الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد شحرور والعبور من التفكيك إلى التركيب.

لطيفة الحياة

2020 / 12 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يصادف اليوم الذكرى السنوية الأولى لرحيل أستاذي الدكتور محمد شحرور الذي أزهرت حياته ونمت روحه إلى حد لم يعد جسده المتهالك قادرا على استيعابه؛ لهذا حدث الطلاق الوجودي ما بين الروح والجسد يوم السبت 21 ديسمبر 2019 على أرض الامارات العربية المتحدة. وفي تلك اللحظة تحررت روحه من قيد جسده وشكله ولونه واسمه وعرضه وطوله ووزنه، لتظل حية خالدة، لأنها من الحي الذي لا يموت، بينما دفن جسده مساء يوم 25 ديسمبر في قبر بدمشق، أي بعد أربعة أيام من رحيله.
هكذا إذن، انتهى جسد محمد شحرور إلى حفرة تحت التراب كما انتهت وستنتهي أجساد وأجساد. وأعتقد هاهنا أن مدة سنة كاملة، كافية لتجعل جسده المادي يتحلل ويتفكك إلى جزيئات دقيقة وصغيرة، تعيد تركيب نفسها من جديد في أشكال وألوان وأجساد وهيئات اخرى مختلفة ومتنوعة، قادرة على الاستمرار بقوة.
وفي هذا السياق الحيوي الرباني؛ أرى أن تجربة تفاعل محمد شحرور مع المنظومة التراثية عامة والقرآن خاصة ما كانت لتخرج عن هذه السنة الكونية (التفكيك ثم التركيب) التي تجري على الجسد فوق وتحت التراب. فلقد ساير قوانين هذا الوجود، بأن أمضى عمره وأرهق جسده بالسهر والاعتكاف، محاولا تفكيك ما أمكنه تفكيكه من قضايا هذه المنظومة الدينية الموروثة والمتصلبة التي تكبس على أنفاس كل من يعتقد بها وفيها.
والجميل في اجتهادات أستاذي أنه لم يتوقف عند حد فعل التفكيك، بل تشجع وعبر إلى عملية التركيب التي هي فعل عجز عنه كثير من عباقرة تفكيك ونقد الفكر الديني. الأمر الذي وضعهم في ورطة معرفية، فلا هم قبلوا بما هو مورث عن الاباء والاجداد ولا هم استطاعوا تجاوزه إلى غيره. لذلك، وقفوا على ضفة التفكيك يستنجدون بأهل التخصص من مشايخ وفقهاء، يطالبونهم بضرورة التجديد في الدين. فكيف لمن لا يقبل بتفكيك التراث أن يجدد الدين؟؟؟
أجل، عَبَرَ المهندس محمد شحرور من ضفة التفكيك إلى ضفة التركيب المستعصية غير ابه بفزاعة (التخصص وأهله). عَبَرَ، لأنه وثق في قدراته على التعقل وليس في الشهادة الأكاديمية التي تشهد له بأنه من أهل التخصص. عبر بواسطة منهج، وليس بواسطة شهادة علمية. ولأنه عبر من التفكيك إلى التركيب، تراه متقدما بمسافة بعيدة عن أهل التفكيك والنقد الديني وكذا عن أهل التخصص، الذين تحولوا إلى مهاجمين له ولكل من يسير على نهجه في قراءة القران.
وبما أن المهندس محمد شحرور اعتمد منهجا مخالفا للذي اعتمده السلف في بناء المنظومة الدينية التراثية، استطاع أن يقدم نتائج مختلفة وبعيدة عن ما ألفناه واعتقدنا به. نتائج تبدو لكل متدين مزلزلةً لعقيدته الصلبة ولأفكاره المتصنّمة في قلبه. ولعل هذا، ما جلب عليه الهجوم الشديد من دعاة التقليد والحفاظ على التراث، كما أنه في المقابل جلب له قراء ومتابعين كثيرين في صفوف الشباب الذين يجدون قراءته أقرب إلى قلوبهم من قراءة جل المفسرين.
وبناء عليه، أقول: على الرغم من كل الملاحظات التي يمكن أن نسجلها على فكر الدكتور محمد شحرور إلا أنه لا يمكننا أن نغض الطرف على حقيقة تميز قراءته عن بقية القراءات، ولا أن ننكر جهود الرجل البحثية التي تثبت لنا أن رهان التجديد والنمو لا يتوقفان على التخصص وإنما على المنهج، إذ لا يمكنك أن تعبر من القراءات السلفية إلى قراءات معاصرة حية إذا لم تجدد وتغير أدواتك والياتك المنهجية. ولا يمكنك أن تشعر بكونية القران وعالميته وأنت تقرأه بنفس المنهج الذي ورثته عن الاباء والاجداد.
هكذا في نظري، يبقى الدكتور محمد شحرور والأستاذ محمد ابو القاسم حاج حمد على رأس المفككين الذين عبروا من ضفة التفكيك إلى ضفة التركيب، أي إعادة تركيب ما فككوه من قضايا بطريقة جديدة ومختلفة عن المألوف والموروث. وما كان ذلك ليتحقق لهما لولا أن كل واحد منهما اعتمد في قراءته منهجا مختلفا عن منهج التراث.
ولأن لطيفة الحياة من المحظوظين بلقاء كل واحد منهما بل، ومن المقربين المتتلمذين على يديهما معا، أشهد أنني عشت مع كل واحد منهما تجربة وجودية عرفت فيها شحرور الإنسان وحاج حمد الإنسان، ففهمت أن الصدق مع الذات في شخصيهما هو أساس ابداع وتألق كل واحد منهما. التقيتهما وكنت محبوبة لديهما بحكم شخصيتي التواقة للبحث والسؤال وكذا المتمردة في حضرة فكر كل واحد منهما. ولهذا، تعلقت بهما إنسانيا ومنهاجيا ولي معهما ذكريات جميلة كما لهما علي فضل كبير في مساري المعرفي.
والغريب أنه في الذكرى 16 لرحيل حاج حمد التي صادفت وجودي في أمريكا، تزورني روح محمد شحرور وهو يحتضر في سريره، لتخبرني بالرحيل. وعلى الرغم من رحيلهما هذا الذي ألمني كثيرا، فإنهما مازالا أحياء في قلبي، إذ حتى وأنا أهاجر من القارة الافريقية إلى القارة الأمريكية، حملت (الكتاب والقران) و(العالمية الاسلامية الثانية: جدلية الغيب والإنسان والطبيعة) في حقيبتي.
حملتهما معي، لأن علاقتي بحاج حمد وشحرور بعد رحيلهما باتت منهاجية. الأمر الذي يجعلهما في مقام الأب المعلم ويجعلني في مقام الابنة الباحثة. علاقة منهاجية تسمح للابنة والأبناء عامة بالتمرد على الأب المعلم، بل تجاوزه إلى أفق أكثر سموا. ولا تسمح لهم أبدا بالتبعية والبقاء تحت اجنحتهم وحفظ وترديد أقوالهم ونتائجها.
هذه العلاقة المنهاجية ما بين الابن والاب هي الكفيلة بخلق الاستمرارية والنمو، الذي يتحقق بتجدد القراءة والتفاعل مع النصوص المؤسسة. وهي التي ستجعل أبناء الدكتور محمد شحرور في موقع قوة وعطاء لا موقع استهلاك وركود وتخلف، كما أنها من تحيي الدكتور نفسه. فما قوة الابن إلا من قوة الاب، الذي لم يبن علاقته بأبنائه على الدفء والعاطفة التي تجعلهم يرتبطون به عن طريق آلية التلقين والحفظ والتكرار، بل بناها على القوة التي تستمد من الالتفاف حول المنهج لا حول شخصه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كتب الدكتورة لطيفة الحياة
امين قاسم ( 2023 / 5 / 26 - 06:01 )
السلام عليكم اريد معرفه كيفية الحصول على كتب الدكتورة لطيفة الحياة علما اني من دولة العراق

اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تبدأ النظر في تجنيد -اليهود المتش


.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على اليهود الحريديم بعد خروجهم في ت




.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran