الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دفتر مذكراتي...

مديح الصادق

2020 / 11 / 25
المجتمع المدني


داهَمنا اليوم، الأحد 22/ 11/ 2020 قطن السماء الأبيض، أو (النِفَّاش) بلهجة جنوب العراق؛ فذكَّرني بأول يوم وطأت أقدامنا أرض كندا، حيث نحن الأقرب إلى رحمة السماء في القطب الشمالي، ذلك اليوم كان 19/ 11/ 2007، إذ فوجئتُ وقد فتحتُ عينّيَّ صباحاً بعد نوم عميق جراء رحلة مُرهقة، بعد أن استغرقتْ من العاصمة الليبية، طرابس، حوالي 24 ساعة مروراً بمطار زيورخ، إلى تورونتو بكندا؛ بأن العالم في الخارج قطعة بيضاء، والسماء تكاد تلتقي بالأرض بتلك الوشائج الفضية، فأيقظتُ عائلتي مُنادياً إيَّاهم: هلموا وشاهدوا أين نحن، صاحوا بصوت واحد: وأين نحنُ؟ أجبتُهم: نحن في عالم الأنوار الذي قال عنه جدي، وبه بشّرنا والدي، والشيخ الذي كان يرتدي أبيض اللباس ويرتمس بالماء عند التعميد، على ضفاف نهر المشرح، حيث ولدت..
لقد كان المقرر أن يكون سفرنا من مطار طرابلس يوم 24/10/2007 لكن الرياح لم تكن تجري كما اشتهت سَفنُنا، فبعد أن استلمنا تأشيرات الدخول لكندا، وتذاكر السفر من دائرة الهجرة العالمية، ووزعنا ما كان رفيقنا من أثاث لعشرة أعوام هناك، على الأصدقاء والزملاء، لم يبق سوى الحقائب والجوازات، إنها لسعادة لا توصف آنذاك، ولا يمكن لكلمات أن تتحملها أو عبارات، هربتْ مني وقتها فنون البلاغة التي درَّستُ، وغاضَ نبع النحو والصرف، وعلم الأسلوب، ما كان حاضراً وقتها سوى الفرح الغامر وأنت تودع العالم المجهول الذي أنت فيه منذ نفذتَ بجلدكَ من بلادكَ هارباً من جور السلطان، ووضع اقتصادي مُزرٍ كان راتب الموظف حينها لا يسدّ ثمن طبق البيض، وقد باع الناس ما ادَّخروا لما عنه قالوا وقت الضيق، وساد النصب والاحتيال والغش، خصوصاً في مهنة الذهب التي كان لي فيها ورشة لتصفية الذهب، ومحل آخر في سوق شعبي، وما عليك في مثل ذا الحال إلا البحث عن منفذ للعيش من جهة،
والخلاص من مساءلات أمن السلطة بين الفينة والأخرى عن مكان شقيقك السياسي المُعارض، وهم يعلمون أنه شهيد غدرهم، وهم اغتالوه، وعن أشقاء زوجتك الثلاثة، أبناء عمّك، وهم الذين بهم نفّذوا حكم الإعدام ولم تُعرف لهم قبور، أما في هذا البلد العربي الشقيق فأنت في حال من القلق الدائم نهاية كل عام جامعي بأن سوف يُنهى عَقدُك، خصوصاً إذا توفر بديلُك الوطني، وهم من طلابك أغلب الأحيان، الليبيون طيبون جداً، يخصّون العراقيين بحبّ واحترام، لكن لا مجاملة إن انتفتْ الحاجة لمن يستلم راتباً بالدولار الأمريكي.
فوجِئنا بأنَّ علينا أن نؤشر جوازاتنا (الخروج النهائي) وهذا لم يُنبِّهنا عليه موظف دائرة الهجرة من قبل؛ فكانت صدمة كبيرة سرقت فرحتنا، وقلبت حالنا إلى ما يشبه مأتم فقدان عزيز، فاستأجرتُ سيارة إلى جوازات (غريان) حيث جامعة الجبل الغربي هناك، لكن الصدمة الأكبر كانت مواجهة مع (العقيد) ضابط جوازات المنطقة، وهذا لي معه قصة طويلة، وقد كان ذلك يومه المُتاح للانتقام مني؛ فقد شكوتُه قبل عام إلى وزير الداخلية مباشرة، واستُجلب فورا من دائرته للتحقيق، إذ كان حاقداً على الأساتذة العراقيين بشكل غير طبيعي، ويُسمِعهم بذيء الكلام، ويمنع مراجعاتهم للجوازات إلا من خلال مندوب الجامعة الخاص، ومندوب الجامعة في ذلك اليوم الأغبر لم يكن في مكتبه بسبب حالة وفاة والده، مع العلم أن لا علاقة لي بالجامعة بعد أن انهيتُ عقدي قبل أشهر، واستلمتُ مُستحقاتي ومكافأة نهاية خدمة عشرة أعوام.
عُدتُ أدراجي يائساً مُنهكاً، وحال العيال لا يوصف، ولك أن تتخيل أنك عن الهدف الذي جاهدتَ من أجله، وأيقنتَ أنك عنه قاب قوسين لتقطف الثمار؛ وإذا بالأرض من تحتك تنخسف، ولا تعلم بعدها ما هو المصير، وكان بيت أخينا طيب الذكر، لروحه السلام، أبي يحيى، الأستاذ هشام الحلي؛ ملجأنا نحن الأربع، وبعد انتظار قاتل، وحالة اليأس من أن لا أمل لنا ثانية في أن تستقبلنا الحكومة الكندية بعد ذلك المقلب الكبير، حتى رنَّ الهاتف مُبشِّراً بأن الرحلة القادمة ستكون يوم 11/18/ 2007 والوصول في اليوم الثاني الذي كان في استقبالنا يومها ذلك الثلج الكثيف، وأمل كبير بالأمان والاستقرار، رغم أن في القلب غصة لفراق وطن عزيز، وأهل لفراقهم تدمع العيون...
الأحد 22 - 11 - 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أربك الشرطة بقنابل وهمية.. اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية ب


.. ما الذي يحول دون العضوية الكاملة لدولة فلسطينية في الأمم الم




.. طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة يتظاهرون بأسلوبهم لدعم غزة


.. إعلام فرنسي: اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية في باريس




.. إعلام فرنسي: اعتقال الرجل المتحصن داخل القنصلية الإيرانية في