الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرور المعرفى بين المؤمن والملحد

منسى موريس

2020 / 11 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن إختلاف الإيدلوجيات غالباً ما يسبب نوعاً ما من الخصومة الشخصية خاصةً إذا كان هناك غرور معرفى وغياب ثقافة إحترام الآخر فالذى لا يؤمن بالآخر يريد أن يكون الكل نسخة طبق الأصل منه ويتبنوا نفس أفكاره أما الذين يختلفون معه فهؤلاء هم الأغبياء الجهلة الذين لايفقهون شيئاً في هذه الحياة وسوف أتحدث هنا عن الغرور المعرفى بين المؤمن والملحد لأن قضية الإيمان والإلحاد والصراع بين العقائد مطروحة وبقوة الآن في ظل هذا التطور التكنولوجى وظهور السوشيال ميديا.
لعلك سمعت عزيزى القارىء هذه الأقوال يوماً ما " المؤمن كائن خرافى لايستخدم عقله وفكره غير علمى وبعيد كل البعد عن المنطق وإيمانه هذا كان سبباً رئيساً للتخلف والرجعية وإنهيار الحضارات والمجتمعات " هذه المقولات والمفردات لا أقول أنها تصدر من كل ملحد أو لاديني لأن التعميم هو مغالطة ولكنى أتحدث عن ظاهرة موجودة فالكثير من الملحدين يحتقرون المؤمن ويلصقون به كل أوصاف الجهل والتخلف والغباء والتعصب وكأنه كتلة متحركة من الغباء لاعقل فيها ولامنطق وكأن الإيمان نوع من أنواع الهذيان وضرب من ضروب الجنون وهذا يجعل من الإنسان المؤمن شخص غير طبيعي وغير سوى ومجرد فرد من ضمن القطيع يُساق بغير إرادة أو تعقل لأنه فقد القدرة على التمييز والإختيار الحر فهذه النظرة تحقر من قيمة الإنسان المؤمن وتجعله عدو لكل معرفة وعلم ، وعلى الطرف الآخر لعلك سمعت عزيزى القارىء أيضاً هذه العبارات " الملحد إنسان تخلى عن الإيمان والدين لأنه يريد إشباع غرائزه وشهواته ويريد أن يتخلص من كل القيود الأخلاقية لأنه يسعى إلى الإنحلال الأخلاقى فهو يريد فقط الزنى وشرب الخمر ويعيش لكى يمارس اللذات الحسية مثل الحيوانات " وهذا ليس موقف كل مؤمن لأن التعميم أيضاً خاطئ لكن هناك أيضاً شريحة من المؤمنين تفكر بهذه الطريقة وكأن الشخص الملحد أيضاً لاعقل له بل مجرد جسد .
ومن الواضح أن موقف الكثير من المؤمنين تجاه الملحدين يتفق تماماً مع موقف الكثير من الملحدين تجاه المؤمنين أيضاً فكلا الطرفين يجرد الآخر من العقل والرتبة الإنسانية وكلا الموقفين أيضاً مصدرهما الغرور المعرفى والإستعلاء الفكرى وواجب علينا نقد كلا الموقفين .
1- نقد موقف الملحد تجاه المؤمن : من حق الملحد أن يرى أن هناك إرتباط بين الإيمان والتخلف لكن ليس من حقه أن يشخصن الأفكار ويتهم كل المؤمنون بهذه التهمة فهناك فرق كبير بين نقد الفكر والشخصنة ولكونى مسيحيي لا أرى أي إرتباط جوهرى بين الإيمان والجهل والتخلف والخرافة وأعتقد أن هذا من حقى كما من حق الملحد أن يرى نظرته المادية للعالم ليست نظرة خرافية ولا علاقة بها بالجهل والتخلف هذا من جانب ومن جانب آخر يمكننا تفنيد هذا الإدعاء بسهولة فالكثير من الفلاسفة والعلماء كانوا مؤمنين مثل " أرسطو ، سقراط ،أفلاطون ، ديكارت ، فرانسيس بيكون ، دوستويفسكى ، فرانسيس كولينز ، توما الأكوينى ، أوغسطين ، الأم تريز، ... وغيرهم الكثير والكثير " فهؤلاء كانوا يؤمنون سواء بوجود الله أو بالمسيحية ولايمكن أن نحكم على كل هؤلاء ونقول أنهم مجموعة من الجهلة الخرافيين والمتخلفين والأغبياء وهم أسسوا لعلوم وفلسفات ومبادئ روحانية أفادت البشرية بأكملها ومن جانب آخر أيضاً تعاليم المسيحية تقوم على أساس واحد محبة الله والناس فهذه القيمة الأخلاقية العليا لاتبنى الإنسان فقط بل المجتمع وحضارة .
2- نقد موقف المؤمن تجاه الملحد : الإلحاد هو منظور وجودى للعالم والملحد لايختاره لكى يبرر إنحلاله الخلقى بل هو موقف واعى مبنى على أدلة عقلية يراها الملحد أنها صحيحة وكان من الممكن للشخص الملحد أن يصير رجل دين ويتاجر بالدين ويكسب من ورائه ويحقق كل شهواته مثل بعض رجال الدين والكثير من الملحدين فلاسفة وعلماء أمثال " برتراند راسل ، نيتشه ، دوكنز ، دانيل دانيت ، سارتر ، هايدجر، هيوم ، ... وغيرهم الكثير " وليس من الممكن أن نقول أن كل هؤلاء رجال بلا عقول أو يسعون للشهوات واللذات الحسية لكن الكثير منهم أيضاً أفاد البشرية في مجالات عديدة .
3 أخيراً : الغرور المعرفى يختلف تماماً وجذرياً عن المعرفة الحقيقية لأن المعرفة الحقيقة تُلزم الإنسان بإحترام الآخر وإحترام قرارته الوجودية والمصيرية لكن الغرور المعرفى يجعل صاحبه لايحتكر فقط العلم والمعرفة بل يحتكر مفهوم الإنسان ككل وكأن الذى لا يؤمن بنفس ما يؤمن به هو يسقط عنه طبيعته الإنسانية بأكملها ويتهمه بالغباء والجنون والتخلف والخرافة وعلينا جميعاً بمختلف توجهاتنا الفكرية إحترام بعضنا البعض لكى نؤصل لمفاهيم حضارية فمهما إختلفنا في نظرتنا إلى العالم فنحن مخلوقين على صورة الله ونحمل بداخلنا قيم إنسانية مشتركة لايمكن لإختلاف المنظور الوجودى أن يقلل من طبيعتنا الإنسانية فمن حق الإنسان أن ينتقد الفكر لكن ليس من حقه أن ينتقص من حامل هذا الفكر لأن هذه مغالطة منطقية وإنسانية أيضاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكراً سيد موريس
محمد جبار فهد ( 2020 / 11 / 25 - 02:33 )
شكراً للمقالة النافعة.. والحق يُقال بأنّ هذا الجدال عديم الجدوى والعقيم بين المؤمنين والملحدين لا زال قائماً.. وإحتراماً لعقيدتك اُهديك اقتباساً أراق لي في الكتاب المقدّس
.......................

اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ...

------------------
يوحنا..

وفي رأيي أن هذه الكلمة الإنسانية هي الحلّ الأنسب لكلا العقيدتين (الملحد لا يحبذ كلمة عقيدة أو ديانة لأنّه يعتبر الإلحاد موقف رفض فقط).. فهي تحمل بين ثناياها نصراً للفريقين.. فمن بمقدورهِ الإعتراف أنّه لا يحبّ؟؟


2 - شكراً سيد محمد جبار
منسى موريس ( 2020 / 11 / 28 - 16:40 )
شكراً أستاذ محمد على شعورك الرقيق واسلوبك الراقى وهذا مانريده هو أن نحترم بعضنا البعض مهما إختلفنا فى التصورات والأفكار فنحن فى النهاية أخوة

اخر الافلام

.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات


.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بيجين




.. -الجيش الروسي تبنى العملية-.. لحظة قصف قطار يحمل أسلحة غربية


.. حرب غزة تخلف 20 مليون طن من الركام وخسائرها 30 مليار دولار




.. تضم آلاف الكتب القديمة.. فلسطيني يناشد العالم لإخراج مكتبته