الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القبيلة والقبلية في إطار فرضية القطيعة والتواصل

محمد الهادي حاجي
باحث متحصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع

(Hajy Mohamed Hedi)

2020 / 12 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


القبيلة والقبلية في إطار فرضية القطيعة والتواصل:
من خلال ثنائية "القطيعة والتواصل" تتحدد إشكالية دراسة الظاهرة القبلية في المجتمعات العربية عموما بشكل موضوعي بعيدا عن توظيف المفاهيم الغربية بدعوى المعاصرة، مراعاة لخصوصية المجتمع المحلي التي تشكل هوية المجتمع الشامل ضمن السياق التاريخي والحضاري العميق.
ويبقى المجتمع العربي المعاصر في حاجة ماسة إلى توجه علمي جاد تُراعى فيه الخصوصيات الثقافية والحضارية والتاريخية ضمن أطرها الاجتماعية التقليدية ليتأسس البحث السوسيولوجي الذي يلتصق بالمجتمع المدروس منهجا وموضوعا.
تعتبر ثنائية "القطيعة والتواصل" تحاول البحث في "الثابت والمتحول" ضمن فرضية مركبة وليست متناقضة، فهي متكاملة تجمع بين عناصر التغير والثبات. فهي "تتضمن إقرارا بحصول تحولات حقيقية في بنية العلاقات الاجتماعية والسياسية، وفي الوقت نفسه تتضمن وعيا بتواصل بعض العناصر المنتمية إلى حقل تاريخي قديم (تقليدي)، واستمرار تحكمها في الواقع الراهن بطريقة أو بأخرى"( ).
فماهي جملة الأسباب التي تقف وراء عودة النزعة القبلية في أغلب الأحداث السياسية في الوطن العربي من جديد؟ هل هو بحث الفرد عن الحماية في ظل التوترات والنزاعات حول المصالح والسلطة؟ هل هو بحث عن الإشباع الثقافي في ظل هيمنة العولمة؟ هل هو مجرد وسيلة للبروز وتحقيق المصالح الفردية والجماعية؟ هل هو فراغ الدولة ومؤسساتها؟ هل هو ضعف "المجتمع المدني" وعدم قدرته على إشباع الفرد وتحقيق التطور؟
هي أسئلة لا يمكن تناولها خارج إطار فرضية القطيعة والتواصل ضمن واقع يقول عنه نجيب بوطالب بأنه "يتميز بثنائية استمرار التقليدي في الحداثي، والعصري في القديم، أنماطا ونماذج متداخلة متعايشة" ( ) هذه الجدلية تجنبنا تجاهل خصوصيات المجتمعات العربية عموما وتنبهنا إلى انزلاقات التحاليل التي تقوم بإسقاط المفاهيم وتعممها مما يجنبها الموضوعية كالقول بأن تجربة التحديث ساهمت بشكل جذري في استبدال البنى التقليدية بأخرى عصرية ومستحدثة وتوحيد مرجعية الفرد والمجتمع ومحو كل الفروق والاختلافات بين البدو والحضر، من خلال عملية التفكيك منذ الاستعمار وصولا إلى الدولة الوطنية (على الأقل في أقطار المغرب العربي) للهياكل العروشية والقبلية والبدوية وتغييرها بهياكل دولانية مركزية تشرف على إعادة تشكيل المجتمع ومشروع التحديث وشحن هويته من جديد. تبدو هذه الفرضية محدودة جدا من الناحية العلمية وسرعان ما تكشف محدوديتها في أول احتكاك بالواقع، فلا الزمان ولا المكان يكسبها النجاح رغم أنصارها الذين مازالوا يتحدثون عن "اندثار القبيلة" أمام انتشار قيم المواطنة و"فاعلية المجتمع المدني" ومؤسساته وثقافة العولمة وانتشار التعليم والتكنولوجيا الحديثة.
إن التحولات التي نتجت عن الاستعمار ثم الدولة الوطنية أدت إلى زعزعة البناء القبلي والأطر الاجتماعية التقليدية وظهور علاقات جديدة لكن هذه الصدمة ( ) كما يسميها بوطالب لم تكن قادرة على إخفاء النزعة القبلية المتواصلة في العقلية والثقافية والممارسات الاجتماعية الفردية والجماعية فتكون أحيانا متخفية وأخرى علنية حسب الظروف والسياق العام للمجتمع (حالات الثورات، الانتخابات، نزول الأمطار...).
ونظرا للتحديث الفوقي والتغيّر المسقط فإن البنية القبلية لم تعد تعبّر عن نفسها عبر أشكالها التقليدية ككيان اجتماعي جلي له وجوده وإنما أصبحت تتمظهر بصور جديدة لا تقطع مع الماضي من خلال الظواهر القرابية والعشائرية والجهوية ( ) ضمن حقول متعددة متى توفرت الفرصة أو المناسبة، وهي ردود فعل ليست اعتباطية وإنما هي نتيجة التفكيك الذي تعرضت له القبيلة في ظل الدّولة الوطنية رغم التوظيف الخفي والمعلن ( )، وهو تفكيك أدى إلى انعدام التوازن في البناء الاجتماعي لأن الانتماء القبلي يمثل مصدرًا المكاسب الرّمزية والمادية وما يلعبه من أدوار تساهم بشكل أو بآخر في التنشئة الاجتماعية للأفراد ( )، هذا البناء الذي لم يكن في حالة تقبل طوعي أو تفاعل إيجابي مع شكل ومضمون "التحديث والتنمية" خاصة إذا علمنا أن دينامية الدولة أقوى من دينامية المجتمع (على الأقل في تونس) في سياق جدلية الدولة والمجتمع، فالدولة هي المحدّث (modernisateur)والفاعل الاجتماعي (acteur social) والاقتصادي (Acteur économique) في نفس الوقت وهي مستويات "الدولنة" التي تؤدي إلى تآكل المشروعية وخلق الأزمات مثل الربيع البربري سنة 1988 في الجزائر، أحداث جوان 1984 في المغرب الأقصى، أحداث 26 جانفي 1978 في تونس، وهي أزمات أو وقائع تؤكد مشروعية علم اجتماع الانتفاضة (sociologie de l’émeute)، وفاعلية استعماله المعرفي.
إن مفهوم الاندماج الوطني لم يخف دوائر الانتماء الأخرى كالقبيلة والعرش والجهة، وهو ما يعكس ازدواجية الانتماء لدى الفرد وتشتت الولاء بين الوطني والقبلي أو الجهوي الضيق ثم إنه جدير بنا الاشارة في هذا السياق إلى أن أداء الدولة قد حافظ على خصائص خلدونية من ضمنها العصبية ومقايضة الولاء بالمكاسب الاقتصادية و"إثبات شرعيتها لضمان استمرار تحكمها واسترجاع إشعاعها عن طريق توظيف العصبيات القبلية." ( ) فالقبيلة بقيت تقاوم الدولة أحيانا وتتعايش معها أحيانا أخرى رغم التناقض الجوهري بينهما.
وذلك من خلال عملية التوظيف السّياسي للقبيلة في تونس منذ الفترة الاستعمارية وصولا للدولة الوطنية بقيادة النخبة السياسية، فلا يخفى على أحد أهمية الصّراع البورقيبي اليوسفي مثلا في إبراز الانقسامات القبلية والعروشية، وهذا التوظيف بقي متواصلا حتّى في ظل إعلان الدّولة لخطاب سياسي. هدفه القضاء على كلّ بنية تقليدية تهدد مشروع التحديث المعلن.
وهو نوع من المرونة في تحديد الانتماء للفاعل الاجتماعي من طرف الدولة في المغرب العربي يقابله نوع من المرونة أيضا في الايديولوجيات السياسية في هذه المنطقة، وهو ما أدى إلى تعدد الانتماء وتشكيل هوية محورها التنوع والثراء (المغرب وتونس)( ).
هذا دون أن نغفل التهميش الاقتصادي أو التنموي في إطار ما يسمى في الخطاب السياسي للنخبة السياسية بـ التنمية و"التغير" و"التحديث"، "المجتمع الجديد"... هذه النخبة التي صادقت "على فكرة ترسيخ التحديث دون حداثة، وعلى النمو دون تنمية، واعتبرت أن هذا التحديث قد نجح في اجتثاث البنى التقليدية أو تحييدها تحت تأثير هبة التحرر من الاستعمار وبناء الدولة الوطنية" ( ) فكيف نفسر إذا استمرار الوعي القبلي وظهوره في عديد المناسبات (السياسية، الثقافية، العقارية...) وعبر مظاهر التضامن القرابي والنصرة العروشية والهبة الجماعية في عديد المواسم (الحصاد، الزواج...)؟
هذه الأمثلة تدلل على إعادة إنتاج للعلاقات الاجتماعية التقليدية بسبب انعدام الأطر السياسية والمدنية القادرة على استيعابها وتأطيرها وتلبية حاجياتها المادية التنموية والثقافية والنفسية، إضافة إلى الاقصاء والتهميش وتدني مستوى المشاركة وغياب الحوار، مما يجعل الفرد يهرب لأطره التقليدية لسدّ ذلك الفراغ واتساع الهوة بينه وبين البناء الاجتماعي الجديد" بمؤسساته وأجهزته "بحثا عن الأمن والأمان وطلبا للاستقرار لمواجهة مظاهر الخوف والظلم والاحتياج" ( ). نسعى من خلال القطيعة والتواصل كمقولة منهجية إلى رصد ما ينقطع وما يستمر صيرورة المجتمع.
فالقول بالقطيعة وحدة لا يستقيم، كما أنّ الجزم بالتواصل وحده لا يكفي، فهما يشكلان اللوحة السوسيولوجية التي لا تنتظم ملامحها بإغفال أحد هذين "البعدين". ( )
فرغم الحديث عن القطيعة في تونس مع البناء القبلي بسبب الرغبة -منذ الاستعمار وصولا للنخبة السياسية البورقيبية إبان الاستقلال انتهاءا بحكم بن علي- الجامحة في التعبير بكل إلحاح عن الايديولوجيا التحديثية ومقاومة البنيات التقليدية ضمن برنامج يرتكز على بناء هوية جديدة باعتبارها بعدا أساسيا من أبعاد التحديث ومستوى فاعلا من مستويات المسألة الثقافية في تونس، يصرح أحد بناة الدولة في تونس قائلا "كان الرئيس التونسي شاعرا بأن هذا التفتت (العروشي والقبلي) يشكل خطرا كبيرا على البلاد، لذلك عمد إلى تجميع السلط والاتجاهات في مركز سياسي، ولقد كان لي شرف إحداث نظام الولاة، وكنت أول مدير إدارة جهوية في البلاد، فأنا صاحب النص الأول والتركيز الترابي الأول. لقد كان هدفنا توحيد التونسيين وإيقاف تيار التفرقة، حذفنا القيادات ووضعنا الولايات، وقد أثارت هذه العملية الجزئية حساسية كل الذين اعتادوا على نظام القيادات والعروش وكان بين المحتجين حتى بعض المقاومين والمناضلين، غير أن الرئيس رفض إرضاء الخاطر والحياد عن السياسة التي سطرها منذ البداية"( ).
كان عمل النخبة السياسية منذ الاستقلال يهدف إلىمركزة السلطة وتوحيد المؤسسات وبنائها لتكون ذات فاعلية ونجاعة والقضاء على الاختلافات بين البدو والحضر بمحاصرة القبيلة وصهرها في بوتقة المجتمع الجديد وتوحيد المرجعية التونسية من خلال إعادة بناء المخيال الجماعي و"استبدال" البنى التقليدية بأخرى "عصرية" جديدة ضمن مشروع تحديث يكون هاجسه سياسيًا وحضاريًا وثقافيا، يقصي الهياكل العروشية والقبلية والبدوية ويؤسس لهياكل دولانية مركزية لخلق إنسان موحد الولاء للدولة لا غير( ).
و"رغم تبني الدولة خيار التحديث الشامل، ورغم نجاحها في إقامة بعض المؤسسات المدنية، التي ظلت غير محصنة من تفجر النزاعات والصراعات، وخاصة ما سمي في الجهات الداخلية بالصراعات العروبية، لا تزال أجهزة الضبط والمؤسسات تتعرض إلى تحديات خطيرة تصل في بعض المجالات حد التمرد."( )
يمكن القول في هذا السياق أنه رغم مركزية الدولة في تونس ورغم البرامج المعلنة في تغيير المجتمع فإن ديناميكية القبيلة لم تختف بل برهنت من خلال الواقع على أنها ليست مقولة تاريخية كما عبر عنها السياسيون وإنما هي محرك الأحداث على الواجهة السياسية بل أصبح موضوع القبيلة القديم-الجديد مدخلا منهجيا لفهم وتفسير الانفجارات الاجتماعية الحاصلة منذ عقود.
إن القول بإعادة تشكيل الإنسان التونسي وبناء مخياله ( )كما يرى السياسيون في تونس منذ الاستقلال لم يؤد إلى إلغاء كل مظاهر الانتماء إلى القبلي ثقافيا ونفسيا واجتماعيا( ).
يشير البشير العربي في دراسته عن التحولات الاجتماعية والبناء القبلي ومستويات التنمية في حامة بني زيد بالجنوب التونسي، إلى أن المجتمع القبلي قد فُرضت عليه عناصر ثقافية جديدة دون المشاركة في صياغتها أو تلاؤمها مع تصوراته مما جعل تماسك هذه البنية ينهار خاصة أمام فك عزلتها الاقتصادية وممارسة الدولة لنماذج متعددة من التخطيط الاقتصادي والتنموي
رغم حدوث التحول في نسق القرابة في المجتمع الشامل بإحلال الولاء للدولة المركزية محل الولاءات التقليدية الضيقة للقبيلة والعشيرة والأسرة والعرش( )فإن ذلك لم يحجب استمرارية البنية على مستوى "العقلية" الاجتماعية واللاوعي الجمعي ...واللاوعي الجمعي من خلال الحقل السياسي وآليات اشتغاله وكذلك الملكية الجماعية التي رغم تفككها تولدت عنها أدوار اقتصادية واجتماعية في العائلة، وهو الدور التقليدي الذي مازال يحمل بصمات العقلية القبلية الموروثة( ).
فالنظام الاقتصادي القبلي شهد تحولا لا يمكن إنكاره من خلال الإنتاج الموجه للسوق، ووجود العملة عوضا عن المقايضة وتقلص كبير لوحدة الإنتاج العائلية وظهور العمل كقيمة محددة بأجر وأصبح السوق هو الإطار التبادلي الحر في التجارة الفلاحية أو الصناعية، وأصبح للربح قيمة كبيرة هذا الانفتاح على السوق جعل من الاقتصاد القبلي المعاشي يتحول إلى اقتصاد تبادلي نقدي موجه للاستهلاك وهو تحول لم يقطع مع ملامح أو مظاهر الاقتصاد القبلي الموروث حيث إنتاج المحاصيل الزراعية المعاشية لتوفير ما هو أساسي أو ضروري إضافة إلى ضعف تقسيم العمل وعدم التخصص وبروز العلاقات التضامنية في موسم الحصاد وجني الزيتون والحراثة وروح التضامن القائم على العادات والأعراف والتقاليد الحاضرة في الأذهان( ).فالطفرة الاقتصادية التي تمر بها القبيلة من ناحية تحسن المستوى الاقتصادي للأفراد لا يجعلهم يجمّدون ولاءهم للقبيلة بل يلجأ الفرد إلى البحث والحفر في التاريخ لإحيائه كماض والبحث عن الصّور التي تعكس تلك الرّوح أو التزعة المرتبطة به للتفاخر بها وتلميعها.
إن القطيعة والتواصل لم تعد فرضية تفترض أو إشكالية تطرح فحسب، وإنما أصبحت تمثل توجها نظريا وبحثيا يستقطب اهتمام الدارسين للمجتمع القبلي أو المعاصر على حد السواء خصوصا في ظل التحولات الاجتماعية المعاصرة المحلية والدولية سواء تعلقت بالتغير الاجتماعي والتحديث أو المتعلقة بمسألة الهوية الثقافية أو الخصوصية الثقافية، في ظل زحف العولمة وعولمة الثقافة. وهي إشكاليات أو مسائل أعادت النظر وحتمت مراجعة المفاهيم نفسها ومحاولة فهم البناء الاجتماعي بأكثر تعمق أو تخصص خاصة في ظل استمرار الصراعات الآثنية والعرقية والطائفية والقبلية التي لا تهدأ ولم تعد ترتبط بالزمان والمكان، بل أصبح الإعلان عن انتهائها بداية لنشاطها. هذه النزعات تمتلك القدرة على الفعل والانفعال في تأثيرها على مجريات الأحداث الداخلية والخارجية، وهي مسألة جديرة بكل اهتمام سوسيولوجي يتخلص من الأفكار المسبقة والمؤدلجة، لأن خطوط التقسيمات الطائفية والدينية والآثنية والقبلية تلتقي مع التمايزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية مما يجعل الاهتمام بهذا الموضوع المتعلق بالبحث في خفايا ومظاهر هذه النزعات شديد الارتباط بالتأثيرات الثقافية (السياسية، الدينية...) لذلك فإن طرح المسألة من وجهة النظر السوسيولوجية وبحثا عن تمثيل حقيقي للواقع وتعبيرا عنه يجعلها ترقى لدرجة الموضوعية (objectivité) أو ما يسميه ماكس فيبر بـ"الحياد القيمي".
ومن هذا المنطلق يمكن القول أنّ البحث السوسيولوجي لا يفصل مع التاريخ على اعتبار أن الظاهرة الاجتماعية هي تاريخية بالضرورة وليكون قادرا على تفسير الحاضر وتقديم الأجوبة العميقة للإشكاليات الراهنة، ومن ذلك استشراف المستقبل كان من المفيد الرجوع للمنهج التحليلي التاريخي.ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أنواع التعصب في المجتمع العربي للتدليل على أهمية ظاهرة العصبية (دينية أو قبلية أو أثنية...).




جدول عدد 1: أنواع التعصب في المجتمع العربي ترتيبا ـ ( )ـ
تسلسل حسب الأولويات مقياس التعصب التعصب%
1 تعصب ديني 94.7
2 تعصب إقليمي 91.6
3 تعصب طائفي 91.4
4 تعصب عائلي 89.7
5 تعصب قبلي 88.6

يظهر من خلال هذا الجدول أن العصبيات تحرك بنية المجتمع العربي وهي المدخل الأهم لفهم التوترات والصراعات والتناحرات والتحالفات، وكلما تفجرت الطائفية والمذهبية والقبلية إلا وظهر التفتت والتجزؤ والانقسام في المجتمع الشامل وغلبت النزعات الذاتية والأهواء وغاب الفعل العقلاني والسلوك المدني.
تطفو هذه الهويات على السطح خصوصا في فترة الأزمات سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية.
ويتخذ هذا الصراع طابعا سياسيا من أجل الهوية والفوز بالثروة في شكل خفي لا يظهر فيه العنف في الظروف العادية وأحيانا تحدث الانفجارات الاجتماعية بسبب انحسار الأفق أمام هذه الهويات الخاصة.
إن القطيعة والتواصل كمدخل منهجي مزدوج يعرفنا على عناصر الانقطاع والتغير من جهة وعناصر التواصل والاستمرار من جهة ثانية لكن كيف يمكن تحديد ما انقطع وما تواصل في بنية المجتمع المعقدة؟ ما هي المؤشرات المحددة لذلك؟ خاصة إذا علمنا أن المؤشرات الخارجية (indices externes) لا تدل بالضرورة على التبدل أو التغير ومن ذلك الانقطاع، هذه الجدلية لا تقبل التكميم وإنما هي مسالة معقدة تتنزل في سياق معرفي يحاول التنسيق بين الفهم والتفسير لإنتاج الدلالة السوسيولوجية التي تستند للتاريخ والمعيش، فما يبدو من التاريخ ـ أو يعد ذكره تاريخا - (حسب ما يعتبره البعض) قد يظهر أمامنا في الحاضر وحتى في المستقبل في إطار عملية إعادة إنتاج (reproduction) فالعلاقات التقليدية والتكتلات العائلية والنزعات القبلية... كلها لا تزال تتعايش وتتكيف مع كثير من المتغيرات العميقة التي عرفها المجتمع، فهي مستمرة في ظل عمليات "التحديث" و"التنمية" بعد انتصاب الدولة الحديثة، وهي رغبة في الحفاظ على التقاليد المتجذرة في المجتمع، وهي رغبة خفية أيضا ومشحونة بذهنية تغلب الانتماء الضيق، ومن هنا فان تبدل الإنسان لا يتم إلا بتغيير قيمه وثقافته، بما أن هذه الأخيرة هي الموجهة لسلوكه والحافظة لإرادته.
إن الحديث عن القطيعة وحده لا يكفي رغم حدوثها في صلب المجتمع لأن التغير المادي لا يصاحبه بالضرورة التغير الذهني والثقافي، فالتحضر لا يعني انقطاع أو انتهاء البنى التقليدية وظاهرة ترييف المدن خير دليل على استمرار وتواصل التكتلات والنزاعات بين الأحياء استنادا للانتماءات الجهوية والعروشية والقبلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة