الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستشراق أهدافه وسياق ظهوره

حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)

2020 / 11 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كان الاستشراق في البداية وسيلة الغربيين لفهم وتطويع الثقافة الإسلامية. وبما أن التراث الإسلامي تمركز في الشرق الأوسط وكتب بلغته، عُرِف العمل على تعلم لغة الشرق أي اللغة العربية، والاطلاع على ثقافته بالاستشراق؛ أي معرفة تراث وفكر الشرق، بمعنى الفكر الإسلامي. كما عرف العلماء الذين تعلموا اللغة العربية، ودرسوا التراث الإسلامي بالمستشرقين. وبدأ ذلك منذ أواخر القرن 18م. وكان من بين أهداف الاستشراق خدمة الغرب لتسهيل سيطرته على الشرق، تنفيذا لمشروع التوسع والهيمنة الامبريالية على الدول الشرقية، والتمكن من إخضاعها عسكريا أولا، ثم ثقافيا وسياسيا في خطوة تالية.
ويبقى الاستشراق اتجاها فكريا اعتنى بدراسة حضارة الأمم الشرقية عموما، والحضارة الاسلامية العربية على وجه الخصوص. حيث كان الاستشراق في بداية الأمر مقتصرا على دراسة الاسلام واللغة العربية، ثم اتسعت دائرته باتساع أطماع الغرب، حتى شمل الشرق بأكمله بلغاته وتقاليده وآدابه.
إذن ما المقصود بالاستشراق؟ وما هو السياق التاريخي الذي ظهر فيه؟ وماهي دوافعه وأهدافه؟
يبقى الاستشراق بصفته مفهوما فقط، كلمة غير واضحة المعالم لدى كثير من المفكرين. وغالبا ما يرتبط الحديث عنه بمنطلقات المتحدث الفكرية ، حيث يعرف الاستشراق في اللغة أنه لفظة مصوغة على وزن استفعال، وهي مأخوذة من كلمة شرق. ثم أضيفت إليها ثلاث حروف وهي الألف والسين والتاء، ومعناها طلب الشرق. وجاء في المعجم الوسيط شرقت الشمس شرقا وشروقا أي طلعت .



أما في الاصطلاح فالاستشراق مصطلح حديث، أصبح متداولا منذ القرن الماضي وهو ترجمة لكلمة orientalisme. وتعني دراسة الغربيين للشرق. ومعناها ما فعله الغربيون من تعلم لغة الشرق وآدابه وثقافته. قاصدين إلى معرفة عقلية المسلمين وأفكارهم؛ واكتشاف أسباب قوتهم، والوقوف على مواطن ضعفهم. ويقرر عمر فروخ هذا المعنى بالقول إن الاستشراق هو اهتمام علماء الغرب بعلوم المسلمين، وتاريخهم ولغاتهم وآدابهم وعاداتهم ومعتقداتهم وأساطيرهم. أو كما يعرفه إدوارد سعيد بعلم الشرق في الغرب.
ومن الملاحظ أن اهتمام الغربيين بأحوال المسلمين(الشرق)، وذلك عبر دراساتهم الدقيقة للشرق، لم تكن من باب الصدفة، بل نتجت عن نوايا خفية، وتخطيط مسبق ودقيق لتحقيق مشروعهم الاستعماري، الذي يقصد منه السيطرة على الأراضي العربية، والإفريقية. وهكذا لم يسلم لا الشرق ولا إفريقيا من الإستكشاف والدراسة، تمهيدا للاحتلال ثم استغلال الخيرات. وفي هذا الإطار، وتحقيقا لهذا الهدف حضر المستكشفون والجواسيس للشرق، وللمغرب الإسلامي، ولكل إفريقيا. ومهدوا بتعرفهم على الإنسان والبلاد للاستعمار.
أما السياق الذي ظهر فيه الاستشراق² ففيه كثير من الغموض، بسبب غياب التوثيق التاريخي. فليس هناك تحديد واضح ودقيق لنشأة الاستشراق، بحيث يكاد الباحث في هذا المجال لا يستطيع تحديد تاريخ بعينه، يضع فيه المنطلقات الأولى التي اهتم فيها الاستشراق بعلوم الأمم الأخرى، وثقافتها وعقائدها وآدابها وعاداتها. وهكذا اختلفت الآراء حول بدايات الاستشراق الأولى. وتعددت فيها الآراء حتى وصلت إلى أحد عشر رأيا، ولكل رأي دليله الخاص في تحديد بداية نشاط الاستشراق في الشرق والغرب.


فهناك من يرى أن البدايات الأولى كانت مع ترجمة القرآن للغة اللاتنية في القرن الثاني عشر الميلادي. كذلك هناك من يرى أن البدايات الأولى للاستشراق كانت أقدم بقليل أي في القرن الحادي عشر، وكان الرهبان الفرنسيون هم أول من اهتم بتراث الشرق حينما قصدوا الأندلس، وتتلمذوا على يد أساتذة من المسلمين في "اشبيلية" و"قرطبة". فأصبحوا أكثر إلماما باللغة العربية وبالاسلام. كما يرجع البعض الآخر بداية الاستشراق إلى تاريخ مبكر. حيث يرى أن الاستشراق بدأ مع احتكاك المسلمين بالرومان في غزوة "مؤتة" وغزوة "تيوك".
لكن المرجح هو أن ظهور الاستشراق بصورته المعاصرة بدأ فقط في القرن التاسع عشر؛ مع رحلات المغامرين والمستكشفين الجغرافيين الأوائل للبلدان الأفريقية من أجل التجسس، ورسم خارطة طريق للاستعمار حتى يبدأ سيطرته على هذه البلدان. وكثيرا ما ربط بعض الدارسين العرب بداية الاستشراق باحتلال الجزائر سنة 1830م.
أما فيما يتعلق بعوامل ظهور الاستشراق فإنها متعددة، بتعدد أهدافه وأنشطته. فالاستشراق له أهداف عدة يأتي في مقدمتها الدافع الديني بتجلياته المتعددة، وتأتي الدوافع السياسية والاستعمارية والاقتصادية والتجارية في الدرجة الثانية. ومع هذه الأهداف المغرضة لا يمكن إغفال الأهداف والدوافع العلمية البحتة، حيث كان بعض المستشرقين يقصدون إلى نقل العلوم الإسلامية بأمانة إلى بلدانهم الأصلية. كما كان من أهداف المستشرقين إيصال فكر أوربا الرأسمالي والشيوعي إلى العالم الإسلامي. وكانوا يرغبون في تبني البعض لأطروحاتهم، وفعلا تحقق لهم ذلك، حيث تبدو آثار هذا الفكر جلية في التشكيلات الحزبية في الدول الإسلامية ومنها دولة المغرب، ففيه حزب الاتحاد الاشتراكي مثلا.


وهذا الهدف قد أعلنه المستشرقون قديما وحديثا، ولم يجدوا في ذلك حرجا ولا عيبا. ولكن الحرج والعيب من وجهة نظرنا أن يرتاب بعض الباحثين من المسلين في صدق الهدف ويشككوا فيه. ولهذا أقبل المستشرقون اليهود على الاستشراق لأسباب دينية وهي محاولة إضعاف الإسلام وتشويهه، والتشكيك في قيمه بإثبات فضل اليهودية على عليه، وادعاء أن اليهودية هي مصدر الإسلام الأول. ولابد من التوكيد على تعميم القول بالدافع الديني على كافة الأديان ليدخل فيه ولو بدرجة أقل الدافع الديني عند اليهود. وكان تركيز اليهود من المستشرقين على ترسيخ فكرة أن الدين الإسلامي قد أخذ من اليهودية.
إضافة إلى الدوافع الدينية هناك دوافع استعمارية. ومنها انطلقت الحملات الصليبية المتكررة على بيت المقدس للسيطرة عليه، وعلى غيره من البلدان والمناطق. وكان من الوسائل التي سلكها الغربيون لتحقيق أهدافهم، محاولة دراسة طلائع المستشرقين لما يتعلق بشؤون البلاد، وأحوال الناس فيها، وهذا الأمر الذي قام به المستشرقون هو من مهد السبيل للاستعمار لكي يحتل بلاد العرب بأيسر السبل وأقصرها معا. فلم يكد ينتهي القرن التاسع عشر حتى احتل الغرب معظم البلاد الإسلامية والعربية. فوضعت فرنسا يدها على معظم دول إفريقيا الإسلامية. كما سيطرت إنجلترا على مصر والسودان والعراق وفلسطين.... وبدأ الاستعمار يتعامل بأسلوب جديد مع شعوب هذه المناطق، إذ عمل على إضعاف روح المقاومة في نفوس المسلمين، ليجعل منهم شعوبا قابلة للاستعمار فكرا وثقافة وحضارة وعقيدة وهذا أخطر ما أصيب به العالم الإسلامي حيث تلونت أشكال معتقداته الدينية، وتعددت أساليبه في الحياة. ومما سهل عملية الاستعمار هذه، هي محاولة تشكيك الأمة في تراثها وحضارتها، وهكذا وقع الكل في الارتياب، وسهُل الاستعمار قديما وحديثا.
مما يضاف إلى الدوافع السابقة، هو الدافع العلمي. فهذا الأخير قد نجد عددا قليلا من المستشرقين طلبوا علوم الشرق، ووجدوا في التعرف على حضارته متعة وفائدة أشادوا بها

ودونوها في مؤلفاتهم. ولا بد من الاعتراف بأن عدد هؤلاء كان قليلا مقارنة بالصنف الآخر من المستشرقين المغرضين. وقد تميز فريق المنصفين من المستشرقين بالروح العلمية النزيهة، والدقة في إصدار الأحكام، والإنصاف فيها. وقاموا بترجمة أمهات الكتب من اللغات الشرقية إلى الإسبانية والعبرية والإنجليزية ... وتمثلت أهداف هذا الفريق من خلال تكوينه لمجموعات خاصة وبعثات علمية ومنها بعثة فرنسية وأخرى إنجليزية.
وقصارى القول في تعريف الاستشراق وتاريخ ظهوره وأهدافه، أن هذه الحركة خدمت الغرب، وقدمت له المعلومات عن العرب والمسلمين وغيرهم من شعوب الشرق، فتمكن الأوربيون من احتلال البلاد ، والتحكم في مقدرات العباد، واستغلال الخيرات. ففيما يتعلق بتعريفه بدا أنه متعلق بتعلم الغربيين للغة العربية أي لغة الشرق، واستخدامها لدراسة تراث العرب والإسلام. وأما بداية الاستشراق الحديث فكانت مع إطلالة القرن التاسع عشر الميلادي على أرجح تقدير. أما أسبابه ودوافعه، فكانت بعضها لفهم الشرق والسيطرة عليه، وبعضها الآخر وهو قليل للاطلاع على التراث الإسلامي والشرقي ونقله لأوبا بكل موضوعية وحياد. والحقيقة أن حركة الاستشراق استفادت من التراث الإسلامي والمشرقي، كما أنه لا بد من الاعتراف أنها أفادت هذا التراث كذلك.
لائحة المراجع.
ـ علي بن ابراهيم النملة، كنه الاستشراق المفهوم الاهداف الارتباط، بيروت ـ لبنان، بيسات للنشر والتوزيع،ط.3، 2011م.
ـ علي ابراهيم النملة، الاستشراق في الأدبيات العربية، الرياض، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 1993م.، طبعة الأولى.
ـ سيد صالح سعد الدين، الأساليب الحديثة في مواجهة الاسلام، بيروت، ط.1، 2006م
ـ ماضوي هالة، مفهوم الاستشراق في فكر ادوارد سعيد، الجزائر، جامعة محمد بوضياف كلية علوم الانسانية والاجتماعية ، 2015م. ـ 2016م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثف غاراته على مدينة رفح


.. مظاهرات في القدس وتل أبيب وحيفا عقب إعلان حركة حماس الموافقة




.. مراسل الجزيرة: شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على منازل لعدد


.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟




.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة