الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخطأ الرئيسُ ماكرون

نعيم إيليا

2020 / 11 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"بلدنا ليس لديه مشكلة مع أي ديانة في العالم، لأن كل الديانات تمارس بحرية في بلدنا، بالنسبة للفرنسيين المسلمين، كما للمواطنين في كل أنحاء العالم، الذين يدينون بالإسلام، وفرنسا بلد يمارس فيه الإسلام بكل حرية، وليس هناك من وصمٍ أو تفضيح، كل هذا خطأ، وكل ما يقال خطأ".
يقول الرئيس ماكرون هذا في بعض تصريحاته. فهل أصاب الرئيس فيما قاله أم أخطأ؟
الحق أن الخطأ فيما قاله، أرجحُ من الإصابة. وما يرجّح الخطأَ، هو الواقع. والواقع أصدق برهاناً من كل قول على الهواء وفيه. فلما كان كذلك وجب التعويل عليه في التمييز بين الخطأ والصواب، لا على الأقاويل والخطب المنفصمة عنه.
فماذا يقول الواقع في فرنسا؟
أيقول إن فرنسا العلمانية ليس لديها مشكلة مع الإسلام، كما يصرح بذلك الرئيس ماكرون؟
فإن كان الواقع يقول – مجازاً - بذلك، فلا بد للواقع من أن يدعم قوله بتعليل يشرح امتناع المسلمين الفرنسيين عن الاندماج في المجتمع الفرنسي.
أتراه ناشئاً من عقيدتهم، أم من شيء آخر؟ فإن كان ناشئاً من شيء آخر، فما هو هذا الشيء الآخر الذي نشأ منه الامتناع؟
أهو التطرف الديني؟
ولكن التطرف إذا نسب إلى الدين – والدين هنا هو الإسلام – فكيف السبيل حينئذ إلى فصل التطرف عن الدين (الإسلام)؟ فإن النسبة، كما هو معلوم، توافقٌ وارتباط وتماثل واتحاد بين شيئين لا يمكن الفصل بينهما حين تتحقق النسبة بينهما. هل يمكن الفصل – مثلاً - بين الوطنيّ (بياء النسبة) وبين الوطن؟
فأما إن كان امتناعهم عن الاندماج، ناشئاً من عقيدتهم، فكيف يستقيم قول الرئيس إن فرنسا ليس لها مشكلة مع الإسلام؟
كلا! إنها أزمة العلمانية في علاقتها واحتكاكها بالإسلام، قبل أن تكون أزمة الإسلام في علاقته بالعلمانية.
وأذكر خاطرة عنوانها (مأزق العلمانية) كتبت قبل تصريح الرئيس ماكرون الذي جاء عقب الأحداث الإرهابية الدامية الأخيرة في فرنسا، شبّ على هامشها نقاش بيني وبين كاتب فاضل، مثقف، حسن العبارة، آثر أن يناقشني باسمه المستعار.
قال: فالعلمانية التي تقر بحق الجميع مهما كانت عقائدهم عندما تتعارض مع حقيقة الأديان المطلقة - التي تمثل تديّن أغلب المتدينين عندنا - لا تكون هي في مأزق بل أصحاب القراءة الماضوية السلفية لأديانهم.
قلت: عقيدتي تأمرني أن أكره جاري، مثلاً، فكيف للعلمانية أن تعالج أمر كراهيتي لجاري من دون أن تدوس على مبدأ حق العقيدة هذا الذي صاغته هي بنفسها، إذا ما نهتني عن كره جاري؟ أليس كره جاري عقيدة يجب أن تحترمها؟
قال: أنت هنا نفيتَ العلمانية وألبستها ما لم تقله، لأنك افترضت أن العلمانية تقرّ بالمطلق وهي فكر نسبي: العلمانية لا تمنعك من البحث عن المطلق (حرية العقيدة) لكنها تمنعك من توهم امتلاكه (عقد إجتماعي/ ديمقراطية/ ليبرالية/ تسامح)، فهذا الذي يقول بقتل جاره فكره مطلق ويتبعه بالضرورة السعي وراء فرضه على الآخرين أي قتل هذا الجار وهو ما تمنعه العلمانية.
قلت: العلمانية في أوروبا لديها صعوبات جمة مع بعض الأديان...
أخبرني هل للعلمانية أن (تعلمن) مسلماً يؤمن بأنه لا يجوز لتلميذة مسلمة أن تشارك في دروس السباحة المختلطة، دون أن ترغمه على الكفر بإيمانه؟ وإرغامه على الكفر بإيمانه مخالف في نظر العلمانية ، كما تعلم، لحقه في أن يؤمن بعقيدته ويمارس تعاليمها في حياته.
قال: كلامك صحيح أن العلمانية تجبر المؤمن على التنازل عن كثير من معتقداته، لكن هذا الإجبار مبني على أدلة مستمدة من قيم العصر ومن أخلاقه المتطورة والنسبية. هذا الذي ينادي بمنع ابنته من دروس السباحة ستجده يرفض العبودية وتعدد الزوجات وتزويج الصغيرة وقتل المرتد وهي عقائد ثابتة في دينه، لكنها تطورت مع الزمن.
لنكن صرحاء، المشكلة ليست في العلمانية وليست حتى في الدين نفسه لكن في القراءة السلفية للدين؛ الدين نصوص ينظر لها المتدينون بطريقة مختلفة، أغلب المسيحيين الغربيين اليوم لا يهتمون للعهد القديم بل لا يعنيهم هل هو الله أو هو ابنه أو خاله، لكن للأسف لا يزال المسلمون يعتمدون النظرة الأصولية وهم في ذلك يتبعون ما يُفرض عليهم داخليا (الدول الإسلامية) وخارجيا (الغرب) فلا أحد من ملاك السلطة والقرار اليوم يريد علمنة الإسلام ولذلك تصعب مهمة التنويريين لأنها تصطدم بالقراءة السلفية بل والشيزوفرينية المنافقة للنصوص الإسلامية، ومنافقة لأن الذي مثلا يرغم المرأة على الحجاب ويمنع مساواتها بالرجل هو نفسه يرفض ضربها وأن يعدد عليها أو يمنعها من العمل.
قلت: قولك: „ العلمانية تجبر المؤمن على التنازل عن كثير من معتقداته" يؤيد رأيي في أن العلمانية الأوروبية في مأزق. إنها ممزقة بين أن تظل وفية للمبادئ التي أرستها، وبين أن تنقض هذه المبادئ في مواجهة الأديان التي تتهددها بالانهيار. الإجبار ديكتاتورية. فإذا العلمانية الأوروبية أجبرت، فقدت علمانيتها، وصارت ديكتاتورية مثل نظام كوريا الشمالية الإلحادي المتطرف.
قال: أراكَ تعيد نفس الفهم المنقوص للعلمانية التي هي منظومة فكرية شاملة تجد تحتها التنوير والعقلانية والديمقراطية والعقد الإجتماعي إلخ، العلمانية تخفض جناح الذل من الرحمة للمتدين الذي لا يزال يعيش بوهم خرافة أصّلها لاهوتيون بدائيون، وتعطيه الفرصة ليتمدّن دون أن تُسيء له كإنسان، نعم هي (تُجبره) لكن ليس تعسفا عليه لأنّ معتقداته بالية وتتنافى مع التعايش الصحي مع الآخر. في أوروبا الأزمة أزمة الإسلام السلفي وليست أزمة العلمانية، هذا الدين كغيره من الأديان يجب أن يلتزم بالقوانين.
قلت: كي يكون السلفي هو المأزوم في أوروبا لا العلمانية، يجب أن تكون العلمانية الأوروبية تضطهده، فالمأزوم هو الذي يعاني الشدة.
في كوريا الأديان مضطهدة من نظام الملاحدة المتطرفين، ولهذا يصح أن يقال إن الأديان هناك هي المأزومة.
قولك: "هذا الدين كغيره من الأديان يجب أن يلتزم بالقوانين" لا يعبر إلا عن رأيك الشخصي، وعن رغبتك أنت. قضيتنا هنا ليست مرتهنة بالرأي الشخصي، والرغبات الشخصية الخاصة. ثم أسألك:
ماذا لو لم يلتزم هذا الدين بالقوانين؟

وعند هذا السؤال، انقطع حبل النقاش بيننا. صمت صاحبي، لم يجب عن السؤال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلمانية
ابراهيم الثلجي ( 2020 / 11 / 21 - 17:26 )
مقالتكم فرصة ليفهم المعتقدون انهم علمانيون ما هية العلمانية
فالعلمانية ليست نقيضا للدين
بل هي التي لا تاخذ بالخراريف وكلام المقاهي دليلا او موضوع حواري جدي
كان الدين ولا زال عند المؤمنين منبعا لاستقاء المعلومة
ببساطة ان الله على كل شيء شهيد فما لا تتناوله يدك او يحيط به حواسك تاخذه من ربك علما صادقا بشهادة الله تعالى
ولما تتمكن من صناعة الة والية المعرفة يصبح تحصيل المعلومة تكليفا عليك وتحاسب ان قصرت
فتلك هي طريقة صناعة المسلك الذكي والذي هو غاية الله تعالى من الخلق
ان يخلق مخلوقات وخاصة الانسان ليبني منظومة سلوكه( اي مخلوق او مصنوع سمارت
نتاجا لممارسته العلمية المنطقية
ونتذكر هنا يوم ثارت اوروبا على رجل الدين المؤتمن ووضعت تشريعات بشرية علمية لان رجل الدين هناك كذب على الناس واعتدى على اموالهم واعراضهم باسم الدين
وليس خللا بالنص المقدس الصحيح الذي شهد الله بصحته
فاقتضت الحاجة للمعلومة الحق الصحيحة المثبتة خاصة لما ضاع او ضيع الكتاب
واقترحت نظريات التحري والاثبات لان لا احد صادق في الساحة
هذه هي العلمانية اي تداول المعلومة الصحيحة
المخبرية او المستنتجة رياضيا (اي الايمان والاعتقاد


2 - العلمانية ليست نقيضاً للدين ولكنها نقيض للإسلام
نعيم إيليا ( 2020 / 11 / 21 - 20:00 )
شكراً للسيد الثلجي على المساهمة !
تقول: فالعلمانية ليست نقيضاً للدين. وقولك هذا يفيد أن العلمانية ليست من وجهة نظرك نقيضاً للإسلام.
فإن كان الأمر كذلك، فأين هي الآيات القرآنية التي تؤيد قولك هذا وتشهد بصحته؟
اذكر لنا آية واحدة من فضلك!


3 - ما فيش حاجة تيجي كده
ابراهيم الثلجي ( 2020 / 11 / 21 - 20:30 )
شوف يا صاحبي بالحوار
الدين هو ما تدين به طواعية غير مكره عليه
ولا يكون ذلك الا بالدليل واقله الوجداني لتسلم رقبتك وذاتك لفكرة
وكلمة الاسلام صار معلوما للداني والقاصي سبب كراهة البعض لهذه الكلمة او الاسم السامي
فلا يختلف اثنان على ان القناعة التامة بالشيء تعني التسليم بصحتها
ان كانت بديهية هندسية او قانون فيزياء او معادلة كيمياء
فكلها تعني موافقة الذات على تلك الحقيقة اي التسليم بصحتها
وكما قلنا سابقا حسيا اي بالمعمل والمختبر
او وجدانيا ببرهان المنطق الرياضي
اما ان تخيل البعض وهم كثير ان الاسلام هو البغدادي او بن لادن او فلان الفلاني
فهو يتحدث عن قصة او خرافة او نكتة
وكله خارج موضوع البحث
فانا مسلم بان القاعدة مع الحامض تعطينا ملحا وماء
ومسلم بان سيارة تجري امامي لا بد لها من صانع وسيرها الحسن لا بد وانه يتبع برنامج ادارة
فلم لا نسلم ان للانسان الرائع خالق وقد عززه ببرنامج ادارة لا يمكن استعماله الا اذا سلمنا بصحته وصدقه
وكيف يكون ذلك
عايزة شوية جهد وتعب
وعلى راي شاعر الاغنية الحديثة ما فيش حاجة تيجي كده
ولما توصل منهج الاسلام يصحو احدهم من سكرته ويقولك لا لا ممكن تيجي كده


4 - حوار عقيم!
نعيم إيليا ( 2020 / 11 / 21 - 23:38 )
يرى السيد أحمد الخمار أن ((القضية واضحة وبسيطة ولا تحتاج إلى العلمانية ولا إلى الدين))
فإذا سألناه ما الذي يمنع المسلمين من الاندماج في المجتمعات الغربية، فبماذا يجيب؟
وإذا سألناه: ما هي القوانين الوضعية التي يجب على المهاجرين - في رأيه - أن ينصاعوا لها، إن لم تكن هذه القوانين الوضعية هي قوانين العلمانية؟
وإذا سألناه : ألن تدمر العلمانية الديمقراطية الوضعيةُ قوانينَها، إذا هي استخدمت لغة القمع والانصياع في مخاطبة المسلمين؟
فبماذا يجيب؟


5 - اشكالية العلاقة بين العلمانية والدين
منير كريم ( 2020 / 11 / 22 - 05:14 )
تحية للاستاذ ايليا
العلمانية دولة محايدة دينيا والدين شان شخصي , الا ان هناك تمايز-اختلاف- تعارض- تناقض بين العلمانية والدين لايمكن استبعاده وكذلك لايمكن الاستغناء عن العلمانية فهي سمة اساسية من سمات الحضارة الحديثة
بعض الاديان متوافقة مع العلمانية بدرجة كبيرة كالمسيحية وديانات الصين واليابان وكوريا بينما الاسلام يرفض العلمانية ولدرجة اقل ترفض الهندوسية
الان كل دول العالم علمانية باستثناء الدول الاسلامية والعلمانية في الهند في خطر متزايد
حتى داخل اوربا هناك تحديات للعلمانية ليس فقط من قبل المهاجرين بل حتى من الاصليين وتتمثل هذه التحديات بالموقف من الاجهاض والمثلية
انها صراعات ثقافية جديدة لم تتنبأ الماركسية وهي تخط الطريق نحو الشيوعية
الحياة اغنى من الايديولوجيا
شكرا جزيلا لك


6 - مقولة ماكرون
نعيم إيليا ( 2020 / 11 / 22 - 11:39 )
شكراً لك أستاذ منير كريم على الرأي السديد.
الرئيس ماكرون، على ما نقلت عنه وسائل الإعلام، أدلى بتصريح قال فيه: الإسلام في أزمة.
ولكن ما يحدث في الواقع الفرنسي، ينبئنا بأن العلمانية هي المتأزمة.
والواقع كما تعلم أصدق برهانا من التصريحات الهوائية.
مثال على أزمة العلمانية : العلمانية لا تقتل أبناءها ولو خالفوا عنها. الدواعش - والدواعش شئنا أم أبينا ينتمون إلى الإسلام - يقتلون العلمانية لأنها تخالف عن عقيدتهم. فأي هو المأزوم الذي يعاني الشدة؟
مثال آخر: استضفتك في بيتي، فإذا بك بعد أيام من إقامتك فيه تهددني بالطرد منه، تسعى إلى امتلاكه بالعنف أو بالمخاتلة أو بمضايقتي، فمن منا المأزوم؟
هذا هو السؤال. ولو أجبنا عنه من دون دبلوماسية، لبان لنا خطأ مقولة الرئيس.
ثم إن الإسلام هو هو، دين تعاليمه ثابتة مطلقة. فما معنى أن يقال إنه واقع في أزمة؟
طرحت سؤالاً على المحاور، وأسئلة على السيد الخمار رداً على كلمته المتعسفة. ولكنهما صمتا. لماذا صمتا؟


7 - بدون دبلوماسية
منير كريم ( 2020 / 11 / 22 - 15:37 )
تحية استاذ نعيم
يقصد ماكرون ان الاسلام لاينسجم مع قيم العصر الحديث وهو محق في ذلك
اما التخلي عن العلمانية فهو السقوط ثانية في البربرية والهمجية
هناك فيلم جديد او مشروع فيلم امريكي لا اعرف التفاصيل يتصور الحرب العالمية المقبلة ستكون بين المؤمنين والملحدين وهذا تبيان للصراع الفكري-الثقافي المقبل
شكرا


8 - كلاهما مر
نعيم إيليا ( 2020 / 11 / 22 - 18:24 )
أجل يا عزيزي، ماكرون يقصد أن الإسلام ، لا ينسجم مع قيم العصر بعكس ما يراه محاوري المتفائل .
فالنتيجة: إما التخلي عن العلمانية والسقوط في البربرية والهمجية في مواجهة الإسلام كما تفضلت ، وهو الحل الراديكالي الذي عرضه علينا الخمار بزهو وافتخار، وإما الانصياع - كذا بلفظ الخمار - لإرادة من لا ينسجم مع قيم العصر.
وكلاهما علقم في فم العلمانية.
فالمأزق كما ترى مأزق العلمانية، والأزمة أزمة العلمانية.


اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال