الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحزب العلماني المصري..كفكرة سيئة

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2020 / 12 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الطبيعي وراء أي فكرة لإنشاء حزب هي (الإصلاح) واعتباره ضروريا والضغط من أجل ذلك للحُكم ، وعن طريق النظام السياسي الجديد يتم التمكين لبرنامج هذا الحزب..

فكرة إنشاء حزب علماني هي جيدة نظريا، ومع احترامنا لكل رموزه في مصر لكنه من حيث الواقع العملي فاسد جدا ويضر عملية الإصلاح، وسأشرح ذلك من عدة نواحي:

أولا: لو فشل هذا الحزب ألا يستدعي ذلك النظر في مبدأ العلمانية نفسه وتقبيحه شعبيا؟..ألم يفشل الإخوان المسلمين في الحكم لنفس السبب وهو أنهم خلطوا بين القيمة الأخلاقية والفكرية التي تجمعهم – وهي الدين - وبين الحُكم والسياسية؟

البعض يقول لكن هناك أحزابا بهذا الإسم ومشتقاته في الغرب – كالليبرالية – أقول أن رسوخ العلمانية كثقافة حُكم في أوروبا صار مهيمنا على الدستور وسابقا للوعي الشعبي نفسه، أي لا يدور بخيال أي أوروبي أن ضعف الحزب الليبرالي هو فشل لليبرالية ومن ثم ننظر في مدى جدية أي نموذج مختلف، فقد امتلكوا الوعي الكافي للتفريق بين عمل الحزب وبين القيمة العليا المهيمنة فوق الدستورية التي تجمعهم، بينما في مصر هذا ليس موجودا..والشعب المصري لا زال يرى الخلافة حلّاً ذات جدوى بل وضرورية أحيانا، مما يُهدد مدنية الدولة كليا في حال فشل الحزب العلماني واستثمار الإسلاميين لذلك شعبيا وفكريا.

ثانيا: بقاء العلمانية كتيار فكري ونخبوي (ناقد) مهم لإقناع السلطة والأعيان على الأقل بأهميتهم، ومن ثم يُحسِن النظام السياسي في تقديم العلمانيين للشعب بأثر ذلك ، فالتعلمن كان ولا يزال فكرة غير شعبية يهددها رجال الدين بما في ذلك المجتمع الغربي الذي تظهر عثراته بين حينٍ وآخر فما كنا نظنه اختفاء تام لأي خلط في الدين بالسياسة كان وَهما ، وأن نفوذ رجل الدين لا زال محتفظا بحده الأدنى من وجوده الاجتماعي وأحيانا السياسي..

ثالثا: الإصلاح في مصر مرتبط بالماضي ، هذا يعني إن لم يكن للحزب العلماني أرضية معرفية لتصور ذلك الماضي وانتقاده فمشروعه يفشل قبل أن يبدأ، وبالاطلاع تبين عندي أن العديد من مشاهير الحزب العلماني مثقفين فعلا ويملكون هذه الأرضية..لكنهم إذا وُضعوا في خيارٍ بين مصالحهم وحزبهم يختارون الأولى..فلم نشهد لكبار الحزب العلماني حضورا معرفيا ثقافيا ولا ندوات (لنقد هذا الماضي) أستثني محاولة على استحياء جرت في صالون علمانيون لفترة وجيزة ثم انتهت لأسباب غير معروفة..

الشق الآخر في هذا الجزء أن فئة كبيرة من علمانيين مصر تحولت للادينية العنيفة وصار لها موقفا شرسا من الدين، فلم يعد تصورهم النقدي للماضي يحمل بصمات الإصلاح بل صار يحمل أيدلوجيا للتغيير أقرب لمعاداة الأديان منها إلى التعايش معها والقبول، وهذه الشق كان ولا يزال مصدر تشويه لعلمانيين مصر وحزبهم المفترض الذي سيسقط شعبيا مع أول مواجهة تحوي تلك الرموز

رابعا: الحزب العلماني المصري سائر قياداته ينتمون للطبقة المتوسطة، وهذا طبيعي بحكم الوعي..لكنهم لا يريدون الاعتراف بهذا الانتماء ويصرون على أحقيتهم في توجيه خطابات للجمهور الفقير والطبقة العليا والحاكمة..وهذا قصور ذهني لا يدرك أهمية أن يكون من بينهم رجال أعمال كبار ومراكز قوى سياسية وشباب كادح مؤمن بالفكرة وشريحة من الجمهور الفقير الأمي يرى أن مبادئ العلمانية من الحرية والمواطنة ستجعله يعيش بشكل أفضل، ويتضح ذلك القصور بشدة في ندواتهم المغلقة التي أهملت تماما ما يسمى ب (الثقافة الشعبية) والفنون التي رعاها تقدميين مصر في القرن 20 وكانت سببا في ارتقاء الوعي بأهمية الفن قبل تحريمه على أيدي الجماعات..

خامسا: علمانيون مصر دائما يقولون أنهم قادرين على إنجاز الإصلاحات لكن لم يقولوا ما هي قدراتهم والأجواء التي نعيشها هل تسمح لهم بذلك الإنجاز أم لا؟..فالرغبة وحدها لا تكفي بل القدرة أهم..ومن علامات غياب القدرة هي فشل قيادات ورموز الحزب – مع احترامنا لهم – في التواصل وعقد تحالفات مع أحزاب أخرى وتيارات سياسية مختلفة..والذي قلته منذ سنوات أنه لو فشل علمانيين مصر في التواصل مع السلفيين فلن يحكموا أبدا..ليس إيمانا بدور السلفيين في الحكم ولكنها (كناية) عن قدرة عناصر الحزب للذهاب أقصى اليمين واليسار..بمعنى اختبار قدرات فعلي
سادسا وأخيرا: علمانيون مصر في الحزب لا يعرفون سوى طريقا واحدا للإصلاح وهو المشاركة في الانتخابات..والسؤال الذي طرحته عليهم منذ أعوام ماذا لو أغلقت أبواب الانتخاب؟؟؟

كان الهدف وقتها دفع عناصر الحزب لتصور طرق بديلة كالحضور في النقابات والعمل الأهلي والإعلامي والمدني والدخول بقوة في قطاعات النيابة والقضاء والأمن..وبالمناسبة فالإخوان المسلمين كانوا أذكى من علمانيين مصر في هذا الجانب لأنهم طرقوا هذه الأبواب ودخلوها..حتى أن بعض النقابات كانت حكرا للإسلاميين ومستوطنات خاصة بهم تحولت بعد ذلك لحصان طروادة لاختراق الدولة حتى نجحوا في الصعود لحكم مصر..

هذا الإهمال سببه عدم وجود تصور تاريخي ووعي فلسفي لعناصر الحزب، فهم يظنون أن الوعي التاريخي يتحقق بعدم استنساخ التجارب..ويغضون الطرف عن ما هو أولى بأن التجارب قد تُستنسخ بالفعل بمقدمات مختلفة..فالقاعدة المشهورة أن المقدمات المتشابهة تعطي نتائج متشابهة لا تصح في كل الأحوال..بل قد تختلف المقدمات وتُعطي نفس النتيجة..

والدليل على ذلك ما حدث للإخوان المسلمين حين حكموا مصر، ظنوا أن تجربة الخمسينات لن تتكرر لقوتهم في الرئاسة والمجلس التشريعي، لكن ثغرة بسيطة لم يدركوها وهي طبيعة تصورهم للدولة الحديثة أوقعتهم في ذلك المأزق وحفّزت ضدهم السلطات وثارت عليهم الدولة بالكامل، فلو استبقوا هذا الوقوع بالملاينة والمداهنة - كما فعل الغنوشي في تونس - وصاروا أكثر كياسة وسياسة لبقيوا حكاما لمصر حتى اليوم..ولربما نجحوا في تحويل مصر كما يريدون لنموذج سني من الخلافة متعايش قدر الإمكان مع الحداثة..

ليس المطلوب أن تظل خلف القافلة وتندب الفرص الضائعة، لكن الوضع بالفعل صار أكثر سوءا..فالإسلاميين لم يختفوا من المشهد كما نظن بل هم في حالة سكون ونشاط دفاعي وقائي عبر شيوخ أزهريين مشاهير وعناصر نشطة في مؤسسات الدولة والعمل المدني، وأفكارهم لا زالت متجذرة في الإعلام والصحافة..ولم يعد يبقى سوى ظهور جماعة أخرى بإسم آخر – أو بنفس الإسم – تُعيد أحزان الماضي، أما علمانيين مصر..فحدث ولا حرج..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية