الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإستلاب وصناعة الأجسام الطيعة من أجل مجتمع بلا معارضة

عبد العزيز الراشيدي

2006 / 7 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هكذا نستمر في تحليل المجتمع الصناعي، والكشف عن الآليات التي تتحكم في لعبة صناعة الإنسان الايجابي والطيع ، الذي يتكيف مع الوضع القائم ويفكر في ما هو كائن لاما هو ممكن.
إن ماركيوز في وقوفه على هذه النقطة يرى أن المجتمع الصناعي المتقدم قد إستطاع أن يكسب لنفسه كثيرا من الأرض التي كان على الحرية الجديدة أن تزدهر عليها ، لقد إمتلك هذا المجتمع أبعاد الوعي والطبيعة التي لم تفسد في الماضي. لقد صاع بدائل تاريخية على صورته وهدأ من التناقض الذي أصبح على هذا النحو مسموحا به . ومن خلال هذا الغزو الديمقراطي الشمولي للإنسان والطبيعة أصبح من الممكن أيضا غزو المسافة الذاتية والموضوعية لمجال الحرية
والملمح الأساسي الذي يتميز به المجتمع الصناعي المتقدم هو قدرته الخاصة على إحتواء قوة النقد والمعارضة ، فهو يخلق نظاما شاملا ومتكاملا من السيطرة والتحكم ويبدع أنماطا جديدة من الحياة، والسلطة تبدو وكأنها منسجمة مع النظام القوي المعارضة. ومن هنا فهو يقضي على أية محاولة للاحتجاج أو الرفض بإسم الأفاق التاريخية وبدعوى التحرر من الكدح والسيطرة.
إن المعارضة التي نتحدث عنها هاهنا بمعية ماركيز لايقصد بها ذاك المدلول السياسي المعهود ، بل هي أطروحة أوسع و أشمل من أن

تختزل في الحقل السياسي ، وإنما دالة بالدرجة الأولى على أفول الوعي النقدي، وإنتفائه من كل الصعد المجتمعية سياسية كانت أوفكرية فالمجتمع الصناعي الحداثي عبر آلياته السلطوية المنتظمة يسعى إلى كبح كل إختلاف وإلغاء إمكانية التغيير.
إن إنتفاء إمكانية التغيير في المجتمع الصناعي ، جاءت نتيجة للمجهود الذي تبدله الأنظمة المتحكمة في آليات السلطة من أجل صناعة الأجساد الطيعة ، عبر الإمكانيات المتاحة لها من أجل احتواء، أو قمع المعارضة. بدايتا من التسامح الذي يتطلبه النظام الديمقراطي، وحتى إستخدام الكلاب البوليسية وغرف الغاز. من الجلي جدا إن ماركيوز يبدي إهتماما خاصا في تحليله النقدي للرأسمالية بقضية التسامح تجاه القوى المعارضة ليقسمها إلى نوعين :المعارضة كحدث طقسي والمعارضة كنوع من المقاومة ضد النظام. ويضرب ماركيوز مثلا للنوع الأول من المعارضة بالمظاهرات السلمية التي تجوب شوارع الأمريكية من حين للأخر، وهذا النوع من المعارضة يكون مقبولا لدى النظام الرأسمالي لأنه يساعد على تهدئة الضمير وتفريغ المشاعر المكبوتة، ويعتبر هذا النوع شاهد عيان على ديمقراطية النظام. هذا لا لشيء لأنه لا يشكل خطرا ولا يمتلك قاعدة جماهيرية. إن هذا النوع من التسامح لا يغدو أن يكون مجرد خطوة نحو جر كل القوى المعارضة إلى درب الإصلاحية والحل السلمي ، الذي يجعل هذه القوى تتوهم إمكانية الوصول إلى تغييرات جذرية دون اللجوء للعنف الثوري.
هكذا إذن حاولنا أن نعالج خلال هذا المحور كيف عمل المجتمع الحداثي بآلياته السلطوية المتاحة إن يحول المجتمع إلى جسم طيع ينتفي فيه الوعي النقدي ليصبح الكل يردد نفس السنفونية دون أن نجد أي عصفور يغرد خارج هذا السرب المحكم والمنظم على نغمة الإنسجام.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي


.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال




.. استطلاع للرأي يكشف أن معظم الطلاب لا يكترثون للاحتجاجات على 


.. قبول حماس بصفقة التبادل يحرج نتنياهو أمام الإسرائيليين والمج




.. البيت الأبيض يبدي تفاؤلا بشأن إمكانية تضييق الفجوات بين حماس