الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولادات الإنسان المتعددة

محمد زهدي شاهين

2020 / 12 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


محمد زهدي شاهين – القدس المحتلة
كم من مرة يولد الإنسان؟ لا داعي للعجلة والتسرع في الإجابة على هذا التساؤل، بل لا بد من التريث والتفكر والتدبر بهذا الأمر ولو للحظة واحدة، يبدو الأمر من الوهلة الأولى بديهياً جداً حيث يولد الإنسان مرة واحدة.
نعم يولد الإنسان ولادة طبيعية من رحم أمه مرة واحدة كغيره من المخلوقات، إلا أنه يتميزٌ عنها جميعاً، فهو كائن متطور ينتقل من مرحلة إلى أخرى في خضم ومعترك هذه الحياة. لذلك فالإنسان يولد أكثر من مرة، مرة من رحم أمه، وتارة ومرات أُخر من رحم الحياة. ولا شك بأن الإنسان عندما يستيقظ من نومه يكون ذلك أيضاً ولادة وبعث جديد له.
عندما يولد الإنسان في المرة الأولى وهي الولادة الطبيعية من رحم أمه لا يدرك المرء آنذاك ما يدور من حولة، ولا يستلذ أو يستشعر لذة وحلاوة طعم الولادة كما المرات التي يولد بها وهو يعي ذلك. فهو يعلم أين كان وأين أصبح بعد ذلك أو بعد تلك الولادة.
إن الإنسان ينتقل من مرحلة عمرية إلى أخرى ، وهذا ما يميزه عمن سواه من المخلوقات التي لا تتطور في الحياة كونها خلقت على سجية وطباع غالباً ما تكون ثابته.
الولادة الثانية للمرء تكون حين أنتباهه من أحلام اليقظة التي يعيشها في انعزال تام عن الواقع جراء موقف معين أو خطب ما، يتعرض له ويعيد له اتزانه مما يحذو به إلى الانتقال نحو الواقع المعاش. هذه الولادة يعيها الإنسان بشكل تام بكل جوارحه. وهنا يقف المرء أمام مفترق طرق إحداها تؤدي إلى النجاح، وأخرى مؤدية إلى اليأس والإحباط و الانزلاق نحو الفشل في حال شعوره بأن العمر قد ضاع سدى.
إن تسلل اليأس هنا ولقي طريقاً للنفاذ لقلب وعقل ووجدان المرء تكون هذه الولادة كأنما ولد الإنسان ميتاً.
والولادة الثالثة تكون حينما يصل المرء إلى مرحلة الوعي والنضج التي تسمى ويطلق عليها المرحلة الملكية.
فهل يا ترى مرتبطة هذه المرحلة بمرحلة عمرية معينة أم لا. قد تكون الإجابة بالنفي أو الإيجاب وهنا أرجح الإجابة الثانية على الأولى، فمن الممكن أن يصل المرءُ في سنن متقدمة إلى مرحلة ومستوى معين من الوعي والنضج بشكل مبكر، وإن كان ذلك فهذه تعد طفرة ولا يمكن القياس عليها.
ليس بالضرورة أيضاً في حال وصول شخص ما إلى هذه المرحلة في سنن مبكرة أن يكون قد وصل فعلاً لهذه المرحلة بحد ذاتها فهي تتطلب بأن يكون الإنسان قد خاض تجارب متعددة في الحياة، وَخَبر وعاين تجارب أخرى لأناس أخرين مما يولد لديه تراكماً في هذه التجارب.
المرحلة الملكية استطيع بأن أختزلها في كون الإنسان قد وصل فيها إلى درجة متقدمة من الوعي والنضج ومعرفة ماهية رسالته التي خُلق من أجل أن يقوم بتأديتها ، فكل منا يجب أن يكون إذن نبياً دون أن يوحى إليه.
هذه المرحلة كما أشرت سابقاً لا بد بأن تكون عند بلوغ المرء أشده ، وينقسم في هذه المرحلة الناس إلى صنفان صنف وصل هذه المرحلة الملكية حتى بدت له الحياة على الرغم من قساوتها ومرارتها كبستان أخضر أوراق أغصانه يانعة وأزهاره متفتحة. وصنف أخر حتى لو بلغ أشده وبلغ الأربعين عاماً لم ولن يصل إليها نهائياً.
الولادة الأولى لا تتكرر، والثانية كذلك الأمر ، إلا في حال أن يكون الإنسان مغفلاً كونه يعيش حياة سرمدية بين الواقع وأحلام اليقظة والخيال. والولادة الثالثة لا تتكرر أيضاً، بل تتعمق أكثر وأكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح