الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحي السماء

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2020 / 12 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لما كان الإنسان كائن ناقص ومحدود ومتناه الضآلة زمانياً ومكانياً، ومن ثم كل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وتصورات ناقص ومحدود ومتناه الضآلة زمانياً ومكانياً بالضرورة؛ وكان الإنسان دائماً وأبداً ينشد سد النقص وتجاوز الحدود عبوراً نحو الكمال والخلود؛ ولما فشلت كل مساعيه لكي يتجاوز ضآلته ومحدوديته الحتمية في حياته الدنيا، رانت عيناه إلى السماء بحثاً عن تعويض، وأودعها كل ما ينقصه ويعجز عنه في حياته على الأرض. لقد عجز الإنسان عن تجاوز "حقيقة" الموت على الأرض، لكنه عوض نقصه وعجزه ذلك بـ"تصور" الخلود في السماء.

بسبب نقائص الإنسان وقصوره ومعاناته وعذاباته في حياته "الحقيقية" فوق الأرض، فقد عمد إلى اختلاق حياة "متصورة" في مكان غير مكانه الناقص، وزمان غير زمانه الناقص، في السماء. وأين تلك السماء؟ لأنها، كما يتصورها، نقيض الأرض الدنيا بكل نقائصها، كان لابد، نظرياً على الأقل، أن تكون في السماوات العلى. حين أضحى وأتحمل وأصبر على معاناتي وعذاباتي في حياتي الدنيا فوق الأرض بالأسفل، سوف يحق لي حينئذ أن أمني النفس بتعويض وثواب ما في حياتي الآخرة في السماء، بالأعلى. اختلق الإنسان عالماً آخر مضاداً وموازياً لعالمه السفلي الناقص لكن الحقيقي، وأصبح متصلاً ومسترشداً ومهتدياً به حتى في أدق تفاصيل حياته اليومية. لكن، لايزال، كيف يتحقق الاتصال الفعال بين العالم الدنيوي الحقيقي فوق الأرض من جهة وبين الآخر المتصور والمنشود في السموات العلى في المقابل. عن طريق الوحي، وحي السماء إلى الأرض.

في الأصل، قد اختلق عالم السماء المتصور المنشود لسد وإشباع وتعويض كل ما ينقص البشر ساكني عالم الأرض الحقيقي. وربما، من بين جميع الكائنات الحية في العالم الأرضي، لا يوجد مثل هذا العالم السماوي المتصور سوى في مخيلة البشر فقط. رغم ذلك، لأنه في الأصل كامل وخالد، يستطيع عالم السماء أن يخاطب عالم الأرض متى شاء، بل ويفعل به وبساكنيه ما يشاء. يستطيع أيضاً مخاطبة العالم الأرضي، أو بالأحرى ساكنيه من البشر على وجه التخصيص، عبر لغة كاملة وخالدة تخصه يسميها البشر "الوحي". وماذا يعني "الوحي" في مفهوم وتصور هؤلاء البشر؟

الوحي لغة مثل لغة البشر تماماً، أو هي لغة البشر نفسها حرفياً، لكنها كاملة وخالدة لأنها أتت من لدن عالم كامل وخالد. لكن تبقى التساؤلات مشرعة الأبواب: وكيف للغة بشرية ناقصة ومحدودة مثل أصحابها أن تستوعب الكمال والخلود السماوي؟! وحتى لو استطاعت اللغة بفضل معجزة ما، كيف لا يزال يستطيع عقل الإنسان الناقص والمحدود بطبعه أن يفهم ويستوعب رسالة ومضمون الوحي الكامل الخالد؟! لا اللغة البشرية تستطيع، ولا العقل البشري يستطيع. ثمة حل آخر.

حتى تنفتح أبواب السماء إلى الأرض، كان لابد من وجود كائن بشري لكن ذو مواصفات خاصة تمكنه من التحليق عبر العالمين، السفلي والعلوي. مخلوق بشري، لكن ليس كسائر البشر؛ يشغل موقعاً ومكانة خاصة وسط ساكني عالم السماء لكنه ليس واحداً منهم ويعيش حياة عادية وسط الناس العاديين. مخلوق بشري بمواصفات إلهية، إله من السماء في جسد من لحم ودم، وحديثه "وحي" من السماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا سؤآلي وارجو الاجابة ولك الشكر
سمير آل طوق البحراني ( 2020 / 12 / 24 - 10:22 )
الملاك المكلف بالوحي حسب المفهوم الاسلامي هو جبرآئيل ولكنه ينزل بصفة دحية الكلبي. لماذا انتحل الملاك هذه الشخصية ولم ينتحل شخصية احد الصحابة وبالاخص المبشرين بالجنة؟؟؟. هل من جواب مقنع وما هي الصفاة الذاتية لدحية الكلبي؟؟.

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س