الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميري كريسماس … يا مصر

فاطمة ناعوت

2020 / 12 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


Facebook: @NaootOfficial

يتجددُ اللقاءُ مع أدعياء الفتن في مثل هذه الأيام من كل عام مع أعياد الكريسماس يتفنّنون في ضخ النكد في القلوب قبل استقبال العام الجديد. ومصرُ، من بين جميع أراضي الله، حريٌّ بها أن تقول لكلّ شعوب العالم: “ميري كريسماس”. فهي الأرضُ الطيبة التي استقبلت الطفلَ الجليل، وأمَّه البتول، والقديس يوسف النجار، حين فرّوا من هيرودس قاتل الأطفال بفلسطين، إذْ أراد قتل السيد المسيح طفلا، عليه وعلى أمّه السلام؟ الطفل المقدّس الذي سوف يكبر ليغدو رسولَ السلام للإنسانية كافة، "يجول يصنع خيرًا"، بعدما طوّبه اللُه بالسلام عليه: "يومَ وُلِد ويومَ يموتُ ويم يُبعثُ حيّا". أرضنا الطيبة كانت لتلك العائلة المقدسة: "ربوة ذات قرار ومعين". جالت فيها سيدةُ الفضيلة فتفجّرت تحت قدميها عيونُ الماء، وشقشقت زهورُ البيلسان، فامتلأت أرضُ مصرَ بالبركة والنور والخصب الذي لا يبور.
طافت العائلةُ المطوّبة من شرق مصر إلى غربها إلى جنوبها؛ قبل أن تعودَ من حيث أتت. سافرت العذراءُ ووليدها من فلسطين داخلين مصرَ من "رفح"، ثم "العريش". ومنها إلى "فرما"، محطتهم الأخيرة في أرض "سيناء" الطيبة. بعدها دخلوا "تل بسطا" وهي مدينة صغيرة كانت تسمى وقتئذ "مدينة الآلهة"، جوار الزقازيق الراهنة. واستأنفوا الرحلة حتى وصلوا إلى "مسطرد" ثم "بلبيس" ثم شمالا نحو "سمنّود" ثم غربًا نحو "البُرّلس" ثم "سخا". ثم عبرت العائلة المقدسة ضفة النيل الغربية نحو الشرق ونزلت في "وادي النطرون". بعدها دخلوا منطقة "المطرية" و"عين شمس". ومازالت هناك شجرة عتيقة اسمها "شجرة مريم" حيث تفجّرت هناك بئر ماء روت السيدة العذراء وطفلها. ثم ارتحلت الأسرةُ إلى "الفسطاط" وهي المنطقة المعروفة باسم "بابليون" بمصر القديمة حيث اختبئوا في مغارة محلّها الآن كنيسة "أبو سرجة" الأثرية. بعدها دخلوا منطقة "المعادي" ومكثوا في البقعة التي صارت الآن كنيسة "السيدة العذراء" بالمعادي. ثم سافروا جنوبًا نحو صعيد مصر ومكثوا برهة في قرية "البهنسا". ثم ارتحلت العائلة المقدسة جنوبًا نحو “سمالوط” ومنها عبرت النيل شرقًا حيث "جبل الطير" ودير السيدة العذراء. ثم عبروا من جديد من شرق النيل إلى غربه حيث بلدة "الأشمونيين". ثم ساروا جنوبًا حيث قرية "ديروط" التي مكثوا بها عدة أيام. بعدها دخلوا مدينة "القوصية" ثم غربًا حتى قرية "مير". بعدها دخلت العائلة الطيبة منطقة "دير المحرّق"، وهي أهم محطّات الرحلة المقدسة التي استقرّت بها العائلة قرابة الشهور الستة، وبُنيت حول الغرفة التي سكنتها العذراءُ ما يُعدُّ أقدم كنيسة في العالم، إذ كان السيد المسيح طفلا لم يُكمل الرابعة من عمره. ثم كانت محطتّهم الأخيرة في "جبل درنكة" بأسيوط حيث سكنوا مغارة قديمة. لتبدأ بعدها رحلة العودة إلى أرض فلسطين.
طوال تلك الرحلة كانت أرضنا تذوب حبًّا ورحمةً لتلك الفتاة التي اصطفاها الله من بين العالمين لتحمل في أحشائها، من دون رجل، هذا الرسول المطّوب، ليكون وأمّه آية للعالمين. تتفجر عيون الماء في الصحراء القاحلة، وتنبتُ الزهورُ من بين طيّات الصخور. ويتساقط من النخيل الرطبُ شهيًّا ريّانًا فوق كتفيها المجهدين بالسفر والخوف على وليدها من بطش الشرير. لهذا بارك الكتابُ المقدس أرضنا الكريمة التي استقبلتها بالحبّ، وبارك شعبها الطيبَ الذي أحسن استقبال الطيبين، فقال: “مباركٌ شعبي مصر".
هل يجوز بعد كل هذا التاريخ الذي سطرته مصرُ في قلبها للسيد المسيح وأمه البتول، أن يكون لبلد آخر عروةٌ وثقى ورباطٌ أزلي أبدي يربط الأقباطَ بأرضهم مصر، التي سمّاها أجدادنا الفراعنة "ها كا بتاح"، أي "منزل الروح"، ومنها اشتقت كلمة "قَبَط"، التي صار نطقُها "إيجبت"Egypt؟!
في جريدة "المصري اليوم" بتاريخ 2 يناير 2012، كتبتُ مقالا عنوانه "ميري كريسماس رغم أنفهم"، وكنتُ أعني "أنف" المتطرفين الغلاظ الذين أفتوا بحرمة أن نقول لأشقائنا: "ميري كريسماس". وفي العام التالي كتبتُ مقالا عنوانه: “ميري كريسماس كمان وكمان"، وفي 2015 كتبتُ: "ميري كريسماس رغم غلاستهم!"، ثم "ميري كريسماس ولو كرهوا" عام 2016، وفي 2017، كتبتُ: “ميري كريسماس يا سامح"، و"سامح"، هو الشيخُ الطائفيُّ "سامح عبد الحميد" الذي يصرخ هو وأشباهه كلَّ عام بملء ضجيجهم مُحرّمًين تهنئة المسيحيين في أعيادهم والترحّم على موتاهم! وفي يناير 2020 كتبتُ مقالا عنوانه: “ميري كريسماس بأمر الحب وحمى القانون". واليوم أقول لكل أقباط مصر، مسيحيين ومسلمين: “ميري كريسماس يا مصر" التي شعبُكِ في رباطٍ إلى يوم الدين، ولو كره الكارهون. اللهم اجعل 2021 أطيب من سابقه. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحترم أبناءَ الوطن.”
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شــكــر و تـأيـيـد...
غسان صابور ( 2020 / 12 / 30 - 18:46 )
شــكرا يا سيدتي الرائعة على شجاعة كلماتك.. شكرا على صدق صرخاتك الفريدة.. وشكرا على صمودك بهذه الأيام المعتمة.. ومواقفك الإنسانية.. حيث هيمن الغباء.. وصار بطولة وهيمنة وشطارة...
كم أتمنى لك بهذه السنة القادمة.. صفاء الهناء وديمومة السعادة.. وخاصة قوة الصمود والمثابرة... لك كل تأييدي وشكري ومودتي.. وخاصة كل احترامي...
غـسـان صــابــور ــ لـيـون فــرنــســا

اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي