الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة الإسلامية في مفترق طرق : إدارة الصراع في لحظة سياسية متحركة

كريم عبد

2006 / 7 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بدايةً: الملاحظات الواردة هنا لا تتعلق بالأحزاب الإسلامية حصراً، بل هدفها الكشف عن طريقة تفكير تكاد تكون قاسماً مشتركاً بين القوى السياسية الفاعلة في العراق. طريقة تفكير تفتقر لـ «حاسة التمييز» بين نوعية الظواهر السياسية : بين ما هو حقيقي وما هو وهمي أو ناتج عرضي. بين الثابت وبين المتغير، بين المصالح الحزبية الضيقة وبين الضرورات الوطنية التي بدون ترسيخها لا مصالح مضمونة لأي حزب. وأول النتائج الواقعية لهذا الخلل اتضح في تكريس «المحاصصة» على حساب المبادىء الديموقراطية منذ أيام «مجلس الحكم». المحاصصة التي ضَمنتْ مصالح الأحزاب آنياً لكن وبعد نتائج الانتخابات العامة حلت المواجهات في ما بينها، وبينها مجتمعة وبين التقاليد الدستورية التي يجب أن تتسم بالشفافية والمرونة، وهذا ما يفسر طول المفاوضات وراء الكواليس وإطالة فترة تشكيل الحكومة رغم حاجة العراقيين الماسة إليها. ورغم التأييد العام للحكومة الجديدة فإن انسحاب بعض القوى الإسلامية، حزب الفضيلة مثلاً، ورفضها المشاركة ثم طرحها لمواقف سلبية من الحكومة أخيراً هي من مضاعافات هذه العقلية!

ولكن ما معنى «اللحظة السياسية المتحركة» وما هي حقيقتها؟! وهل هي جديدة في تاريخنا السياسي المعاصر؟!

منذ سقوط الديكتاتورية في 9 – 4 - 2003 يعيش العراق ( لحظة سياسية متحركة) كثيرة الأحداث والمفاجآت، وستستغرق الأربع سنوات القادمة أيضاً، حيث من المفترض تثبيت ملامح العراق الديموقراطي العتيد وسط هذه الأحداث. لحظة سياسية متحركة بمعنى أن الظواهر السائدة فيها ليست ثابتة ولا نهائية، بل لا يمكن اعتبارها حقائق سياسية دائمة كي تقاس عليها توقعات المستقبل المنظور. فهي لحظة تمتزج فيها الحقيقة بالأوهام، حقيقة الخلاص من كابوس البعث وأوهام الحلول السريعة! لحظة تشبه ما عاشه العراقيون بعد سقوط الملكية 1958 حيث سيطرت الأوهام على الجميع تقريباً! فسادت مظاهرات الجماهير الباحثة عن خلاص فوصفها البعض بأنها مد يساري سيطبع الحكم العراقي بطابعه، فتحولت هذه الفرضية وبالاً على اليساريين حيث تكاتف عليهم المتضررون فكانت النتيجة انقلاب 1963 والبيان الرقم 13 الذي يدعوا لإبادة الشيوعيين أينما كانوا! والنتيجة هي أنْ دفع الشعب العراقي ولا يزال ثمن أخطاء تلك الحقبة وأوهامها القاتلة.

إن أخطر نتائج غياب حاسة التمييز عند الأحزاب العراقية تكمن في عدم تفريقها بين طبيعة ومتطلبات مشروع العراق الجديد، أي الدولة المدنية والنظام الديموقراطي وبين الأيديلوجيات الضيقة للأحزاب النافذة! وهذا ما سيعمم الضرر عليها جميعاً في المستقبل القريب، في حين يتوهم كلّ ٌ منها بأنه يعمل لتكريس مصالحه بنجاح! ولو أخذنا الحركات الاسلامية كنموذج، يمكن القول: أن مشروع الدولة المدنية والنظام الديموقراطي ليسا بديلاً لأي اتجاه سياسي، بل هو حاضنة لجميع الاتجاهات، لكن لا أحد يستطيع جعل الدولة المدنية والنظام الديموقراطي وسيلة لفرض نهجه وايديولوجيته على حساب الآخرين، أو أن يفرّغ جوهر المشروع الديموقراطي من محتواه سواء عبر ديكتاتورية الأكثرية أم أية وسيلة أخرى. فهذا المشروع هو البديل الوطني لجميع رطانات الاستبداد الطائفي والعنصري. وهنا بوسعنا أن نتأكد من استحالة عودة الديكتاتورية أو حكم الحزب الواحد أو الاتجاه الواحد، لأن أية محاولة من هذا النوع ستبوء بالفشل، فليس بوسع أية جهة ابتلاع الدولة لوحدها، لأنها ستغص حتماً، ولا يزال صدام حسين يعاني من آلام الغصة، كما لا يمكن إقامة «دولة دينية» لأن هذا لا ينسجم مع توجهات مرجعية المسلمين الشيعة في العراق التي لا تؤمن بولاية الفقيه على الطريقة الايرانية بل بولاية الأمة، وموقف المرجعية واضح وهنا تكمن مصداقيتها، فلا يستطيع أي حزب إسلامي تحريف موقف المرجعية لمصلحته لأنه سيسيء لسمعة المرجعية مثلما يضع نفسه على النقيض من المشروع الديموقراطي ليعرقل عملية تطور العراق. وأيضاً فإن مشروع الدولة الدينية لا ينسجم مع طبيعة التعددية الثقافية للمجتمع العراقي، كما أنه لا ينسجم مع مصالح وتوجهات المحيط الاقليمي والدولي ذي التأثير الكبير على الأوضاع الداخلية وهذه نقطة لا يمكن التغافل عنها بأية حال. وأخيراً لأن وجود دولة دينية يعني إمكانية أحتواء العراق من قبل حكام طهران ونظامهم المخابراتي. ومقابل كل ذلك لا يمكن تصور بأن الأميركان أغبياء للحد الذي يخسرون فيه كل هذه التكاليف الباهضة ليقدموا العراق على طبق من ذهب لحكام طهران أو يتركوه ليكون بؤرة لارهاب «القاعدة». الأميركان لن يتركوا العراق بحكم جدية مخاطر الأرهاب والتطرف على مصالحهم السياسية في العالم عموماً وبضمنه العراق، لا سيما وأن هناك من يعيد عليهم السؤال بين وقت وآخر: «هل أسقطتم طالبان السنية في أفغانستان كي تبنوا طالبان شيعية في العراق»؟! قد يبدو هذا السؤال مغرضاً للبعض لكن مصادر عديدة تقول بأن الأميركان يأخذونه على محمل الجد، وحديث السفير الأميركي خليل زاد عن الطائفية أخيراً هو دليل واضح، وتصاعد شراسة القوات الأميركية ضد بعض أطراف «قائمة الأئتلاف» هو دليل أكثر وضوحاً. هذا لا يعني أن نضع مفاتيح العراق في جيوب الأميركان، كما لا يعني أن يحاول أي حزب وضع مفاتيح الدولة في جيوبه بما يثير حفيظة الآخرين ويدفعهم للعنف بذريعة المقاومة. ورغم كل هذه الوقائع التي لا يمكن القفز من فوقها، إلا أن البعض لا يخفي العمل لإقامة «مجتمع اسلامي» كأساس لمشروع الدولة الدينية عندما تحين الظروف، وما فرض الحجاب وبعض المظاهر الأخرى في بعض الوزارات والمؤسسات إلا مثال على ذلك!

أن مصدر هذا الخلل السياسي في تفكير بعض الإسلاميين، هو أما بسبب أوهام أيديولوجية ذات سطوة على العقل والمشاعر، أو بتشجيع من حكام طهران وتسربهم المخابراتي المعروف أو بسبب قراءة خاطئة أحادية الجانب للواقع السياسي مفادها: «أن الأمريكان يتعاملون مع الأمر الواقع، وإذا استطعنا إقناعهم برغبتنا في إقامة علاقات متطورة مع الولايات المتحدة مع احتفاظنا بالأكثرية في مجلس النواب والهيمنة على القرار السياسي، فلن تمانع الإدارة الأميركية من إقامة حكومة إسلامية أو هيمنة الأحزاب الاسلامية على الدولة ما دامت مصالحها مضمونة»!

أول خطأ في هذا التصور هو تجاهل حساسية العراقيين من الدولة الدينية فهي قناع تستخدمه فئة سياسية للهيمنة على مقاليد الأمور حالها حال أية دولة أيديولوجية، قومية كانت أم يسارية. بل أن الثيوقراطية أسوأ من الديكتاتورية. والخطأ الثاني هو أن استمرار الحصول على أكثرية نيابية في الدورات القادمة، أمر لا يمكن ضمانه دائماً، خصوصاً أن الانتخابات السابقة حدثت في «لحظة سياسية متحركة» لا يمكن أن تبقى معطياتها ثابتة، إلا إذا استمرت الاغتيالات وحرق مكاتب الأحزاب مع كل حملة انتخابية وهذا لا يدل على توجه صادق للمساهمة في تكريس المشروع الديموقراطي.

ليس بوسع الحركات الاسلامية أو سواها أن تتشبث بكل ما تريد دائماً. ليس لأن ذلك لا ينسجم مع المنطق السياسي فقط، بل وأيضاً لأن طبيعة النظام الديموقراطي المعتمد على مبدأ ضمان الحريات العامة والتبادل السلمي للسلطة، لا يعطي لأحد حقاً مطلقاً كهذا. كما أن من المفيد للحركات الاسلامية، قبل أن تملأها النزعة الجماهيرية ثقة بالنفس مبالغ فيها، أن تتذكر تلك اللحظة السياسية المتحركة التي سادت العراق بعد 14 تموز (يوليو) 1958 وإلى أي مدى اتسعت جماهيرية الحزب الشيوعي وقتها حتى أصبح بإمكانه أن يقود مظاهرات تمتد أحياناً من البصرة إلى الموصل، وهذا ما لا يستطيع أن يدعي تحقيقه أي اتجاه الآن. ولكن كيف انقلبت الأمور وقتها، وماذا كانت النتيجة بعد سنوات؟! أن من المفيد حقاً للحركات الإسلامية، أن تتأمل ذلك المقطع الصاخب من تاريخنا القريب، لا سيما أن الشباب الذين تعتمد عليهم الآن، بدءاً من الجنوب مروراً بالفرات الأوسط وليس انتهاءً بمدينة الصدر (الثورة سابقاً) كان آباؤهم وأخوانهم الأكبر سناً يشكلون أساس جماهيرية الحزب الشيوعي، وكانوا لا يقلون حماساً واستعداداً للتضحية من أبنائهم الآن. وهذا لا علاقة له بانتهازية الجماهير كما يعتقد البعض خطأ، لكن غياب الحلول السياسية الناجعة وعجز الأحزاب، بسبب أنانيتها أو سطحيتها، عن تحليل الظواهر موضوعياً، أي فقدان حاسة التمييز بين الثوابت والمتغيرات لا سيما في بلد غير مستقر كالعراق، هو الذي يقلب الأمور رأساً على عقب فتضيع الفرص وتبقى الندامة، فيصبح من غير المجدي انتباه تلك الأحزاب بعد فوات الأوان. وهنا أجد من المفيد إيراد مقطع من رسالة صديق كاتب وصلتني من العراق أنقلها بأمانة لأنها تكشف جوانب من معاناة العراقيين اليومية وتوقعاتهم لمسار الأحداث: «اعتقدنا ان الخلاص من الطاغية سيجمعنا من جديد وتنقضي بنهايته عذاباتنا وحرماننا ونستحم بشمس الحرية التي طالما حلمنا بها ودفعنا من اجلها الكثير ولكن «تقدرون وتضحك الاقدار» فقد استبدلت اقدارنا طاغية بآخرين اكثر غباء ووحشية وعاد الشارع من جديد رهينة الخوف وتسلط الجهلة والمجرمين وارباب السوابق الذين وجدوا في العناوين «المقدسة» مشروعاً لممارسة ساديتهم ونزعاتهم العدوانية وتصور في بلد مثل العراق صرت تسمع الاغنية سراً والتصفيق في التجمعات من الكبائر. لا أطيل عليك يا اخي ان الكثير من ريائهم وزيف شعاراتهم قد تكشف للناس والزمن كفيل باعادة الهوية الحقيقية لبلدنا الطيب».

أمام الأحزاب الإسلامية خياران، أما التشبث بـ «الأيديولوجيا الدينية» وما تعنيه من نظرة أحادية الجانب ورغبة بالأستحواذ على كل شيء بقدر المستطاع، وهذا يعني أنها ستوسع دائرة المتضررين منها باستمرار، أي فقدان المزيد من الأصوات الانتخابية بموازاة فقدان المصداقية. أي أنها ستربح الأيديولوجيا وتخسر السلطة. أو أن تأخذ بالخيار الثاني وهو التمدن أي التحول إلى أحزاب مدنية بالتدريج دون أن تخسر هويتها الإسلامية لأن الإسلام هو هوية المجتمع العراقي ككل بحكم الغالبية، فتصبح السياسة احترافاً ومسؤولية تستند إلى منطق الثقافة الحقوقية، وليست شعارات حماسية وأوهاماً.

والحكمة تقول: الذكي من استفاد من أخطاء غيره. الذكي من يطور مفاهيمه وأدوات تفكيره لإستيعاب المستجدات والتحولات الجديدة، فليس المهم بالنسبة للعراقيين أن يفوز هذا الطرف أو ذاك بالأكثرية، بل المهم أن توضع الأزمات على طريق الحل. ولا حلولَ واقعيةً من دون أحترم شروط المشروع الديموقراطي وتثبيت أسس الدولة المدنية، وهذا ينفع الجميع ولا يضرّ أحداً، إلا إذا أراد البعض تضييع فرصة تحقيق العدالة على العراقيين من جديد لتظل الفوضى ضاربة أطنابها في وادي الرافدين! ولا حول ولا قوة إلا بالله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت