الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (2)

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2020 / 12 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في تحقيق علمي لمجلة ناشيونال جيوغرافيك عام 2007 قالت أن أصول الإنسان الأولى كانت في أفريقيا، وتقصد الهوموسابينس أي البشر المعاصرين وليسوا "النياندرتال" الذي سكن أوروبا ووجدت عظامه بشكل أقل في منطقة الشام، وقالت المجلة أن الإنسان بدأ خروجه من أفريقيا في وقت متزامن تقريبا منذ50 ألف عام مضت، وهو تفسير لانعدام أثر الهوموسابينز خارج أفريقيا أقدم من هذا التاريخ، فالحفريات تقول أن أسلاف الهوموسابينز تحديدا كانت في أفريقيا..والتنوع الحاصل في الشكل حاليا ناتج عن عوامل الهجرة والتزاوج وطرق العيش والغذاء والمناخ وتحديات البقاء وخلافه..

مصدر الدراسة..

https://www.nationalgeographic.com/news/2007/7/modern-humans-came-out-of-africa-definitive-study-says/

ويدعم هذا الرأي أن أقدم أسلاف الإنسان من الأنواع الأخرى كالعامل والمنتصب وجدت أيضا في أفريقيا، حتى التي يبلغ عمرها 3 مليون سنة أيضا وجدت في أفريقيا، ولا يمكن لمن لا يؤمن بنظرية التطور أن يملك تصورا علميا لأصول الإنسان الأولى وهويته البيولوجية والثقافية أحيانا، لارتباط علوم التطور بالثقافة من ناحية الاجتماع والسلوك والنفس ضمن إطار العيش بمجموعات مشتركة، وهذا الذي يوجِد مشتَركات ثقافية وسلوكية بين المجموعة الواحدة لكنها تختلف عن الأخرى حتى لو كانت من جنس مختلف، وأوضح مثال على ذلك أنه لو عاش أوروبيا في مصر سيكتسب لغة وعادات وثقافة الشعب المصري ومع توالي أجياله في نفس المكان تنقطع الصلة بين أحفاده وموطنه الأصلي..

مما يدعم فرضية تعدد أجناس المصريين في العصر القديم المعروف بعصر الأسرات لكن مع اكتسابه لون واحد عام مرتبط بالمناخ وتزاوجهم مع السكان الأصليين، وأحيانا شكل متقارب جدا..لكن جميع هذه الأشكال والألوان خاصة بالقارة التي نشأ فيها تبعا لعلوم التطور، فالحاصل أن الإنسان يكتسب جيناته وشكله الخارجي وقدراته الفسيولوجية والعضوية من أثر البيئة، كمن يعيش فوق جبال الهمالايا مثلا فهو صاحب رئة وصدر أوسع من غيره لظروف ارتفاع الجبل آلاف الامتار عن سطح الأرض مما يوجِد نقصا في الأوكسجين يقاومه سكان الجبل بطبيعة جسمية مناسبة لهذا النقص، ونفس الشئ في هضبة الحبشة التي يتميز سكانها بنفس القدرات الجسمية لمقاومة نقص الأوكسجين، وقبائل أخرى في أندونيسيا عرفت بقدرتها على الغوص تحت الماء فترة أطول من كل البشر لاكتسابهم بنكرياسا ورئة مختلفين يمكنهم من تعويض الأوكسجين تحت الماء داخليا..

ومن هذا المنطلق فيستحيل القول أن إنسان الحبشة هو إنسان مصر لاختلاف البيئة، وبرغم الشكل الذي قد يكون متشابه لكن القدرات الجسمية للأحباش مختلفة عن المصريين في تحمل نقص الأوكسجين، وتلك النقطة اختلطت على عديد من الباحثين ممن لا وعي لهم بالتطور حين فسروا وصف الإغريق لسكان أفريقيا – بمن فيهم مصر – بالأحباش، والمقصد أن اليوناني كان يصف بذلك جميع من هم داكني البشرة وليس لأنهم شعب واحد، فكما قلنا في الجزء الاول أن شعب مصر القديم يتبع الملك فقط وسياساته ولم يكن له اتجاهات عنصرية وقومية ضد ألوان بعينها، وأوضح مثال لذلك أن زنوجا عاشوا بمصر وتقلدوا سلطات مهمة في الدولة منهم القائد "ماهربري" الذي عثر على مومياءه الزنجي في وادي الملوك وعرف ب Maiherpri’s mummy من ضمن مجموعات الدولة الحديثة، وخادمة الملكة نفرتاري المعروفة ب Lady Rai وقد حفظت مومياواتهم بشكل جيد لإثبات تعايش المصري القديم مع الأجناس بل وتحنيطهم إذا لزم الأمر، والسؤال لمدعي الأصل الأبيض، أن قداسة التحنيط عند المصري ثابتة ومؤكدة فما الذي دفع المصري القديم لتحنيط الزنوج؟

ومن هذه النقطة أيضا يمكن فهم مصطلح "الاستمرارية الجينية" التي وردت في تحقيق مجلة نيتشر العلمية، فالمعنى أن التزاوج الحاصل بين الوافدين والسكان الأصليين يصنع طفرة بالحمض النووي تجعل هناك تشابها بين الاثنين أو مشتركا جينيا لا يختلف عن السائد قبل البحث..وهذا لم يدركه زاعمي الأصل الأبيض والقوقازي لمصر حين فسروا هذا المصطلح تبعا للإطلاقية التي أسقطوها على نتائج العينات، وفي الحقيقة لم أود الدخول في مناقشات مع هؤلاء بخصوص تلك الجزئية وفضّلت ذكرها على انفراد أولا: لجهل المحاور بأصالة التطور وعلم الاجتماع في تشكيل الجينات، وثانيا: لتعصب الفئة الأغلب منهم قوميا للحد الذي اعتقدوا فيه أن القائل بالأصل الأفريقي أو الأسمر للحضارة المصرية هو "خائن للوطن" ..!

بوضوح أكثر فإنسان الهوموسابينس الذي خرج من أفريقيا تزاوج مع النياندرتال في أماكن أخرى بالعالم وفقا لأشهر فرضيات الأنثربولوجي، وحدث ذلك التزاوج في مناطق متعددة منها الشام وآسيا..وهذا سر اكتساب سكان هذه المناطق لبشرة بيضاء مع اختلاف في شكل الجمجمة والملامح بمرور الزمن، وهذه هي الطفرة الجينية التي أقصدها..فسكان أفريقيا بالخط الاستوائي مثلا لا يمكنهم تحمل صقيع القوقاز وألاسكا..والعكس صحيح، لاسيما أن الإنسان يكتسب جيناته وقدراته بالتزاوج والبيئة معا، وتلك الجزئية تنفي من وجه آخر مزاعم الأصل القوقازي لمصر بسبب قدرة المصريين على تحمل درجات الحرارة الأعلى في مناخهم الجاف والصحراوي..وهي ميزة يتمتع بها سكان أفريقيا والاستوائيين بشكل خاص لا تتوفر للنياندرتال وأغلب من تزاوج معهم..

مع حفظ عدم اليقين بنتائج البحث الجيني لإشكالياته المذكورة في الجزء الأول، وشرعية الاحتجاج به فقط بإطار البحث الشامل عن الهوية كقرينة احتجاج مضافا لعلوم أخرى كما تقدم، وهذا مثال قريب لذلك حيث ذكرت شركات متعددة للبحث الجيني أن أصول الشعب المصري القديم أفريقية...

https://dnaconsultants.com/egyptian-gene/?fbclid=IwAR1ZyPjhFpGRAkdyuuAONLm23UcnzUNNuctwYG4wQr7GWrY6D94SRDFUAz0
https://dnaconsultants.com/akhenaten-gene/?fbclid=IwAR32KkwmZbJ39Viq8Z4rt-h0DsY3x08PzjTZuvsiyThx95xAbj8EaUb4g40
https://dnaconsultants.com/king-tut-gene/?fbclid=IwAR0ZBjm0a_JbH9uTL2xx5K7_anmmrgUE90TvyqWb0i7y_7Ot40kAm3d6wXU
https://issuu.com/nyansapogyenyame/docs/dnatribes-rams-2013-02-01
https://issuu.com/nyansapogyenyame/docs/dnatribes-tut-2012-01-01
https://www.youtube.com/watch?v=hP1fQhDiTzA&feature=emb_title

ولم أعتمد على هذه البحوث في مناقشاتي على أنها شاهد ملك بل أعقبتها بشروح وتحليلات تاريخية واجتماعية وتطورية يفتقر إليها الخصوم، لكن ذكرها مشروعا للحجّاج المنطقي العقلاني في بيان أصول الاستدلال وأشكاله العلمية الصحيحة، لاسيما أن العلم بأصالة دور التاريخ والأركيولوجيا هنا يظهر واضحا في تصوير المصري القديم نسائه بشكل أفتح لونيا من الذكور، وهو واضح في تصوير "نفرتاري" مثلا بشكل أفتح من زوجها "رمسيس الثاني"، والكاهن "رع حتب" بشكل أغمق من زوجته "نفرت" وهذا التصوير يبدو أنه كان لمحة فنية عند شعوب أخرى كالمينوسية في اليونان Minoan civilization التي سبقت عصر الفلاسفة السوفسطائيين مباشرة وتعد هي أصل حضارات اليونان القديمة، لكن الرابط بين سلوك المصريين والمينوسيين بحاجة إلى بحث أدبي وفكري كبير ليس هذا وقته..

لكن الشاهد أيضا في أصالة مصر الأفريقية أن أزيائها القديمة لم تغادر القارة إلى اليوم، ويمكن اكتشاف ذلك في شريط العنق المُطرّز حول الرقبة collar bar الذي هو أقدم كرافتة في التاريخ لكن بشكل مختلف وكان يرتديه الذكور والإناث معا..لم نلحظ وجود هذا الشريط في حضارات الشمال الأوروبي أو الأسيوي بل موجود في أفريقيا وعند قبائل الوسط الأفريقية ، ومن أشهر من ارتدى هذا الشريط المصري القديم هو الزعيم "نيلسون مانديلا" في شبابه، وإلى اليوم صار معلما ثقافيا للزي المصري القديم عند تصوير أي شخصية ملكية قديمة أو عامة الشعب بشكل عام في هوليود والسينما المصرية..

وشاهد آخر لا نذكره أن رحلات الملكة حتشبسوت لبلاد القرن الأفريقي لا يبررها الحاجة فقط للأخشاب والبخور وخلافه..كون هذه الأمور متوفرة في بلاد الشام والعراق أيضا وبنفس الكثرة والجودة، فلماذا لم تذهب حتشبسوت إلى الشام والعراق الأقرب دون تكاليف عناء هذه الرحلة الصعبة في باب المندب؟..وأزعم أن هذا السؤال لم يخطر على بال مدعي الأصل الأبيض ولا يملكون إجابة واضحة له سوى تأويل بلاد بونط لتصبح شامية عراقية، وفكريا لا يمكن تفسير هذا السلوك من الملكة المصرية وذهابها جنوبا سوى ثقافة مشتركة ولغات مشتركة، كون الإنسان القديم لم يكن يفكر بدبلوماسية المصالح مثلما نحن عليه الآن بل ينسج علاقاته بناءً على النسب والصهر الممتد من الأسلاف ، وبالخصوص قبيل تشكيل الدولة الحديثة وظهور علم السياسة..

وشاهد أيضا لا نذكره أن الأهرامات المصرية لو كان يُنسَب فضلها للأصل الأبيض القوقازي لرأينا تلك الأهرامات في الشام والأناضول مثلا ، لكننا رأينا تلك الأهرامات جنوبا لا في الشمال..مما يدل على هوية مشتركة وطريقة تفكير هندسية واحدة فيما يخص الحساب الأخروي وكيفية معالجته، وفي تقديري أن العصبية القومية تمنع طرح هذه الأسئلة لتعلقها بصورة واحدة عن أفريقيا أنها قارة متخلفة علميا وعقليا عن العالم الأول، وبالتالي صار نسب الحضارة المصرية إليها جغرافيا وثقافيا عمل مُشين غير مقبول، ولو جاز لنا قبول ذلك بمعايير العصر فهو غير مقبول علميا ، إذ من الوارد أن تحدث طفرات علمية وعقلية عند الشعوب ينتقلون فيها من العلم للجهل..والعكس صحيح، كما رأينا أوروبا القديمة الأكثر تخلفا وهمجية ومقارنتها بأوروبا اليوم، بينما نقارن مصر واليونان القديمة الأكثر قوة وعلما وتقدما مختلفين عن مصر واليونان اليوم..

وليست العبرة أن هذا أسود وهذا أبيض..فهذا تفكير عنصري لم يعرفه القدماء في مصر لثبوت المحور الثالث الذي يؤكد تنوع المصريين عرقيا تحت المظلة الأفريقية العليا ، بل العبرة في خطورة الانسلاخ عن هوية المصري القديم لتأكيد فكرة التفوق الأبيض واستحالة تفوق السود كما هو شائع في أذهان العُنصريين، ونفس الشئ موجه للأفارقة الذين يزعمون أنهم امتداد لحضارة مصر أو أنهم أصل مصر..فالقول بالأصل الأفريقي للحضارة المصرية مختلف عن القول بأن تلك الحضارة هي امتداد لهم..فالقول الأول يعني أن مصر جزء من أفريقيا جغرافيا وبشريا وثقافيا في العصر القديم تبعا للمحور الثاني الذي يؤكد على تنوع أجناس أفريقيا بينما هي ليست كذلك الآن ولا يجمع المصريين مع الأفارقة سوى الجغرافيا، بينما القول الثاني يعني أن سكان القارة السوداء هم من صنعوا حضارة مصر وهو قول مزيف تاريخيا، فالأسلاف المصريون كانوا أكثر تقدما ووعيا وسلاما وقوة، والأجدى بمن ينسب لنفسه هذا الشرف أن يبحث في أسرار التدهور كيف ومتى حدث ليُعالِج، ومتى حدثت الطفرة التي جعلت أفريقيا فريسة للرجل الأبيض حتى صارت العبودية إسما لصيقا بالسود الذين هم الأصل كما تؤكد علوم التطور..

لنا عودة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بل هي حضارة فرعونية
ابراهيم الثلجي ( 2020 / 12 / 9 - 19:16 )
صاحبي في الحوار العزيز
السلوك الانساني اصله اما عن تربية ما او موعظة ما
والحضارة تعني ان يحضر الناس اليك او اليه للاقتباس او التقليد للتعلم والاقتداء
ومنها نريد فك شيفرة عنوان المقال
فالحضارة المصرية عرفناها حيث حضرت لطرفها الجموع البشرية المختلفة لناخذ منها شيئا ما
اما معنى الاصل الافريقي غير مفهومة هذه
فهل سافر المصريون لادغال الكونجو او تنزانيا وتعلموا منها شيء من العظمة انعكس في مصر
لا احد يذهب هناك الا لصيد
الثعالب والتماسيح وسرقة جلودها وشفط النفط النيجيري ببلاش الا ربع
الحضارة يا صديقي فرعونية مصرية بوزراء وكهنة الاخير وعبيده رهن الاشارة لما يامر ومسافة السكة ليشكلوا جوقة انتاجية وفن رفيع نتاج الانظباط المصري الاسطوري
ما ميز الحضارة الفرعونية انها كتلة متراصة بدون شروخ
فالملك العالم والفنان يامر
كله على طول يستجيب بشكل ايقاعي منتجا تاريخ له سماته الحضارية
الله بعالى بعث الرسول موسى لفرعون مخاطبا اياه لان استجابته ستنعكس فورا على باقي الملا والناس
نوح وهود وصالح وابراهيم ولوطا قال تعالى ارسلهم الى قومهم اما موسى لفرعون لانه لو قبل الدعوة قبلها الجميع والعكس صحيح


2 - سَمَار و حلاوة
هانى شاكر ( 2020 / 12 / 10 - 20:48 )

سَمَار و حلاوة
_______

وقف يا أسمر في إلك عندي كلام
قصة عتاب و حب و حكاية غرام
هالبنت يللي بيتها فوق الطريق
حملتني اليوم لعيونك سلام

فيروز - رحبانى

...

اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار