الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معالم الحياة المعاصرة / 39

رياض عبد الحميد الطائي
كاتب

(Riyad A. Al-taii)

2020 / 12 / 29
المجتمع المدني


برنامج اصلاح النظام القضائي
ـ هناك علاقة وارتباط بين النظام القضائي والحالة الأمنية ، السلطة القضائية مسؤولة عن محاسبة الخارجين على القانون والفصل في المنازعات ، الفشل في أداء هذه المهمة ينعكس سلبا على الوضع الامني ، ولكن يجب البحث والتحري عن الدوافع لقيام الاشخاص بالخروج على القانون ، نرى بان حوادث الخرق الامني تحدث عادة اما لاسباب موضوعية تتعلق بوجود ظلم اجتماعي يؤدي الى التمرد والخروج على القانون ، او لاسباب ذاتية تتعلق بوجود افراد مصابون بامراض نفسية او عقلية ويحملون نزعات عدوانية شريرة والذين هم عبيد لنزواتهم واهوائهم فيخرجون على القانون ، هؤلاء يكون مكانهم الطبيعي هو السجن لان حريتهم تمثل خطر على أمن المجتمع ، ويتم التعامل معهم على انهم مرضى ويتوجب معالجتهم بكل الوسائل الطبية المتاحة ، طبعا ليس هناك ارتباط بين السببين ، فليس كل من يعاني من الظلم الاجتماعي يخرج على القانون ، كما انه ليس كل من يخرج على القانون يعاني من الظلم الاجتماعي ، الظلم الاجتماعي يجب معالجة اسبابه وازالة آثاره ، فالظلم قد يدفع الانسان المظلوم الى التمرد والخروج على القانون تحت ضغط الحالة النفسية السيئة
ـ الخروقات الامنية التي تحدث في المجتمع تنعكس سلبا على أمن المواطنين وحريتهم ، العدل والانصاف في النظام الاجتماعي يسهم في الحد من الخروقات الامنية ، هناك ارتباط بين مفهوم العدل ومفهوم الأمن ، اذ لا أمان بغياب العدالة ، وكذلك بين مفهوم الأمن ومفهوم الحرية ، اذ عندما تتدهور الحالة الامنية تتقلص مساحة الحرية ، وكلما تزداد الحالة الامنية سوءا كلما تضيق اكثر مساحة حرية المواطن
ـ الحرية حاجة ضرورية .. من يسيء استخدامها ليس جديرا بها , الحرية من غير مسؤولية تتحول الى فوضى وضياع للأمن , عندما يساء استخدام الحرية من قبل ذوي النزعات العدوانية او الاجرامية فان أمن المجتمع يصبح في خطر , بوقوع الضرر يتوجب تعطيل حرية البشر, فالضرر يعطل الضرورة , ان اساءة استخدام الحرية هو احد اسباب المشاكل الامنية ولكن ليس هوالسبب الوحيد ولا هو السبب الرئيسي ... فهناك اسباب أخرى على قدر من الاهمية مثل مشكلة البطالة ومشكلة السكن ، فهذه المشاكل اذا لم تعالج فانها تنعكس سلبيا على الاوضاع الامنية ، أمن المجتمع له الاسبقية على حرية افراد المجتمع , عندما يغيب الامن في المجتمع تصبح حياة الافراد في خطر فتضطر الدولة الى تقليص الحريات العامة حماية للافراد , من الظلم ان نجعل الاشخاص الاسوياء يتحملون نتائج وتبعات سوء سلوك الاشخاص المنحرفين الذين يسيئون استخدام الحرية , الحكومة تتحمل المسؤولية الاولى في توفير الامن ولكن عليها ان لا تجعل من هذه المسؤولية مبررا دائميا لحرمان افراد المجتمع من الحريات العامة ، ومن هذا المنطلق ولكي لا تتحول الحرية الى فوضى فانه يجوز ان تقيد حرية أي انسان كوسيلة عقابية رادعة عندما يسلك سلوكا مخالفا للقوانين مما يلحق الضرر بمصالح المجتمع أويسبب انتهاكا لحقوق الاخرين ظلما , ولكن بشرط ان لا تقيد الحرية لفترة زمنية طويلة لان حرمان الانسان من الحقوق الاساسية وبالتحديد الحرية والكرامة لمدة طويلة فان ذلك يترك آثارا عميقة عليه وعلى عائلته وذويه تصعب ازالتها
ـ قوانين النظام الامني نوعين : قوانين تنظيمية مخصصة لتنظيم شؤون الناس ومصالحهم منعا لحصول تضارب في المصالح وفوضى واختلال الامن , وقوانين عقابية مخصصة لتحديد أسلوب العقوبة من حيث الكم والكيف لكل من يخرق القوانين التنظيمية
ـ يرتكز نظام الامن الداخلي على ثلاث ركائز ( القانون ، الشرطة ، القضاء ) وهذا ما يتمثل في السلطات الثلاث : السلطة التشريعية التي تتولى مهمة تشريع القوانين التي تحقق العدالة ، السلطة التنفيذية المتمثلة في جهاز الشرطة الذي يتولى مهمة بسط الامن وتنفيذ القوانين وتقديم الخارجين على القانون الى العدالة ، السلطة القضائية التي تتولى الفصل في المنازعات ومحاسبة الخارجين على القانون واصدار العقوبات المناسبة بحقهم
ـ النظام الامني قد يصاب بالفشل اذا شرعت السلطة التشريعية قوانين غير عادلة او غير واقعية أو غير مناسبة لظروف المرحلة , كما ان النظام الامني قد يتصدع اذا فشلت السلطة التنفيذية في تنفيذ القوانين أو تلكأت أو ابتعدت عن الشفافية والنزاهة في التنفيذ , واما السلطة القضائية فانها قد تتسبب في تصدع النظام الامني اذا اصبحت رهينة الميول والولاءات والمحسوبيات ولم تمارس دورها في المحاسبة بحزم وصرامة لكل من يخرج على القانون مهما كان انتمائه او منصبه
ـ الجريمة هي حدث ناجم عن سلوك خارج على القانون ، بمعنى اخر هي النتيجة او الثمرة التي تنتج عن سلوكيات انحرفت عن الطريق الذي رسمه القانون , وهذه السلوكيات قد تكون مادية على شكل افعال او معنوية على شكل اقوال لا سند لها من الحقائق والادلة
ـ دوافع الجريمة ذات الصفة الجنائية ثلاثة : ( المال ، الجاه ، الجنس ) ونعني بكلمة الجاه النفوذ اوالمكانة الاجتماعية او السلطة وهي من اهتمامات الباحثين عن الوجاه والسلطة ، فعندما تكون هناك منافسة غير شريفة على نيل المنزلة العالية او المنصب الرفيع او الموقع المميز فانها قد تكون دافعا لذوي النفوس الضعيفة والنوازع العدوانية لارتكاب جريمة ، ويمكن اعتبار جرائم القتل بدوافع التعصب لمعتقد او عرف عشائري او زعامة او مكانة رفيعة يمكن اعتبارها كلها دوافع نفسية لتعويض النقص في الذات المعنوية وهي توضع في خانة القتل بدافع الجاه او النفوذ ، للبيئة من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تأثير كبير على سلوك وتصرفات عموم الناس في الرقعة الجغرافية لتلك البيئة , فاذا كانت البيئة فاسدة كانت السلوكيات الخاطئة والمنحرفة هي السائدة ، ولكن اذا كانت دوافع الجريمة الثلاثة المذكورة آنفا تمثل وسائل مادية جاذبة لاطماع المجرم تجذبه نحوها ، فان هناك قوى معنوية دافعة تدفعه نحو تلك الوسائل الجاذبة لغرض الاستحواذ عليها وتملكها باي ثمن حتى لو كان بارتكاب جريمة وتتمثل هذه القوى المعنوية الدافعة في صفتي ( الحب المفرط والكراهية المفرطة ) فكل من الحب المفرط والكراهية المفرطة لدى ذوي النوازع الشريرة تعتبر بحد ذاتها قوة دافعة لارتكاب الجريمة ، فالمجرم مثلا يحب المال او الجنس او الجاه ويرغب في الحصول عليه باي ثمن ويكره كل من يحول بينه وبين بلوغ هدفه ، وكذا الجرائم بدوافع عقائدية حيث يحب الارهابي معتقده ويكره معتقد غيره ، وهذه الدوافع والقوى كلها تنبع من صفة متأصلة في النفس البشرية وقديمة قدم الانسان على الارض الا وهي صفة ( حب التملك ) ، هذه الصفة ليست مكتسبة وانما هي صفة يرثها الانسان كما يرث جيناته ... وهي تتباين قوتها من انسان لآخر ، فهي تكون قوية جدا لدى الاشرار ، وتكون معتدلة لدى الاخيار
ـ ليس كل تصرف خارج على القانون يؤدي حتما الى وقوع جريمة , فالقوانين التنظيمية توضع لأغراض وقائية واحترازية , والعقوبات المادية ينبغي أن تفرض عند تنفيذ الجريمة فعلا , أما في حالة عدم تنفيذ الجريمة مع وجود التخطيط والنوايا بالادلة فالعقوبات المفروضة في مثل هذه الحالة ينبغي ان تكون عقوبات معنوية ( كالحرمان من مزايا ، او توجيه اللوم او التوبيخ ) لان معيار الحكم هو ارادة التنفيذ وليس ارادة التخطيط , ولا ينبغي للقانون أن يحاسب الانسان على نتاجات مخيلته أوعلى ارهاصات دواخله أوعلى احلامه وهواجسه فهذه نتاجات طبيعية في النفس البشرية لا سلطة للقانون عليها
ـ الجريمة نتاج سلوك منحرف ، واذا لم تعالج السلوكيات الاجرامية بحزم فانها قد تنتشر وتصبح ظاهرة اجتماعية خطيرة ، ولكن المعالجة هل تكون لآثار ونتائج الجريمة أم للاسباب والدوافع لحدوث الجريمة ؟ هل معالجة الخطأ تكون بمعالجة نتائجه لازالة آثاره أم بمعالجة مسبباته لتجنب تكراره ؟ وهل التعامل مع المجرم يكون بايذائه والتنكيل به ليكون عبرة للآخرين ممن يتوفر لديهم الاستعداد لسلوك نفس المسلك أم هو باصلاحه ليعود الى المجتمع مواطنا صالحا ؟ جوابنا على هذه التساؤلات هو ان المعالجة يجب ان تكون حسب المبدأ المعروف ( جفف المستنقع يموت البعوض )
ـ مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان هي للبشر الذين يتمتعون بسلامة القوى العقلية والنفسية , اما المجرمين الاشرار فلا حق لهم سوى حق الحياة فقط ، الاشرار يجب اخضاعهم الزاميا لاجراءات الاصلاح والمعالجة النفسية والعقلية حماية للمجتمع من شرورهم ، نحن نؤمن ان حقوق الانسان هي لمن يستحقها ويقدر قيمتها , ليس هناك حقوق الانسان لمن لا يحترم حقوق الاخرين ، ومن يجد في نفسه الجرأة لارتكاب جريمة قتل أخيه الانسان فانه لا يستحق ان يعامل وفق مباديء حقوق الانسان ، وحسب مبدأ الفعل ورد الفعل في الطبيعة فاننا نؤمن بمبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات بين البشر ، احترم تحترم ، ارحم ترحم ، والرحمة والمغفرة لها شروط ، من يسرق خبزا من الخباز ويهرب تجوز فيه الرحمة ، ولكن من يقتل الخباز ليسرق خبزه فلا تجوز فيه الرحمة أبدا ، حق الحياة حق مقدس ومن يعتدي على حياة الاخرين لا تجوز فيه الرحمة ، واننا نرى بان فكرة ( الرحمة فوق العدالة ) التي يتداولها البعض هي فكرة غير صحيحة ... الرحمة والشفقة والعطف والرأفة والصفح والمسامحة هذه كلها من مفاهيم الخير ... ولكن لا يجوز وضعها فوق الحق والعدل ... لا شيء يعلو على الحق ... القضاء ليس جمعية خيرية مهمتها اغداق الشفقة والعطف على البؤساء ، القضاء مهمته محصورة في ان يحكم بالحق والعدل بشكل مجرد من اي تأثير آخر ... الرحمة التي يجب ان تقدم هنا هي في علاج المجرم واصلاحه ، اننا نؤمن بان على الظالم ان يدفع ثمن ما ارتكبه من اعمال ظالمة ، وعلى الشرير ان يدفع ثمن ما ارتكبه من اعمال شريرة ، ولا مجال للتساهل مع اعمال الظلم والشر ابدا ، ويجب ايداع المجرم مركز الاصلاح لمعالجته نفسيا وعقليا علاجا الزاميا لا خيار له في هذه المسألة .
..... يتبع الجزء / 40








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط