الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض قدم النص الإلهي لدى أحمد بن حنبل

هيبت بافي حلبجة

2020 / 12 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد إنقسم فلاسفة و فقهاء الإسلام ، بصدد قدم النص الإلهي أو حدوثه وخلقه ، إلى ثلاثة مجموعات ، فأول من قال بقدمه في معناه وألفاظه ، حسب إبن تيمية ، هو عبد الله بن سعيد بن كلاب ثم يأتي ، فيما بعد ، الإمام أحمد بن حنبل . وأول من قال إنه مخلوق في كليته هو الجعد بن درهم وصاحبه الجهم بن صفوان وفرقة الجهمية ، وبشر بن غياث المريسي ، وواصل بن عطاء وفرقة المعتزلة . في حين إن المجموعة الثالثة بدأت مع أبي الحسن الأشعري الذي إتخذ موقفاٌ وسطاٌ فقال إن النص قديم في معناه ، ومخلوق في كلماته وألفاظه .
المقدمة الأولى : في محنة الجعد بن درهم ، يذكر في السنن الكبرى للبيهقي ، إن بن أبي حبيب روى عن أبيه عن جده بواسط قال : شهدت خالد بن عبد الله القسري وقد خطبهم في يوم أضحى بواسط فقال : أرجعوا أيها الناس فضحوا ، تقبل الله منكم ، فإني مضح بالجعد بن درهم ، فإنه زعم إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاٌ ، ولم يكلم موسى تكليماٌ ، سبحانه وتعالى عما يقول الجعد بن درهم ، قال : ثم نزل فذبحه ، أي ذبحه بجانب المصلى . والغريب في القضية إن مشايخ الإسلام يروونها بكل إفتخار وإعتزاز كما لو إنه لم يقترف جريمة جنائية فاضحة أمام الجمهور ، بجانب المصلى ، بأسم إله غائب . ولكي تتضح معالم الجناية نود أن نذكر نص الحديث الذي يعرف ما هو الإيمان في هذا المعتقد والذي أستشهد به الإمام أحمد بن حنبل نفسه في معرض دفاعه عن إطروحته ، بقدم الكلام الإلهي ، أمام الخليفة العباسي المعتصم : عن ، وعن ، قال نبي إله الكون أتدرون ماهو الإيمان ، قالوا الله ورسوله أعلم ، قال هو الشهادة إن لا إله إلا الله ، وإني محمداٌ رسول الله ، وإتيان الزكاة وإقامة الصلاة ، وأن تعطوا الخمس من الغنم . وهكذا ، وحسب هذا الحديث ، فإن الجعد بن درهم كامل الإيمان وهو يؤمن بهذه القضايا كلها ، بل ويمارسها ، فكيف يجوز قتله ، بل ذبحه ، وفي يوم الأضحى ، وبجانب المصلى ، وأن يضحى به كما يضحى بالنعجة والخاروف .
المقدمة الثانية : في موضوع خلق النص الإلهي وحدوثه ، فلقد إعتقد المعتزلة والجهمية والجعد بن درهم إن لايوجد كلام إله الكون ، إن النص الإلهي ليس كلاماٌ لإله الكون ، إن النص الإلهي ليست صفة من صفات إله الكون ، إن النص الإلهي لابد أن يكون مخلوقاٌ . فأولاٌ إن مفهوم كلام إله الكون يقتضي نوعاٌ خاصاٌ من الحركة والصوت وهذا لايتناسب مع كائنيته ولا مع كينونته ، أي لامناص من نفي الكلام عن الذات الإلهية ، فإله الكون ليس له كلام . ثانياٌ إن من خصائص الكلام إنه يتجدد ، والتجدد صفة تقتضي ماهو طارىء ، والطروء على الذات الإلهية إستحالة إنطولوجية . ثالثاٌ إن النص الإلهي نفسه يقر بحدوثه ، ففي الشعراء 5 : ومايأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين ، والمحدث هو المخلوق وهو الذي حدث ، والذي حدث لايمكن إلا أن يكون ، وبالضرورة ، قد حدث ، وإلا كنا أمام تناقض يجرح دلالات النص الإلهي . رابعاٌ يقول النص الإلهي في الزمر 62 : الله خالق كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل . والنص الإلهي شيء ، فمن الضرورة إن يكون خالق كل شيء قد خلق النص الإلهي ، أضف إلى ذلك إن مفهوم الخالق لايستقيم ، في تأصيله وفيما يترتب عليه تعريفاٌ ، إلا إذا قد خلق الأشياء فعلاٌ ووجوداٌ . ولقد إعترض بعضهم على كل ذلك ، أولاٌ إن النص الإلهي يقول في النساء 164 : وكلم الله موسى تكليماٌ ، وتكليماٌ أتى بصيغة المصدر للتأكيد على وجود كلام الإله . فكان الرد من المعتزلة والجهمية ، إن إله الكون قد خلق كلاماٌ سمعه موسى عليه السلام . ثانياٌ إن النص الإلهي يقول في القصص 5 : فلما أتاها نودي من شاطىء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة إن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ، أليس هذا دلالة قطعية على وجود كلام إله الكون ؟ فكان الرد من المعتزلة ، هو نفسه الرد السابق ، إن إله الكون قد خلق كلاماٌ في الشجرة سمعه موسى عليه السلام . وفي الحقيقة إن موضوع خلق النص الإلهي يفرض على المعتزلة والجهيمة والجعد بن درهم نفس الإشكالية التي يهربون منها بخصوص قضية كلام إله الكون ، فإذا كان إله الكون قد خلق كلاماٌ سمعه موسى عليه السلام ، فإنه قد خلقه في زمنه ، أي إنه قد حدث وطرأ في هذا الزمن ، والطروء هو الطروء ، سواء في وجود الكلام من عدمه ، سواء في خلق الكلام ، وهذا يصدق ، بالمطلق وبالأساس، في موضوع الخلق ، لذلك يتهرب البعض من فلاسفة الإسلام من مسألة الخلق إلى مسألة الفيض الإلهي ، لإن الحدوث أو الخلق ليس إلا تناقضاٌ في الذاتية الإلهية .
المقدمة الثالثة : يعتقد داعية إسلامية معاصرة ، جهلاٌ ، ولكي ينجو من موضوع الحدوث و الخلق المشارإليه سابقاٌ ، إن إله الكون له كلام ، وكلامه هذا قديم ، قدم إله الكون نفسه ، لكن كلامه ليس كلاماٌ هكذا ، إنما هو الكلام النفسي ، أي الكلام الذي يحدث في النفس ، ذلك الكلام الذي رفض شيخ الإسلام إبن تيمية أن ينسبه إلى إله الكون ، وهكذا فإن الداعية ينفي عن إله الكون الكلام الطبيعي ، أي الكلام اللانفسي ، ويزعم إن النص الإلهي ليس كلاماٌ طبيعياٌ ، ويأتي بجملة من : قال تعالى فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم وقال ..ثم ، ولاجناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم وعلم الله إنكم .. ثم ، إن الله تجاوز عن أمتي ماحدثت به أنفسها مالم تعمل أو تتكلم .. إن هذه الرؤية تافهة ومتهافتة ويكفي أن نذكر الآتي ، أولاٌ لايوجد كلام نفسي ، فثمة شعور داخلي ، إحساس مبطن ، رغبة جوانية ، إرادة رغبوية ، هذه كلها تخالج وحدة الكائن الحي ، وحتى النص الإلهي يؤكد على ذلك ، وإذا سألتموهن متاعاٌ فأسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن ، هذا من جهة ومن جهة ثانية إن مايسميه ، هو بالكلام النفسي ، خال من المسؤولية ومن التكليف ، فلابد ، وهذا شرط الضرورة ، أن يتمظهر ما هو نفسي ويستظهر ويتماهي مع فاعلية الوقائعية ، وإلا كنا أمام عبث وسوء نية ، وهذا مدلول : إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم . ثانيأ إن هذه الدالة تؤكد على وجود النفس في الذات الإلهية ، ووجود النفس لن يكون حقيقياٌ ، إلا إذا مارست النفس خصائصها ، أي أن تعبر عما يجيش ويعتمل ويجول في ثناياها ، وهذه الأمور تفضي ، بالضرورة ، إلى عين نلك التناقضات التي حاول أن يتهرب الداعية منها ، أي موضوع التجدد والخلق والحدوث .
المقدمة الرابعة : أما الإمام أحمد بن حنبل فيعتمد فيما إعتمد عليه ، في قدم القرآن ، إلى جانب ، وكلم الله موسى تكليماٌ ، وإن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ، على : أولاٌ التوبة 6 ، وإن أحد من المشركين إستجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لايعلمون ، وكلام الله ، هنا وحسبه ، لايمكن أن يكون مخلوقاٌ أو أن يقبل الخلق . ثانياٌ إن النبي كان يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما إبراهيم كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ، والعوذ لايمكن أن يكون بمخلوق ، إنما هو ، إما بالخالق نفسه ، إما بصفة من صفاته ، وكلامه ( القرآن ) صفة من صفاته . وهكذا ، وبالمجمل ، يؤكد الإمام أحمد إن لإله الكون كلام ، وإن النص الإلهي كلامه ، وإن كلامه والنص الإلهي قديمان ، وإنهما صفتان من صفاته ، فالقرآن كلام الله قديم وصفة من صفاته . وهاهو يقول : كلام الله تكلم به غير مخلوق ، ومن زعم إن القرآن مخلوق فهو جهمي ( نسبة إلى الجهم بن صفوان وفرقته الجهمية ) كافر ، ومن زعم إن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من القول الآول ، ومن زعم إن ألفاظنا وتلاوتنا له مخلوقة ( بعكس الإمام البخاري الذي قال : إن لفظي بالقرآن مخلوق ) والقرآن كلام الله فهو جهمي ، ومن لم يكفر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم ( المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ) . وفي موضوع تكفير من قال بمخلوقية القرآن ، إعتمد الإمام أحمد بن حنبل على الآية 120 من سورة البقرة : ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن أتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير . والقرآن هو علم الله ، وعلم الله غير مخلوق ، فمن زعم إنه مخلوق فقد كفر .
نكتفي بهذا القدر ، ونبدي إعتراضاتنا على الشكل الآتي :
أولاٌ : في حجة المعتزلة والجهمية ، إن الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ، وبما إن القرآن شيء ، فهو مخلوق ، يرد الإمام أحمد بقوله إن عبارة كل شيء لايعني ، بالضرورة ، كل شيء ، فهاهو النص الإلهي يقول في سورة الأحقاف : ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لايرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين . فالريح قد دمرت كل شيء ، ورغم ذلك بقيت مساكنهم غير مدمرة . هنا يرتكب الإمام أحمد جملة من المغالطات ، الأولى لو صدق مثال الريح على مثال الخلق وتماهي معه ، كما زعم الإمام أحمد ، لأفضى ذلك إلى نتيجة هي إن إله الكون لم يخلق كل شيء ، أي لوجدت أشياء هي خارج نسق الخلق ، كما كانت المساكن هي خارج دائرة التدمير ، وعندها تنتفي صفة الخالق عن إله الكون ، وبالتالي تنتهي ألوهيته . الثانية إن التدمير يرتكن إلى محتوى الطاقة لدى الريح ، سواء بأمر ربها ، أم بذاتها ، بينما الخلق مرهون بالإرادة لدى إله الكون . فالريح مركونة إلى طبيعتها المقيدة ، فهي تدمر فقط ماهو قابل للتدمير ، فهل هي تستطيع أن تدمر الأرض أو الشمس مثلاٌ . بينما إرادة إله الكون مطلقة من حيث المبدأ ، فهو بمقدوره ، حسب العقيدة ، أن يخلق كل شيء من حيث الأساس ، مع العلم ، إن ثمة قيد على قدرة إله الكون نفسه يتعلق بمحتوى الخلق ، وهذا الإستثناء لايخل بمنطوق الفكرة الأولية ، فهل يقدر إله الكون أن يخلق صخرة لايستطيع أن يحملها ، فإذا قلنا نعم لأتى العجز على الحمل ، وإذا قلنا لا لأتى العجز على الخلق . الثالثة إن محتوى الريح في مضمون تلك الآية يستند إلى موضوع العقاب ، كذلك نجزي القوم المجرمين ، فالتدمير يتناسب مع حجم العقاب ، لذلك أتى التدميرعلى أشياء دون أشياء على الرغم من إستخدام عبارة كل شيء ، بينما إرادة إله الكون لارادع لها تعريفاٌ . وهكذا فإن عبارة كل شيء في مثال الريح لا تستطيع ، بطبيعتها ، أن تتضمن محتوى كل شيء ، في حين إن تلك العبارة في مثال الخلق ينبغي أن تتضمن ، بالضرورة ، موضوع كل شيء . ومن هنا ، وفي الفعل ، إذا صدق إن النص الإلهي شيء ، وإن إله الكون هو خالق كل شيء ، فالقرآن مخلوق بالحتمية ، لذلك كان الأجدر بالإمام أحمد أن ينفي صفة الشيء عن النص الإلهي .
ثانياٌ : ثمة تناقض فاضح مابين قدم النص الإلهي ، ومابين أسباب نزول تلك النصوص ، فالأسباب قد أنتجت وحدثت على الأرض ، في منطقة جغرافية معينة ، في زمان ومكان معلومين ، على يد من أشخاص معروفين ، مثل إمتحان النضر بن الحارث وأصحابه لنبي إله الكون في القضايا الثلاثة المعروفة ، من هم أصحاب الكهف ، من هو ذو القرنين ، ماهي الروح . فإذا كانت النصوص قديمة لدلت على إن الحوادث التاريخية خاوية من المعنى ، لاهدف فيها إلا العبث المطلق .
ثالثاٌ : متابعة لثانياٌ ، في فرضية إن أجوبة نبي إله الكون على تلك الأسئلة الثلاثة كانت خاطئة ، وهي في الفعل كذلك ، فالنص الإلهي لايعرف من هم أصحاب الكهف إنما يخمن تخميناٌ ، ولايعرف إنها ليست حقيقة إنما رواية منسوبة للسروجي قبل نزول الوحي بكثير ، كما إنه لايعرف بالضبط من هو ذي القرنين ، حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمأة ، كما إنه لايعرف إن مفردة الروح هي زرادشتية كوردية قديمة ، فكيف يمكن أن تنسب هذه النصوص إلى إله الكون ، وكيف تكون قديمة .
رابعاٌ : لو تمعنا في مفهوم موافقة إله الكون لكلام عمر بن الخطاب بعد حدوثه ، وهاهو المتولي الشعراوي وغيره كثيرون ، يقول على لسان نبي إله الكون : لقد وافقك ربك ياعمر . وموضوعات الموافقة عديدة ، وإتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ، يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ، عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاٌ خير منكن مؤمنات مسلمات قانتات تائبات ، ماكان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض . إذا ، لقد وافقك ربك ياعمر ، لايمكن إلا أن يخضع لشرط حدوث الموافقة ، وهو حدوث الأول ، وهو النص الأصلي ، قبل حدوث الثاني ، وهو النص المطابق . والقبلية والحدث أمران يناقضان قدم النص الإلهي .
خامساٌ : في علاقة الناسخ بالمنسوخ في النص الإلهي ، وما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها ، لابد من أن يتقدم المنسوخ على الناسخ ، المنسوخ هو المتقدم والناسخ هو المتأخر ، وذلك بإقرار من أهل الحق والجماعة والسنة ، فإذا تقدم نص وتأخر نص آخر ، فمن الضروري ألا يتمتعا بنفس الأقدمية .
سادساٌ : في موضوع الخالق والمخلوق لايوجد وسط ما بينهما ، فإما أن يكون الكائن خالقاٌ ، وإما أن يكون مخلوقاٌ ، وبما إن الإمام أحمد يؤكد إن النص الإلهي ليس مخلوقاٌ ، فهو ، وبحكم التأصيل ، خالق . وهنا قد يبتهج الإمام أحمد ويهتف : إن النص الإلهي هو كلام إله الكون وهو صفة من صفاته . وفي الحقيقة إن هذه الرؤيا مردودة من الأوجه التالية : الوجه الأول إن الصفة تتبع الموصوف ، وتتماهى في ذاتيته كجزء منها ، وهو بدون هذه الصفة ليس هو ، وإلا لكانت الصفة عرضية ، صفة طارئة ، صفة غير بنيوية ، صفة خارجية . والسؤال الجوهري هو هل لايستطيع إله الكون أن يكون إلهاٌ بدون النص الإلهي ، فإذا أجبنا بنعم ، أي لايستطيع ، إنتهى إله الكون ، وإن أجبنا بلا ، أي يستطيع ، إنتهى النص الإلهي . الوجه الثاني إن الصفة الأصيلة هي صفة الموصوف ، وإذا كان كلام إله الكون صفة من صفاته ، فينتج من هذا ، وبالحتمية ، إن إله الكون لايستطيع إلا أن يكون كليماٌ متكلماٌ يتكلم ، فما وجه الضرورة أن يكون إله الكون كليماٌ ، قد يكون كليماٌ من ثلاثة جوانب : الجانب الأول لذاته ، وإذا صح ذلك إنتفت العلاقة الغائية مابين كلام إله الكون ومابين البشر ، بما فيهم نبي إله الكون . الجانب الثاني للآخروي ، وإذا صدق ذلك إنتفت النبوة ، ولم يكلم إله الكون موسى تكليماٌ ، ولم يتخذ إبراهيم خليلاٌ . الجانب الثالث للبشر ، إذا صدق ذلك أصبح وجود البشر حتمية مطلقة ، وضرورة أبدية ، وغدا الإنسان قديماٌ قدم إله الكون نفسه ، وهذا منقوض من عشرات الجوانب . الوجه الثالث وهو تتمة ما ورد في الوجه الثاني ، وهو إن كان النص الإلهي كلام إله الكون كليماٌ ، فهذا لايجوز إلا أن يكون إله الكون نفسه كليماٌ في كينونته ، كليماٌ لذاته ( الجانب الأول ) ، والكلام ، هنا ، يقتضي ثنائية أنطولوجية ، وإلا فإن إله الكون يكلم نفسه تكليماٌ ، وهذا خلف ومنقوض . الوجه الرابع ثمة أحاديث عديدة تؤكد إن النص الإلهي يتجسد في أشكال عديدة ليشفع عند إله الكون لمن يقرأوه ، القرآن يكلم إله الكون يارب حله وزده ، أقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران تحاجان عنكم . فلو صدق ذلك لأنتفى أن يكون النص الإلهي صفة من صفات إله الكون . وإلا لغدا إله الكون يكلم نفسه بنفسه ، ويشفع عند نفسه بنفسه ، وهذا صارخ الخواء والتناقض .
سابعاٌ : إذا كان النص الإلهي قديماٌ ، فهذا يخلق حالة تناقضية عظيمة ، حيث يصبح النص واجب الوجود ، لإن الشيء إما أن يكون واجب الوجود ، وإما أن يكون ممكن الوجود ، ولاثالث بينهما . والقدم لايكون إلا لواجب الوجود ، وله فقط ، بينما ممكن الوجود فقد يكون وقد لا يكون ، لذلك من الإستحالة أن يكون قديماٌ . وإذا صدقت الفرضية الأولى ، أي كان النص الإلهي قديماٌ ، فإن أبا لهب ، وزيد ، وذو القرنين ، وإبراهيم ، وكل من ذكر وقصد ذكره في النص الإلهي ، أصبح واجب الوجود ، يتماهى مع إله الكون سواسية بسواسية .
ثامناٌ : إذا كان النص الإلهي قديماٌ ، فإن الشيطان يصبح واجب الوجود ، أي جزءاٌ متماهياٌ مع طبيعة إله الكون ، وهذا يخلق كارثة حقيقية في موضوع مأساة إبليس ، كارثة إله الكون . وإلى اللقاء في الحلقة الثانية بعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال موفق
ثــائــر أبــو رغيف ( 2020 / 12 / 6 - 10:25 )
تحية للاخ كاتب المقال لدقته التاريخية وسرد وجهات النظر المختلفة بخصوص مسألة تدحرجت رؤوس فلاسفة المعتزلة بسببها

اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا