الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميثولوجية [ أنزار] الأمازيغية .

الطيب آيت حمودة

2020 / 11 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قصة [أنزار] التي هي من أساطير الأولين .

°°°الأمم ذات الأثالة والأصالة هي التي تملك رصيدا من الإشارات الدالة على قدمها في هذه الأرض ، والأمة الأمازيغية لها من الأساطير الميثولوجية ما يشير إلى ذلك كأسطورة الإله أمون وقصة الأطلنطيد ، و [تاكمارت نيسمضال] ، أي بغلة القبور ، و[Gورزيل إله الحرب ، وأسطورة أطلس ، و المازونيات ، و أسطورة أغريبة التي أداها الفنان ايدير باقتدار ، وقصة حمو أونامير ، و أسطورة [ أنزار ] وغيرها كثير .....

°°°ومع تأخر سقوط المطر هذه السنة وجفاف الأودية وتناقص مياه السدود إلى الحد المخبف ، تذكرت طفولتي التي عايشتُ فيها طقوس الإستسقاء ، التي نسميها عندنا ( ثسليث) ويسميها آخرون في مناطق أخرى [بوغنجا] أو[ تلغنجا] أو [ أنزار ] وهو ميث قديم متوارث ينشط أيام الجفاف والقحط تضرعا لقوى عليا ايمانا بقدرتها على استمطار يعود بالنفع على البلاد والعباد والحيوان، وقد عايشت نفس الظاهرة في بدايات الإستقلال في أحياء برج بوعريريج الشعبية المستعربة وهو ما يعني أن استحضار ميتولوجيا [ أنزار ] مرتبط بكل الفضاء الشمال إفريقي الأمازيغي من جبال انفوسن بليبيا إلى شواطيء الأطلسي مرورا بتونس والجزائر .

°°° أ كثر الذين اهتموا بطقوس الأمازيغ فيما قبل إسلامهم هم الفرنسيون ....، فغايتهم في ذلك فهم ُ البنيات الفكرية والعقدية وطقوسهم الحياتية ومعتقداتهم لتسهيل عملية كبح جماحهم ، فقد أفرد المستمزغ الفرنسي إميل لاووست Emile laoust في كتابه كلمات وأشياء بربرية Mots et choses berberes الشيء الكثير عن طقوس الممارسة لشعائر الإستمطار [ أنزار ] ، فقد طاف المتمزغ (لاووست lAOUST ببقاع شمال افريقيا وسجل لنا ملاحظاته حول الظاهرة التي تبدأ بشعور العامة بمظهر الجفاف المتواصل الذي يدفع الفلاحين وعائلاتهم الإستنجاد بالقوى الخفية التي يعتقدونها ، ولا شك وأن هذه القوة هي [ الله] الواحد القهار ، فقد أسلم [ أنزار] بدخول الأمازيغ الإسلام ، فإله المطر يأتي مقرونا باسم [ ربي ] في الأهازيج والأدعية التي يؤديها الأطفال والعجائز خلال تنقلهم بين الأحياء والدور لجمع الزيت ، والدقيق ، والسكر ، والقهوة، .... وكل ما يفيد في إعداد وجبة سخية توزع على العامة في المناطق المتشوفة العالية ، أو المقبرة، أو عند ضريح ولي صالح معترف ببركته ، وذاك ما يُرسخ فكرة مساهمة التصوف المغاربي الذي ترسخ بفعل تعاليم الحلاج ومحي الدين بن عربي في استمرار تلك الطقوس المهذبة عقديا ، خاصة في المناطق المرتبطة بالحاجة إلى الماء ( الفلاحة ) .
ففي (ايث باعمران) بجنوب المغرب تُعد دمية يسمونها ( تلغنجا ) مكسوة بما يشبه لباس العروس ، تحملها فتاة متبوعة بأخريات وهن ينشُدن بابتهاج باللسان الأمازيغي ( أتلغنجا نومن س ربي والّي ازكان أد غي اغيث ) ومعناها بالعربي [ يا تلغنجا نؤمن بالله القادر على إغاثتنا ] فتُرشُّ الدمية والموكب بالماء الطهور من أعلى الدور تيمنا ببركة الإله ، وهي الظاهرة التي تتكرر في كثير من المناطق منها منطقة زواوة ، التي تُصنع فيها دمية بإلباس أغنجا بلباس العروس وتزينه بالكحل ترفعه إمرأة مُسنة ويسير وراءها جمع من الأطفال ذكورا وإناثا وهم يرددون ابتهالات وأدعية استعطافا لله في إرواء زراعتهم فقد تسمع جهارا [ أنزار أنزار أربي ا سويت أرازار، أنزار أنزار أريي أرزد أغورار] ومعناه[ يا إلهي أسقيها حتى العروق ، يا إلهي أقضي على الجفاف ] ، ويُسمي القبائلُ تلك الدمية ( تسليث) أو ( أنزار ) أو ( تلغنجا ) تتعدد التسميات والشيء واحد ، وفي منطقة الريف وأحوازها يُلبسون المسحاة على شكل عروس وتُحمل إلى حيث نبع الماء لتُسقى والجميع يردد ابتهالا [ أربي أرحماغ اس وامان وانزار] بمعنى [ ياربي ارحمنا بغيثك ] أما في البلاد التونسية وبلاد ميزاب الإباضيين فقد يستبدلون المغرفة (تلغنجا) بعمود من القصب أو ما يفيد في عرض الدمية التي تبقى محتفظة بتسميتها المطابقة للمناطق الأخرى .

°°°ميثولوجيا [ أنزار ] .
كثيرٌ من الباحثين لم يستقر رأيه على اعتبار الظاهرة ميث حقيقي لأنهم لم يعثروا على تفسير مؤسس لها ، غير أن أبحاث ( جونوفوا GENEVOIS ) في ايث زكي ببلاد القبائل كشفت عن رواية ميثولوجية قديمة مهمة ، عبارة عن وجود شخص إسمه [ أنزار] وهو ملك المطر ، أراد الزواج من فتاة بارعة الجمال كاملة الأوصاف اعتادت الإستحمام في نهر فضي براق ، فكلما حاول أنزار التقرب منها عند هبوطه إلا وهربت منه عائدة إلى السماء وبعد تجارب فاشلة معها خاطبها بقوله : [ها أنا أشق عنان السماء من أجلك يا نجمة النجوم ، فامنحيني من الكنز الذي وهبته ، وإلا حرمتك من الماء ؟
فردت عليه الفتاة : أتوسل إليك يا ملك المياه ، يا مرصع جبهته بالمرجان ، إني نذرت نفسي لك بيد أني أخشى الأقاويل .] بسماعه جملة الرفض الأخيرة ابتعد عنها رويدا فأدار خاتمه فنضب ماء النهر على الفور وجفت قطراته ، ففزعت الفتاة وانهمرت عيناها دمعًا ، فالماءُ هو روحها وحياتها، فخلعت ثوبها الحريري وبقيت عارية مخاطبة ملك المطر بقولها :

(أنزار ، يا أنزار ، يا زهر السهول ، أعد للنهر جريانه وتعالى خذ بثأرك ) وفي تلك الأثناء لمحت [ أنزار] وقد تحول إلى شرارة برق ضخمة فضم إليه الفتاة ، فعاد النهر إلى جريانه ، واكتست الأرض حلتها من صنوف النبات والأزهار فعادت الحياة لمجرها الطبيعي الأخاذ.
°°°يبد و أن أسطورة أنزار الوحيدة التي استمر استحضارها كلما حضر الجفاف ، وهي قد تكيفت وأسلمت بإدخال تعابير قيمية عقدية تحيل إلى وجود قوة خارقة أقوى من أنزار هي القوة الإلهية العليا التي نسميها نحن معشر المسلمين [ الرب] سبحانه وتعالى ، ويرى لاووست من خلال معايشته لتطبيقات الميث بأنها مصبوغة بطابع إسلامي وكأنه أسلم بإسلام الأمازيغ ، كما أن استحضار هذه الأساطير ليس من باب الإيمان بها وإنما من أجل العبرة و فهم بنيات التفكير وتفسير الظواهر الطبيعية التي تعتبر هاجس الإنسان الأول .

و أساطير إسلامية ....

فبين دفتي كتاب الله القرآن الكريم أكثر من 15 أسطورة سماها العلي القدير ب(أساطير الأولين ) كالأرض المحمولة على ظهر ثور ، والشمس التي تدور كل يوم يجرها الملائكة ، والجن الذين سكنوا الأرض قبل آدم ، وقصة إرم ذات العماد ، وهاروت وماروت اللذان لازالا في بابل يعلمان السحر ، والعنقاء ، وقصة الخضر ، وذو القرنين ، و قصة النبي سليمان الذي سرق الشيطان ملكه أربعين يوما ثم استرده وقصته مع بلقيس ملكة سبأ .... الخ [1] ، فقد أبدعت كتب التراث في تفسيراتها لهذه الأساطير وأعطتها أبعادا تصورية خيالية صعبٌ على أصحاب العقول قَبولها ، وإن ترسخت بقوة في ألباب العامة التي لم تدرك المغزى الرباني من ذكرها .
كثير من الأساطير العربية أبطلها الإسلام وعدها من الإسرائليات ، وبعضها رسّخها وأسلمها وأدخلها في معتقده كالطقوس المتعلقة بالحج والطواف بالكعبة ورجم الشيطان والسعي بين الصفا والمروة التي غدت من شعائر الله .
°°°فباحث التاريخ ليس همه تنقية الموروث لتصحيح المعتقد ، وإنما هو فهمُ كيفية تحول تلك الأساطير الخارقة إلى قصص مقدسة تلوكها الألسن وهي راسخة في ضمائر الملايين من غير الملمّين بفنون تمحيص الروايات وتنقيتها من الدس والتحريف .

..... مجمل القول :
°°°كل ما أمكن الوصول إليه في هذا العرض الموجز عن [أنزار] ، هو أن الأساطير ليست حكرا على أمة دون الأخرى ، فكل الأمم لها رصيدها من الميت الأسطوري قد يكون كثيرا أو قليلا ، رواسبها لا زالت مستبطنة تقبع في سلوكات أهلها ، من طقوس وعادات متوارثة أبا عن جد ،والميثولوجية الأمازيغية لم تشذ عن ذلك كله - وإن هي لم تدون كتابيا من أهلها إلا أن تداولها الشفاهي بقي مستمرا يقاوم الإندثار- ، و هي السبيل الأقوم لفهم نفسيات المغاربيين المأزومة على مر العصور والأعاصير .
----------------------------------------------
[1] لفهم الأسطورة في الإسلام يمكن الرجوع لكتاب : أساطير مقدسة ، أساطير الأولين في تراث المسلمين لصاحبه المصري وليد فكري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتيجة خسارة التحدي.. قمر الطائي تعاقب بطريقة قاسية ??????


.. بعد رحيل -رئيسي- .. إيران أمام أخطر 50 يوما في تاريخها




.. فتح تحقيق بأسباب تحطم طائرة رئيسي.. ووفد رفيع يصل مكان الحاد


.. شبكات | انتقادات لمخرج مصري بعد مباراة الزمالك ونهضة بركان




.. شبكات | احتفاء بأمانة طفل يمني