الأسطوري "السيد"، الذي قاتل ضد المسلمين وإلى جانبهم.
الأندلس: اشتُق اسم الأندلس من مصطلح "أندولوسيا" الوندالي الذين استقروا في المنطقة، وحرفت إلى "الأندلس" واستخدمه العرب لاحقا.

بعد الفتح الأموي لإسبانيا، تم تقسيم الأندلس، في أقصى حد لها، إلى خمس وحدات إدارية، تقابل تقريبًا الأندلس الحديثة. البرتغال وجاليسيا؛ قشتالة وليون؛ نافارا وأراغون، وكاتالونيا؛ ومنطقة لانجدوك روسيون في أوكسيتاني.
كمجال سياسي، فقد شكلت على التوالي مقاطعات من الخلافة الأموية، التي بدأها الخليفة الوليد الأول (711-750)؛ إمارة قرطبة (750-929)؛ خلافة قرطبة (929-1031)؛ خلافة ممالك الطوائف في قرطبة(1009-1110)؛ إمبراطورية سنهاجا الأمازيغية أو المرابطون (1085-1145)؛ فترة الطوائف الثانية (1140-1203)؛ خلافة الموحدين الأمازيغية (1147-1238)؛ فترة الطوائف الثالثة (1232-1287)؛ وأخيرًا إمارة غرناطة النصرية (1238–1492).
أصبحت معظم شبه الجزيرة الأيبيرية جزءًا من الإمبراطورية الأموية المتوسعة، تحت اسم الأندلس. وتم تنظيمها كمحافظة تابعة لإفريقيا، لذلك؛ في العقود القليلة الأولى، تم تعيين ولاة الأندلس من قبل أمير القيروان، بدلاً من الخليفة في دمشق. تم تعيين العاصمة الإقليمية في قرطبة، وتم توزيع التدفق الأول للمستوطنين المسلمين على نطاق واسع.

في عهد خلافة قرطبة، كانت الأندلس واحدة من المراكز الثقافية والاقتصادية الرائدة في جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط وأوروبا والعالم الإسلامي. ومن إنجازاتها أن المسلمين قد حافظوا على العلوم الغربية اليونانية (تحديدا)، والتي انصهرت في الأندلس، كنتيجة لمد قنوات التبادل الثقافي والعلمي بين العالمين الإسلامي والمسيحي.

أدى الحكم في ظل ممالك الطوائف إلى زيادة التبادل الثقافي والتعاون بين المسلمين والمسيحيين. وكان المسيحيون واليهود خاضعين لضريبة "الجزية"، والتي وفرت بدورها استقلالية داخلية نسبية في ممارسة شعائرهم الدينية وقدمت نفس مستوى الحماية من قبل الحكام المسلمين. لم تكن الجزية مجرد ضريبة، بل كانت أيضًا تعبيرًا رمزيًا عن التبعية، في رأي الكثيرين من المؤرخين.
عاشت الأندلس صراعاتٍ مريرةٍ مع الممالك المسيحيَّة الشماليَّة أغلب تاريخها، وبعد أن تفككت دولة الخِلافة فيها وقامت دُويلات مُلوك الطوائف، فتشجَّعت الممالك المسيحيَّة على مُهاجمتها وغزو أراضيها، بِقيادة ألفونسو السادس ملك قشتالة، فانتفضت دولة المُرابطين بالمغرب الأقصى لِنُصرة الأندلس.
وتمكَّنت القوات البربر الداعمة من صد الهجمات الإفرنجيَّة والقضاء على استقلال جميع دُويلات الطوائف، فأصبحت الأندلس ولايةً من ولايات دولة المُرابطين، ووريثتها دولة المُوحدين من بعدها. تمكَّنت الممالك المسيحيَّة الإفرنجيَّة في نهاية المطاف من التفوّق على جيرانها المُسلمين، فتمكَّن ألفونسو السادس من السيطرة على طُليطلة سنة 1085م، وسُرعان ما أخذت باقي المُدن الإسلاميَّة تتساقط بيد الإفرنج الواحدة تلو الأُخرى.
وفي سنة 1236م سقطت قُرطُبة، وأصبحت إمارة غرناطة خاضعة لِسُلطان مملكة قشتالة وتدفعُ لها الجزية لقاء عدم التعرُّض لها. وفي سنة 1249 م تمكَّن ألفونسو الثالث ملك الپرتغال من انتزاع منطقة الغرب من المُسلمين، الأمر الذي جعل من غرناطة الحصن الوحيد والأخير للمُسلمين في الأندلس.
وفي يوم 2 ربيع الأوَّل 897هـ المُوافق فيه 2 كانون الثاني (يناير 1492م)، استسلم أمير غرناطة أبو عبد الله مُحمَّد الثاني عشر إلى الإفرنج وسلَّم المدينة إلى الملكين الكاثوليكيين: إيزابيلَّا القشتاليَّة وفرناندو الثاني الأراگوني، مُنهيًا بذلك العصر الإسلامي في أيبيريا.
وقد نزح المُسلمون واليهود من الأندلس بِأعدادٍ كبيرة، وتبعثروا في المغرب العربي ومصر والشَّام والآستانة عاصمة الدولة العُثمانيَّة، وكان العُثمانيون قد خططوا للهُجوم على الأندلس واستردادها، لكنَّ الخطة لم تُطبَّق لانشغال الأُسطول العُثماني بفتح قبرص ولِعدم التوصل إلى اتفاق مع الدولة السعديَّة المغربيَّة.
ترك الانتعاش الإسلامي/الأندلسيَ المتلاقح علامةً بارزةً في الثقافات الإسلامية والإسبانية والبرتغالية الثلاث، من حيثُ المطبخ، والعمارة، وتخطيط الحدائق، والملبس، خُصوصًا في الأجزاء الجنوبيَّة من تلك البلاد، كما استعارت اللُغتين الإسبانية والبرتغالية الكثير من التعابير والمُصطلحات العربيَّة والأمازيغيَّة وأصبحت تُشكِّلُ جُزءًا لا يتجزَّأ من قاموسها.
غالبًا ما جاء المسلمون وغير المسلمين من الخارج للدراسة في المكتبات والجامعات الشهيرة في الأندلس، خاصةً بعد استعادة توليدو عام 1085 وإنشاء مؤسسات الترجمة مثل مدرسة توليدو للمترجمين. كان من أشهر هؤلاء مايكل سكوت (حوالي 1175 إلى 1235)، الذي نقل أعمال ابن رشد وابن سينا إلى إيطاليا. لا يزال هذا النقل للأفكار واحدًا من أعظم عمليات النقل في التاريخ.

وترجع هذه النهضة، جزئيًا؛ إلى قيام العلماء المسلمين بترجمة الأعمال اليونانية والفارسية القديمة خلال ذلك الوقت. غالبًا ما عمل العلماء في العديد من الموضوعات المختلفة والمتداخلة، لذلك من الصعب وضع تلك التي تمت مناقشتها هنا في مجال علمي واحد لكل منها.
كما في الطب حين اعتمدوا على مبادئ الطب اليوناني/الجالينوسي، مثل الفكاهة ونظرية الأخلاط أو المزاجات الأربعة، كأساسٍ، مخلوط بتكييف مع طبهم النبوي القائم على العلاجات البدائية بعسل النحل وحبة البركة وكي الجروح وتجبير العظام والرقية الشرعية... الخ، لعلومهم الطبية، كما ورد في كتاب "طب العرب" لابن حبيب، وكتاب "التصريف لمن عجز عن التأليف" للزهراوي؛ كأعظم طبيب في تاريخ الإسلام الغربي وفي طب العرب بأكمله.
وكذلك في الفلك، حين اعتمدوا على نموذج أرسطو وروجوا لنظرية المجالات المتجانسة. كما في الهندسة المعمارية، فالأسود الاثني عشر في قصر الحمراء ما هي إلا إفرازات التأثيرات المسيحية على العمارة الإسلامية.

كما كانت لخلافة قرطبة أيضًا تجارة واسعة مع أجزاء أخرى من البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الأجزاء المسيحية. تضمنت السلع التجارية السلع الكمالية (الحرير والسيراميك والذهب) والمواد الغذائية الأساسية (الحبوب وزيت الزيتون والنبيذ) والحاويات (مثل السيراميك لتخزين المواد سريعة التلف).
وكانت مصر الفاطمية أيضًا موردًا للسلع الكمالية، بما في ذلك أنياب الفيلة، والبلورات الخام أو المنحوتة. كان يُعتقد تقليديًا أن الفاطميين هم المورد الوحيد لمثل هذه السلع، حيث كانت لهم أيضًا روابط قيمة مع غانا. وكانت السيطرة على طرق التجارة هذه سببًا للصراع بين الأمويين والفاطميين.

وللحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا