الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزوة بدر الموعد ورأس الحول المنسي

محمد بن ابراهيم

2020 / 12 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أرخ ابن اسحاق لغزوة بدر الموعد وفق قالبه الكرنولوجي الفاسد بعد غزوة ذات الرقاع وقال: في شعبان سنة أربع، قال ابن إسحاق: ثم خرج في شعبان إلى بدر، لميعاد أبى سفيان، حتى نزله...: فأقام عليه ثماني ليال ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة، من ناحية الظهران.
شعبان المذكور عند ابن اسحاق هو شعبان النسي من الطور 16 على رأس 41 شهرا (+ 1 = 42) من التوطين الفاسد للهجرة، المواطئ لشهر ذي الحجة العدة من السنة الثالثة للتأريخ العمري، على رأس 34 شهرا من الهجرة الفعلية، الموافق: ماي ويونيو 625 م. ( انظر العام 57)
اصلاح هذا القالب يفضى بنا إلى رأس 28 شهرا من الهجرة الفعلية ، وبين توطينه لأحد على رأس 24 شهرا من الهجرة الفعلية وتوطينه لبدر الموعد: 4 أشهر فقط من شهور العدة على اصلاح قالبه، غير أن الاعتماد الكلي على الاصلاح الكرنولوجي أمر لا نعول عليه كثيرا في التحقيق لورود الصدف الكلندارية والحسابية، ولأن الفواصل الزمنية متغيرة وغير قارة، ولاختلاف توطين ابن اسحاق عن توطين الواقدي. فلعها حيث وطنها.
أما الفاصل الزمني بين توطينه لأحد على رأس 32 شهرا من التوطين الفاسد للهجرة وتوطينه لبدر الموعد على رأس 42 شهرا من التوطين الفاسد للهجرة، فهو 10 أشهر؟ لو أضفناها الى رأس شهر أحد عند الجمهور وعندنا لكانت بدر الموعد في شعبان على رأس 42 شهرا من الهجرة، وهو السائد كتاريخ عند من تابعه في اسم الشهر على أنه للعدة.
ذهب الواقدي إلى توطين غزوة بدر الموعد وفق قالبه الفاسد في ذي القعدة النسي من الطور 16 على رأس 44 (+1 = 45) شهرا من التوطين الفاسد للهجرة، المواطئ لشهر ربيع الأول العدة من السنة الرابعة للتأريخ العمري، على رأس 37 شهرا من الهجرة الفعلية الموافق غشت 625م.غ. وهي عنده على الترتيب بعد غزوة بني النضير، وقال:" وَكَانَتْ لِهِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا، وَغَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا سِتّ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ رَوَاحَةَ." اصلاح قالبه وفق شهور العدة والهجرة الفعلية يفضى إلى رأس 31 شهرا، وهو رمضان العدة قبل شوال أحد للهجرة الفعلية. والفارق بين توطينه لأحد وتوطينه لبدر الموعد وفق شهور العدة هو 7 أشهر، وعلى قالبه وتوطينه فالفاصل الزمني بينهما 13 شهرا. اضافتها الى رأس 32 شهرا من الهجرة الفعلية يفضي بنا إلى ذي القعدة من السنة الرابعة للتأريخ العمري، وهو السائد عند من تابعه في اسم الشهر على أنه للعدة. وما دفعه لتاريخ الغزوة بذي القعدة إلا الروايات الواردة عن خروج المسلمين فيها ببضائع يبيعونها في سوق بدر، وهي سوق كانت تقام لهلال ذي القعدة. النسي، يدور موسمها هذا مع دوران موسم الحج وفق النسي. وفي المحبر أن الرسول خرج اليها يوم الخميس مستهل شعبان ورجع يوم الأربعاء لعشر بقين منه ولم يلق كيدًا. وهو نفس شعبان النسي الذي ارخ به ابن اسحاق الغزوة من سنة أربع للنسي. في تفاصيل المتن اورد الواقدي روايات مفادها أنه:
يُقَالُ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ: مَوْعِدُكُمْ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ (وهما رجب النسي وشعبان النسي) فيكون الموعد على هذا القول في رمضان النسي، المواطئ لمحرم العدة، وهي رواية انطلقت في الاصل من اعتبار المحرم رأس الحول.
"لَمّا أَرَادَ أَبُو سُفْيَان أَنْ يَنْصَرِفَ يَوْمَ أُحُدٍ نَادَى: مَوْعِدٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ رَأْسَ الْحَوْلِ، نَلْتَقِي فِيهِ فَنَقْتَتِلُ." والحول في الاستعمال القرءاني المبين هو 10 أشهر استعمله أساسا في سياقات الحمل والرضاع وعدة المرأة المتوفى عنها زوجها، وهو استعمال مفارق للغو العرب، أما رأس الحول في تعبير أبي سفيان والعرب عموما فهو نهاية طور النسي الجاري ومستهل الطور المقبل، وحيث أن التحقيق الكلنداري استقر عندنا إلى الآن على صحة التوطين السائد لغزوة أحد على رأس 32 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بجمادى الثانية النسي من الطور 16، فان ما قاله ابو سفيان يعني أن الموعد المضروب بينه وبين المسلمين محله صفر النسي مستهل الطور 17 على رأس 46 ( + 2) شهرا من التوطين الفاسد للهجرة، المواطئ لجمادى الثانية العدة من السنة الرابعة للتأريخ العمري، على رأس 39 شهرا من الهجرة الفعلية، الموافق أكتوبر 625م.غ بعد 7 أشهر من غزوة أحد. وهو صفر النسي الذي أرخ به الواقدي غزوة ذات الرقاع. لكن الذي وقع هو أن اختلاف العدتين قد يدفع المسلمين الى الخروج الى بدر الموعد في محرم العدة باعتباره رأس الحول هذا لو كانوا يؤرخون من محرم الى محرم؟ وهذا الاختلاف في تحديد المقصود برأس الحول مصداق قوله تعالى: ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد. والله أعلى وأعلم.
الروايات التي تصر على التصريح بالعام القابل روايات وتلفيقات تتهرب من الاشكال وتقفز عليه، صحيح أن شعبان النسي مواطئ بذي القعدة العدة -الذي يؤرخ به الجمهور ممن تابع ابن اسحاق لغزوة بدر الموعد- في الطور 17 من أطوار النسي الجاهلي، على أنه لوكان العكس لكان صحيحا، فلا يمكن أن ينعقد هذا الموسم في ذي القعدة العدة ما بقيت قريش تتحكم في السلم والحرب و حركة التجارة بالنسي الجاهلي. وعلى ذلك نقر توطين الواقدي لغزوة بدر في ذي القعدة النسي من الطور 16 على رأس 44 (+ 1) شهرا من التوطين الفاسد للهجرة، المواطئ بشهر ربيع الأول العدة من السنة الرابعة للتاريخ العمري، على رأس 37 شهرا من الهجرة الفعلية، خرجوا اليها الجمعة مستهل ربيع الاول العدة الموافق 12 غشت 625 م. غ، وعلى تاريخ المحبر فقد رجعوا يوم الاربعاء لتسع بقين منه وتاريخه لا يصح في جميع الاحوال الا بطرح ليلة منه أو كبس ذي القعدة النسي، كما هو الشأن ايضا لتاريخ الواقدي فالخروج عنده مستهل الشهر والغيبة ست عشرة ليلة والعودة لأربع عشرة ليلة بقيت، و هذا قول غير ممكن في الحالة البسيطة للشهر، فاذا كانت الغيبة 16 ليلة فلا يبقى من شهر ذي القعدة الا 13 ليلة، اللهم الا اذا كبست قريش شهر ذي القعدة النسي، فهو صحيح كلنداريا، وهو كذلك لوقوع الاقتران الفلكي لصفر النسي خارج الليلة 59 من ذي الحجة فاستوفي كل من ذي القعدة وذي الحجة 60 ليلة لكل واحد منهما حسب معايير تقويم الليالي العددية العالمي الموحد. وعلى هذا كانت الغزوة بعد 5 أشهر من أحد. وربيع الأول العدة هذا هو رأس الحول بالنسبة للمسلمين الأوائل لتأريخهم من مقدم الرسول، من ربيع الى ربيع. الرسول كان على علم تام باستحالة التوافق على موعد مضروب بينه وبين قريش للآية، ولم يكن عنده القرءان لغوا. فخرجوا ببضائعهم الى الموسم. و حينما اتفق الرسول معهم في صلح الحديبية فقد كان ذلك على ظاهر عدتهم، وتواعدوا معه على ان يعتمر العام القابل فعصم من عدتهم بان كان شوال الذي اعتمر فيه عمرة القضية في حقيقته مواطئا لذي الحجة العدة، ولو زعم الشيوخ ما زعموا فإنما يهرفون بما لا يعلمون، وظاهر بعض روايات غزوة بدر الموعد يفيد ان قريشا لم تكن على علم اصلا بنزول المسلمين بدرا لموعدهم الا بعد قدوم ابن الحمام بالخبر اليهم اذ جد في السير وطوى المسافة بين بدر ومكة طمعا في اكرام قريش له، وقال ابو سفيان: قَدْ وَاللهِ صَدَقَ فَنَفَرُوا وَجَمَعُوا الْأَمْوَالَ، فَمَنْ نَشِطَ مِنْهُمْ قَوَّوْهُ، وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ دُونَ أُوقِيَّةٍ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَقَامَ بِمِجَنَّةٍ مِنْ عُسْفَانَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُقِيمَ، ثُمَّ ائْتَمَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا يُصْلِحُكُمْ إِلَّا عَامُ خِصْبٍ تَرْعَوْنَ فِيهِ السُّمُرَ وَتَشْرَبُونَ مِنَ اللَّبَنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضَلٍ." ( دلائل النبوة – البيهقي- الجزء 3 – الصفحة 386).
في الحروب القديمة حيث الاعتماد الكلي على الظهر للتنقل وعلى الخيل والابل في القتال فان الاهتمام الاستراتيجي ينصب بشكل كبير على مدى ملاءمة الموسم الفصلي للخروج واعلان الحرب من حيث الخصب والجدب و توفر الماء والكلأ والعشب من عدمه، فهو مادة الحرب ووقودها دونها عطب الدواب، وتوفر هذه العناصر من ضرورات تحقيق النصر كما هو الحال ايجابا في غزوة أحد، وكما هو الحال سلبا في غزوة الخندق، ووعي قريش بهذه المسألة فاصل في تكرار الحرب على المسلمين يوم الخندق في نفس الموسم الزمني لغزوة أحد طمعا في الاستفادة من زروع المدينة كمرعى للخيل والابل، غيرانهم اصطدموا في غزوة الخندق بعام جدب فكان ذلك من أسباب هزيمتهم رغم كثرة حلفائهم وتحزيبهم الأحزاب، اذ نفذ صبرهم من الاستمرار في الحصار لما هلك الكراع وجدب الجناب حيت سرحوا الدواب من طول المكث وجفاف الموسم. ومن هنا ايضا يمكن تفهم – مع استحضار اختلاف معنى رأس الحول عند الطرفين- تردد قريش في الخروج لميعاد بدر الآخرة في زمن الصيف، وذاكرة الحرب القرشية ربطت نفسيا بين الصيف والهزيمة وبين الشتاء والنصر، فكان ذلك مدعاة تطيرهم من الخروج في الصيف، تماما كما ربطت الذاكرة الاسلامية نفسيا بين رمضان والنصر وتشاءمت على استحياء من شوال. في النهاية هذا ما استقر عندنا من هذه المتاهة الى الآن و قد نعيد النظر فيه اذا اقتضى الأمر ذلك، فالتواريخ في النهاية محصلة قوالب والزامات كرنولوجية يبنى بعضها على بعض وقلما تكون من راوية معاصر، وما من ذاكرة فردية مغلقة، وواهم من يعتقد ان هذه التواريخ محصلة ذاكرة بكر سجلت الواقعة يوم وقعت بتاريخها، بالاسم والعدد والشهر، كلا. ان الذاكرة ذاكرة مثاقفة تتفاعل مع بعضها البعض ومع حقائق الباحثين(أئمة المغازي الاقدمون) لصياغة سردية نهائية متوافق عليها تعيبها ذاكرة الهامش، المقصي من أي فضل أو وجاهة اجتماعية، والحفر في طبقات وسيرورة تشكل هذه الذاكرة الجماعية هي السبيل الوحيد أمام المؤرخين لبناء تاريخ نسبي يقفز على التجاذبات السياسية والمذهبية بمحاولة كشف المنطق الكامن وراء كل ذاكرة، ونحن متى ما أتى الراوي بالسياق وتوغل في التفاصيل اعتبرنا قوله وحققناه على محك الأدوات النقدية المتوفرة لنا وعلى ضوء القوالب الكرنولوجية بغض النظر عن أي شيء آخر. ولا يهمنا الصدق والكذب ولا هل فعلا وقع ما قال أو كان الأمر على ما زعم ما لم ينص القرءان على ذلك بشكل من الاشكال، الروايات عموما وروايات الغزوات والحوادث خصوصا مهما بلغت درجتها الحديثية هي عندنا مادة مصدرية للتاريخ الشفوي والاعتبار الذاتي ولا يعنينا اعتبارها نصوصا اصولية لاستنباط الاحكام، فتلك مهمة الشيوخ الذين فضلوا البشري الجاهز على الالهي العصي على الفهم والطرق، فيعكسون الأمر، ينطلقون من الخارج إلى الداخل، وينتجون بذلك افهاما مشوهة تعمم الأنساق المعرفية على الزمن من لدن آدم الى يوم يبعثون، ويجعلون بذلك الاسلام لعنة على العالمين.
المرفقات: رابط الكلندار النبوي
https://drive.google.com/drive/folders/1TJFRC-Ve9P67Qn0TTrP-ecS81pdX7COD?usp=sharing








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل


.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ




.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا


.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - وفد من حماس يصل إلى القاهرة لاستكم