الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماكرون والإسلام السياسي: لا تلعنوا حامل الرسالة!

إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ

2020 / 11 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا المقال هو ترجمة (بتصرف) للكلمة الرئيسية التي الفتها الكاتبة باللغة الألمانية في مؤتمر مؤسسة شادر في دارمشتات (عبر الإنترنت) في 6 نوفمبر 2020

لم اعد قادرة على سماع الأخبار. ولا أقصد فقط أخبار الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
كان عام 2020 ولا يزال عامًا صعبًا.
سيطرت فيه الجائحة على حياتنا. وأطبقت على أنفاسنا بقيودها.
ورغم ذلك جمعت البشر معاً في كل ركن من أركان العالم في معركة مصيرية ضد فيروس قاتل. أتحدنا في هذه المعركة، في هذا التحدي المشترك، ورغم ذلك نجد أنفسنا منقسمين.
نشعر بالغضب، من الإغلاق، من تداعياته الاقتصادية، لنتبعثر في خنادق أيديولوجية.
مثل هذه الفترات التاريخية المصيرية تظل مقلقة، توفر مناخاً واتياً لنشر نظريات المؤامرة وزيادة في شعبية الجماعات اليمينية واليسارية المتطرفة على حد سواء.
في مثل هذه الأوقات، يمكن أن تصبح مجتمعاتنا فريسة للاستقطاب الأيديولوجي، يدفع بخطاب كراهية انقسامي، ويُخندَقنا في هويات منغلقة.
"نحن" ضد "هم".
الهجمات الإرهابية الإسلامية في باريس ونيس ودريسدن وفيينا تعطي بالضبط هذا الانطباع: الانطباع بأن أوروبا منخرطة في نوع ما من "صدام الحضارات": "الإسلام ضد الغرب. الغرب ضد الإسلام. المسلمون ضد أوروبا. أوروبا ضد المسلمين."
علينا أن نأخذ حذرنا من هذا التوصيف الثنائي المبسط والخطير في آن واحد.
فغالبًا ما يكون أولئك الذين يؤججون نيران مثل هذا الخطاب أقلية تهدف إلى انقسامنا لا وحدتنا. غالبًا ما تكون جماعات يمينية دينية متطرفة – من العاملين والعاملات في جماعات الإسلام السياسي الأصولي - أو جماعات يمينية متطرفة في أوروبا.
لنتأمل، على سبيل المثال، ردود الفعل تجاه خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي ألقاه في2 أكتوبر 2020 حول «الانفصالية الإسلاموية».
بدلاً من التركيز على جوهر حديثه وهو:
• مواجهة الإسلام السياسي - أيديولوجية دينية يمينية متطرفة- التي تسعى إلى الهيمنة على حياة الأقليات المسلمة.
• إنهاء سيطرتها على المجتمعات الإسلامية المغلقة من خلال تفكيك هياكلها، التي تعمل من خلالها (كالمساجد ومدارس القرآن والمدارس والجمعيات الخيرية والثقافية).
• إنهاء الممارسة الواسعة الانتشار المتمثلة في جلب الأئمة الأجانب للعمل في فرنسا، حيث غالبًا ما يبشرون بنسخة أصولية متطرفة من الدين.
• وقف تدفق التمويل الأجنبي للهياكل الإسلامية.
• ومعالجة الفصل الاجتماعي للمجتمعات المهملة والمحرومة من خلال إعادة وجود الدولة وخدماتها، وحقها في الحماية والعدالة.
بدلاً من التركيز على هذه القضايا، والتي تم توثيقها جميعًا جيدًا، تحول ماكرون بقدرة قادر إلى "شيطان"، يسعى إلى "وصم المسلمين" وإذلالهم.
نمط مماثل من "إعادة صياغة" القضية، بعد أن تم قطع رأس مدرس اللغة الفرنسية، صمويل باتي ، خارج مدرسته في إحدى ضواحي باريس في وقت سابق من هذا الشهر. قُطع رأسه لأنه عرض على تلاميذه بعض الرسوم الكاريكاتورية للرسول الكريم في درس عن حرية التعبير. بدلاً من التركيز على قطع رأس رئيس المعلم، والأيديولوجية التي قادت شابًا يبلغ من العمر 18 عامًا لارتكاب مثل هذه الجريمة البغيضة، أصبح التركيز هو "حدود حرية التعبير"، "الإجراءات الفرنسية الصارمة ضد المسلمين" ، و دعوة لمقاطعة المنتجات الفرنسية.
مثل هذا التكتيك، في إعادة صياغة الموضوع وطريقة طرحه، عادة ما يكون متعمداً.
هي استراتيجية تستخدمها المنظمات الإسلاموية الأصولية (التابعة للإسلام السياسي) والدول التي ترعى أشكالًا مختلفة من الإسلام السياسي: صرف الانتباه عن القضية الحقيقية – الإسلام السياسي-، وتحويل أي نقد للإسلام السياسي إلى نقدٍ للمسلمين والإسلام، وتبني خطاب الضحية مفاده أن الإسلام يتعرض للهجوم، والمسلمون يتعرضون للوصم، والعالم يراقب. خطاب صراع الحضارات.
أنا أكاديمية سويسرية يمنية، وديانتي الإسلام.
تخصصي البحثي يشمل ثلاث مجالات، أحدها هو الإسلام السياسي، فكره، سياقه، وتداعياته.
وعندما أخاطبكم/ن اليوم أتحدث كإنسان يرفض ثنائية خطاب "نحن - هم".
أعرف ما يعنيه أن تكون جزءا من "نحن".
أعرف ما يعنيه أن تكون جزءاً من "هم".
أتحدث إليكم كجسر – يمتد بين قطبي "نحن" ضد "هم"، جسر يسعى لتوحيدنا - كلنا - في إنسانيتنا.
لعل هذا هو سبب دعمي لإجراءات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
هو لم يفعل أكثر من أن دعا المشكلة باسمها. نطق بها، وفي الواقع يتطلب الأمر شجاعة للقيام بذلك.
قد نتساءل عن توقيت خطابه، الذي يأتي قبل فترة من الانتخابات.
لكننا نعرف أنه أجل إلقاء خطابه عدة مرات - لحساسيته.
نعرف أيضاً أنه أجرى حوارات طويلة ومتعددة في اجتماعات مع زعماء الجاليات المسلمة في فرنسا. بعض منهم، من يعرفون طبيعة المشكلة وتفشيها، حثه على اتخاذ هذه الإجراءات.
والنتيجة كانت هذا الخطاب الذي حدد جوهر وإطار المشكلة.
"المشكلة هي انفصالية إسلاموية (إسلام سياسي)"... "الذي يؤدي غالباً إلى تشكيل مجتمع مضاد".
فرنسا لديها مشكلة مجتمعات مغلقة في ضواحيها، ضواحي الطبقة العاملة التي تحيط بمدنها الرئيسية، والتي أصبحت بؤر خصبة لتجنيد وتفريخ الإسلام السياسي.
تتميز المجتمعات المغلقة بهياكل السلطة الأبوية ورقابة اجتماعية خانقة. من يجرؤ على عدم التقيد والالتزام بالقواعد المفروضة للنظام الاجتماعي يتم ترهيبه وتأديبه.
تخضع المرأة لرقابة شديدة في المجتمعات المغلقة. يتم مراقبة سلوكها، لبسها، طريقة تصرفها، وحياتها. إذا قررت امرأة شابة أن تتصرف بحرية واستقلالية – كبالغة راشدة قادره على التصرف في حياتها – سُيطلق عليها أسم عاهرة، وستتم معاقبتها بطرق مختلفة.

المجتمعات المغلقة تقوم على أسس دينية أو عرقية/أثنية. وهي تعيش في انفصال ثقافي، اجتماعي، وفي كثير من الأحيان، انفصال مكاني عن المجتمع الأكبر المحيط.
هي جيتوهات مغلقة.
جزء من هذه المشكلة تسببت فيه الدولة نفسها، وإهمالها لهذه الضواحي. تُرك الشباب للبطالة وخطاب كراهية الأجانب للفقر، وقواعد سلوك فحولية ذكورية فجة. ترك غياب الدولة فراغًا ملأته الهياكل جماعات الإسلام السياسي، التي دعمتها بسخاء الهياكل والحكومات الإسلامية العابرة للحدود.

تقوم هذه الهياكل بشكل منهجي بتلقين الأطفال والشباب أيديولوجية دينية تُقسم العالم إلى معسكرين، مؤمنين وكفار، يقفان في معركة مصيرية، يتمكن فيها "المسلمون المتفوقون"، "أساتذة العالم" في نهاية المطاف من السيطرة على العالم.
على سبيل المثال، في المناهج الدينية التي يستخدمها الإخوان المسلمون، يتم دفع الأطفال إلى كره شخصيات معينة في التاريخ الإسلامي ثم توجيه هذه الكراهية نحو فئة عامة من الكفار والمجتمع بشكل عام.
كما تقوم هذه المناهج بتدريس فصول مختارة من التاريخ الإسلامي تجعل من "قتل الآخرين" عملاً مشروعاً للدفاع عن الإسلام.
هذه الأيديولوجية وجدت طريقها إلى المدارس الفرنسية في الضواحي المغلقة.
تم توثيق ذلك بشكل جيد من خلال تقرير قدم إلى وزير التعليم الفرنسي في عام 2004 من قبل المفتش العام للتعليم المتقاعد الآن ، جان بيير أوبين. بناءً على مل ميداني الذي شمل 60 مدرسة ، وصف أوبين وضعاً، تم فيه تخصيص مراحيض منفصلة للمسلمين وأخرى للفرنسيين.
هناك غرف ملابس منفصلة في الصالات الرياضية، للمسلمين والفرنسيين. وأوضح مسؤول محلي سبب وجود هذه الغرف المنفصلة بالقول "لأن الشباب المختون لا ينبغي أن يجلس مع الشباب النجس!"
وثق التقرير كيف يتم إجبار الفتيات بين 14 و 15 عاما على الزواج.
كيف تتم مراقبتهم ومعاقبتهم بوحشية إذا خالفن القواعد الأخلاقية والاجتماعية والدينية المفروضة في المدارس وفي مجتمعاتهم.
كما تناولت استراتيجية سياسية للتغلغل الإسلاموي الأصولي - حيث يتم تشجيع الدعاة الإسلامويين على الالتحاق بوظائف محددة في المدارس كوسيلة للتبشير. معاداة السامية - التي هي جوهر الأيديولوجية الإسلام السياسي - منتشرة على نطاق واسع. في الواقع، يذكر التقرير أن كلمة "يهودي" نفسها وما يقابلها من كلمات أخرى، أصبحت شتيمة يستخدمها العديد من الأطفال والشباب.
المشكلة معروفة وموثقة جيدا. وتداعياتها يعاني منها من نسميهم "المسلمين". هم الذين تُركوا ليواجهوا وحدهم الهيمنة الدينية الخانقة لأقلية متطرفة صغيرة. هم من تُركوا ليشهدوا بلا حول ولا قوة ضياع أطفالهم وشبابهم، تختطفهم أيديولوجية دينية متطرفة. هن، النساء والفتيات، اللواتي يواجهن وحدهن واقعاً ينتهك كرامتهن وحقوقهن المتساوية دون رادع.
هؤلاء هم من يجب أن نوليهم اهتمامنا. هن من يجب أن نوليهن اهتمامنا.
وتداعيات هذا الواقع المنفصل يجب أن تهمنا جميعا. لأن هذه الهياكل وحراك الإسلام السياسي ليست مقتصرة فقط على فرنسا. هي موجودة أيضًا في دول أوروبية أخرى.
تهدف الإجراءات الفرنسية إلى مواجهة مشكلة خطيرة لم تُمس منذ فترة طويلة.
ولذا يتوجب علينا أن نعبر عن تضامننا مع فرنسا وماكرون.
فالرجل يصر على وحدة الهوية الفرنسية، يصر على مواطنة متساوية، تقوم على أساس المعايير العالمية للكرامة والمساواة في الحقوق. الرجل أخذ موقفاً شجاعا ضد أيديولوجية انفصالية.
ولذا، بدلاً من شيطنته، بدلا من لعنه بسبب الرسالة التي يحملها لنا، أقترح عليكم/ن الاستماع إلى رسالته. فهي تعنينا. تعنينا "نحن" جميعاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إلا الصين .. لا يغامرون بالمساس بطرف ثوبها
صلاح الدين محسن ( 2020 / 11 / 17 - 13:33 )
يوجد مثل شعبي يقول - اللي يعمل ظهره قنظرة عليه أن يتحمل الدهس - . ودُوّل الغرب قد تركت ظهورها , لتكون قناطراً للارهاب . ويبدو ان تلك الدول إعتادت تحمل - وربما تستعذب , أو أدمنت الدهس فوق أمان وأمن شعوبها
أما الصين .. فرغم الصرامة الشديدة التي تتعامل بها مع المقاطعة الصينية الاسلامية والبالغ تعدادها 40 مليوناً .. فلا ارهابي يجرؤ علي المساس بطرف ثوبها .. كلهم يعرفون ان الرد سيكون قاصماً
لذا فالصين مُهابة , ومرهوبة الجانب . يخشاها الدواعش الارهابيون


2 - عاش قلمك
سائس ابراهيم ( 2020 / 11 / 17 - 16:33 )
موقف ممتاز ومقال عقلاني، عاش قلمك يا سيدتي الجليلة. ه
ابراهيم


3 - هل الاسلام ينسجم مع قيم العصر الحديث ؟
منير كريم ( 2020 / 11 / 17 - 16:43 )
تحية للكاتبة المحترمة
الاسلام من الديانات القليلة التي لم تمر بمرحلة الاصلاح الديني الحقيقي وهذا ما سهل ظهور الاسلام السياسي البغيض وهذا ما شجعته ورعته السياسات الامبريالية للدول الكبرى كفرنسا مثلا
في ديار المسلمين فشلت كل التجارب التقدمية ولم تنشأ ابدا اية حركات ليبرالية وديمقراطية ذات شان والناس في هذه الديار منقادون وراء رجال الدين ويثقوا بهم اكثر من ثقتهم بالفيزياء والطب
دون ان نخطو نحو العقلانية والعلمانية والديمقراطية الحقة سنبقى هكذا قابلين للاستعباد او الانقراض
شكرا لك


4 - لا جدوى من اية حملة ضد التغول الاسلامي الا بحضرنة
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2020 / 11 / 17 - 17:57 )
المجتمعات الاسلاميه التي تبداء بتحديث الزراعة وبناء صناعة واسعه مستوعبه للملايين في الصناعات الاستهلاكية والوسطى المنتجه للمواد الصرورية في بناء وتطوير البنى التحتيه من طرق وجسور ومساكن ومستشفيات ودور سينما وملاهي ومسارح ومنشئات الماء والكهرباء علما ان الاموال موجودة بفوائض في هذه البلدان الاسلامية ولكنها تبذر لاستيراد الاسلحه ولاستيراد جميع المواد الاستهلاكيه حتى البصل والطماطم وتبذر عن طريق فساد الفئات الحاكمه الحائزين على دول الغرب لاسباب سياسية تافهة وقصيرة النظر-ان توجيه وتشجيع البلدان الاسلامية في طريق الثلاثي الضامن للخير وهو 1العملفي الصناعة والزراعة والبنى التحتيةالمادية والاجتماعية2العلم وتطويره وخصوصا في المئات من الجامعات الموجوده في البلدان الاسلامية التي تتغول فيها الخرافة واللطمية و3الثقافة الوطنية وتوسيعها وجعل الثقافة الانسانيسة المتطورة في الغرب نتهلا لها لسحب البساط من تحت ارجل اصحاب اللحى والعمائم والرؤس المحشوه بكل مايعادي التقدم الداخلي والمعادي للبشر المتقدمين المتنورين خارجيا-لاطريق الا بدخول حضارة البشرية التقدمية التي نشاءت في ال300سنة الاخيره الى بلاد المسل


5 - النتيجه الطبيعيه
على سالم ( 2020 / 11 / 17 - 20:54 )
من المؤكد ان الاسلام فى اوروبا مستقبلا سوف يصطدم باليمين المتطرف الصاعد ولاجدال فى هذا , اكاد ارى السيناريو المرعب حينئذا , لقد تساهل الساسه الاوربيون السذج كثيرا وكان هذا وبالا على شعوبهم المنتهكه , المفروض بأن كونهم القياده ان يسلكوا طريقا اخر عمليا وان لايسمحوا ابدا بتدليل قيادات الاسلام الاجرامى المتوحش وان يكونوا مسؤلين عن امن البلد والعباد , هم لم يفعلوا هذا للاسف , هم اختاروا التواطئ مع الاسلام البدوى الشرس , هم لم يفهموا ان الاسلام وحش كاسر ولاامان له وخائن وكائن مسعور متعطش للدماء , هم اكيد اخطأوا وشعوبهم الان تدفع الثمن

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24