الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع ابو البكرة وتاريخية الاستغلال والموت (٨)

وليد المسعودي

2020 / 11 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(المؤسسة الدينية واشكالية السلطة والمجتمع )

حزن الانكليز كثيراً على رحيل المرجع كاظم اليزدي لانه في تصورهم بامكانه ان يسهل امر المستقبل لديهم ، اكثر مما سوف يواجهوه مع المرزا محمد تقي الشيرازي ، ذلك الرجل البسيط الذي كان يسكن في سامراء ، ولما رحل اليزدي ، تطلب الامر عودته الى كربلاء ليمارس دوره الاعلى في قيادة المؤسسةالدينية

وهذا الرجل محمد تقي الشيرازي كان دائماً يميل الى حل القضايا العالقة وامور المجتمع بالسلم ولا يفضل العنف واراقة الدماء، وحتى مع تكرار زيارات وفود العشائر ومن يترأسهم من الثلاثي المهيج للمجتمع بالثورة على الانكليز ( السيد علوان الياسري واخوه السيد نور الياسري والحاج عبد الواحد سكر) لم يكن يريد اعطاء اي فتوى بضرورة الجهاد ومقاتلتهم ، وكان هنالك دائما المساند والداعم لمطالبهم والمقلق والمزعج اشد الإزعاج للانكليز ولده محمد رضا يحاول اقناع ابيه لمساندة العشائر وتأيدهم ولو من منطلق الدفاع عن المطالب ، وبالفعل استطاع الحصول على تأييده بفتوى الدفاع والمباركة على البدء بالاستعداد للعمل والتنظيم من اجل تتهيج المجتمع العراقي للمطالبة اكثر فاكثر باستقلاله وتنفيذ الوعود التي يرددها البريطانيون بانهم جائوا محررين لا فاتحين وكل همهم تسليم حكم العراق لملك منهم " عربي ومستقل " مطالب كان يريد المرزا الكبير الشيرازي محاولة تحقيقها بواسطة السلم، فظل يراسل تارة اميركا وتارة الشريف الحسين من اجل الموافقة على تنصيب احد انجاله ملكا على العراق ، وحتى بدء شرارة ثورة العشرين وعزلة عشائر الرميثة وهي تقاتل الانكليز لوحدها طيلة اسبوعين دون نصرة العشائر العراقية الاخرى ونجدتها ، ظلت تؤلمه كثرة الجنائز الوافدة الى كربلاء والنجف (٧)

حيث راسل الانكليز مرتين دون تحقيق الموافقة على ايقاف الحرب وتجنب اراقة المزيد من الدماء ، قائلين له ان البذرة بدأت منكم وقد حان اليوم حصادها (٨)

وهذا الاخير تم اعتقاله ونفيه فيما بعد ، وكانت احدى مطالب الثوار لايقاف الحرب هي اطلاق سراحه ، وهكذا شكلت المؤسسة الدينية والمؤسسة العشائرية طرفان رئيسيان في القتال ضد الانكليز وسوف يساندهما القوميون بشكل يبعد اي صراع او خلاف طائفي في هذه الحرب . وكانت النهاية هي قمع الثورة بالقوة رغم الخسائر المتحققة من الطرفين وخصوصا في معركة الرارنجية التي تعد المعركة الوحيدة التي بلغ فيها خسائر الانكليز اكثر من الثوار في حين شكلت بقية المعارك الاخرى خسائر كبيرة للثوار من شهداء وجرحى

وعكس ما جرى مع بدء الاحتلال البريطاني لم تشارك الطبقة الدينية بنفسها في القتال في ثورة العشرين كما شاركت حينذاك بمراجع وشخصيات دينية معروفة ، حيث تحملته اي القتال، العشائر باكملها وحيدة تقاتل باسلحة بسيطة ولولا وجود الثلاثي المهيج للعشائر كما ذكرنا مسبقا ، والفتوى التي استحصلوها بضرورة الدفاع والعمل على تحقيق المطالب بكافة الوسائل والطرق السلمية وغير السلمية، لما زادت وانتشرت الثورة المسلحة وخصوصا لدى عشائر الفرات الاوسط التي تحملت وحدها كثرة عدد الشهداء والجرحى (٩)

فضلا عن اسباب كثيرة قادت بشكل متراكم الى هيجان المجتمع العراقي الريفي والمديني ضد الانكليز . ولم تكن طبقة الملالية ( رجال الدين) تفقه شيئاً في امور القتال وخطط الحروب ، حتى ان الثوار انفسهم ، لم يقتنعوا بالخطة التي ارسلتها حاشية الشيرازي بعد هزيمة الثوار في معركة الحلة واعتبروها غير معقولة لان الذي يقاتل على ارض الواقع ليس كالذي منطرحا في فراشه ، ولكن رغم ذلك لم تتخلى المؤسسة الدينية وعلى رأسها المرزا محمد تقي الشيرازي ومن جاء بعده فتح الله الاصفهاني وابو الحسن الاصفهاني عن الدعم المادي والمعنوي للثوار انفسهم . (١٠)

طبختان

بعد انتهاء ثورة العشرين كان مركب تشكيل الدولة او الوزارة يقود البريطانين ضمن اتجاهين الاول قصير ومؤقت ويرضي بعض العوائل الدينية والاجتماعية التي كانت قريبة من حكم الاتراك مثل بيت نقيب الاشراف في بغداد عبد الرحمن الكيلاني والسيد طالب النقيب وغيرهم واتجاه بعيد ودائمي وهو يمثل ما كان ينزع له اعداء الاتراك من القوميين واعداء الانكليز من المجاهدين من رجال الدين وخصوصا لدى الطائفة الشيعية وهو المتمثل باتيان احد انجال الشريف الحسين كي يكون ملكا على العراق.

الطبخة الولى

لذلك اول ما تم عرضه في الاتجاه الاول بالنسبة لتشكيل الحكومة او اول وزارة عراقية حديثة الى شخص يمتلك البعد والاثر الديني من حيث التاريخ والنسب والحاضر الاجتماعي متمثلا بشخص عبد الرحمن الكيلاني ، الذي رفض الرئاسة في بادئ الامر خوفا على مكانته الدينية بين الناس فضلا عن كون عمره قد ناهز الثامنة والسبعين عاما وبالتالي يريد التفرغ للدراسة والتأمل ، هذا ما عبر عنه الكيلاني للمس بل ، ولكن مع السير برسي كوكس سوف يكون الامر مختلفا (١١)

وهو اقناعه بالمشاركة على رأس وزارة عراقية في ٢٥ تشرين الاول ، فكانت اول وزارة عراقية لم يستطع الانكليز الارتياح لقادتها وخصوصا انهم ذو طابع ولائي للاتراك ولدى البعض منهم ( السيد طالب النقيب) طموحات شخصية مستقلة من الصعب اخضاعها بسهولة ، وبالتالي تصبح حتمية التفكير بالاتجاه الثاني الدائمي اكثر واقعية وفاعلية بالنسبة للمحتل البريطاني .
ان الوزارة الاولى في تاريخ العراق الحديث لم تكن تجمع في طياتها المختلف العراقي من هويات واثنيات واديان وثقافات بل كانت في اكثرها من نسخة واحدة من العوائل الدينية والاجتماعية التي كانت قريبة من النظام العثماني وتنتمي جلها الى طائفة واحدة من السنة على وجه الخصوص ، وبالطبع الامر له علاقته الاجتماعية الدينية سواء في الزمن العثماني او الانكليزي حيث لا يحبذ الاول دخول ابناء الطائفة الشيعية المدارس وكذلك رجال الدين الشيعة انفسهم لا يؤيدون دخول ابنائهم الى المدارس الحديثة ، وبالتالي الوقوع بين كماشتين او سجنين بين السلطة والمجتمع ، استمر الحال مع الانكليز ايضا حيث اكثر الافندية من الطائفة الرسمية المدعومة عثمانيا وبالتالي يشكل دخول ابناء الطائفة الشيعية الى الوظائف الحكومية امر محرما لدى البعض منهم ، وهنا فتوى مهدي الخالصي حاضرة بقوة لكل من يتعاون ويعمل في ظل حكومة يقودها الانكليز (١٢)

الطبخة الثانية

وهي الاتجاه نحو ما عبر عنه رجال الدين المجتهدين الشيعة واكثر قادة ثورة العشرين من ضرورة قيادة العراق من قبل عائلة من الأشراف وبالتحديد تكون من عائلة الشريف حسين ومن ضمن احد انجاله ، لا ادري كيف اتفقت هذه الارادات في تصور معين يجعل الانكليز انفسهم على قناعة بهذا الاتجاه او هذا الاختيار خصوصا وان اكثر المنادين والداعين الى ان يكون العراق تحت قيادة الامير فيصل هم من رجال الدين المجتهدين ، وهذه المرة ليست موجهة من النجف او كربلاء بل من بغداد الكاظمية على وجه الخصوص ومن قبل الشيخ مهدي الخالصي الذي ارسل هو مع وفد من العشائر برقية الى الملك فيصل عن طريق نوري السعيد ، بعد شهر من انعقاد مؤتمر القاهرة الذي اعلن فيه اختيار فيصل ملكا على العراق.

وهكذا دخل فيصل العراق ومعيتة اكثر رجال الثورة الذين هربوا الى الحجاز اثناء تواجده بعد ثورة العشرين ، حيث اصدار العفو العام عن جميع الثوار والمشاركين بالثورة ضد الانكليز ، واول ما قام به وهو زيارة اكثر المناطق الدينية المقدسة سواء في النجف وكربلاء والكاظمية والاعظمية ومقابلته مع النقيب الكيلاني من اجل عقد الصلح بينهما وتقريب وجهات النظر من اجل قيادة المستقبل دونما مشاكل ومعوقات، توجتها عدة حفلات اقيمت له في بغداد من اجل كسب التأييد والتثبيت الاجتماعيين .

توالت البيعات ومن الاماكن الدينية المقدسة في بغداد فمن الكاظمية كانت هنالك بيعة الخالصي المجتهد الديني ، ومن الاعظمية كانت هنالك بيعة الاهالي ووفد كبير من العشائر العربية القاطنة هناك .

المصادر :

(٧) مع كثرة الجنائز الوافدة الى كربلاء لم يستطع الشيرازي تحمل كثرة عدد الموتى حيث كان يشعر بالحزن الشديد الى درجة عدم استطاعته الخروج من البيت وانهيار صحته وتوفي بعد ذلك . يراجع الوردي ، علي ، لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث / الجزء الخامس / ص ٢٩٩

(٨) وهنا يقصد ان بذرة القتال بدأت من بيت الشيرازي وخصوصا من ابنه الذي كان يجمع رجالات العشائر من اجل الثورة ضد الانكليز ، يراجع هنا ، الوردي ، علي / لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث / الجزء الخامس / ص ٢٣٣ ، ص ٢٣٤ .

(٩) يقدر عدد الشهداء والجرحى لابناء العشائر والمقاتلين معهم في ثورة العشرين نحو اكثر من ثمانية الاف بين شهيد وجريح

(١٠) هل هناك علاقة لذلك الامر بعد سقوط صدام اي ان السلطة تركزت في اكثر زعمائها وقادتها ورؤسائها ضمن حدودالنسبي الاكثري من الفرات الاوسط من رجال دين ورؤساء تبدأ باياد علاوي والجعفري والمالكي وعمار الحكيم ومقتدى الصدر اضافة الى دور المرجعية نفسها في اختيار اكثر رؤساء العراق بعد سقوط صدام ، وقد يكون للمنطقة وما تحمل من اهمية دينية جعلها تتوسط العراق وحكمه سواء في زمن الانكليز وما كان لها من دور في دعم ثورة العشرين او فيما بعد من اختيار الملك فيصل فضلا عن الادوار الكثيرة التالية التي سوف نأتي على ذكرها في الحلقات القادمة .

(١١) ان من اهم العوامل التي تبدو انها كانت السبب في تغيير رأي عبد الرحمن الكيلاني هو الضغط الذي مارسه برسي كوكس عليه وهو تذكيره بالاوتار الحساسة التي كانت تشكل ضغطا كبيرا عليه وعلى الانكليز انفسهم وهم هنا قادة الثورة ( ثورة العشرين ) بجميع طبقاتها الدينية والاجتماعية التي من الممكن أن تسحب البساط من فريق الكيلاني وهو بالفعل ما حدث وشكل هدية كبرى للبريطانيين حيث جعلوا رجال الدين هم من يختاروا القادة من احد انجال الشريف الحسين . يراجع هنا الوردي ، علي / لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث / الجزء السادس / ص ٢٢

(١٢)

استطاع برسي كوكس اقناع النقيب بمشاركة رجل شيعي في حكومته ولكنه لم يستطع اقناع الخالصي بالتنازل عن فتواه الخاصة بالعمل والتعاون مع الانكليز . المصدر ، نفسه ص ٤٣








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس