الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الحب فن؟

اشواق سلمان حسين
(Ashwaq Salman)

2020 / 11 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن كانت الموسيقى والأدب والشعر والرسم ، هي فنون تسافر بنا الى عالم الجمال وتسبر اغوار نفوسنا ، وتوثق الصلة مع كل ما من شأنه ان يرتقي بالمشاعر الانسانية نحو الجمال والحب ، فهل للحب نفسه ان يعكس الأمر فيُحال الى فن يتم التعامل به مع تلك الانفعالات التي تعتلج النفس ، وهل سيحتاج ذلك الفن الى موهبة ام الى معرفة وجهد؟
تلك الأسئلة يطرحها ويناقشها الفيلسوف وعالم النفس الألماني الأمريكي (اريك فروم) في كتابه (فن الحب).
يحاول (فروم) في كتابه ان يوصل القارئ الى قناعة بأن الحب يعتمد على محاولات الفرد الفاعلة لتطوير شخصيته الكلية ، وايضاً على مقدرته لتبادل مشاعر حب إنسانية مع مجتمعه ، فمن دون تلك المقدرة تكون كل تجارب الحب التي يخوضها محكومة بالفشل ، إذ كيف يصل المرء الى ذلك الإشباع للحب الفردي دون مقدرته على التعايش بحب مع جاره مثلاً ، او التعامل مع اصدقاءه وزملاء عمله؟
يسعى الكثيرون وراء الحب بطرق مختلفة ويتوقون لسماع قصصه ومشاهدة افلام تتحدث عنه وينصتون لأغاني توقظ فيهم شعلة المشاعر ، وهذا يدل على احتياجهم لذلك الشعور حتى وإن لم يدركوا ذلك الأحتياج او يعترفوا به امام انفسهم ، فلماذا نجدهم رغم كل ذلك لا يكلفون انفسهم عناء البحث في فهمه ومعرفته اولاً قبل خوض غمار تجاربه؟
ولو طرحنا سؤالاً يقول: "هل الحب هو إحساس يأتي بالصدفة ام انه نتيجة معرفة وبذل جهد؟"
فإننا نجد الإجابة لدى الكثيرين بأنه مسألة تعود للصدفة.
فكرة ( فروم ) عن الحب هو انه جواب للوجود الإنساني والتي تكمن في الإنفصال الذي يشعر به الإنسان ، فعندما وُلد الإنسان لم يكن منفصلاً بل كان متحداً مع أمه ومتصلا بها وبأحشائها وهناك حبل تواصل بينهما وهو الحبل السري حين كان في رحمها ، وحتى بعد ولادته فقد استمر اتصاله بأمه من خلال رعايتها له وارتباطه وتعلقه بها واعتماده الكلي عليها.
وكلما كبر الإنسان واصبح واعياً بأستقلاله وانفصاله عن امه ، ادرك حاجته الى ايجاد طرق اخرى للتخلص من هذا الأنفصال وشعوره بالطمأنينة التي كان يشعر بها.
لكن ماهي تلك الطرق التي من شانها ان تعوض ذلك الانفصال؟
تختلف تلك الطرق حسب طبيعة كل فرد ، فهناك من يهرب من هذا الأنفصال عن طريق اللجوء الى وسائل تغيبه عن التفكير بذلك الأنفصال كالخمر والمسكرات او الحفلات الجماعية ، لكنه هروب مؤقت يعود فيه الإنسان الى تلك الأنفصالية وربما بشكل اكبر، ايضا هناك من يحاول الإندماج مع الأشخاص من خلال العمل او الدراسة وصولاً للشعور بالأتحاد معهم ، لكنه ليس اتحاداً حقيقيا ، فهو اتحاد مع اشخاص ليسوا من اختياره وتعامله معهم هو تعامل يفرضه طابع العلاقة التي تجمعهم ، وكل تلك الحلول هي حلول جزئية لا تحقق ما يصبو اليه.

وماهو الحل برأي ( فروم )؟
حسب رأي ( فروم ) ان الحل الكامل هو في تحقيق الأتحاد والأندماج بين الأشخاص بطريقة واحدة وهي ( الحب ) ، فهذا الاندماج من خلال الحب يحقق مايتوق اليه الإنسان في العودة لطمانينته الاولى وقت تشبثه برحم أمه ، وبهروبه من الشعور بالانفصال تنشأ بيولوجية اكثر خصوصية تكمن في الإتحاد بين الرجل والمرأة.

ذلك الإتحاد له من الأهمية إن تحدثت عنه الكثير من الأساطير القديمة ومنها اليونانية إذ كان الرجل والمراة بحسب الأساطير شيئاً واحداً قبل ان تفصلهم الآلهة ، وحتى في المفاهيم الدينية التي تتحدث عن ان حواء خُلقت من ضلع آدم ، فكأن الرغبة في الإندماج بالحب هو توق للعودة الى صورة الإنسان الأول ، يعبر( فروم ) عن ذلك بقوله: " أن الإنسان وُلد اول مرة بذلك الإتحاد الذي حدث في الرحم ، ويولد مرة ثانية بأتحاد الحب".

إن احد تجليات الحب هي الجنس وهو احد صور الإتحاد ايضا ، ورؤية ( فروم ) هنا مختلفة تماماً عن رؤية (فرويد) ، إذ وكما هو معروف في اغلب تفسيرات ( فرويد ) في كوامن وسلوكيات الإنسان انه يعزوها الى الجنس ويستخدمه في تفسيراته بشكل مفرط في اغلب نظرياته ، بينما يرى( فروم) ان الجنس هو احد نتائج الحب حتى وان كانت تحمل حاجة بيولوجية شأنها شأن اي احتياج آخر مثل الجوع والعطش.
وبما ان ( فروم ) يرى ان الحب هو الحل لمشكلة الوجود الإنساني في الإنفصال ، فهو يوضح مفهوم الحب الذي يحقق هذا الحل ، إلا انه ينبه ان هناك صوراً سلبية للحب ، فهو يتحدث عن صورتين سلبيتين للحب هما على طرفي نقيض:
(الاولى) ، تتخذ صورة الخضوع والتي يعبر عنها فروم بالمازوخية إذ يهرب فيها المازوخي من انفصاليته بان يجعل نفسه جزءاً من شخص آخر.
(الثانية) ، وتتخذ صورة الهيمنة وهي على عكس الصورة الأولى إذ يهرب فيها المازوخي من انفصاليته بأن يجعل شخصاً آخر جزءاً منه.
وما بين تلك الصورتين يتجلى الحب الناضج الذي يحفظ للإنسان شخصيته وتفرده ، فمع شعوره بالحاجة لقهر انفصاليته والإتحاد مع غيره ، إلا انه في هذا الحب يسعى للمحافظة على ذلك التفرد بما يمكنه من التغلب على عزلته ويسمح له بأن يكون نفسه.

هذه هي نظرة ( اريك فروم ) وتحليلاته وآراءه في الحب ، ربما بقراءتها سنوجه اهتماماً آخر للحب لاتقتصر فيه رؤيتنا على نمط واحد من الحب او على سن معين .
إن من الغريب ان نجد هناك الكثير من الأشخاص وخاصة في بلادنا العربية ، يمنحون الحق لأنفسهم في الحب بينما يحرمونه على غيرهم ، انهم يتعجبون لرؤية احد من كبار السن يتغنى بالحب ، إذ ان الحب بنظرهم يقف عند سن الشباب وكأن كبار السن لا قلب لهم ولا مشاعر ولا يجوز لهم سوى ان يعيشوا منتظرين الموت ليسلموا له ارواحهم وهي خاوية ، ميتة حتى قبل ان تموت.
هم يحرمون الحب ويستنكرونه على النساء ويبيحونه للرجال ، يصرحون بقصص حبهم ويتباهون بها ، لكنهم يخجلون ويصابون بالعار ان اكتشفوا ان بناتهم او اخواتهم قد طرق الحب ابواب قلوبهن.

إن الحب للجميع ومن حق الجميع ان يعيشوه ، فإن كان الخبز غذاء الجسد الذي يمنحه القوة ، فإن الحب غذاء الروح الذي يمنحها الحياة.

وبما اننا تحدثنا بشكل موجز عن فن الحب من وجهة نظر( فروم) ، فلنتحدث عن الجوانب التي لم يتحدث عنها (فروم)، الا وهي تأثير الحب في الاشخاص وبالتحديد تاثير كلمات الحب فيهم ، فمن دون شك ان للحب تأثيرا بالغاً في النفس ، لكن ومع هذا هناك من لا يمنحون اهمية لكلمات الحب متحججين بأن ما يعطي الحب المصداقية هو الفعل لا القول ، وهذا كلام لا غبارعليه ولا اعتراض ، لكن لماذا لا يكون الفعل والقول معاً لما من شانه ان يرتفع بدرجات السعادة حتى ولو درجة واحدة؟
فإن كان الحب فناً افليس من شأن كلمات الحب العذبة ان تكون احدى وسائل ذلك الفن لاشعال جذوة الحب؟
لن نتحدث هنا عن ما يدور من كلام بين المحبين والمخطوبين فأن اكثر ما تتصف به احاديثهم هو الرومانسية وكلمات الحب المشتعلة ، لكن دعونا نسلط الضوء على المتزوجين الذين غاب عن احاديثهم طابع الحب واخذ مكانه الحديث الروتيني عن مستلزمات البيت والأولاد فأصبحت حياتهم مملة ، رتيبة ، يشكو فيها كلا الزوجين من نمط حياتهما ، فيأخذ الزوج بالبحث عن المغامرة والحب خارج البيت ، وتأخذ الزوجة بندب حظها بابتعاد زوجها عنها ، وتستمر حياتهما الزوجية فقط من اجل ديمومة الأسرة ، الغريب ان هناك الكثير من الأزواج يشعرون بالخجل من تبادل كلمات الحب ، بينما لا يشعرون بذلك حين يتبادلون الكلمات القاسية والجارحة وقت الشجار ، او نرى الكثيرين منهم ايضاً يشعرون بالخجل من تبادل كلمات الحب امام اولادهم لكن هذا الخجل لا يكون حاضرا عند صراخهم في وجوه بعضهم امام الأولاد.

إن اكثر ما تتسم به مجتمعاتنا العربية هو انعدام ثقافة الحب ، حتى اصبحت مجتمعات يغلب عليها طابع القسوة والحدة ، فمن النادر ان نجد مثلاً من يبتسم في وجه الآخرين صباحأ كما يحدث في المجتمعات المتحضرة ، ومن النادر ان نجد سياسة تقديم الورود بين الأفراد في الزيارات العائلية ، فهي لا تساوي شيئاً لدى الكثيرين مقارنةً بعلبة من الحلويات او كيس من الفاكهة.
لماذا لا ننمي ثقافة الحب بدءاً من الأطفال وندرسها لهم كمناهج اخلاقية في المدارس ، يتعلمون فيها كيف يحبون بعضهم ويتعايشون بحب بمختلف دياناتهم وتوجهاتهم ، بدلاً من تعليمهم العداء للديانات الاخرى؟
من المخزي ان هناك مدارس تقيم احتفاليات تعلم فيها الطلبة كيف يذبح الخروف كأضحية في عيد الاضحى ، فأي قسوة تلك التي سينشأ عليها الأطفال، وهل سيجد الحب الى قلوبهم بعد ذلك من سبيل؟

الحب شئ رائع دعونا نتعلم فنه وننشر ثقافته في حياتنا لنحيا بسلام فيما بيننا ، لنتعلم كيف نقدم وردة نُسر بها من اثقلت عليه الحياة بمصاعبها ، ولنزرع ابتسامة حب في وجوهنا فربما كانت ومضة امل تتسرب لقلوب يائسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مبروك ثانية
عبد الحسين سلمان ( 2020 / 11 / 26 - 18:37 )
هذا المقال هو الثاني للزميلة .
كان المفروض عليها ان تعرف القارئ من هو اريك فروم / Erich Fromm / حياته ونشاطه الفكري.
أنا لا اؤمن بالحب يشكل مطلق , فهو خدعة و خدعة كبرى.
اريك فروم يتحدث عن ( الحب) في مجتمع يسود فيه نمط إنتاج رأسمالي.
وفي مجتمع يكون فيه ( نمط الإنتاج لرأسمالي) فلا وجود للحب ولا وجود للزواج سوى الزواج الكاثليكولي الذي يدفع للفساد.
لكن الزميلة انعطفت نحونا ( نحن الطراف , البلدان المتخلفة )وهذه انعطافة مهمة نحن ( مجتمعات يغلب عليها طابع القسوة والحدة ، فمن النادر ان نجد مثلاً من يبتسم في وجه الآخرين صباحأ كما يحدث في المجتمعات المتحضرة ، )
نحن لم نعرف الحب ولم نعرف الابتسامة منذ 600 سنة


2 - الاستاذ المحترم عبد الحسين سلمان
اشواق سلمان حسين ( 2020 / 11 / 26 - 21:56 )
ملاحظاتك في محلها وجديرة بالأخذ بها ، اما بالنسبة للحب فليس من الضرورة ان يكون بين رجل وأمرأة حتى نؤمن به او لا فالحب قائم بكل انواعه الإنسانية ، نعم تحدث فروم عن الحب في المجتمعات الرأسمالية في جزء من الكتاب على اساس انه حب يقوم على المنفعة ان لم تعطني لن ،
اعطيك كما هو الحال في السوق وبالنسبة لمجتمعاتنا العربية فهي بحاجة ماسة لتلك الأبتسامة التي ضيعها منذ 600 سنة. اشكرك جدا لتعليقك المحترم وملاحظاتك القيمة، تحياتي.

اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟