الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شكراً يا يسوع المسيح

عادل صوما

2020 / 12 / 22
المجتمع المدني


ليس غريباً أن يوجَّه الشكر للمسيح عبر منصة علمانية، ويشكره علماني ينظر إليه بشكل محايد كرجل مؤثر في حركة التاريخ، قاد أول ثورة دينية على مفهوم الدين المسيّس، الذي ارتبط بطوطم القبيلة منذ بداياته، وجعله المسيح لأول مرة في تاريخ الادبيات الابراهيمية المسيّسة أمراً خاصاً بقلب الانسان وخلاصاً لهواجسه من فكرة العدم، وهي أصل ظهور التفكير في الماورائيات.
ناداك الناس "يا معلّم" لأنهم أدركوا بفطرتهم أنك صاحب ثورة دينية، لم يأت ليبيع أوهاما للناس عن إله حقيقي إكتشفه ويريد تسويقه للناس والاستفادة من عملية التسويق، فالله معروف منذ دهور عند الناس الذين يتصوره من خلال بيئتهم وعقلياتهم المختلفة ويستحيل أن يتفق الجميع على صورة واحدة له.
شكراً لك أيها المسيح لأنك جعلت الصلاة أمراً خاصاً أيضا بقلب الانسان، بل أنك ذهبت إلى جوهرها وقلت: إذا كان أحدكم في طريقه للصلاة وتذكّر أن عليه واجب لأخيه الإنسان، عليه أن يتوجه فوراً ويوفي ما عليه لأن الله ليس بحاجة لطقوسه.
شكراً لك أيها المسيح لأنك لم توصِ بامتلاك أراض أو تأمر بحروب من أجل توسيع أملاكك السياسية. وجهّت ثورتك الدينية إلى قلب الانسان، والسماء المكان المرجو، ولم تدع للإنتقام ممن يتركك أو لا يؤمن بأفكارك، وذكرت في تطويباتك صنّاع السلام وجعلتهم أبناء الله.
شكراً لك أيها المسيح لأنك في ثورتك الدينية لم تترك نصاً جامداً، رغم أنك "كلمة الله"، يتخبط أتباعك في تصنيفه؛ هل هو نص تاريخي تؤخذ العِبر منه، أو نص صالح شامل لكل زمان ومكان، يصطدم بسببه أتباعك مع حركة التاريخ ويعيقون تطوّر عقولهم، ما يدفعهم إلى أزمة وراء أزمة وتلفيقة وراء تلفيقة والخروج من المستقبل دائما.
شكراً لك أيها المسيح لأنك لم تجعل طريق الجنة يمر عبر إراقة دم الآخرين بحروب مقدسة تشترك فيها الملائكة ويتدخل الله فيها أحياناً لنصرة المؤمنين.
شكراً أيها المسيح لأنك لم تقل أن الأيمان بدعوتك معناه تكفير ومعاداة أي كيان سياسي لا يدين بها. هكذا انتمى المسيحيون منذ بدايتهم للإمبراطورية الرومانية والبيزنطية والساسانية والفارسية وغيرها، وانتموا بعد ذلك للدول المختلفة بدون أي مشاكل في الانتماء أو انفصام في الهوية أو معاناة تقية الانتماء المزدوج أو رهبة من ضياع كيانهم.
ليس غريباً أيها المسيح أن تنشأ من أتباعك أعظم فكرة عن الدولة بجعلها علمانية محايدة تنظر إلى جميع مواطنيها بشكل متساو، لأنك كنت شخصياً مواطناً صالحاً مهّد بدون أن يدري لعلمانية الدولة مستقبلا "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما للّه للّه"، رغم أنك لم تحمل مواطنة الإمبراطورية الرومانية.
ليس غريباً أيها المسيح أن تنشأ فكرة تقديس الحرية من أتباعك، فأنت حررتهم من الرعب من الله وزرعت فكرة محبته في قلوبهم بدلاً من الخوف منه.
أنت شخصياً كنت انساناً حراً ولم تتدخل في شؤون مريديك العامة وتسّن لهم أساليبك في الخاصة.
لم تزرع في نفوس أتباعك عقيدة عدم وجود قيمة لهم بعيداً عنك، فكانت النتيجة أن كل ما كتبه أتباعك لم يكن مجرد هوامش وتفسيرات وتبريرات لنصك الجامد وما قلته شفاهة، بما في ذلك علومهم ومعارفهم وحتى قصصهم وأشعارهم، فكان طبيعياً أن تضيف ثقافاتهم وحركة التاريخ روحا جديدة وفهما متجدداً لما تركته من سيرة ذاتية، دونها غيرك كلٌ حسب إيمانه الشخصي ورؤيته وما فهمه منك ومن رسالتك.
شكراً أيها المسيح لأن تعاليمك تزرع السلم الأهلي والطمأنينة النفسانية وتوحي للإنسان بالسمو في مواجهة الشر.
شكراً أيها المسيح لأنك لم تحمل أسلحة. فسروا ذلك بأنك كنت مستضعفاً. أغفل المفسرون أن كثيراً من مستضعفي الدنيا وحتى حثالتها حملوا سلاحا وصاروا ثواراً أو زعماءً أو متمردين بعدما تعاظم حولهم المستضعفين والمرتزقة والمستفيدين.
شكراً أيها المسيح لأنك أكلت كل الأطعمة وشربت الخمرة، وقلت أن ما يُدنّس الانسان هو الشر الذي يخرج من عقله وليس ما يدخل معدته، فكنت صاحب ثورة على الادبيات الإبراهيمية كافة التي تعادي بشكل مثير للسخرية بعض الأطعمة والحيوانات والحشرات، وهذه المعادة تدخل في صميم عقائد ايمانهم ومن شروط دخول للجنة.
شكراً أيها المسيح لأنك حملت رسالة بسيطة هي المحبة والإنسانية والنخوة للمساعدة، وتركت الناس تتفرغ لشؤونها وحياتها ولم تجندهم وتسخرّهم لنفسك وربك الذي اكتشفته، فكنت "محب البشر" كما أطلقوا عليك، وأصبحت من أرقى ثوار التاريخ في مفهوم الدين والعبادة والصلاة، وأفضل شخصية في الأدبيات الإبراهيمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اخلاق المسيح
منير كريم ( 2020 / 12 / 23 - 05:21 )
شكرا على مقالك
اروع ما في المسيح اخلاق المسيح
هذه الاخلاق فريدة في التاريخ اقول هذا وانا لست مسيحيا
تحياتي


2 - المبالغة بالكلام
احمد علي الجندي ( 2020 / 12 / 26 - 01:18 )
يقول السيد عادل صوما
-
شكراً لك أيها المسيح لأنك في ثورتك الدينية لم تترك نصاً جامداً، رغم أنك -كلمة الله-، يتخبط أتباعك في تصنيفه؛ هل هو نص تاريخي تؤخذ العِبر منه، أو نص صالح شامل لكل زمان ومكان، يصطدم بسببه أتباعك مع حركة التاريخ ويعيقون تطوّر عقولهم، ما يدفعهم إلى أزمة وراء أزمة وتلفيقة وراء تلفيقة والخروج من المستقبل دائما.
-
وهنا نتساءل
هل يعيش السيد صوما في نفس كوكبنا
ولا تقصد اساءة وانما استغراب
فمن الذي يمنع ويحارب الطلاق والسلطات المدنية
ويرفض اوامر الدولة بدعوة تعارضها مع قول المسيح
-
وأما أنا فأقول لكم أن مَنْ طَلَّق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني- (متى 32:5)..
-
والبيب من الاشارة يعلم نقاشات وسجالات الكنيسة الارثذوكسية القبطية
ملاحظة
المجتمعات الغربية علمانية
وليست دينية
لكي يقول احدهم انها تسمح بالطلاق
فكاثوليكيا لا طلاق حتى لعبة الزنا
https://www.google.com/amp/s/www.almasryalyoum.com/news/detailsamp/1160685

وهنالك امثلة كثيرة ولكن هذه اهمها


3 - احمد على الجندى ؟
على سالم ( 2021 / 7 / 18 - 05:15 )
انت دائما هكذا ؟ تهاجم الناس وتطعنهم فى ديانتهم ؟ وماذا عن ديانتك يا رجل ؟ هل توافق الرسول صلعم عندما امر المهاجمين الصعاليك القتله ان يغتصبوا نساء قبيله اوطاس وهم متزوجات ؟ كيف يشرع هذا الرسول بأرتكاب الفحشاء مع النساء الطاهرات , يجب ان تخجل من نفسك اخ جندى


4 - شكرا استاذ علي سالم
خلف البهات ( 2021 / 7 / 18 - 15:52 )
اعترف بانه لم يكن عندي علم باي تفاصيل تاريخية عن الاسلام لاهتمامي المباشر لما يجري حاضرا في الساحة السياسية
بحثت عن اسم اوطاس فوجدته علي جوجل هكذا:
https://www.astfq.com/viewtopic.php?p=55&sid=4707e9577befa26c84ace58fa34b6de9#p55

اخر الافلام

.. العربية ويكند | الأمم المتحدة تنشر نصائح للحماية من المتحرشي


.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو




.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع


.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة




.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون