الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي الضمانات؟

محمد مهاجر

2020 / 12 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


-
على الرغم من تزايد اعداد المهاجرين السودانيين وتزايد أولئك الذين حققوا نجاحات ملفتة, الا ان السؤال الذى يكرره من يخطط للهجرة هو "ما هي الضمانات؟". وهو سؤال ينسجم مع الذهنية السودانية السائدة. وتظهر بعض معالم هذه الذهنية حين تسال شخص ما عن سر تمسكه بوظيفة لا تحقق له كفايته وطموحه, فيجيبك قائلا "نار مضمونة ولا جنه مجهجهة". فلا يمكن مقارنة النار بالجنة التى لا يعرف ما بداخلها, ومع ذلك فان العبارة تبين مدى ياس بعض السودانيين من البحث عن البدائل.

يبدو ان عقلية البحث عن الضمانات والخوف من التجريب قد اثرت في انخفاض عدد اللاجئين السودانيين مع وضع الاعتبار المعاناة الكبيرة والحروب وطول فترات الحكم العسكرى. وفى دراسة نشرتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عام 2014, اتضح ان الدول الخمسة الاولى من حيث عدد اللاجئين القادمين الى الدول الغربية هي سوريا ثم العراق ثم أفغانستان ثم صربيا وكوسوفو ثم اريتريا, اما السودان فكان ترتيبه رقم 26. هذه الأرقام تدعم الفرضية السابقة وكذلك تدعمها حقيقة ان الذين يرغبون في الهجرة يسالون ذوى الخبرة والمعرفة الكثير من الاسئلة لكنهم يتوقفون طويلا عندما يسالون عن الضمانات.

ان احد الأدلة التي يمكن ان نسوقها على فرضية سيطرة ذهنية الخوف من التجديد ومن الغريب والبحث عن الضمانات قبل التجريب, هي عادة صبر المجتمع السودانى على الفترات الطويلة من الدكتاتوريات وكذلك عادة التمسك بالأنماط الثقافية والاجتماعية الموروثة. لقد حكم العسكريون لمدة 52 عاما وحكم المدنيون لمدة 12 عاما, مع مشاركة للعسكريين خلال الفترتين الانتقاليتين بعد ثورتى ابريل وديسمبر. ان اهم الاحتياجات الإنسانية هي احتياجات الامن والماكل, حسب نظرية ابراهام ماسلو. والواضح ان العسكريين يضعون الامن على راس سلم اولوياتهم حين يخططون للانقضاض على السلطة المدنية. ولان توفير الامن هو مهنتهم الاساسية, فان اختمال نجاحهم كبير, خاصة في السنوات الأولى, ويكون ذلك خصما على الحريات واحترام حقوق الانسان والتنمية. ولان عقلية رفض الجنة "المجهجهة" هي السائدة, نجد ان الصبر على الحكم العسكرى يطول حسب قدرته على المحافطة على الة القمع وفعاليتها.

هناك عدة امثلة على شيوع ذهنية التمسك بالمجرب منها التمسك بماركات معينة للعطور والسجائر والسيارات والمعجون والصابون وغيرها. هذا يشمل كذلك السياسيين فنجد ان غالبية الأحزاب السودانية يظل فيها رئيس الحزب في منصبه الى اخر العمر. وهو يحتفظ بمنصبه لاسباب منها الخوف من ضعف تماسك الحزب بعد مغادرته للمنصب ومنها نجاحه في اقصاء المنافسين والمعارضين والمجددين. ومع الوضع في الاعتبار اختلاف الظروف والسلوكيات الا اننا نجد ان المشترك بين القادة العسكريين والمدنيين المستبدين هو تفكيرهم في مسالة الضمانات. واحد السلوكيات في هذا الجانب هي الفساد, اذ يسعى القائد الى اكتناز الأموال باى طريقة كانت حتى اذا كان اختلاسا او استغلالا للنفوذ. والدافع في كل الأحوال هو ضمان مستقبل الاسرة, ومن ثم الاسرة الممتدة والاحفاد وهكذا.

ان الخوف من الابداع هو دليل اخر على سيادة عقلية التمسك بالمضمون والمجرب. ففي مجال الغناء مازال نجاح المغنى الجديد مرتبط بمقدرته على أداء اغانى الحقيبة التي كانت في القمة في بدايات القرن السابق ومنتصفه. وفى حين نجد ان جيراننا المصريين والارتريين والصوماليين والاثيوبيين قد طوروا من غناءهم فاصبح غنيا بالايقاعات والانواع الموسيقية والرقصات واصبح ممتعا, نجد ان التكرار والجمود والابتذال هي السمات السائدة في الفن الغنائى السودانى. وكانت النتيجة ان الكثير من الرقصات والايقاعات لم تجد طريقها الى أجهزة الاعلام. ان الابداع يتطلب ان تمتلك ذهنية حب الاستطلاع والتجريب والمقدرة على تحدى الثوابت وهزيمة الخوف من المغامرة والتحرر من قهر السلطة. ولو كان سقراط جبانا او كبلر او نيوتن او اى معارض لرجال الدين المتخلفين لما تمكنت البشرية من تحقيق التقدم العلمى والفكرى الذى نراه الان.

هنالك أشياء تساعد على التجديد والابتكار مثل الرغبة والسعى الى التحرر من القيود والجراة وتحدى قهر السلطة وقيود التقليد. لقد نجحت الشعوب التي لا تخشى المغامرة والابتكار والتجريب والاستكشاف. فنجد مثلا ان إنجلترا واسكندنافيا واليابان وألمانيا وفرنسا وهولندا هي من اكثر الدول التي انجبت المستكشفين والفلاسفة والمخترعين والعلماء والادباء, ولا ننسى أمريكا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والتي تكونت نتيجة لهجرة الانجليز والالمان والفرنسيين والاسبان وغيرهم من الشعوب الاوربية. ان هذه الشعوب تنفق عشرات المليارات سنويا على البحث العلمى, ومن غير البحث العلمى لا يمكن للدول ان تتقدم.

قد يتساءل البعض عن مستقبل الابداع والبحث العلمى والابتكار في بلادنا. هذا السؤال قد يعتبره البعض نوعا من الترف الفكرى او القفز فوق الأولويات, وكل له رايه, لكن الواضح ان عقلية الجمود ما زالت سائدة, واحد الأدلة هي علو الاصوات التي تنادى باستلام العسكر للسلطة, و كذلك الاصوات التي تنادى بإعادة تجربة البشير والنميرى وعبود وغيرها من الأفكار المثبطة. ان صنع البديل يتطلب منا الصبر والمثابرة والمقدرة على التحدى والجرأة على الاكتشاف والابداع. ولو افترضنا جدلا ان الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء قد تمكن قبل انتهاء فترة رئاسته من تحقيق نجاحات إضافية مثمرة وفعالة, فاننا ان نفترض ان النتيجة ستكون المطالبة بتعديل الوثيقة الدستورية حتى يستطيع تقلد المنصب مرة أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟