الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا كمنعطف للتفكير الفلسفي

محمد بقوح

2020 / 12 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


1 - لماذا الجمع هنا بين كورونا و المنعطف باعتبار هذا الأخير تحول نوعي ..؟
إن ما يفسر الجمع بين "كورونا" كوباء عالمي ، ومسألة "المنعطف" كمحطة تاريخية في حياة البشرية ، هو وجود بعض الاختلافات المميزة لكل طرف من جهة ، وثمة تقاطعات مشتركة بين الجانبين من جهة أخرى.

1- 1 الاختلافات
من الملاحظ أن فيروس كورونا كوفيد 19 كما يسمى علميا ، من إنتاج الطبيعة التي يعيش فيها الإنسان ، إذا جاز لنا أن ننفي أطروحة المؤامرة. يعني أنه كائن حي مجهري جزئي طبيعي مثله مثل هذا الإنسان. غير أن "المنعطف" كمفهوم له علاقة بالمرحلة الحضارية و التاريخية التي صادفت ظهور فيروس "كورونا" في الحياة البشرية. هكذا يبدو فيروس كورونا كعلة وفاعل من حيث تأثيره على الإنسان ، في حين اعتبرنا المنعطف كأرضية موضوعية وشاهد تاريخي على واقع هذا المستجد الوبائي من قبل عنصري الطبيعة: الكائن المجهري الجزئي ، نعني به فيروس كورونا ، و الكائن الحي الذي يفكر و تمكن من إنتاج الحضارة ، ونعني به الإنسان. إذن ، نكون هنا أمام مواجهة بين ما هو غرائزي – فطري في الطبيعة (فيروس) ، وبين ما هو ثقافي فكري أنتجه العقل الخالص للإنسان في هذه الطبيعة. هكذا ، نضع يدنا على أهم اختلاف أساسي بين كورونا الذي يبدو ظاهريا أنه فعل علة ، في حين يحتل الإنسان كضحية لموقع رد فعل. غير أننا ، عندما نعمق نظرنا في العلاقة الجدلية بين الطرفين سنلاحظ العكس تماما. أي أن فيروس كورونا ما هو سوى رد فعل ، وليس بفعل ، لفاعل طاغ مضاد في الطبيعة هو الكائن البشري.

1 – 2 التقاطعات
من البديهي ، و امتدادا لما قلنا سابقا ، أن القاسم المشترك بين "كورونا" ككائن مجهري يقتل بصمت عبر الجسد ، ومسألة "المنعطف" الذي يرتبط بزمان ومكان حدوث الظاهرة الوبائية. بحيث ، لا يمكن لكورونا كفيروس مرضي أن يحقق وظيفته المميتة ، بدون ولوجه الجسد البشري عبر التفاعل و القرب و الاحتكاك. كما أنه بالنسبة للمنعطف المتحدث عنه ، بدوره لا يمكنه تحقيق دوره كمحطة من أجل ضمان التحول و التغير النوعيين في مجال الطبيعة وصلتها بالإنسان ، إلا من خلال البيئة الطبيعية للمكان و علاقتها الجدلية بالزمان و التاريخ..

2 - لماذا اعتبرنا أزمة كورونا بمثابة منعطف للتفكير الفلسفي.. ؟
2 - 1 الأزمة و الفلسفة
يزدهر الفكر الفلسفي في لحظات الأزمة التي قد يعاني منها الفرد و المجتمع و العالم ككل ، باعتبار البعد النقدي للفلسفة القادرة على طرح سؤال تلك الأزمة و التفكير فيه بعمقها المعروف أكثر من أي علم أو معرفة إنسانية أخرى. لهذا ، فالعلاقة بين انتعاش التفكير الفلسفي و نشأة الأزمة لدى الأفراد و جماعات مجتمع ما ، هي علاقة جدلية ، تلقي بظلالها إلى إمكانية توسيع أفق التفكير الفلسفي كلما تعمقت الأزمة في واقع المجتمع ، و انحصر عيش الإنسان و استقراره بوجود نوع من الانقلاب في حياته القيمية.
2 - 2 كورونا و التفكير الفلسفي
إن ما يفسر العلاقة بين كورونا كمصدر للمرض و الوباء، و الفلسفة كفكر تأملي إنساني ، هو البعد الإختلالي الذي يصاحب كورونا كأزمة ، و البعد النقدي الذي يعتمده الفكر الفلسفي باعتباره معرفة للتأمل و السؤال والتعرية ، وفضح المستور السائد في واقع الحياة البشرية. إذن ، فالتفكير الفلسفي في أزمة كورونا هو تفكير طبيعي ، يمكن أن يهتم وينشغل بأي مظهر من مظاهر الأزمة في المجتمع وعند الإنسان سواء كفرد أو كجماعة. بمعنى ، أن انشغال فلسفة اليوم كما نتصور بقضية كورونا لا يختلف كثيرا عن انشغالها بقضايا المجتمع و الطبيعة المحيطة بالإنسان. غير أن تركيزها راهنا كان هو مجال الطبيعة و الوجود و القيم و المعرفة ، باعتبار كل هذه الموضوعات لها علاقة وطيدة بأسباب كورونا ونواتجها..
2 - 3 سؤال الخطورة بين الفلسفة وكورونا
ما لا يقتل يقوي كما قال نيتشه في إحدى كتاباته. لهذا ، فطعم الحياة يوجد بسلك سبل المغامرة حيث يوجد الموت وتحديات الخطورة. أما الحياة السهلة البسيطة فلا تربي في الإنسان سوى الخضوع و النزوع إلى كسل الذهن و انبطاح الجسد وجفاف الوجدان ..
هكذا ، نلاحظ مدى تشابه فعل الفلسفة وتأثير كورونا ، باعتبارهما معا يوجدان في وضعية تفرض عليهما خوض غمار التحدي وكسب رهان النصر.. فالفيلسوف محارب في تاريخه الطويل منذ حكماء الإغريق القدامى. لا يعرف المهادنة ولا التفاوض مع أعداء الحياة. لهذا ، فكان دوما و أبدا إلى جانب الإنسان وضد صناع الموت. من هنا ، نرى اليوم هذه المعركة التي تخوضها الفلسفة من حيث أنها فكر نقدي ضد الخطورة التي أنشأتها كورونا ضدّ الإنسان. الفلسفة تقارب وتحلل وتلاحظ وتقارن وتستنتج..، ولا تبرر وجود كورونا كمظهر من مظاهر مقاومة الطبيعة لصناع بوادر نهايتها..
إن الفيلسوف حين يواجه الظلام ، ويفكر في واقع الموت الذي فرضته كورونا في المجتمع العالمي ، يجد نفسه موزعا بين مستويين قد يبدوان لأول وهلة متناقضان ، لكنهما غير ذلك ، لأنهما يكمل أحدهما الآخر. نعني بهما:
من جهة ، نجد الفيلسوف مع الإنسان الذي وقع ضحية كورونا. هنا يبدو الإنسان نتيجة لعلة كورونا. لهذا ، لا يتردد الفيلسوف في الدفاع عن هذا الإنسان الضحية كقيمة عليا ، بفضح الوضعية الصحية للمجتمع الرسمي ، ضدّ المجتمع العميق في المدن و الجبال و القرى. بحيث أن كورونا التي لا تفرق بين الفقير و الغني ، نجحت في كسر ما هو سائد في تمثلات الإنسان المعاصر ، وذلك بالكشف عن ضعف السياسات العمومية الكائنة ، وهشاشة أنظمة المجتمعات الطبية سواء كانت قوية أو ضعيفة ، يعني دول متقدمة أو متخلفة بالعبارات المتداولة سياسيا.
من جهة أخرى ، نرى الفيلسوف مع كورونا..، أي مع الطبيعة الضحية ضدّ الإنسان الطاغية.
هنا نلاحظ أن الفلسفة كفكر نقدي لابد أن تموقع نفسها إلى جانب الحق و الواجب ضدّ التهور و الباطل ، لأن الفيلسوف عندما يكون مع كورونا في الحالة الثانية ، يعني أنه ينتصر إلى قوة براءة الطبيعة وقضاياها البيئية ، باعتبارها ضحية لجبروت الإنسان منذ زمن هيمنة التصنيع وسلطة الرأسمال المتوحش. لهذا ، فالوضع السوي لعلاقة الطبيعة و الإنسان الراهن هو العودة إلى حياة التوازن بدون هيمنة أو تسلط أو غرور لجانب ضدّ الجانب الآخر. ومن تمّ ، فالفلسفة كفكر الحق و العدل على الأرض ، تدعو الطرفين إلى إقرار نوع من المصالحة بين الطبيعة التي لم تكن كورونا سوى مبعوث لها ، بمعنى من المعاني ، و بين الإنسان الراهن الذي نسي أنه يعيش كضيف في أحضان أرض الطبيعة التي هو جزء منها. لهذا ، فكل خطر يصيبها لابد أن يكون هو أيضا عرضة له..
هكذا ، نلاحظ أن ما سميناه بمنعطف كورونا هو مرحلة مفصلية في العالم الإنساني المعاصر ، قصد إعادة النظر في الكثير من يقينيات الإنسان الثابتة ، و التفكير في أسئلة أخرى طالما تجنب التفكير فيها وطرحها ، خاصة ما يتعلق بسؤال قيمة القيم في المجتمع البشري ، باعتبارها قيم تمثل وجوده ككائن نسبي في حياة الوجود الطبيعي. وبالتالي ، لابد من التخلي عن تلك النظرة الطبقية الفوقية و المحورية للآخر ، سواء كان بشرا أو طبيعة ، سعيا لتحقيق حياة متوازنة عادلة لا تسلط فيها ، من حق الطبيعة أن تكون في المتناول البسيط لجميع أنواع الكائنات على وجه الأرض. ومن تمّ ، إعادة الاعتبار للعقل كقوة وحيدة لتحرير الفرد و الجماعات بثقافة التضامن و التسامح و الانفتاح على الغير المختلف..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سورة الجائحة
أنور نور ( 2020 / 12 / 15 - 00:21 )
https://salah48freedom.blogspot.com/2020/06/19.html

اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و