الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في فلسفة المعري: رأيان مختلفان1 /2

داود السلمان

2020 / 11 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليست بالقليلة تلك الدراسات والبحوث التي خاضت في مسيرة ابو المعري، وتناولت جوانب الكثيرة من حياته وفلسفته، وسلطت الضوء على قضايا دقيقة مما تطرق لها "رهين المحبسين" في اشعاره وفي منثوره. وشرح اصحاب تلك الدراسات والبحوث غوامض تلك الآراء، وحاولوا ومعرفة ما اراد قوله ذلك الاديب الفيلسوف، والمفكر الفذ، والمثقف الكبير، الذي كان وحيد عصره فيما الم من علوم وادب ومعرفة، وحتى في القضايا السياسية والدينية، حتى إنه كان ينتقد الاديان ويسخط على رجال الدين من الذين راحوا يلوذون بالدين كحصن حصين، للحصول على اطماع وملذات ومكاسب ومناصب سياسية، مستغلين بذلك طيبة بعض الناس، وسذاجة آخرين منهم، لتحقيق مآربهم واهدافهم. فكان المعري ينتقدهم على رؤوس الاشهاد، من خلال اشعاره، حتى اتهموه باتهامات كثيرة: منها إنه متزندق، ومنها إنه وخارج عن الدين، وغير ذلك.
"وذكر الباخرزي في الدمية (ص٥٠) اضطرابه بين التدين والإلحاد، وساق الذهبي ذلك وزاد عليه أشياء أخرى كلها ديني. وذكر الصفدي تناقضه عندما تحدَّث عن المعاد واختلاف أقواله فيه. كما أن من عرض لتناقضه من المحدثين نظر إليه في الأفق الديني، ورجع في تعليله إلى اعتبار ديني لا غير، فلاحظ أنه كثيرًا ما يثبت البعث وكثيرًا ما ينفيه، وكثيرًا ما يثبت الجبر، ولا يكره أن يثبت الاختيار، وكثيرًا ما يهزأ بالدين، ثم لا يكره أن يحثَّ عليه، ويعلل ذلك بأنه كان تناقضًا مقصودًا من غير شك قد ذهب به مذهب اللبس والتعمية قصدًا إلى التقية، وهي مذهب معروف".
يقول طه حسين:
"إذا سمع النَّاس أبا العلاء، لم يفهموا منه إلا رجلًا ملحدًا، فإذا سألتهم عن علة إلحاده، وعما أخرجه من الدين وحشره في الملحدين، رووا لك أبياتًا في اللزوميات، تنطق بإنكار الشرائع، والغَضِّ من الأنبياء. وهذا القدر هو كل ما عرف النَّاس من فلسفة أبي العلاء، ولسنا نرتاب في أن تعصب الفقهاء ورجال الدين على أبي العلاء، هو الذي نشر هذه الأبيات في الناس، وجمع حول صاحبها تلك الشُّبَه الكثيرة، التي جعلته في رأي الأجيال المختلفة من أهل الجحيم، غير أنَّ ما يتصل بالدين من شعر أبي العلاء، ليس شيئًا بالقياس إلى الفلسفة العلائية، التي تناولت أطراف العلم الإنساني، وبحثت عن المظاهر العلمية للإنسان في حياته الخاصة والعامة. ولو أنَّ فلسفة أبي العلاء عُرِفت للناس كما هي ودُرِّست في مدارسهم درسًا مفصلًا، لكان للرجل في آرائهم حالٌ غير هذه الحال".
ولعل من اهم من تناول شخصية المعري وقضايا الفكرية، هم الدكتور طه حسين في "مع ابي العلاء في سجنه" و "صوت ابي العلاء"، و"تجديد ذكرى أبي العلاء" والدكتور هادي العلوي كذلك في "ابو العلاء المعري-المنتخب من اللزوميات في نقد الدين والدولة"، و كتاب "رأي في ابي العلاء" لأمين الخولي، والذي صدر عام 1945، وهو الكتاب الذي نتحدث عنه في هذا المقال.
والمؤلف تناول جملة من الموضوعات، التي كان للمعري فيها رأي صريح، منه:
تحريم الحيوان، كراهته الحياة، الأسرة والمرأة، الوحدة، كراهته الحياة، المرأة، العزلة، تقابل آراءه، تفلسفه، إخلال أبي العلاء بمنهج الفلسفة، لماذا تناقض أبو العلاء؟ وغير ذلك.
وتناول المؤلف هذا الموضوعات من وجهة نظره هو، فنحن لا نقر له بها، لأنها آراء تنم عن اهواء وامزجة ضيقة الافق.
*هل المعري فعلا متناقض في آرائه؟
بعض الدارسين للمعري ولنهجه، طرحوا هذا التساؤل، ومن ثم اجابوا عليه بإيجاب ضمن قناعاتهم الشخصية.
وهنا يعتقد الخوري بأنه "ليس لأبي العلاء فيما عرضنا له من الموضوعات رأيٌ ثابت مع أنها أولى ما يثبت له فيه رأي. وليس لأبي العلاء - فيما يثبت الاستقراء المطمئن - رأيٌ ثابت، لا فرق في ذلك بين دين ودنيا، وفنٍّ وحكمة وأدب وعلم، وكل الفرق أنه في الشيء الواحد قد يتعادل إثباته ونفيه في كثرة ما يرد منهما، وقد يكون الإيجاب كثيرًا والنفي قليلًا أو العكس، وليس لهذه القلة في جانب، والكثرة في آخر قيمة في تقدير آراء أديب متفنن؛ لأنه فيما رأينا يُطلق القول مثبتًا، ثم يطلقه نافيًا، فيهدم نفيُه المطلق إثباتَه المطلق، سواء أنفى خمسين مرة وأثبت مرة، أم أثبت مائة مرة ونفى خمسين، فنحن لا نُحصي عدد النافين والمثبتين من أشخاص يقترعون، بل نرصد النفي والإثبات من شخص واحد يظن أنه فيلسوف انتهى به بحثه إلى شيء، وأجرى حياته على وفقه، وهو شأن الفيلسوف - على ما سنعرض له بعد - كما أنَّا لا نُحاسبه على أخطاء ارتكبها لنعاقبه، أو نعفوَ عنه، فتكون القلة أو الكثرة عاملًا في تقدير هذه الأخطاء".
ونحن نعتقد إن آراء المعري اختلطت على الخولي، وهذا الاختلاط هو اشتباه على المؤلف فراح يسميه تناقض، ونحن نرى عكس ذلك تمامًا، لسببين لا ثالث لهما.
اولا: إن للمعري رأي واحد ثابت لا يتزحزح عنه، في كل ما يرى في الدين وفي السياسة وفي المعتقد، وفي الحياة والمجتمع، والذي يراجع "الفصول والغايات" سيرى ذلك واضحًا مما لا لبس فيه.
ثانيا: الرأي الذي يصرّح به المعري للعامة، هو ليس الرأي نفسه الذي يقوله امام الخاصة، فهو بمعنى آخر إنه كان يخاف على حياته من الاضطهاد والتكفير وربما القتل بتهمة الزندقة، كما حصل للحلاج، حينما كفروه ومن ثم قتلوه وحرقوا جثته، في قصة معروفة.
كما نستطيع القول: إن آراء المعري في شبابه مختلفة عما تجاوز تلك الفترة حيث نضجت افكاره فاستقر على الرأي الاخير، وهذا ما مر به العديد من الفلاسفة والمفكرين، قديمًا وحديثًا.
*تفلسف المعري
المعري تفلسف قبل أن يكون شاعرًا، وصار شاعرًا قبل أن يتفلسف، حتى قيل فيه "إنه فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة" وهذه الصفة لم يحملها سوى المعري، أي إن المعري ابدع في الشعر وفي الفلسفة على حد سواء. والمعري ابيقوريا كما يصرح الخولي، ونحن نميل الى هذا الرأي.
وعميد الادب العربي يقر بأن المعري كان فيلسوفا بمعنى الكلمة، ويذكر هناك مصادر اشتق منها فلسفته.
"منها الفلسفة اليونانية التي قدَّمنا الإشارة إليها غير مرة في المقالة الأولى والثانية، وقد درسها أبو العلاء في أنطاكية واللاذقية، ثم أتقن درسها في بغداد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في العراق تؤكد أن الرعب آتٍ إ


.. ناشط أميركي يهودي يعلن إسلامه خلال مظاهرة داعمة لـ فلسطين في




.. 91-Al-baqarah


.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح




.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص