الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حياة عدميّة ... بإله أو بغير إله

مصطفى حجي
(Mustafa Hajee)

2020 / 12 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما حدث وما يَحدث وما سيحدث في هذا العالم يَسير بشكل ما بحيث أنّه لا يوجد به ما يشير إلى وجود تحكّم أو تلاعب من قبل أيّة كائنات غير بشريّة، سواء كانت آلهة - شياطين - ملائكة - أو حتّى كائنات فضائيّة خضراء ذوات عيون واسعة، جميعنا نرى النزاعات والحروب الكوارث الطبيعيّة والعنصريّة والأمراض والأوبئة، بل وصل الأمر لحرق البشر وقطع الرؤوس واللعب بها في الطرقات، فوضى عارمة هنا وهناك، ظلم وقهر وفقر، شتّى أنواع المآسي... ليس هنالك من يتحكّم أو يخطّط لأيّ غرض أو هدف من هذا كلّه.

نعم توجد تبريرات، هنالك تفسيرات، وهناك أيضًا من يظّن أن هذا القول ما هو إلا حالة عاطفيّة وجدانيّة تتحكّم فيها المشاعر عوضًا عن المنطق السليم، لكن حقيقة الأمر العبثيّ الفوضويّ أمامنا لا علاقة له بالعواطف.
فوجود كائن خارق مطلق العدل والرحمة والقدرة من شأنه أنْ يجعل هذه الأرض مكانًا مختلفًا تمامًا، وجود كائنات أخرى كفيلة بحدوث تأثيرات خارجيّة وانتهاكات للمبادئ العلميّة كالجاذبيّة، أو قانون حفظ الكتلة والطاقة، لكن ليس ثمّة تأثير أو دليل على وجود كل هذه الادعاءات، فنحن جميعنا (متديّنون وملحدون) نتّفق على أنّ الإله -في حالة ما إذا كان موجودًا- لا يفعل شيئًا لإثبات وجوده ناهيك عن إحداث فارق فيما يحدث، فلا يتدخل لإزالة الظلم والأسى...

في الحقيقة يمكننا القول بأنّ الإله إن كان موجودًا فإنّه ترك الكون يبدو كما لو أنّه غير موجود، وهذا يَخلُق مشكلة لاهوتيّة، وتركنا مع ثلاث احتمالات:

- الإله غير قادر على إثبات وجوده.
- الإله يختبر إيماننا مع تعمّد البقاء بمعزلٍ عن الأحداث.
- الإله غير موجود البتّة.

وفي حال ركّزنا على مضامين تلك الاحتمالات جميعها فإننا سنجدها واحد لا فرق بينها، فالإله لا يتدخّل لكي يُثبِت لنا وجوده، لا يُحدِث تغييرًا أو تأثيرًا في هذا العالم، بالتالي هذا دليل على عدم وجوده. لكنّ عقل المتديّن لا يستوعب الأمر فتجده يشير إلى تلك المسمّاة بالكتب السماويّة كدليل على وجود الإله، جميعهم يَرجعون إلى كتابهم المقدّس، على اعتباره أنّه المصدر الإلهيّ والنموذج المثالي للمعاملات والأخلاق، بل وقد يذهب بعضهم إلى كونه كتاب يحتوي على معجزات علميّة واكتشافات واختراعات وتنبّؤات لم تحدث بعد!

إذا ما قرأتَ أيّ كتاب دينيّ يُنسَب إلى الإله بعقل حياديّ ستجده عبارة عن كتاب يشجّع على العبوديّة، كره الغير، التقليل من شأن النّساء، الإبادة الجماعيّة، القتل والقمع، الظلم، والتعذيب والاغتصاب، القسوة الحيوانيّة والهمجيّة وعدم المساواة بين الجنسين، عدم التسامح مع أتباع الديانات الأخرى، هذا كلّ ما يدور حوله أي كتاب دينيّ مقدّس!

أهذا ما يمكن للإله أن يُقدِّمه ليثبت به أنّه موجود؟!
يقولون لكَ أنّ الإله لا يسمح بحدوث تلك المعاناة إلّا إذا كان ورائها حكمة ما، وإنْ سألتَهم ما هي تلك الحكمة وراء كل هذه الحالات الّتي لا حصر لها من المعاناة، وما ذنب هؤلاء الّناس الذين هم بلا مأوى في الشوارع والّذين يعانون من الحرب والمرض والمجاعة والتجويع؟، فلن تسمع منهم سوى تمتمات خافتة يجب عليك تَعلُّم لغة النّمل حتّى تستطيع سماعهم!

ما الذي تريده مِنَ الحياة؟

أنت كشخص عاديّ قد يكون حلمك في الحياة أنْ تصبح أحد أولئك الذين سيخلِّدهم التاريخ، ليظل أسمك باقيًا على مر العصور، أو قد تحلم بأن تكون أحد أولئك الذين شاركوا في تصميم الدمى الجنسيّة، أو حتى أحد المؤلفين العظماء الذين شاركوا في كتابة إحدى أغاني "جاستن بيبر" أو أحد أفلام "جاكي شان"، لكن هذا الوجود اللعين بما فيه الحياة يفتقر إلى المعنى، إذا نظرت إلى لفظة "معنى" وأنت تستمع إلى أغنية "مايلي سايروس" wrecking ball ستجده عبارة عن تأثير النتيجة النهائية على وجودك، جميع أعمالك العظيمة التي قمت بها بما في ذلك قضاء حاجتك في الحمام لها تأثير بطريقة ما لتمنحك معنًى لوجودك، على الرّغم مِن أنّ هذا قد يبدو لك سببًا منطقيًّا حلزونيًّا لمعنى الحياة إلا أنه ليس كذلك، فعدم وجود هدف أكبر في الحياة قد يكون أمرًا مقلقًا إذا تأمَّلت فيه أثناء نومك، لكن الغالبيّة مِن الناس يعتقدون ويؤمنون بوجود كائن فضائي قد خلق لهم هدفًا ومعنًى لحياتهم، وأنّ هذه الحياة مجرد اختبار وعند انتهائه سيخلُد في حياة أبدية! ويتناسون أنَّ السؤال لا يزال قائمًا، ذلك السؤال الذي يقول: (ما الغرض أو الفائدة مِنَ الخلود الابدي؟!)

(شويّة كلام صريح بخصوص الإلحاد)

مثل هذه المحاولة السابقة البائسة لإعطاء معنى للحياة هي محاولة عقيمة لا تَقِل عقمًا عن شخص لا دينيٍّ أو ملحد يؤمن بشيء يُسمّى "الإنسانيّة" ويؤمن بأنّ هدفه النهائي في الحياة هو التعايش السلمي بين البشر، حقًّا؟ أمتأكِّد أنت أيُّها الملحد الأبلَه؟!!

هناك 150 فصيلة من الخنافس في كل فصيلة 40000 نوع مختلف يتعايشون في سلام، هل هذا يمنح حياتهم أي معنى؟ هنالك مِنَ الملحدين فئة أُخرى لا تقل غباءً عن سابقتها تدَّعي أنّها تؤمن بالعلم! وهل يمنحك ما تُطلِق عليه "العلم" معنًى لحياتك؟! وما هي يا تُرى إنجازاتك العلميّة الّتي تؤمن بها؟!
انتظر... لقد أنتج لنا العلم بطيخًا منْ دون بذر! واو ياللهول، لقد حطَّم العلم هدفي في الحياة ألا وهو تناوُل البطيخ مع إحصاء عدد البذور الّذي بداخله.
إنَّ مثل هذه الأفكار السخيفة والعقيمة الدينية واللادينية والإلحاديّة تصيبني بالغثيان.


وماذا الآن؟

لعل السؤال الفلسفي الوحيد الّذي يستحقّ العناء والذي يجب أنْ تدور حوله الفلسفة هو: (هل يجب علينا أن ننتحر أم لا؟)...
بالنسبة لي فأنا شخص أتقبّل الحقيقة مهما كانت، أمّا بالنسبة للبقيّة مِن البشر فيفضلون أنْ يَخترعوا أبًا لهم، أبٌ كبير خارق كالإله، مِمَّا يجعلهم يتوهمون بأنّه يقف هناك، بعيدًا في مكان ما يعتني بهم، يُراقبهم، خَلَق لهم هدفًا ومعنًى وغرضًا، لكن في ذات الوقت حين ينظرون إلى الحياة يجدونها قاسية، ظالمة، غير عادلة، مليئة بالآلام، لكنّهم سيقولون: "إنها أفعالنا وتصرفاتنا وأهوائنا البشريّة"
لكن ماذا عن تلك الّتي تنسبونها للأب الأكبر، الإله الحكيم، زلازل وبراكين وفيضانات؟!
شخصيًّا أتقبّل حقيقة أننا مجرد نِتاج فعل تطوري طبيعي عشوائي بنهاية الأمر، أتقبّل حقيقة أننا مجرد آلات بيولوجيّة تُفكِّر.
سيقولون: "الروح، العاطفة، المشاعر، ماذا عنها؟"
كُلّها نتاج إحساس زائف، مفهومٌ مُتَوهَّمّ مُختَلَق زائف، أيّ شيء في الحياة يمكن أنْ يُعبَّر عنه بنمط معيَّن، أنماط كثيرة تصف كل شيء، أي شيء تتخيَّله سواءً كان فيزيائيًّا أو ميتافيزيقيًّا يحدث عبر سلسلة مِنَ الأحداث يُمكن تتبُّعها وتكوين نمط محدد منها يمكن التلاعب به، لا فرق بين ما هو مادي وغير مادي سِوى اختلاف النمط.
سيقولون: "الموت، الحياة بعد الموت، الأب الأكبر سيحرقنا ويُعذّبنا للأبد"، سيقولون سخافةً ويُبرِّرونها بتفاهة، ثمّ يحاولون مَنطَقَة السخافة والتفاهة ليَنتُج لنا شيئًا ليس هنالِك كلمات تَصفه بعد، سيقولون ثم يقولون، ثمَّ بنهاية الأمر يتحدثون عن الانتحار!

الانتحار !... نعم، الانتحار

لِمَ لا تَخلُد إلى النوم ولا تستيقظ؟
جَرِّب أنْ تُفكِّر في الأمر أحيانًا، أثناء تناولك للطعام، أثناء استحمامك، أثناء استماعك لأغنية ما، في وقت فراغك، أو حتّى في دورة المياه وأنت تُخرِج فضلاتك
حاوِل أنّ تتعلَّم... أنْ تُفكِّر.

وفقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
أودين الآب ( 2020 / 12 / 28 - 19:10 )
مجرد وجودي حي و سليم و ذكي هو غاية الحظ و الروعة الانتحار هبل لماذا اترك كل مُتع الحياة و جمالها و أذهب إلى العدم . الحياة جميلة و ممتعة و تستحق أن نعيشها إلى الأقصى (to the max)


2 - هذه هي الحقيقة ايها الاخ أودين الآب
سمير آل طوق البحراني ( 2020 / 12 / 29 - 08:20 )
يا طالب الصفو في الدنيا بلا كدرٍ * طلبت معدومةً فايأس من الظفر
واعلم بأنك ما عمرتَ ممتحنٌ * بالخير والشر والميسور والعسُرِ
أَنَّى تنال بها نفعاً بلا ضررٍ * وإنها خُلقَتْ للنفع والضررِ
انا هنا اسال كم نسبة الذين تصفهم بصفاتك؟؟.نحن اتينا من المجهول وسنذهب الى المجهول والخوف من المجهول هو الذي يحفزنا على حب البقاء وبالاخص لؤلائك المؤمنين بالثواب والعقاب.
دمت بخير.



3 - اسعد البشر
أودين الآب ( 2020 / 12 / 30 - 09:28 )
أكثر الناس سعادة بالحياة هم الملحدين في الدول المتقدمة. اما عن كلامكم عن تعاسة الحياة فهذا شيء خاص بالدول المتخلفة و خصوصا دولنا العربية نصيحة اخلقوا سعادتكم بأنفسكم و حاولوا تحسين ظروفكم بكل الوسائل


4 - الصدفه
على سالم ( 2020 / 12 / 31 - 04:16 )
لاشك ان الصدفه تلعب دور كبير ومحورى فى حياه الانسان , الزمان والمكان ايضا يلعبوا دور هام فى كون الانسان سيتعرض للفقر او الالم او المرض او البؤس والمعاناه , مكان المولد وتاريخ المولد لهم ايضا تأثير كبير , يعنى نحن الان امام توليفه غريبه وعجيبه تجعل الانسان نسبيا سعيد اوشقى تعيس وكل هذه العوامل لايتحكم فيها الانسان وفرضت عليه الحياه فرضا وبدون اختياره وهنا تلعب الصدفه البحته الدور الكبير فى مصيرنا

اخر الافلام

.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح


.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص




.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن