الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف ضبطت جودة التعليم العالي في عراق الأمس ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2020 / 12 / 26
التربية والتعليم والبحث العلمي


قطع التعليم العالي في العراق شوطا مهما منذ بدايات تأسيس دولة العراق الحديث في عشرينيات القرن المنصرم,ليبلغ عصره الذهبي في عقد السبعينيات, حيث أصبح التعليم العالي مجانا ومتاحا لجميع طالبيه , فضلا عن تأمين فرص العمل المناسبة لجميع خريجيه. إمتازت منظومة التعليم العالي بالرصانة العلمية العالية التي جعلتها واحدة من أفضل منظومات التعليم العالي في البلاد العربية, إلاّ أن منظومة التعليم العالي قد شهدت تدهورا تدريجيا منذ منتصف عقد الثمانينيات من القرن المنصرم بسبب إستنزاف الحرب العراقية الإيرانية التي إستمرت سنين طويلة , معظم موارد العراقية وقدراته المالية والبشرية .
وهنا نقول يجافي الحقيقة من يدعي أن ما مر به العراق من حروب وصراعات دامية وفتن وحصار شامل لسنوات عديدة , لم تقوض بعض ركائز التعليم العالي , وتوهن منظومته التعليمية وتعوق مسيرتها وتغلق بعض آفاق تطورها وتواصلها مع نظيراتها في بلدان العالم المختلفة , حيث كانت الجامعات العراقية مرتبطة بإتفاقات تعاون علمية وطيدة وعلاقات ثقافية واسعة مع الكثير من الجامعات العربية والأجنبية لم يعد بألإمكان التواصل معها . فقدت الجامعات الكثير من كوادرها التدريسية المهاجرة إلى بلدان أخرى , طلبا للرزق بعد أن ضاقت بهم سبل العيش الكريم في العراق, بعد أن تدنت رواتبهم كثيرا , أو بحثا عن ملاذات آمنة بسبب ما تعرض له العراق من حروب وصراعات دامية راح ضحيتها آلاف الأبرياء ممن لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحروب والصراعات العبثية .
ولمواجهة هذه التحديات أو في الأقل الحد من آثارها المدمرة وتداعياتها الخطيرة على منظومة التعليم العالي حاضرا ومستقبلا , اتخذت رئاسة الجمهورية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي إجراءات عديدة فاعلة ومؤثرة , حيث أسهمت هذه الإجراءات بدرجة كبيرة بالحفاظ على منظومة التعليم العالي وضمان رصانتها , برغم كل ما اصابها من تشظي هنا وهناك , نوجزها بالآتي :
1. تشكيل هيئة من كبار أساتذة كليات الطب المتقاعدين ممن عملوا في كليات الطب العراقية سنين طويلة والمشهود لهم بالكفاءة والأمانة العلمية والمهنية والتميّز , برئاسة الأستاذ الدكتور خالد ناجي أحد أبرز الأطباء الجراحين الذين عملوا بكلية الطب بجامعة بغداد سنين طويلة , ومنحها صلاحيات واسعة لتقييم واقع حال هذه الكليات بمعزل عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ,من خلال زيارات ميدانية لتلك الكليات وبحث إحتياجاتها من أجهزة ومعدات ومستلزمات دراسية للنهوض بها , ورفع تلك الإحتياجات لديوان الرئاسة مباشرة . أدت أعمال هذه اللجنة إلى تحسين واقع حال كليات الطب برفدها بالكثير من الأجهزة والمعدات الطبية والكتب الدراسية والدوريات العلمية التي تحتاجها من خلال مذكرة التفاهم المعقودة بين الحكومة العراقية ومنظمة الأمم المتحدة التي يحصل بموجبها العراق على (70%) من عائدات بيع كمية من نفطه , تودع في مصرف خاص تحت إشراف ورقابة المنظمة , يستطيع العراق التصرف بهذه العائدات لتلبية بعض حاجاته من غذاء ودواء ومستلزمات أخرى.
2.تشكيل لجنة مركزية من أساتذة الجامعات يختارهم وزير التعليم العالي لإجراء إمتحانات مركزية لجميع الأقسام الدراسية المتناظرة في الجامعات العراقية في الدراسات الجامعية الأولية , للحد من حالات الفساد على قلتها التي سادت الوسط الجامعي, حيث مهدت المناهج الدراسية الموحدة المعتمدة في الجامعات العراقية منذ أواسط عقد السبعينيات في القرن المنصرم ,لتطبيق أسلوب الإمتحانات النهائية المركزية لجميع الجامعات في عقد التسعينيات بعد أن إشتدت وطأة الحصار الظالم المفروض على العراق حينذاك, حيث بات يهدد قطاع التعليم العالي بتاثيره الخطير على مسيرة التعليم العالي, بتنامي بعض مظاهر تسريب الأسئلة الإمتحانية لقاء دفع مبالغ معينة أو إلتلاعب بدرجات الطلبة. لذا أرتأت رئاسة الجمهورية تطبيق نظام الإمتحانات المركزية , بالطريقة التي تراها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مناسبة . إرتأت الوزارة صعوبة تطبيق أسلوب الإمتحانات المركزية لجميع المواد الدراسية المعمول به منذ سنين في الإمتحانات الوزارية للدراسة الثانوية من قبل وزارة التربية, لذا استعيض عن ذلك بإختيار ما لا يزيد على نسبة ( 10 % ) من المواد الدراسية عشوائيا في كل قسم علمي من قبل لجنة إمتحانية مركزية بديوان الوزارة, وخضوعها للإمتحانات المركزية , أي وضع أسئلتها وتصحيح نتائجها مركزيا من قبل تدريسيين من مختلف الجامعات تختارهم اللجنة المركزية. كانت فكرة الإمتحانات المركزية موضع جدل واسع في الأوساط الجامعية بين مؤيد ومعارض.لا شك أن الجامعات قد فقدت الكثير من إستقلاليتها وخصوصياتها وحرياتها الأكاديمية بوجود هذه التشكيلات المختلفة , حيث أصبحت جميعها متشابه في نظمها وتعليماتها الدراسية , وموحدة في مناهجها الدراسية وكأنها جامعة واحدة مركزها الوزارة وفروعها منتشرة في أرجاء العراق المختلفة, إلاّ أنها أمنت منظومة التعليم العالي والبحث العلمي من الإنهيار.
3.تشكيل لجان من أساتذة الجامعات يتم إختيارهم من قبل ديوان الرئاسة لحضور عينات مختارة عشوائيا من مناقشات رسائل وأطاريح طلبة الدراسات العليا , ورفع تقارير عن المستوى العلمي لهذه الرسائل والأطاريح, وعن مستوى مناقشات اللجان المكلفة من قبل الجامعات لفحص ومناقشة هذه الرسائل والأطاريح , إلى ديوان رئاسة الجمهورية , الذي يقوم بدوره بإرسالها إلى الجامعة المعنية للوقوف على رأيها بعد مناقشتها في مجلس الجامعة , ونشر التقارير من قبل الديوان في الصحف المحلية . تعتمد نتيجة الإمتحان الذي تقرره الجامعة , ولكن لا يسمح لمن ترد ملاحظات سلبية بشأن المستوى العلمي لأطروحته من قبل اللجان المكلفة من ديوان الرئاسة , بتعينه في المؤسسات التعليمية , علما أن جميع أطاريح الدكتوراه تخضع أساسا للتقيم العلمي الخارجي من قبل الجامعة في جميع الأحوال.
4.تم رفد الجامعات بالكثير من الأجهزة والمعدات والكتب الدراسية والدوريات العلمية من خلال مذكرة التفاهم في أواخر عقد التسعينيات , كما شهدت الجامعات أكبر حملة إعمار لمبانيها وتشييد الكثير من المباني لتلبية الطلب المتزايد على التعليم العالي بعامة , وبرامج الدراسات العليا بخاصة , بعد أن أصبحت هذه البرامج السبيل الوحيد لرفد الجامعات ومؤسسات الدولة المختلفة بحملة شهادة الدكتوراه بجميع التخصصات , في أعقاب ندوة النهوض بقطاع التعليم العالي المنعقد عام 1992 برئاسة رئيس الجمهورية .
5. رفد الجامعات بمحاضرين خارجيين من العاملين بمؤسسات الدولة المختلفة من حملة شهادة الدكتوراه أو ما يعادلها في إطار الحشد الوطني لدعم قطاع التعليم العالي والبحث العلمي , لسد النقص الذي كانت تعانيه الجامعات جراء هجرة بعض كوادرها.
6. تعظيم موارد الجامعات نسبيا من خدماتها الإستشارية وفعالياتها الإنتاجية المختلفة في إطار مفهوم الجامعة المنتجة المتفاعلة مع بيئتها , وبرامج الدراسات المسائية والتعليم الموازي.
7. خضوع جميع برامج الدراسات المسائية لمناهج وتعليمات وضوابط الدراسات الصباحية , وأن تكون إمتحانات طلبتها موحدة مع إمتحانات طلبة الدراسات الصباحية , وإقرار نتائجها بالطريقة نفسها , بما في ذلك الإمتحانات المركزية .
8.صدرت في أواخر عام 2001 أوامر رئاسية بعدم جواز بقاء عمداء الكليات ورؤساء الجامعات في مواقعهم أكثر من خمس سنوات , لذا قامت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتدوير العمداء بين الكليات المتناظرة في الجامعات , وتدوير رؤساء الجامعات بين الجامعات, وإعفاء ممن نضب عطاؤه .
وهكذا إستطاع العراق وقف حالة التداعي والتردي التي كان يسعى إليها أعداء العراق يومذاك, في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي , ذلك أن التعليم ولاشيئ سواه يمكن أن يعيد بناء العراق ويضمن تقدمه وإزدهاره , حيث بقيت منظومة التعليم العالي قادرة على تلبية حاجات العراق من الكوادر العلمية والتقنية التي لا تقل مستوياتها العلمية عن مثيلاتها في البلدان العربية , بفضل تضافر جهود نخبة خيرة من ابناء العراق آلت على نفسها خدمة العراق في ظروفه الصعبة المتمثلة بشح الموارد والمستلزمات الدراسية, لم تتوقف المسيرة التعليمية , بل العكس كان صحيحا حيث أستحدثت جامعات وكليات ومراكز بحثية متخصصة لتشمل جميع محافظات العراق, والتوسع ببرامج الدراسات العليا وبخاصة برامج الدكتوراه التي كانت محدودة في الكم والنوع قبل العام 1992, وذلك لغرض توفير الكوادر التدريسية التي تحتاجها الجامعات ومؤسسات الدولة المختلفة , بعد أن أغلقت بوجهها جميع الأبواب الخارجية التي كانت تحصل من خلالها على فرص تأهيل الكوادر التي تحتاجها من خلال البعثات والإجازات والزمالات الدراسية. وإزداد الترابط بين المؤسسات التعليمية ومؤسسات الدولة المختلفة , ليصبح هذا الترابط إنموذجا يمكن أن يقتدى به من قبل الجامعات الأخرى في بلدان العالم الثالث .
واخيرا نقول ان شعبا اضاء وجه العالم علما وحضارة عبر العصور, لجدير بان يناصر ويساند من اجل صيانة أمنه وإستقراره ووقف نزيف الدم الذي ادى ويؤدي في كل يوم الى وفاة الكثير من ابنائه, ومعاناة شعبه وحرمانه من ابسط حقوقه بالعيش الكريم في وطنه والتزود بالعلم والمعرفة . وتوظيفهما لمصلحة شعبه ورقيه وتقدمه. ان وقوف قوى الخير والسلام مع شعب العراق في ظروفه العصيبة, ومناصرتها الحق والعدل سيسجله التاريخ لها بشرف وسيبقى في ذاكرة شعب العراق على مر التاريخ عرفانا وامتنانا منه لأصوات أبت إلا أن تناصر الحق والعدل والسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في زلة لسان جديدة.. بايدن يطلب من إسرائيل ألا تقتحم حيفا


.. اعتصام أمام البرلمان في المغرب للمطالبة بإسقاط التطبيع مع إس




.. ما طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على هجوم إيران؟


.. السلطات الإندونيسية تحذر من -تسونامي- بعد انفجار بركان على ج




.. خيمة تتحول لروضة تعليمية وترفيهية للأطفال في رفح بقطاع غزة