الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح في جدليات – 32 – بعض خواطري – 10.

نضال الربضي

2020 / 12 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


37
هناك توق ٌ في داخل الطبيعة ِ البشرية لأن يكرِّس الإنسانُ نفسه ُ لشئ ٍ ما، لقضية ٍ ما، لأمر ٍ يتجاوز ُ حدود َ المفهوم، ينطوي على الغامض، يطلبُ البحث َ و الاكتشاف، يصبغُ الحياة َ بدفق ِ حياة، يحمل ُ النفس على فورانها، يرفعها على الجيشان، يتوِّجُهُ العقلُ الباحث ُ المُحتوى في سياق ِ الاندفاع.


38
ليس َ الإنسان ُ عقلاً فقط، و لا هو شعورٌ فحسب، و لا إدراك ٌ لكينونته و كفى، و لا إرادة ٌ تتمثَّلُ لا غير، إنَّما هو كلُّ ذلك َ مدفوعا ً بغريزة الكينونة، فطرة الحياة، خلق الانبعاث، وجود الانطلاق، و كلُّها إنما هي شئٌ واحد يتمثَّلُ في صور ٍ كثيرة، يتقلَّب ُ بينها الإنسان، و يحتار، يحاول ُ أن يجد َ نفسه في إحداها لينتمي إلى مدرستها، بينما يجبُ عليه أن يدرك أوَّلا ً أنَّهُ كُلُّها، فُيعانقها، و يعتنقها، و يعيش بحسبها.


39
على الإنسان أن يفهم َ أن ميلهُ نحو التصنيف أنَّما يقتل ُ فيه الفطرة، يشتِّتُ قدراته، يحمله على لزوم ما لا يلزم، يُضعفه، يقولبه، يجعلهُ أسير إطار، عبد َ كيان، محدودا ً و هو القادرُ على معانقة ِ ال لا-مُعرَّف ال لا-معروف ال لا-محدود، بينما الصواب و الصحيح و التلقائي و الأسهل في ذات الوقت: أن يتدفَّق، أن يكون، أن يعيش، أن يمضي، أن يعانق، أن يقبل، أن ينسجم، أن يرافق، أن يعي، أن ينظر َ من فوق و هو مُتَّحدٌ مع ما ينظرُ إليه، أن ينفصل، أن يُجانب، أن يُحاذر، أن يختفي، أن يظهر، أن يعمل، أن يكون َ ساكناً، أن يهضم، أن يلفظَ خارجه، أن يُعارك، أن يصاحب، أن يُنادم، أن يُعادي، أن يختبر، أن يُعطي كيانه لِ، و أن يهمل َ بذات القدر، باختصار: أن يكون َ حُرَّا ً.

40
قدرةُ الجنس البشري تتجاوزُ مجموع َ قدرات ِ أفرادِه على انعزالها.

قدرة ُ الجنس البشري تتجلَّى في اجتماعه.

بمعنى أن هذا الاجتماع، و ذاك الاتحاد لمجموع القدرات، يُنتجُ حالة ً جديدة، هي: حالة ُ المجموع!

هذه الحالة تنطوي على قدرة ضخمة على التغير، إمكانية ٍ عملاقة غير محدودة، لكن مفتوحة على الاحتمالات التي تسمح فيها حالات الوجود في السياق الزمني الاجتماعي الاقتصادي السياسي المكاني اللواتي تتواجد فيهنَّ تلك القدرة و الامكانية، و من هُنا تأخذُ الحضارة ُ شكلها، بحسب طبيعة القدرة و الامكانية، و الدوافع التي توجِّهُها، و الثقافة ِ التي تُعطيهما شكلها، و تُحدِّدُ شبكة العلاقات التي تنشاُ بين الأفراد الرافدين لهما.

فقط عند الأمم التي تدفعها الحرِّية التي تدفعها غريزة تحقيق الذات التي تنسجمُ مع الفطرة ِ الأولى، تنشاُ الحضارات. هذه الحضارات حتميَّات ٌ لا نتائجُ فقط، لأن الحرِّية هي قيمة، خُلُق، فلسفة، من جهة الوعي. أمَّا من جهة الكائن البيولوجي فهي ببساطة: طبيعته.

كل الأمم التي تنسجم مع هذه الطبيعة تنشأ، تصعد، تتطوَّر، ترتقي في سُلَّم الوعي.

كل الأمم التي تكبح الحرِّية لصالح تقديس فكرة، أو شخص، أو كتاب، أو أيديولوجيا، يصيبها مرضان: الأول هو الانحدار و العقم الإنتاجي، و الثاني هو الدوران اللانهائي في متاهة ِ الجهل، و هو هنا جهلان: جهل ُ المعلومة، و جهلُ مصدر ِ استدامة الجهل ذاته.

العلاج:
الانحدار حتى المستوى الأسفل من الجهل و الأعظم من جهة الألم، الذي بعده لا يمكن لطبيعة الكائن الحي إلا أن ينتفض و يقول: لا!

و عندها عليه أن يجد طريقه للأعلى، فإن نجح َ كان إنتاجه الحضاري عظيماً، و لكن الثَّمن كم سيكونُ باهظاً!

هنا تختبئُ دمعة، خوفٌ ما، أن لا يجد َ طريقه، و هذا حق، و ممكن، و لكن: إن حتمية َ الثورة على الجهل لا تعترفُ بالدموع!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصديق العزيز / نضال الربضي
شوكت جميل ( 2020 / 12 / 26 - 16:03 )
اتمنى لك عيداّ مفرحاّ و غنياّ بالأمال و الغبطة


تقول:( هو هنا جهلان: جهل ُ المعلومة، و جهلُ مصدر ِ استدامة الجهل ذاته.)

نعم... و لكن ألا ترى معي أن من يقوم بالثورة على الجهل ليس الجاهل و إنما الجاهل و قد وعى جهله؟!، و أحسبها مهمة أصحاب الرأي و التنوير لتبصيره بالدرك الذي هو فيه؛ و من هنا تنفتح الاحتمالات:

أ- أن يقتل المريض طبيبه لأنه لا يصدق _أو لا يريد أن يعترف _ أنه جاهل أو أن جهله أثير لديه.

ب- أن يمل الطبيب مريضه و قد أعيته السبل و طول المداواة دونما إشارة لتحسن أو شفاء.

ج- أن ينجح الطبيب و المريض في تجاوز محنة الجهل.
......
أحسب أن ترجيح أيا من الاحتمالات للحدوث إنما رهين بالظروف الموضوعية الحاكمة:

حجم تيار التنوير و إخلاصه

الإرادة السياسية -العليا-..

مصالح الطبقة المتنفذة و رأس المال و مصالحهما التي تقتات على الجهل في أكثر الاحوال.

موقف المؤسسة الدينية و سدنة الدين و التي تتآزر عادة مع الطبقتين السالفتين و بخاصة في منطقة كمنطقتنا الشرق أوسطية.

و أكبر ظني ، أن الاحتمال الأكثر ترجيحا لا يسر ...


دمت صديقا عزيرا


2 - العزيز شوكت جميل 1
نضال الربضي ( 2020 / 12 / 26 - 20:05 )
تحية ميلادية جميلة لك أخي العزيز شوكت!

سعدتُ بتعليقك الدقيق و الذي تنازل نقاطا ً جوهرية، فاسمح لي أن أجيب على أسئلتك بحسب ما أرى:

1 – بالنسبة لقولك أن من يثور هو الجاهل الذي وعي جهله، فهذا قول صحيح، بشرط أنه أحد نوعين من الثوار، ثانيهما أن من يثور قد لا يكون بالضرورة مدركا ً لجهله إنما مُتألِّما ً و متضررا ً من الأوضاع السائدة التي شحنته كفرد و كجزء من جماعة إلى درجة لا يمكنه أن يمضي في حياته بعدها كالسابق. كلا الاحتمالين رأيناهما في الثورات العربية التي أفرزت الخراب بعدها، لأن جُلَّ من ثاروا كانوا من النوع الثاني: الجاهل المتضرِّر المتألم المشحون، و قلة من النوع الأول: الواعي المُدرك العارف.

يتبع


3 - العزيز شوكت جميل 2
نضال الربضي ( 2020 / 12 / 26 - 20:07 )

2- بالنسبة لاحتمالات نتائج الثورة: أجد نفسي أتفق معك، و أودُّ إن سمحت لي أن أتوسع في النقطة ج لأقول: إن تجاوز الجهل قد يكون كاملا ً أو جزئياً، و قد يكونُ مستداما ً أو مقصورا ً على زمن الحدث غير قابل للاستدامة لأنه إفرازُ إجراءاتٍ غير ناضجة بسيطة و كأنه بشارة أمل لا الأمل ذاته، و قد يكونُ مستداما ً يأخذ ُ مداه لفترات قد تطول كثيرا ً أو قليلا ً أو ينتكسَ الأمرُ إلى رجعياتٍ تفرزها جدلية المجتمع مع ذاته و بيئته.

3- أما الظروف الموضوعية التي تفضلت َ بإيرادها، فأجد أنني هنا أتفق معك تماماً، و أودّ ُ أن أضيف عامل تأثير ٍ آخر هو: طبيعة الوعي السائد في المجتمع و ثقافته الفاعلة و التي تصوغ رؤيته للحياة. كما و أجد أن الإرادة السياسية هي العامل الأكثر تأثيرا ً بينها جميعا ً لأنها تملك أن تفتح جميع الأبواب أمام الوعي الجديد، و تُتيح له إمكانيات العمل و آلياتها، و تضمنها جميعا ً و تحميها،،،،

يتبع


4 - العزيز شوكت جميل 3
نضال الربضي ( 2020 / 12 / 26 - 20:08 )
،،،

أو طبعا ً أن تغلق أبوابها و تمنعها، و عندها مهما كان تيار التنوير قويا ً فلن يستطيع أن يفعل شيئاً حتى لو ثارت الشعوب، لأنها ببساطة جاهلة قادرة على أن تهدم بسرعة و عنف و تكتسح َ باقتدار، لكنها عاجزة تمام العجز عن أن تبني، فوعيها تم إفساده منذ عقود و لا تمتلك أي رؤية جديدة قادرة على النهوض.

4- هناك نقطة جوهرية لا يجب ُ أن نغفلها هنا، و هي أن العالم قد أضحى بالفعل قرية صغيرة، و أن مصالح الدول العظمى تملي عليها أن تتدخل في الشؤون السياسية للدول الصغيرة (بما فيها ثوراتها و توازنات القوى المسيطرة على إدارتها)، و بالتالي لن يستطيع تيار ٌ ما أن يقوم بنهضة ٍ مفاجئة (على فرض كونها إمكانية) إلا إذا كانت هذه النهضة تضمن للدول العظمى استمرار تدفق موارد تلك الدولة عليها بذات الشروط التجارية و تسهيلاتها. إننا هنا ننظرُ إلى الواقع المرير كما هو، لا نتشاءم و لا نبالغ، فلقد انتهى زمن الامبراطوريات القديمة التي تغزو و تحتل، و قام بديلا ً عنه زمن الامبراطوريات التي تتحكم بسياسات الدولة عن طريق القبضة الاقتصادية.


5 - العزيز شوكت جميل 4
نضال الربضي ( 2020 / 12 / 26 - 20:09 )

أنا أيضا ً أعتقد أن الاحتمالات لا تسر، و لا أرى أي نهضة في الأفق للمنطقة العربية. أقول هذا و
أن بالفعل حزين و مرهق و أكاد أكفُّ عن الكتابة و الكلام، لكنني أعلم نفسي جيدا ً، فأقول أنني مستمر في دق الناقوس، لعل أحدهم يستيقظ: و لو واحدا ً فقط!

دمت أخا ً عزيزاً بكل الود!

اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا