الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدين الزائف آفة العصر

رفعت ريد
كاتب وباحث وروائي احب السفر والقراءه

(Refaat Reed)

2020 / 12 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما اعتلي السادات سُدة الحكم واجهته مشكلة ظنّ أنها كبيرة وتعامل معها بغباء وغشاوة عين، كانت المشكلة انتشار الشيوعية والإلحاد وكانت كلتاهما ظواهر عالمية في ذلك الوقت. فأطلق على الشعب الجماعات الإسلامية، لا لكي يعلموهم الدين بل لكي يرعبوهم بالجنازير والسنج والسكاكين! كان من أشار عليه بذلك هو عثمان أحمد عثمان؛ رأس الحية الإخواني. وكان رد الفعل الطبيعي أن يتظاهر الشعب بالتدين حتى لا يؤذيه الإرهابيون!
ثم أتى إليهم بالشعراوي لكي يعلم الشعب التعصب الديني، ويصب الكراهية في صدور المؤمنين، ويفتي بقتل تارك الصلاة، فازداد الشعب خوفًا ورعبًا وملأوا المساجد والزوايا، وأذاعوا القرآن بدل أغاني أم كلثوم، وأطلقوا لحاهم، وساموا جباههم بـ "الزبايب" وخلعوا الدبلة الذهب واستبدلوها بالفضية، وحجّبوا نساءهم وأطفالهم.
ثم ورث حسني مبارك كل هذا، ولكنه كموظف عمومي لا يحب التصادم ويخشى المواجهة أبقي الحال كما هو عليه ولم يفعل شيئًا، ثم زاد الطين بلة وعاد المصريون العاملون بالخليج بثقافة قذرة ضد المجتمع والمرأة. وهكذا صرنا أعظم أمة تتظاهر بالتدين كرد فعل طبيعي للإرهاب، نتديّن لا عن قناعة بل مكرهين. صار المرتشي بزبيبة، والنصاب بذقن، والمحتال بجلباب أبيض. صار في كل مكتب حرامي سجادة صلاة، وآية الكرسي خلف كل موظف مرتشي، وصارت المصاحف تزين مكاتب الفاسدين، وجنينا من ذلك أمراضًا اجتماعية: كالتحرش والتنمر والازدراء العلني بالآخرين ثم التمييز على أساس ديني، وهو ما جعل المسلم النيجيري أقرب إلى قلب المسلم المصري من أخيه القبطي!
ناهيك عن انتشار الفساد والشللية والمحسوبية والواسطة والكوسا والشاي بالياسمين!
خلقت هذه الأمور شعبًا يعاني نفسيًا من عقيدة غريبة تشقّه عن إنسانيته، وصارت الحياة كالرحى تطحن الشعب كحبات القمح ولا فكاك من أسنانها، فكانت النتيجة طريق واحد لا غير:
لا مقاومة التطرف في العقيدة بل التأقلم معه ومصاحبته والزواج به زواجا كاثوليكيًا لا طلاق فيه!
ثم أفرخت هذه الأمور عن المسلم الوسطي الكيوت أبو كرافت وزبيبة معًا، وسروال تحت البدلة. المسلم الكيوت المتصالح مع الدين والعلمانية والرأسمالية والشيوعية والموت والحياة والإرهاب والمحبة وهو ما جعله يحمل كل المتناقضات، فيمزج النار بالماء لا ليطفئها بل لينتج مزيدًا من الغليان في الشارع المصري.
أبسط تعريف للمسلم الوسطي الكيوت يعرفه الكيميائي جيدًا فهو كالكاتليست، تضيفه للمعادلة الكيمائية لتنشيط التفاعل بين عنصريْن خامليْن، وكمية قليلة منه تشغل الدنيا نيرانًا.
المتدين الزائف يصرخ في وجهك "إلا رسول الله"، وفي جيبه قطعه حشيش أو سيجارتان بانجو! ويثأر لدينه ثم يحرق كنيسة وهو لا يصلي أصلاً! يداه تتوضآن ونفس اليدين تتحرشان، لسانه لا يكف عن ذكر الله ونفس اللسان يطلق أقبح الشتائم وقت الغضب، يسمع القرآن طول اليوم وهو مغيّب تحت تأثير الترامادول، لا يشرب الخمور ولكنه وصل للثمالة من المخدرات، لا يأكل لحم الخنزير ولكنه يأكل حقوق أخواته في الميراث وحقوق الزبائن ويغش في البضاعة ثم يغسل كل ذنوبه بزيارة إلى أرض الحجاز، ضميره لا يسمح له بأن يحج بمال حرام ولكنه يأكل ويشرب ويسكن ويتعلّم ويتداوى ويتفسّح بهذا المال الحرام!
ولأنها كانت موجة غير حقيقية من التدين الباطل، ولأن الدين صار في أقبح صوره اللاإنسانية المضادة للحياة، عادت تطل علينا الآن نفس المشكلة، وكرد فعل طبيعي ها هم الملحدون واللادينيون يعودون مرّة أخرى وينتشرون على ضفاف نهر النيل ويجهرون بذلك دون خوف، وها هو الحاكم يقع في نفس الفخ ويعالج الأمر بنفس الآلية القبيحة فيطلق عليهم الأزاهرة وسائر منتجاتهم كعبد الله رشدي وعمرو خالد، ثم الثلاثي مصطفى حسني، معز مسعود، أحمد الشقيري، ثم تفرض الدولة محاكم التفتيش عن النوايا فيلاحقهم الأمن والقضاء ليرتعب الشعب مرة أخرى ويعود مجددًا إلى تدينه الزائف، فيلبس عباءة الدين وهو ملحد قلبًا وعقلًا. لقد صار الشعب الآن في حالة نفسية اجتماعية تستدعيه أن يثبت لمن حوله أنه متدين. كيف؟ لا بالصلاة والتقوى، بل بالتحرش ضد المتبرجة، ثم ضد المحجبة، والمرحلة القادمة ضد المنقبة حتى تعود النساء إلى البيت لا تخرج منه. يثأر لدينه بحرق الكنائس وبقتل عدد أكثر من الأقباط وشراء المزيد من سجاجيد الصلاة والمصاحف وآيات الكرسي.
إن أكبر شاهد علي العصر هو مصطفي محمود، ذلك الرجل الذي أجاد التلون بالعصر، فعندما كان الإلحاد موضة صار ملحدًا، وعندما صار الدين موضة صار داعية!
كلمة أخيرة، واجهت أوروبا موجة الإلحاد بعد الحرب العالمية الثانية بعد أن كانت قارة ملتهبة بالروح ومبشّرة، ولكن الحكومات لم تقمع شعوبها بل أعطتهم المزيد من الحريات فصار بيننا وبين أوروبا والغرب سنين ضوئية من الإنسانية والتحضر والتقدم والثقافة وقبول الآخر، وصرنا نحن متديّنين ولكن مزيّفين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran


.. 72-Ali-Imran




.. 73-Ali-Imran