الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوتهولد ايفرايم ليسنغ (1729 - 1781)

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2020 / 12 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




فيلسوف ألماني، ومن أبرز رجال التنوير، "كان ليسنغ كاتباً مشهوراً، ومسرحياً، وناقداً، وفيلسوفاً، في وقت واحد، وعرف مناضلاً عنيداً ضد قوى الرجعية، ضد الايديولوجية الاقطاعية، والتعصب الديني، حتى كاد يختنق في جو بروسيا الفكري آنذاك.
ناضل ليسنغ، في مقالاته حول المسرح، من أجل فن مسرحي واقعي تقدمي، وفي "لاوكوون"، حيث درس الفرق بين وسائل التعبير في الشعر والرسم، نراه يطمح إلى فن يتجاوز أعمال الكلاسيكيين والنماذج الساكنة، فن يعكس، بوسائله الفنية، ديناميكية العصر، وصراع الناس.
في الفلسفة وقف ليسنغ ضد اللاهوت الرسمي المحافظ، حتى ذاعت في ألمانيا كلها أخبار الصراع، الذي خاضه ليسنغ ضد كبير أساقفة هامبورج، وله، بعد سبينوزا، يعود الفضل في اعتماده وجهة النظر التاريخية في دراسة الكتب المقدسة- العهدين القديم والجديد، حيث رَفضَ ليسنغ جميع التصورات الأرثوذكسية عن الألوهية، والقول بذات إلهية، موجودة خارج العالم، ويُسلِّم فقط بإله، هو "روح العالم"، إن قيمة الدين، عند ليسنغ، هي – في نهاية المطاف- قيمة اخلاقية فقط"([1]).
"عمل ليسينغ من اجل التطور الديمقراطي للشعب الالماني وثقافته، وقد بَشَّر في كتابه "تربية الجنس البشري" (1780) بمستقبل قادم متحرر من الميتافيزيق، فيه يتيح الدين مكانة للعقل المستنير، كما دعا في مسرحيته الفلسفية "ناثان الأبيض" إلى فكرة التسامح الديني، ودعا أيضاً إلى حق التفكير الحر مؤكداً على المساواة بين الامم، وداعياً إلى الصداقة بينها.
عبر ليسنغ عن التناقضات في الحركة الألمانية الخاصة بالتنوير، وظلت نظرته الكلية للعالم مثالية، رغم انها تحتوي على بعض الملامح المادية، وهو في كتابيه "اللاوكون" (1766) و "دراما هامبورغية" (1767 – 1769)، اللذين يعدان علامة بارزة في تطور الفكر الجَمَالي العالمي، نادى بمبادئ الواقعية في الشعر والدراما والتمثيل، وهدم ما لدى طبقة النبلاء من نظرية وممارسة كلاسيكيتين، وفي مجال الفنون الجميلة سعى ليسينغ إلى تعريف القوانين الموضوعية للتآلف في الأنماط والأجناس المختلفة للفن، غير أنه لم يستطع أن يتبين الطبيعة التاريخية لهذه القوانين، فعلى الرغم من معارضته للاخلاقيات المصطنعة الا أنه نسب أهمية كبيرة للوظيفة الاخلاقية والتربوية للفن وخاصة في المسرح، وقد بَشَّرت كتاباته للمسرح بظهور الأدب الكلاسيكي الألماني، ومارست آراؤه الجمالية تأثيراً نافعاً على تطور ذلك الأدب"([2]).
أما عن رؤيته وقناعاته الفلسفيه، فقد "صرح ليسينغ بالتزامه برأي سبينوزا في أن الجسم والعقل هما الظاهر والباطن لحقيقة واحدة، وصفتان لجوهر واحد متطابق مع الله. وقال "إن المفاهيم التقليدية عن الإله لم يعد لها وجود عندي، وأنا لا أطيقها، لا أطيقها كلها! لا أعرف غير هذا"؛ وفي 1780 طلب إليه أحد أصدقاؤه أن يساعده في الرد على سبينوزا وتفنيد آرائه، فصدمه جواب ليسنج: "ليس هناك فلسفة غير فلسفة سبينوزا... ولو خُيِّرتُ في أن أتسمى اسم آخر لما عرفت غير اسمه".
لقد كان ليسينغ البشير بأعظم عصور ألمانيا الأدبية. ففي عام موته نشر كانط كتابه الخطير "نقد العقل الخالص" ونشر شيلر أول تمثيلياته. وكان جوته يرى في ليسنج المحرر العظيم، وأبا التنوير الألماني. قال جوته موجهاً الخطاب إلى طيف ليسنج "في الحياة كرمناك إلهاً من الآلهة؛ أما الآن وقد مت فإن روحك تسيطر على جميع النفوس.
وفي 3 فبراير 1781 أصابته نوبة ربو شديدة، وبصق دماً. وأوصى أصحابه قائلاً: حين ترونني مشرفاً على الموت، استدعوا موثقاً، وسأعلن أمامه أنني أموت على غير دين من الأديان السائدة، وفي 15 فبراير بينما كان راقداً في فراشه اجتمع نفر من أصحابه في الحجرة المجاورة، وفجأة فتح باب حجرته، وظهر ليسنج منحني الظهر مهزولاً، ورفع قلنسوته محيياً، ثم خر على الأرض صريعاً بسكتة دماغية، وأذاعت إحدى المجلات الدينية الحاقدة على ليسينغ وأفكاره، خبر موته قائلة: أن الشيطان حمله عند موته إلى الجحيم كأنه فاوست آخر باع روحه"([3])، لكنه ووري التراب باحترام وتقدير من كل المفكرين والمثقفين الذين التزموا بتنفيذ وصيته الأخيرة.
 
 


([1]) جماعة من الأساتذة السوفيات – موجز تاريخ الفلسفة - تعريب: توفيق ابراهيم سلوم - دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) – ص312
([2]) م. روزنتال و ب. يودين - الموسوعة الفلسفية – دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – ص420
([3]) موقع المعرفة – الانترنت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسعى لمنطقة عازلة في جنوب لبنان


.. مسؤولون عسكريون إسرائيليون: العمليات في غزة محبطة وقدرة حماس




.. ما أبعاد قرارات المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر الخاصة بالضف


.. صحيفة إسرائيلية: نتنياهو فقد السيطرة ما يدفعه إلى الجنون وسق




.. ما أبرز العوامل التي تؤثر على نتائج الإنتخابات الرئاسية الإي