الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشتركات بين المسيحية والإسلام

صباح ابراهيم

2020 / 12 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ان العلاقات بين المسيحية والاسلام، لا يمكن ان تبُنى اليوم وفي المستقبل على أساس ما ورد في القرآن قبل اربعة عشر قرنا، لأن القرآن كان يخاطب نصارى عصر الدعوى الاسلامية، وهؤلاء لا يمثلون ولا يؤمنون بالعقيدة المسيحية الموجودة اليوم لكونهم من طائفة النصارى الهراطقة المطرودين من الكنيسة الام، لأنهم اتّبعوا افكار الهراطقة الأبيونيين المريميين الخارجين عن العقيدة المسيحية الصحيحة، ولجأوا إلى الجزيرة العربية كمأوى لهم بعيدا عن المسيحيين . مسيحيوا اليوم هم ليسوا نصارى أهل الكتاب الذين خاطبهم القرآن والذين يرد ذكرهم في مختلف السور القرآنية مرة بالمدح (أقربهم مودة) ومرة بالتكفير والتهديد بالقتال إن لم يدفعوا الجزية وهم صاغرون . وتعاليم مسيحيي اليوم ليست التعاليم التي يكفرها القرآن .
ان ما يقوله القرآن عن أوصاف التثليث وعن ألوهية السيد المسيح، لا تعبر التعبير الصحيح عن الإيمان المسيحي بالتثليث وألوهية السيد المسيح الذي يؤمن به المسيحيون .
وإذا ما اريد اجراء حوار ديني بين المسيحيين والمسلمين، فلا بد ان يتضمن نقطتين أساسيتين
1- الاعتراف بواقع الاختلاف بين العقيدتين، وبالحق في الاختلاف .
2- التركيز على نقاط التلاقي في العقائد والأخلاق بين المسيحية والاسلام .
العلاقات المسيحية الاسلامية النموذجية والغير مُسيّسة أو المتعصبة والتكفيرية، تفرض الإحترام المتبادل لعقائد الطرف الآخر وتعاليمه الاخلاقية، وإلغاء فكرة التكفير المتبادل والحرم . فلا يجوز للمسلمين ان يتهموا المسيحيين بالكفر والشرك لأن المسيحيين يؤمنون بالتثليث بالأقانيم القائم على التوحيد بالجوهر. أي الإيمان بإله واحد في ثلاثة أقانيم في جوهر واحد بلا انفصال ،الآب والأبن والروح القدس.
سورة آل عمران 113-115 : " من اهل الكتاب امة قائمة، يتلون آيات الكتاب آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله وباليوم الآخر، ويأمرون بالمعروف ويسارعون في الخيرات، وأولئك من الصالحين، وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين "
كما لا يجوز للمسيحيين ان يدعوا المسلمين مبتدعين وهراطقة لكونهم لا يؤمنون بأن يسوع المسيح هو ابن الله بالروح .
الخلافات في العقائد، ناتجة من كون كل ديانة تستند في عقائدها الى كتاب مقدس، تعتبره مصدره الله . اما موحى به كما تقول المسيحية، واما منزلا كما يقول الاسلام. المسيحية تؤمن ان الإنجيل الذي بين يديها اليوم هو كتاب الله والوحي الاخير الذي لايمكن ان يأتي من بعده وحي آخر، وتؤمن ان يسوع المسيح في شخصه وحياته وموته وقيامته وحي الله النهائي والاخير وتجسيدا لكلمته .
والإسلام يؤمن ان محمدا هو خاتم النبيين، وأن القرآن هو كتاب الله والوحي الأخير الذي جاء مصدقا لوحي التوراة والإنجيل. والمسيح يقول في الإنجيل : "أنا هو الأول والآخر " .
وبما انه لايمكن ان يترك كل طرف عقيدته، ولا يغير ما بكتابه،و يؤمن بعقيدة الطرف الاخر، لانه متمسك بها إلى حد الشهادة في سبيلها منذ نشأتها ولحد الان، لذلك يجب على كل ديانة ان تحترم عقيدة ما يؤمن به الآخر المخالف و يمكنها الدخول معها في حوار بناء لمناقشة مواضيع غير عقائدية إذا ما توفرت النية الحسنة للعيش بسلام .
فلا يجوز ان يُتهَم الآخرون المسيحيّين بأنهم حرفوا الانجيل، يكفي ان نقول هنا ان مخطوطات الإنجيل تعود الى القرن الثاني والثالث والرابع الميلادي، أي بضع مئات من السنين، قبل ظهور الاسلام وهذه المخطوطات تؤكد التوافق التام بين الانجيل الذي كان بين أيدي المسيحيين في القرون الاولى والانجيل الذي بين أيدينا اليوم. فكيف يكون الإنجيل محرفا وقد إنتشر بين ملايين البشر في أقطار العالم كافة .
ومن يدعي ذلك، عليه إظهار ما يثبت دعواه ويبرز لنا النسخة الاصلية الغير محرفة لمقارنتها مع ما بين أيدينا من كتاب، وليكون لهم الحجة فيما يدعون .
ان المشاجرات حول عقائد الدين لاتفيد شيئا ولن توصل لنتيجة، والاتهامات المتبادلة حول صحة القرآن والإنجيل لا تفيد شيئا. نحن اليوم إزاء ديانتين منتشرتين بين ملايين البشر تستند كل منهما الى كتاب تعتبره مقدسا لديها، ترتكز عليه لتؤكد صحة عقائدها. المسيحية والإسلام ديانتان مختلفتان ستبقيان مختلفتين حتى يوم القيامة، وفقا لما جاء في سورة الحج 69:
" لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه، فلا ينازعنك في الأمر، وادع إلى ربك، إنك لعلى هدى مستقيم، وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون، الله يحكم بيننا وبينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون " .
ما دامت بلادنا تضم مختلف الأديان والمذاهب حتى داخل الدين الواحد . فلماذا نجعل الدين يفرقنا، لماذا لا نرفع شعار (الدين لله والوطن للجميع )؟ أليس هذا الإيمان أفضل لتوحيد الشعب وعدم التفرقة بين الأخوة في الوطن الواحد ؟ ولابد من المطالبة بإلغاء تسمية الدين والمذهب في الهوية الشخصية للمواطنين في كل الدول بالعالم ، واعتبار كل المواطنين في البلد الواحد متساوون امام القانون وفي المجتمع بكل الحقوق والواجبات ولا يمييز بينهم الدين ولا المذهب.
اذا علينا ان نلتقي في العناصر المشتركة بين الديانتين والتي يؤمن بها اتباعهما ومنها :

• وحدانية الله

ما يجمع المسلمين والمسيحيين هو الإيمان بالله الواحد. والإيمان ان المادة والحياة والروح لا تخلق مصادفة من العدم بل هي من خلق الله وحده ، والله روح وحياة .
وصفت الديانتان الله بصفات كثيرة مشتركة منها :-
الله - الواحد – الخالق – الذي تكلم بالأنبياء – المحب – الرحيم – المجازي- المحي للأموات وغيرها.
الله الواحد : المسيحية تؤمن باله واحد، كما جاء في قانون الإيمان المسيحي الذي يؤمن به كل مسيحيي العالم . حيث نقول في صلواتنا :
" نؤمن بإله واحد ، الآب ضابط الكل ، وخالق السماء والأرض، وكل ما يُرى وما لا يُرى "
وهذا الإيمان هو الوصية الاولى حسب قول السيد المسيح، إذ سأله أحد الكتبة من اليهود :
" أي وصية هي أولى الوصايا جميعا؟" . فاجابه " اسمع يا اسرائيل: الرب الهنا رب واحد، فاحب الربَّ الهَك بكل قلبَك، وكل نفسَك وكل فكرك وكل قدرتِك" .مرقس 12/28-30
ويؤكد بولس الرسول برسالته الاولى بقوله عن وحدانية الله : " فنحن إنما لنا اله واحد ، الآب الذي منه كل شئ ونحن اليه "
وهذا الإيمان بوحدانية الله لا يناقضه ايماننا بالتثليث، ذلك ان الآب وكلمته وروحه ليست في عقيدتنا ثلاثة الهة منفصلة احدها عن الآخر، بل اله واحد له ثلاث أقانيم، أي ثلاث صفات ذاتية غير منفصلة احدهما عن الاخر، كما ان للانسان الحي كيان (ذات) ، وعقل (ونفس)، و(روح) لا تنفصل أثناء الحياة. المسيحيون يبتدئون فاتحة صلاتهم ، قائلين: بسم الآب والأبن والروح القدس... الإله الواحد آمين
لذلك نؤكد ان المسيحية ديانة توحيد وقولها بالتثليث هو تعمق في سر الله وتفسير لتجلي الله في عالم البشر، فلا نكتفِ بالقول ان الله ارسل انبيائه الينا، بل انه حضر في ما بيننا في شخص كلمته المتجسد يسوع المسيح ، الذي حل بهيئة روح القدس في أحشاء القديسة مريم العذراء وتحول كلمة الله إلى إنسان مولود غير مخلوق. لان كلمة الله أزلي وليس مخلوق. فلم يكن الله بزمن ما بلا كلمة ولا عقل ناطق .
المسيح كلمة الله القاها إلى مريم وروح منه كما أكد ذلك القرآن الذي يوافق الإنجيل بهذا المنطق.
كلمة الله بعد ان صار إنسانا بشخص السيد المسيح ، نقلها لنا مجسدة بتعاليمه ووصاياه عندما عاش بيننا كبشر وابن الانسان .
في افتتاحية إنجيل يوحنا هناك تطابق لما جاء بالقرآن :
في (القرآن) : "إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ"
: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ }آل عمران45
و جاء في (الإنجيل) : في البدء كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة هو الله .
فالإسلام والمسيحية تعترفان ان المسيح هو كلمة الله، والله وكلمته ازليان، وهما واحد وليس اثنان لأنهما غير منفصلين . فهذا هو تفسيرنا للمسيح انه ابن الله لكونه بُعثَ من روح الله وليس له أب بشري، وأنه كلمة الله المتجسد بهيئة انسان، وهو آية للعالمين. اما ما يقال ان الله تزوج من صاحبة وأنجب المسيح فهو هراء وخرافة من الجن في نظر المسيحية، ولا يقولها إلا من لا عقل له . فالعاقل لا يؤمن بما يقوله سفيه من سفهاء الجن الذي يقول على الله شططا .(سورة الجن)
اما التثليث الذي يكفره القرآن، (لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد) فهذا ليس من الإيمان المسيحي، بل كان اعتقاد هرطوقي لطائفة المريميّن في زمن النبي محمد وانقرضت هذه الفكرة الخاطئة مع اصحابها نهائيا من الذي كانوا يؤمنون بأن مريم إلها مع الله والمسيح . فالكلام القرآني هذا ليس موجها لمسيحيي اليوم لأنهم يؤمنون ان الله واحد وليس ثالث ثلاثة.
التثليث ( الآب والأبن والروح القدس ) ليس عبادة كائنين منفصلين من دون الله، أي لا علاقة لهما بالله. وهذا التثليث القرآني لهراطقة المريميين، المسيحية منه براء، لأن الله وكلمته وروحه ليس ثلاث الهة منفصلة من دون الله إنما هي صفات ذاتية لله الواحد نفسه.
كما وصف الإسلام الله بتسعة وتسعين اسما وصفة، اسموها اسماء الله الحسنى، كذلك المسيحية تصف الله بثلاث صفات لكيان واحد لا يتجزأ ولاينفصل . كما قال السيد المسيح لتلاميذه : " اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ " فهل المسيح يدعو إلى ثلاث الهة ؟
كذلك الإسلام يؤمن بإله واحد ويؤكد ( لا اله الا الله ) كما جاء بالقرآن ( وهو الله الذي لا اله الا هو ) آية 59-22-24
التوحيد القرآني هو استمرار للتوحيد المسيحي، وتوحيد أهل الكتاب كما جاء بسورة العنكبوت -46 " ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن ، الا الذين ظلموا منهم، وقولوا ، آمنّا بالذي انزل الينا ، وانزل اليكم، والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون " أليس القرآن جاء مصدقا للإنجيل وما كتب به ؟
إن كان القرآن يؤيد ان (الهنا والهكم واحد) فكيف اصبح الله عند المسيحيين ثالث ثلاثة ؟
المسلمون إذن أسلموا لله الواحد الذي يؤمن به المسيحيون واليهود.
النصارى الذين اعتنقوا الإسلام، لم يروا في الإسلام التبشير بإله جديد، بل هو الإله الذي كانوا يعبدونه قبل ظهور الإسلام . كما جاء بسورة القصص-53 " الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون، إذ يُتلى عليهم قالوا: آمنا به إنه الحق من ربنا، انا كنا من قبله مسلمين" اي موحدين وفي هذا يقول القرآن أيضا مخاطبا النبي محمد في سورة يونس 94:
" فإن كنت في شك مما أنزلنا اليكَ، فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلكَ " أي إسأل يا محمد أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين يعرفون الكثير عن الله وأنبيائه ورسالاته وتعاليمه من قبلكَ .
فهل يسمح الله لمحمد ان يسأل المشركين بالله ام الموحدين من اهل الكتاب ؟


• الله الخالق

تؤمن المسيحية بأن الله خالق السماء والأرض وكل ما عليها كما جاء بقانون الإيمان المسيحي، وتؤمن المسيحية ما جاء بسفر التكوين من التوراة : ان الله خلق الكون في ستة أيام .
(( لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا)) سفر الخروج 20: 11
وفي هذا يقول القرآن :
" ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام " سورة الأعراف 54

• الله تكلم بالأنبياء

إن اله المسيحية والاسلام ليس إله الفلاسفة، الذين يدّعون ان الله خلق الكون وتركه وشأنه، بل هو الاله الذي الذي كلم الناس بالأنبياء، وأرشدهم الى سواء السبيل وعلّمهم الشرائع والقوانين ونظم علاقتهم مع بعضهم البعض، ودلهم على ما يستوجب عمله وما هو محرم عليهم القيام به، واعطاهم وصايا وإرشادات يسلكوا فيها ، وطلب منهم أداء الصلاة والفرائض، عندما يطلبونه يستجيب . وجاء برسالات وكتب الرسل والأنبياء التي سجلوا فيها ما اوحي اليهم من الله . وان الكتب السماوية جاءت مكملة بعضها البعض، ولا يجوز ان تكون متناقضة في مفاهيمها ومبادئها وتعاليمها.
قال السيد المسيح : " أنا ما جئت لأنقض الناموس والأنبياء ، بل جئت لأكمل الناموس "
المقصود بالناموس والأنبياء : هو شريعة موسى ووحي الأنبياء السابقين للمسيح .
أي ان المسيحية ، جاءت مصدقة ومكملة لناموس موسى، وما جاء به الأنبياء الآخرون .

• الله المحب الرحيم

في المسيحية ( الله محبة )، وفي الاسلام الله (رحمن رحيم) واللجوء الى الله لطلب المغفرة أمر مشترك بين الديانتين، فالدعوة الاولى للسيد المسيح في كرازته هي دعوته الناس الى التوبة كما في قوله :
" لقد اقترب ملكوت السماوات، فتوبوا وآمنوا بالانجيل " وفي لقاءه مع الخطاة يدعوهم دوما الى التوبة بقوله : " ان ابن الإنسان جاء ليطلب ما قد هلك ويخلصه " ولم يأت المسيح يدعو الصديقين بل الخطاة الى التوبة . بقوله :«لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ».
والقرآن يحرض المؤمنين على التوبة كما جاء في سورة هود 90
" استغفروا ربكم ثم توبوا اليه، ان ربي رحيم ودود "

• الله المجازي والمحي الأموات

يؤكد المسيحيون والمسلمون على السواء وجود دار الثواب بعد القيامة ، وهي الجنة في الإسلام، و السماء او ملكوت الله كما يطلق عليها المسيحيون . ودار العقاب وهي الناراو جهنم، وان اختلفوا كثيرا في وصف جوهر كل من الدارين ، السيد المسيح يبشر في الانجيل قائلا: " فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة " ، إنجيل يوحنا 29 ويصف يوم الدينونة العامة الذي فيه يُفصل الناس عن بعضهم كما تُعزل الخراف عن الجداء، فالذين عملوا الصالحات يكونون على اليمين، حيث يقول لهم الملك الديان :
تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملك المعد لكم منذ انشاء العالم " . ثم يقول للأشرار المصطفين على الشمال :" اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية التي اعدت لإبليس وملائكته " .
يتكلم القرآن عن أصحاب اليمين وأصحاب الشمال في سورة الواقعة 44.
" وأصحاب اليمين ، ما أصحاب اليمين ، في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب ... الخ " وأصحاب الشمال، ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل يحموم " . وكذلك يصف أصحاب الجنة " وجوه يومئذ ناضرة، الى ربها ناظرة " القيامة 23
ويقول بولس الرسول في رسالته الأولى الى كورنثوس 2-9 واصفا مكافأة الابرار : " ان ما لم تره عين، ولا سمعت به أذن، ولا خطر على قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه "
وهناك حديث ل محمد نبي الاسلام يقول فيه : " قال الله : أعددت لعبادي الصالحين ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " (اقتباس ونقل حرفي عن الانجيل) .

• الانبياء

ان قصص الانبياء مشتركة بين التوراة والإنجيل والقرآن، وكأن القرآن جاء ترجمة عربية لقصص الأنبياء الواردة بالعبرانية والآرامية والسريانية والإنجيل . فسورة يوسف تبدأ بالقول التالي:
" تلك آيات الكتاب المبين، إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون . نحن نقص عليك أحسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن ، وإن كنت من قبله من الغافلين ".. ثم يروي قصة يوسف بن يعقوب كما يرويها سفر التكوين في الفصل 37 .
ونقرأ أيضا في قصة آدم ونوح وإبراهيم ،ولوط وإسحاق وإسماعيل ويعقوب وداوود وسليمان وايوب ويونس وزكريا والياس ويحيى" . كل هذه القصص المشتركة في جوهرها، وإن اختلفت في تفاصيلها تشير الى علاقة الله الدائمة بالإنسان في تاريخ الخلاص، وفي كل هؤلاء الانبياء اسوة نبوية كبيرة معروضة على المؤمنين من المسيحية والاسلام للتأمل والتسبيح وأخذ الدروس والعبر منها.

• السيد المسيح ومريم العذراء

رغم وجود اختلاف بين الإنجيل والقرآن على بعض أوصاف السيد المسيح، إلا ان بينهما أمورا كثيرة مشتركة، وبشكل خاص ميلاد السيد المسيح المعجزة، بقدرة الروح القدس من فتاة عذراء طاهرة اسمها مريم التي تقول للملاك - في القرآن - باستغراب لدى سماعها البشارة بأنها ستلد ابنا : " انى يكون لي غلام ولم يَمسسني بشرٌ ؟!"
وفي الإنجيل تقول مريم : " كيف يكون هذا وانا لا اعرف رجلا ؟ "
ويقول إنجيل لوقا بان روح القدس قد حلّ على مريم العذراء أثناء بشارتها بالحبل الالهي من قبل الملاك البشير قائلا لها : " الروح القدس يحل عليك، وقدرة العلي تظللكِ لذلك القدوس المولود منك يُدعى ابن الله"
والقرآن يؤيد ان المسيح مؤيدأٌ بروح القدس كما جاء في سورة البقرة 87 :
" وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس " أي روح الله المقدسة .
وجاء بسورة آل عمران 45 : " اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا وفي الاخرة من المقربين ."
كما ان الإنجيل يزخر بالمعجزات والعجائب التي عملها السيد المسيح كذلك القرآن يؤيد عمل هذه المعجزات ويضيف عليها معجزات أخرى، فيقول في سورة آل عمران 49 على لسان السيد المسيح : " اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير ، فانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله ، وابرئ الاكمه والابرص واحيي الموتى "... ولا خالق إلا الله ، الا ان القرآن يمنح صفة وقدرة الخلق للمسيح وحده من دون الأنبياء ....لماذا ؟
ومريم المباركة بين النساء والممتلئة نعمة في الإنجيل حيث سلّم عليها ملاك الرب بقوله :
«سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ».
وقول عنها القرآن في سورة آل عمران 42:
" قالت الملائكة : يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك، واصطفاكِ على نساء العالمين " .
هل يوجد تقارب وتطابق أكثر من هذا بين الديانتين ؟

• الأمور المشتركة على صعيد الأخلاق والتعامل مع الآخرين

الإيمان الحق يجب ان يقترن بالأعمال الصالحة، وهذا المبدأ تجده في الإنجيل والقرآن معاٌ .
يقول السيد المسيح في إنجيل متى 21 : " ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات ، بل الذي يعمل ارادة ابي" .
ويقول القديس يعقوب برسالته : " ان الديانة الطاهرة الزكية في نظر الله الآب هي افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم ، وصيانة النفس من دنس العالم . ويضيف " ان الايمان ان خلا من الأعمال ميت في ذاته " 2-17 . وفي المعنى ذاته يقول القرآن " ليس البر ان تولوا وجوهكم قِبَلَ المشرق والمغرب ، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وأتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا " سورة البقرة 77
الصلاة والصوم والزكاة أمور مشتركة في المسيحية والاسلام ، وان اختلفت طرق تطبيقها ، ولكن جوهرها واحد . وهو الاتحاد بالله والتجرد عن الذات الأنانية والطمع، وعن الشهوة المضرة في سبيل مساعدة الفقراء والمحتاجين . ويورد إنجيل متى في الاصحاح السادس أقوالا أساسية للسيد المسيح في الصلاة والزكاة والصوم حيث قال :" وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك، وصل إلى أبيك الذي في الخفاء." وعن الصوم قال : "وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك، لكي لا تظهر للناس صائما، بل لأبيك الذي في الخفاء " .
وكذلك نجد في أخلاق الديانتين امورا كثيرة مشتركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ولاتزال وصايا الله العشرة التي وردت على لسان موسى في العهد القديم، والتي اوصى بتنفيذها السيد المسيح، هي أساس المبادئ والأخلاق المسيحية والاسلامية في علاقة المؤمن بالله وعلاقته بقريبه وبالآخرين من البشر، واي من المؤمنين من أتباع الديانتين لا يؤمن ويقر بهذه الوصايا :
- انا هو الرب الهك ، لا يكن لكَ إله غيري .
- لا تحلف باسم الله بالباطل .
- احفظ يوم الرب وقدسه .
- اكرم اباك وامكَ ، وبالقرآن " وبالوالدين احسانا "
- لا تقتل ، وبالقرآن " لا تقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق "
- لا تزنِ
- لا تسرق
- لا تشهد بالزور
- لا تشته امرأة قريبك
- لا تشته مقتنى غيرك
المسيح لم يلغ تلك الوصايا ، فقد قال " لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس والأنبياء . اني ما جئت لانقض بل لاكمل " وكمال الناموس هو المحبة التي أوصانا السيد المسيح ان نتحلى بها قائلا :
" وصية جديدة انا اعطيكم : احبوا بعضكم بعضا، بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي ان كنتم تحبون بعضكم بعضا "
• الخاتمة

خلاصة القول : ان المسيحية والاسلام المعتدل بآياته المكية خاصة يجتمعان على اهم الامور الدينية على صعيد العقيدة والأخلاق .مع احتفاظنا برأينا الخاص فيما يتعلق بآيات التحريض على الكراهية والقتل وفرض الجزية والصغار على أهل الكتاب في الآيات المدنية وتعدد الزوجات وملك اليمين واستعباد البشر والتجارة بهم . فهذه ليست من الأمور المشتركة ولا نناقشها هنا .
فاذا كان الاسلام يرى في الشهادة والصلاة والزكاة والصوم والحج أركان الدين الخمسة، المسيحية تقبل هذه الأركان، الشهادة هي الاعتراف بوحدانية الله . والصلاة والصوم والزكاة هي من الأمور المفروضة على المسيحيين ، والحج إلى الأماكن المقدسة من التقاليد العريقة للطرفين . وإذا كان الإسلام يرى أركان الإيمان في ستة ، ( الإيمان بالله والملائكة والكتب المنزلة والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر) . المسيحية تتضمن هذه الأركان الستة في جوهر تعاليمها. وإذا كان المسلمون
" خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " كما يقولون... فالمسيحيون هم ايضا امة مقدسة حسب قول القديس بطرس " جيل مختار، كهنوت ملوكي، امة مقدسة وشعب مقتنى ليشهدوا بحمد الله الذي دعاهم في الظلمة الى نوره العجيب " بطرس 2-9
القرآن يشهد للمسيحيين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كما ورد في سورة آل عمران 113-115 : " من اهل الكتاب امة قائمة، يتلون آيات الكتاب آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله وباليوم الآخر، ويأمرون بالمعروف ويسارعون في الخيرات ، وأولئك من الصالحين، وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين " .
فهل هذا الكلام يقال عن مشركين ام موحدين بالله ؟
هناك حديث نبوي يقول : " ليس كل مؤمن مسلم ولا كل مسلم بمؤمن "
الايمان الحقيقي يمكن ان يوجد في الاسلام والمسيحية على السواء عند الذين يتقون الله ويعملون الصالحات، الله وحده يعلم بخفايا القلوب، وهو وحده عليم بالمتقين .
وحري بالمؤمنين الصالحين في كلتا الديانتين المسيحية والإسلام ان يتعاونوا على البر وعلى عمل الصلاح لتمجيد اسم الله القدوس، وبناء المجتمع الموحد الذي يسوده السلام والعدالة في التآخي بين جميع أبناء الوطن وأن لا يكفّروا الآخرين المخالفين لهم بالعقيدة والدين، و لا يحرضون على الكراهية والقتل والسلب لفرض الجزية على أبناء الوطن الواحد . وكل منهم يحترم معتقد ألآخر حتى لو خالفه في بعضها، وكل منهم يقول لكم دينكم ولي دين، والله يحكم بيننا يوم الحساب .
ليكن شعارنا [الدين لله والوطن للجميع ]. حتى نكون شعبا موحدا متآخيا، لا يفرقنا الدين بل يجمعنا الله الواحد . لنبني وطنا مستقرا مزدهرا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفوارق بين المسيحية والإسلام كثييييييييييييييرة
عبد الله اغونان ( 2020 / 12 / 27 - 16:01 )
في العقيدة
والشريعة
والتاريخ
ويكفي مافي الأناجيل المعتمدة اليوم على الهوة الكبيرة مابين المسيحية والإسلام
ولو تتبعنا عدد الأناجيل فهي فوق الثلاثين فضلا عن الطوائف المعترف بها اليوم


2 - عبد الله اغونان
صباح ابراهيم ( 2020 / 12 / 27 - 16:26 )
انا اتكلم عن المشتركات وانت تغني بوادي آخر وتتكلم عن الفروقات
تعلم اللغة العربية قبل ان تعلق
هل تترك القرآن وتتكلم عن الإنجيل ؟ الكنيسة لا تعترف سوى باربعة أناجيل رسمية اما الباقي فخذها لك تثقف بها . ربما تفيدك .


3 - أية مشتركات وأنت تنكر القرآن والنبوة ؟
عبد الله اغونان ( 2020 / 12 / 27 - 19:02 )
لكم دينكم
ولي دين
كيف تنصحني بتعلم اللغة العربية وأنا أصلا أستاااااذ لغة عربية منذ عقود الى حين تقاعدي ؟!! هل فهمت ؟


4 - الاستاذ صباح ابراهيم
مروان سعيد ( 2020 / 12 / 27 - 21:42 )
نحية لك وللجميع
يظهر لم تسمع اخر الاخبار واخر المكتشفات الاثرية واخر المخطوطات انها تدل على عدم وجود شيئ اسمه محمد وكل الادلة تقول ان محمد صفة للمسيح والقران لم يذكر اسم مؤسس الاسلام الذي حارب الرومان وهو قثم ابن ابو كبشة
شوف استاذصباح التذوير والتاليف
https://www.youtube.com/watch?v=HOVmoXWEUaI
وهي في صفحة الاستاذ Khaled Balkin
والقران هو الكتاب المقدس المحرف وقد اجبر اجدادنا عبى كتابته لهم السيف وكان بالغة السريانية
والقصة الحقيقية في هذا الرابط ويوجد غيره تباعل ياتيكم
ومودتي للجميع


5 - علة العل عقل يفكر ويحلل وعقل ينقل ويكفر ؟
س . السندي ( 2020 / 12 / 28 - 05:37 )
بداية تحياتي لك ياعزيزي صباح وتعقيبي ؟

١-;-: عزيزي العلة ليست في المشتركات أو الاختلافات بل في العقول التي لا تفكر ولا تحلل بل تنقل وتهدد وتكفر ؟

٢-;-:لأستاذ اللغةالعربية المحترم سؤال ؟
كم عدد المصاحف التي حرقها عثمان ، وكم عدد المذاهب الاسلامية في رايك ، والى كم فرقة
ستنقسم امة محمد ، وهل تعلم ما الفرقة الناجية يوم القيامة ، هى فرقة العابرين من ظلمة الاسلام لنور المسيح الذي قال للمفكرين والعقلاء فقط وليس للدراويش والحشاشين..؟
ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ؟

٣-;-: وأخيرا ...؟
طوبى لمن ربح نفسه وغيره ، حيث لا ينفع بعدها الندم ولا العويل ، سلام ؟


6 - استاذ عبد الله اغونان
صباح ابراهيم ( 2020 / 12 / 28 - 10:45 )
ليس الحكمة في كونك استاذ تدريس اللغة العربية بل الحكمة ان تفهم لغة القرآن وتستخرج منها اخطائها و متناقضاتها وتخبر طلابك بها لو كانت عندك الشجاعة والقدرة على كشف الحقائق وليس طمسها بحجة انها كلام الله الذي لا يخطئ . اجبني على سؤال واحد ، لو كان القرآن كلاما قاله الله بنفسه لمحمد او للناس فهل يقول الله المتكلم باللغة العربية : ( لا اله الا هو)
وهل يقول الله المتكلم : -هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم -؟
لماذا لم يقل الله المتكلم بالقرآن : ( انا هو الرب الهكم خلقت لكم ما في الأرض جميعا ثم استويت الى السماء فسويتها سبع سماوات وانا بكل شئ عليم ؟)
انتظر ردك يا استاذ اللغة العربية . مع اجمل التحيات.


7 - استاذ س . السندي
صباح ابراهيم ( 2020 / 12 / 28 - 10:53 )
استاذي العزيز
رغم كتابتي للمشتركات التي يؤمن بها المسيحيون والمسلمون، إلا انني لم انس ذكر تحفظاتي على
الإيمان الإسلامي فيما يخص الأمور المختلفة بيننا . ومنها آيات التحريض على الكراهية والقتل وفرض الجزية والصغار على أهل الكتاب في الآيات المدنية وتعدد الزوجات وملك اليمين واستعباد البشر والتجارة بهم والتكفير والأمر بالقتل والأرهاب . فهذه ليست من الأمور المشتركة ولا نناقشها هنا .
لكنني ذكرت بعض المشتركات التي يتبعها الأسلام المعتدل وليس الأرهاب السلفي التكفيري .
شكرا لتعليقك ، وشكرا للاخ مروان سعيد على تعليقاته والاخ سامي دانيال .

اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني