الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو مجتمع الشيخوخة بالمغرب

عبداللطيف بلمعطي

2020 / 12 / 27
المجتمع المدني


بكل الأسى المتوقع أثره في قريب الأعوام، تسطر هذه الكلمات المنذرة لغة، بمراحل بائسة من مستقبلنا القريب نحن بلدان العالم الثالث؛ مراحل ان لم يلقى لها البال استباقيا، ستكون عصيبة الوقع النفسي علينا جميعا. وقد تكون من الأزمات التي خلالها سنودع البعض من تواثبنا الثقافية –التكفل بكبارنا-، كما ودعنا غيرها في العديد من المرات. خصوصيات اجتماعية، سنجد أنفسنا نتخلص منها بكامل وعينا، ونحن نتصعد إرغاما في سماء الرأسمالية المتوحشة.
أو فلنقل بصريح العبارة، أننا مقبلون على مرحلة سنعيش خلالها أزمة سبق وأن عاشتها البلدان المتقدمة في علاقتها بفئة الشيوخ لديها، هذه العلاقة التي لطالما جعلنها محط امتعاض، فكنا غير مرة نعيبها من على منابر خطاباتنا، اجتماعيا وثقافيا وحتى دينيا... دونما الوقوف تدقيقا في جوهر أسبابها المادية، وذلك حتى نستوعب مساوئها وفق ما هي عليه حتمية السيرورة الرأسمالية. هذه الاخيرة التي تبدأ ارهاصاتها الإيجابية والسلبية بالغرب المتقدم وتنتهي زمنيا عندنا نحن دول العالم النامي، بل لطالما اختزلنها في جدلية صراع الآنا بالذات الأخرى، حيث كنا نجعلها كعلاقة اجتماعية بما هي عليه من مساوئ، أحد المهدئات التي نشفع من خلالها لمراتب تأخرنا الاقتصادي عن ركب الحضارة الرأسمالية الغربية، وأحد التوابث التي تكفل مقارنة مظاهر التحامنا وتكافلنا وتظهر شيئا من حسننا الإنساني. وأننا مجتمع لا نرضى بل لا نقبل بمفاهيم دور العجزة أو شيء من هذا القبيل؛ وهو الأمر الذي لا مراء فيه ولا يشكك فيه عاقل، فمن خصالنا التي لازالت حاضرة وإن رُج البعض منها، أننا نكفل شيوخنا الى ما شاءت إليه الأقدار الربانية.
لكن وللأسف، القادم أكبر مما هو عليه حال اليوم !!!
فعلا، القادم أكبر من خانة استيعابنا إياه بما هي عليه اللحظة اليوم، لكن ومن خلال شيء من التدقيق قد نتصالح مع هذا القادم لا محالة، إن استوعبناه كأزمة من أزمات أعوامنا القادمة. وجعلنا منابرنا تتحد خطابيا بشكل انداري، ندق من خلالها ناقوس خطر ظاهرة الشيخوخة بمجتمعنا. وحتى نتأمل الأزمة تحليلا، لنخُط الآن شيئا من مداد هذا القلم، مقارنين من خلال أزمة الشيخوخة بيننا وبين الذات الأخرى التي عاشتها واستطاعت بما هي عليه من إمكانيات أن تتحكم فيها مؤسساتيا. ومتتبعين في الآن ذاته سياقات هذا القادم اللاإنساني كشكل من أشكال خبايا مستقبلنا.
وعليه، كلنا يعلم جيد العلم أن ظاهرة الشيخوخة التي ألمت بالذات الأوربية خلال الخمسين سنة الثانية من القرن العشرين، قد كانت لها مسببات تنوعت بتنوع أثرها الفاعل قوة. حيث لطالما كنا نحصر القول من أن مخرجات الحربين العالميتين بشريا، قد كانت ثقيلة الضرر. إذ سقط من الشباب الأوربي ما لا يعد ولا يحصى...
ومنا كذلك من كان فطنا لسيرورة المنظومة الرأسمالية منذ مراحل الثورة الصناعية، فجعل ظاهرة الشيخوخة بأوربا أواخر القرن العشرين، ترتكز على ما عرفته هذه البلدان من تحولات شملت مجمل الميادين الضرورية لوجود الإنسان المادي والروحي والبيولوجي... فكان المجال الطبي أكثر الميادين التي شهدت العديد من التغيرات والتي في مجملها كانت إيجابية، الامر الذي نتجه عنه تطور في مفاهيم التكاثر الطبيعي، وتقلص في نسب الوفيات لدى الكبار والصغار، الشيء الذي افضى بالضرورة الى انفجار ديمغرافي كانت بداياته ببلدان أوربا المتقدمة بداية القرن العشرين، ثم شمل في مرحلة ثانية باقي البلدان العالم الرأسمالي مطلع خمسينيات القرن الماضي...
وأمام الفراغ الذي ستنتجه الحربين في صفوف الشباب زمن القرن العشرين، سيعرف الهرم السكاني الأوربي نهاية هذا القرن اضطرابا في مكوناته، حيث ستتصدع اسسه باتساع قاعدة الشيوخ فيه على حساب فئة الشباب. هذا الخلل الديمغرافي سيرغم البلدان الأوربية على نهج سياسة توفير دور العجزة بشكل استعجالي، حتى تسابق من خلالها سيرورة الأزمة قبل تحولها إلى مستوى الكارثة الاجتماعية؛ وهو ما تراءى لنا في لحظة من الزمن كشكل من أشكال التخلي، ولخصنا انتشار هذه المؤسسات انسانيا في خانة نكران الجميل. فصغناه للاسف خارج سياقه الرأسمالي التطوري، الذي يزحف الينا خطوة تلو الأخرى.
بالعودة إلينا، جميعنا نعلم أن المغرب أحد البلدان النامية، أي بمعنى أدق أحد تلك المجتمعات التي عاشت حياتها الرأسمالية، زمن القرن العشرين في مرحلتها الثانية أو الثالثة، فقد عاصرنا المستعمر وأعداد وفياتنا الطبيعية غير التي خلفتها أسلحته، مرتفعة نتيجة الأوبئة والأمراض والمجاعات... لذا كان لزاما عليه صياغة أرضية تكون مطهرة من الاسقام التقليدية خالصة بطهرها لمعمريه من جهة، وفي الان ذاته أرضا خصبة لجشع امبرياليته.
لن ننكر دور المستعمر رغم ما يعاب عنه من سلبيات اقتصادية وسياسية واجتماعية، فيما سلكه من إنجازات كان أهم التطور الطبي؛ سواء أكان هذا الدور واعيا بمصلحة هذه الشعوب، أو كان كما هي عليه حقيقته الاستغلالية لخيرات الوطن.
المهم من هذا وذاك، أن تطوير المجال الطبي بالمغرب على عهده قد ضمن شيئا من تحسن الأوضاع الصحية، وساهم في زيادة النمو الديمغرافي، فالأسر المغربية التي كان يتوفى لها من الأطفال أعداد لا بأس بها، أضحت أرقام وفياتها في تناقص نتيجة هذا التحول الصحي. وسارت الأحوال الديمغرافية صوب مفاهيم التلقيح وما إلى ذلك حتى ارتفع النمو السكاني بشكل تدريج وبخطى ثابتة، لم تتجلى حقيقتها على أرض الواقع إلا مع سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. فالناظر إلى أعداد مواليد الأسر المغربية زمن فترة الحماية وبعده، يتحسس وبالملموس ارتفاع أعداد الولادات إلى معدل عشرة أطفال، وهو الرقم الذي لم يكن ليستقيم قبل هذه المرحلة، بحكم ما كان يمنعه من ارتفاع معدل الوفيات نتيجة ضعف التتبع الطبي.
هذه الأرقام التي ستحاول الدولة مجابهتها ابتداء من تسعينيات القرن الماضي، وذلك بعد أن فطنت إلى مخلفاتها السوسيو-اقتصادية على البلاد في مستقبل الأيام. الشيء الذي يبرر لنا غلبة الحملات الإشهارية ذات الوازع الطبي التي عاصرناها خلال التسعينيات، والمفاهيم الطبية التي كانت منتشرة بين الناس عامتهم وخاصتهم من قبيل تحديد النسل، وبعض مسميات الأدوية الموجهة لهذه الغاية؛ فشاشة تلفاز يومها قد كان لها من حظ هذه الغاية النصيب الأكبر.
إذن، وفي السير نحو الاختصار. أطفال ستينيات وسبعينيات ولنقول حتى ثمانينيات الامس القريب، أعمارهم اليوم ما بين الأربعين والستين، وارتفاع أعدادهم قد زامن ظاهرة العزوف عن الزواج التي عاصرت مرحلة شباب العديد منهم. فمرحلة التسعينيات كما هو معلوم كانت أشد المراحل في تاريخ المغرب بطالة، الأمر الذي كان يغنيهم عن فكرة الزواج وما إليها ويجعلهم اليوم من دون أبناء.
هنا بالذات، نتساءل ما مصير هؤلاء الذين في قريب الأيام سيصيرون شيوخا داخل مكون هرمنا السكاني؟ في لحظة سيسير معها معدل أرقام الشباب ببلادنا كقراءة مستقبلية، إلى الثبات أو النقصان أمام فئة الشيوخ. إذ أن خطة تحديد النسل التي انتهجها المغرب خلال التسعينيات، قد أتت أكلها بداية الألفية الثالثة. ولم تعد الأسر المغربية تزيد في تعداد مواليدها عن الأربعة أطفال، وذلك في سير نحو مرحلة الاستقرار الديمغرافي.
 هل سيتكفل أبناء الإخوة بأعمامهم أوأخوالهم الذين لا أبناء لهم ؟
 هل تضع الحكومات المغربية نصب أعينها هذه الأزمة، قبل انتقالها إلى مستوى الكارثة الاجتماعية؟
 هل سترد دور العجزة على قلتها اليوم شيئا من انعكاسات هذه الأزمة ؟
كلها تساؤلات وأكثر، تفتح الباب على مصراعيه أمام تخمينات سوداوية وضبابية في مستقبلنا القريب، مع ماهي عليه جدية الموضوع اليوم الذي نلاحظ غيابه في الغالب الأعم عن ألسن ساستنا. إننا في حاجة ملحة الى النظر بعين العقل اتجاه هذه الفئة التي قدمت الكثير لهذا الوطن العزيز، وتوفير كل ما يلزمه أن يتوفر رغم وضعيتنا الاقتصادية المتدنية، والسائرة الى التراجع وفق ما هو عليه سير نمونا الديمغرافي.
كما يفترض أن يفتح موضوع هذه الأزمة، في باقي المنابر الأخرى بعيدا عن جدلية الأنا والذات الأخرى، وأن تناقش اليوم على أسس إرهاصات السيرورة الرأسمالية تاريخيا، هذه الأخيرة التي ستقدم لنا كيفيات تدبير هذه الأزمة المجتمعية من لدن الأخر الذي سبقنا إليها معضلة وعلاجا. وعليه نغير بقوة ارادتنا ما هو قادم من حتميات مستقبلنا المجتمعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخبر فلسطيني | تحقيق أممي يبرئ الأونروا | 2024-05-06


.. مداخلة إيناس حمدان القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في




.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل