الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقائق مؤلمة

سلام ناصر الخدادي

2020 / 12 / 28
المجتمع المدني


الحقيقة الأولى : إدعاء الكرم !
لأننا جميعاً نكرهُ أن نُوصَف بالبخلِ ، ونخجلُ حينما يدور الحديث عن مآثر الكرم والجود ولا يتم ذكرنا ! وندافع بشدة وشراسة عن كرمِنا وعطائنا وبذخنا ! على موائد الأكل العامرة ولذيذ الشراب وأنواع المقبلات ، وتراكم الشحوم بأفواه القدور وعلى الكروش ! لتصل حتماً الى المؤخرات !
لكننا نتوارى عن الأنظار ، ونهرب الى زوايا الأماكن المظلمة .. حين يتعلق الأمر بدعمِ أي مشروع ثقافي !!
بإسناد أية مبادرة فنية وتشجيع الفرق الفتية الناشئة !
بمد يد العون والمؤازرة لمن يتبنى أدباً أو مسرحاً أو مشروعاً ثقافياً تعمّ فائدته للجميع ! .. ولم نسمع حتى الكلمة الطيبة التي هي أضعف الإيمان !!
بل سمعنا الهزء والكلام الجارح المبطن الذي ينم عن ضحالة التفكير وفقر العقول ! رأينا كيف تغلق الأبواب بوجه المثقفين والمبدعين .. وكيف يتم التعامل معهم وابعادهم من الساحة !
وتحولت الثقافة الى (بعبع) يقضّ المواجع ! وصارت خوفاً مشروعاً عند الناس ! والتحريض ضدها تجده عند معظم المتنفذين ، سواء مادياً أو دينياً ! وفي حالات نادرة جداً تجد العكس !
والسبب : لأن العقول قد شحّت أو انعدمت الثقافة فيها ، إتجه التفكير الى ملئ البطون .. فصار كرمنا على موائدنا ! وطربنا يقترنُ مع تهريج الأفواه النافرة للمتعة والبعيدة عن الذوق ! ولأن الشك والتوجس من الجميع هي سمتنا وبفخر .. فصارت علاقاتنا متوترة ببعضنا ! ولأن الخوف عشعش واستفحل في النفوس .. صار البخل سيد الموقف !!
وتبقى المقولة الشهيرة على مر السنين :
"أعـطني خـبزاً ومسرحـاً .. أعـطـيكَ شعـباً مثقـفاً"
**************************
الحقيقة الثانية : إرتياب !
نتيجة ظروفٍ صعبةٍ وقاسيةٍ من القهر والتنكيل والتخويف ، وتراكمات بيئية ومجتمعية متخلفة ، وكمٍ هائلٍ من الممنوعات والمحظورات والعيب وغيرها .. ولّدت في النفوس حالات شتى من التناقضات قلما تنحسر مع الزمن ، وعكست حالة التفكير السلبي أولاً وقبل كل شيء ، واقتصرت نظراتنا الى حد أقدامنا !
وصار لزاماً علينا أن نبحث عمّا يؤذينا ، ونتابع ما يقلب مواجعنا ! ونضع للجملة ألف سؤال ، ونتمادى أكثر ، لننسج القصص والحكايات المريبة حول فلان وأهله ! ونبحث عن أية شائبة في أصله للنكاية به !
ثم نضعُ الشكَ والريبة هالة فوق رؤوسنا ، ونتباهى بارتيابنا !
وصارت الحقيقة الساطعة :
العيش كالأرانب !! وبالسب والشتائم كالأسود !!
*************************
الحقيقة الثالثة : أقزام !
في ليلة ما ، بعد وجبة عشاء دسمة ، غط بنومٍ عميقٍ ، واستعرضَ عقله الباطن ما تحدث به همساً ، في أحلامِ يقظتهِ ! وصار يعدّ أوهام منجزاته وصولاته وبطولاته وتصدره لكل مشهد مجتمعي !!
فانتشى مزهواً بما وصل اليه ، وطار فوق السحاب ، محلّقاً في أعالي غرفة النوم! واضعاً إسمه فوق الأسماء ، رافعاً (خشمه) للسماء !!
(وتعال يامن ينزله) !!
هكذا عاش حلمه حقيقةً وواقعاً ، وأوهمه هذا الشعور بالتعالي ، وهذه الطامة الكبرى !
فبدأ ينفرُ من محيطه ، ويتكبر على أهلهِ وناسهِ ، وينظر اليهم بنظرة دونية ، ويهزأ منهم ، ويصف نفسه بالمفضّل المبجّل ، والوحيد الأوحد ، والعالِم الفاهِم ! بينما تجده (وهنا تظهر عقدة النقص) ينظر الى "الآخرين" بنظرة الانبهار والمقارنة والتعجب ، ويسرع الخطى مهرولاً متوسلاً ، لعلّ وعسى أن يحظى بنظرةٍ من (ذاك) الذي رآه عملاقاً ! واقتنع بحقيقة نفسهِ انه قزمٌ !!
وللأسف نرى ، كم من قزمٍ وقزمٍ ينطون حولك ، ويتطافرون هنا وهناك ، وقد ملأوا آذاننا صخباً وضجيجاً .. ولم يكُ في سماءِ أهله ومجتمعه إلا بالوناً فارغاً ، يتضاءلُ كلما ارتفع ! ولم يخطر ببالهِ يوماً البيت المأثور :
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة .. أهلي وإن شحّوا عليّ كرامُ !
*************************
الحقيقة الرابعة : هُـــبَــل !
إدارة الدّفة يجب ان تتسم بالمهارة والفطنة والعقل ..
والقيادة ، أية قيادة .. لها اسلوبها وضوابطها وتنوّع مفاتيحها ..
واختزال مفهوم القيادة أو القائد الى : إعطاء الأوامر فقط ، والتشدد وعبوس الوجه ، واعتماد منطق الرفض وكثرة اللاءات .. ستكون النهايات فاشلة حتماً وتصل الى الحضيض !
فالعائلة هي (المركب) ومن يدير الدفة هو الربان .. وهنا نعرف المهارة : متى تكون المرونة ؟ ومتى يكون الحزم ؟
وتأتي الفطنة : لنتعرف عن كثب ماهو تفكير الأولاد ؟ ماهي أحلامهم ؟ هواياتهم ؟ طموحهم ؟ لنتقرب اليهم لتحقيق ما يصبون اليه إن استطعنا الى ذلك سبيلا ..
ويأتي العقل : لنعرف متى نضع القرار الصائب وأين ؟ متى نتخذ الجرأة بالقرار ؟ ومع من ؟
القيادة وعي وثقافة وعقل يفكر وميزان عادل .. لا أن تكون (حديدة عن الطنطل)!! ... وتأخذ مقام هُـبـل !
**************************
الحقيقة الخامسة : الحبل على الغارب !
رغم الإنتشار الكثير على دول العالم ، والاستقرار بها بعد نزوحها من أوطانها بسبب الحروب والانفلات الأمني وشظف العيش ، إلا إن معظم هذه العوائل بات همّاً كبيراً يؤرقها .. وصار عبئاً كبيراً تتقاسمه فيما بينها ، ألا وهو : مشكلة تفاقم الطلاقات !
لقد صارت حالات الطلاق والانفصال والهجر ، هي القاسم المشترك لمعظم الشباب والعوائل على حدٍ سواء ..
ولم تقتصر هذه الحالات على فئة عمرية دون غيرها ، ولا على اسلوب التعارف سواء عن طريق الانترنيت أو العلاقة الثنائية أو عن طريق الأهل .. بل عمّ الجميع وبلا استثناء .. وطبعاً هناك بعض الاستثناءات .
فرغم التكاليف الباهظة للزواج وما ترافقه من متطلبات واحياناً (ابتكارات) للفرح لم نعهدها سابقاً ..
ورغم المصاريف التي تثقل جيب العروسين وذويهما في أغلب الأحيان .. إلا إن بعد كل هذه البهرجة ودق الطبول والمزمار وفرحة مئات المعازيم .. تذهب أدراج الرياح بعد مرور اشهر معدودة لا أكثر ..
دون أن تكتحل عينيّ العروسين برؤية شمعة السنة الأولى للزواج !! انها الكابوس المرعب الذي بات يشكل قلقاً حقيقياً للجميع وصارت ارقامه التصاعدية مثار خوف واستدراك كل الأطراف المقبلة للإرتباط ..
ولكثرة حالات الطلاق .. صار الأمر بديهيّاً ولا يثير الاستغراب أو العجب! والأنكى ، أن تجد من يحسب الأيام والأسابيع بعد أي زواج ، متوقعاً بإصرار سماع خبر الانفصال ! وكأن الحالة باتت من البديهيات المسلّم بها !
ورغم تشدق الذين صدعوا رؤوسنا بالخوف على الشباب ! والمحافظة عليهم من الضياع !! وعلا زعيقهم حول (احتضان) الشباب !!
إلا إننا لم نجد حقّاً من يهتم لأمرهم قبل او بعد محنتهم !
لم نجد اليد التي تعطف عليهم وتنتشلهم (خصوصا مع آفات العصر المعروفة!)
لم نجد حتى الأذن الصاغية لسماع مشاكلهم وهمومهم !
بالمقابل ستكون الردود : عشرات الحجج الواهية والتبريرات العقيمة دون الوصول الى نتيجة مقنعة !
وقد تجد بعد السؤال ، ان هناك (لجنة) أوكلت لها مهمة الصلح بين الأطراف المختلفة لرأب الصدع وعودة المياه الى مجاريها كما يقال !
لكنك ستلعن الحظ العاثر الذي أوصلك الى هذه اللجنة !! وساعتها ستتذكر قصة الفيل الهارب من الغابة بعدما أمر الأسد بقطع آذان الزرافات .. ولما سالوه عن سبب هروبه وهو فيل وليس زرافة ؟ أجاب : أعرف انني فيل ، لكن الأسد أوكل المهمة الى الحمار !!
والحقيقة ، إن الخوض في غمار هذا الموضوع الشائك المعقّد بتفاصيله .. ذو أفرع متشعبة ، تحتاج الى أكثر من دراسة والمزيد من التحليلات والإستنتاجات بسبب كثرة الظروف المتباية لكل الأطراف (الشباب _ الأهل) واختلاف البيئة والوضع الحالي والمشاكل التي لا حصر لها ، ولدّت جميعها تراكمات توّجت بالقاسم المشترك الأعظم لها جميعاً : الأبتعاد عن الثقافة !
والثقافة .. سهلة المنال .. صعبة التطبيق !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Thailand: How online violence and Pegasus spyware is used to


.. مداخلة القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في غزة حول تطو




.. العربية ترصد الاحتجاجات أمام جامعة السوربون بعد فض اعتصام مع


.. إسرائيليون يتظاهرون أمام منزل بيني غانتس لإتمام صفقة تبادل ا




.. معاناة النازحين في رفح تستمر وسط استمرار القصف على المنطقة