الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جان انطوان كوندورسيه (1743 - 1794)

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2020 / 12 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



فيلسوف ومفكر موسوعي فرنسي تعاطف مع مذهب الجيروند (التيار اليميني في الثورة الفرنسية)، وعضو أكاديمية العلوم في فرنسا، ولد مركيز كوندورسيه في أسرة عريقة، في بيكار دى (1743)، وتلقى تعليمه على اليسوعيين في رامس وباريس، وحين بلغ السادسة والعشرين أنتخب عضواً في اكاديمية العلوم، وكان أحد الرعيل الأول ممن انضموا للحملة التي شنت على تجارة الرقيق(1781)([1]).
يعتبر كوندورسيه خاتم الفلاسفة الفرنسيين، وقد رحب بالثورة فاتحة لمستقبل التعليم الجامعي، والعدالة، والرخاء. وفي 1790 اختير للمجلس البلدي الذي كان قد تسلم إدارة باريس، ثم انتخب عضواً في الجمعية التشريعية التي حكمت فرنسا من أول أكتوبر 1791 إلى 20 سبتمبر 1792، ووضع بوصفه رئيساً للجنة التعليم العام تقريراً يدعو إلى نظام قومي للتعليم الابتدائي والثانوي، العام، المجاني، الشامل للجنسين على السواء، والبعيد عن النفوذ الكنسى، وقد وضع مبدأ "دولة الرفاهية" قال: "يجب أن يكون هدف جميع المؤسسات الاجتماعية تحسين الأحوال البدنية والفكرية والأخلاقية لأكثر طبقات السكان عدداً وأشدها فقراً، وقدم التقرير إلى الجمعية في 21 ابريل 1792، ثم عطلت حروب الثورة اتخاذ إجراءات تنفيذه. ولكن حين وطد نابليون سلطته جعل تقرير كوندورسيه الأساس الذي أرسى فوقه تنظيمه للتعليم من جديد في فرنسا تنظيماً بدأ به عهداً حاسماً"([2]).
صَوَّتَ كوندرسيه في صف الذين أدانوا لويس السادس مذنباً بالخيانة، ولكنه صَوَّتَ ضد إعدامه، فلما تبنى المؤتمر الذي سيطر عليه اليعاقبة دستوراً أكثر تطرفاً، كتب كوندورسيه نشرة ينصح فيها المواطنين أن يرفضوه. وفي 8 يوليو 1793 امر المؤتمر بالقبض عليه، فهرب وظل تسعة أشهر مختبئاً في منزل إحدى صديقاته، ولكي يصرف ذهنه عن خوف القبض عليه ألف كتيباً يصلح تلخيصاً لحركة التنوير، و"كتاباً أزرق" (أي مخططاً) للمجتمع المثالي القادم، وعنوانه: "نشرة تمهيدية لجدول تاريخي بمراحل تقدم العقل البشري"، وفي هذا قَسَّمَ كوندورسيه التاريخ إلى عشر مراحل: (1) اتحاد الأسر في قبائل. (2) الرعى والزراعة؛ (3) اختراع الكتابة؛ (4) ازدهار الثقافة اليونانية حتى عهد الإسكندر؛ (5) تطور المعرفة خلال صعود روما واضمحلالها؛ (6) العصور المظلمة، من 476م. إلى الحروب الصليبية؛ (7) نمو العلم بين الحروب الصليبية واختراع الطباعة؛ (8) من جوتنبرج إلى بيكون، وجاليليو، وديكارت، "الذين خلعوا نير السلطة؛ (9) من ديكارت حتى تأسيس الجمهوريتين الأمريكية والفرنسية؛ (10) عصر الفكر المحرر.
كان كوندورسيه لا يعترف للعصور الوسطى بقدر، شأنه في ذلك شأن فولتير، فقد تمثل فيها تسلط الكنيسة على الفكر الأوروبي، وتَخَدَّرَ الشعب بسحر القداس، "قام نقده للدين على أساس الربوبية وحركة التنوير ودعا إلى طرح الخرافات، كما دعا إلى تطور المعرفة العلمية"([3]).
على الرغم من أن كوندرسيه، أخذ على عاتقه البرهنة على أن الرأسمالية تضمن تقدماً لانهائياً والنظام البورجوازي هو قمة المعقوليه، إلا أنه حارب من أجل المساواة السياسية، ودعا إلى استئصال الحكم الديكتاتوري، ودعا إلى التطور الحر للفرد، وفي الوقت نفسه اعتبر عدم المساواة فيما يتعلق بالملكية مفيداً للمجتمع، وكانت آراؤه وأوهامه من النوع المميز لمفكري البورجوازية الناشئة"([4]).
احتفظ كوندرسيه – كفولتير أيضاً- بإيمان ربوبي بالله، لكنه اعتمد على تقدم المعرفة وانتشارها لتقويض سلطان الكنيسة، وتوسيع الديمقراطية، بل والارتقاء بالأخلاق، فقد شعر بأن الخطيئة والجريمة هما إلى حد كبير نتيجة للجهل، يقول: "سيأتي الوقت الذي تشرق فيه الشمس فقط على أحرار الرجال الذين لا يعرفون لهم سيداً غير عقلهم". وقد أثنى على فولتير لإطلاقه الفكر من عقاله، وعلى روسو لإلهامه الناس بأن يقيموا نظاماً اجتماعياً عادلاً "([5]).
"ولم يمكن تفاؤل كوندورسيه تفاؤلاً أعمى تماماً، يقول: "مازلنا نرى قوى التنوير لا تملك أكثر من جزء صغير جداً من العالم، والمتنورين حقاً وصدقاً تطغى عليهم كثرة جماهير الناس الذين مازالت تسيطر عليهم الجهالة والتعصب"([6]).
"وبعد انتهائه من إعداد كتابه "مشروع جدول تاريخي لتقدم الانسانية" وهو في مخبئه، خشى كوندورسيه أن يلحق الضرر بصديقته "مدام فرنيه" إذا اكتشف البوليس أنها تأويه، فأودعها مخطوطه وغادر بيتها متنكراً رغم اعتراضاتها، وبعد أن تشرد أياماً على أطراف باريس طلب طعاماً في فندق، وأثار الشبهة مظهره وعدم وجود أوراق تُعَرِّف بهويته، وسرعان ما تبينه القوم أرستقراطياً، وقُبضَ عليه، وزج في سجن بمدينة بور – لا- رين (7 أبريل 1794)، وفي صبيحة الغد وجد ميتاً في زنزانته، وقد ذهب تقرير الطبيب الذي فحص الجثة إلى أن  موته بسبب جلطة في احد عروقه.. تكريماً له، قررت الحكومة الفرنسية طباعة ثلاثة آلاف نسخة من كتابه وتوزعها في جميع أرجاء فرنسا"([7]).
 
 


([1]) ول ديورانت - ترجمة: فؤاد أندراوس – قصة الحضارة "روسو والثورة" – المجلد الثاني والعشرون - ص  383
([2]) المرجع نفسه – ص  384
([3]) المرجع نفسه –ص  385
([4])م. روزنتال و ب. يودين - الموسوعة الفلسفية –دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – ص 398
([5])ول ديورانت – مرجع سبق ذكره – قصة الحضارة – المجلد الثاني والعشرون -ص  385
([6]) المرجع نفسه – ص  387
([7]) المرجع نفسه – ص  388








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة