الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نبوءة أشعياء -هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ» (أشعياء 7) نبوءة عن المسيح ؟ -الفهم التاريخي لأشعياء 7-

ابرام لويس حنا

2020 / 12 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل نبوءة أشعياء "هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ» (أشعياء_7) نبـوءة عن المسيح ؟ -الفهم التاريخي لأشعياء 7-

تَمهيد Prologue:-
يرى العلماء غالباً أن نص أشعياء (7: 1- 17 ) إن لم يكن كل الإصحاح هو قطعة لا تتجزأ من مذكرات النبي او ما يطلق عليها بالألمانية Denkschriff ومن المفترض أنه يمثل تسجيل أشعياء لخطبه التي سلمها بشكل اساسي خلال الحرب الآرامية الأفرامية على يهوذا، إن الغرض من تلك المذكرات هو لتوضيح ان المقاومة التي واجتها رسالة النبي أشعياء والتي توقعها يهوه واعلنت للنبي في نفس الوقت الذي مات فيه الملك عزريا.

اعتبار أشعياء 7: 1 - 17 هو جزء من مذكرات النبي يواجه العديد من المشاكل ، فبينما أشعياء 6 و 8 يأخذا شكل كتابة السير الذاتية ، مثل صيغة المُتكلم الواضحة في : " رَأَيْتُ... فَقُلْتُ... فَطَارَ إِلَيَّ ... مَسَّ بِهَا فَمِي ... فَقُلْتُ: «هأَنَذَا أَرْسِلْنِي» ... فَقُلْتُ: «إِلَى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ؟» .... وَقَالَ لِي الرَّبُّ: «خُذْ لِنَفْسِكَ لَوْحًا كَبِيرًا .... وَأَنْ أُشْهِدَ لِنَفْسِي .... ثُمَّ عَادَ الرَّبُّ يُكَلِّمُنِي .... فَإِنَّهُ هكَذَا قَالَ لِي الرَّبُّ " على النقيض من أشعياء 7 بصيغة الغائب : " فَقَالَ الرَّبُّ لإِشَعْيَاءَ" ، فالإصحاح السابع هو في الاساس سرد عن النبي، بالطبع لم يخفي هذا الامر عن العلماء ، لهذا غالباً كانوا يغيرون الضمير الغائب لضمير المتكلم[1]، بالطبع لا يوجد أي دليل نصي يدعم تلك التغيرات ، فكل المخطوطات العبرية والإصدارات المُختلفة مثل السـبعينية اليونانية (أشعياء Ησαιαν) تستخدم الضمير الغائب ، الا ان هذا السبب لوحده ليس كافياً ، لأنه من المحتمل أنه تم هذا تغير الشكل من صيغة السير الذاتية الى شكل اخبار عن النبي قبل ان يتم تدوين النص وانتقاله عبر المخطوطات العبرية بتقاليدها المُختلفة، ولكنه ما يزال صعب التحديد لماذا هذا الجزء بالأخص من أشعياء (7: 1- 17) التي غُير فيها الضمير من المتكلم للغائب؟! ، بفرض لو انها كانت إشارات وتوضيحات مكتوبة على الهامش أي انها اضيفت على كونها حاشيات تفسيرية و توضيحية توضح من هو المتكلم هنا ثم دخلت فيما بعد في متن النص، فكان يجب علينا ان نتوقع مثل تلك التعليقات و الاضافات في الاصحاح السادس أو الثامن حيث يتطلب الضمير المتكلم توضيحاً كذلك، إلا اننا لا نجد مثل هذا الأمر، إلا انه يمكن الاعتماد على المنطق الدائري او ما يُطلق عليه "الاستدلال الدائري"[2]

فبما ان الإصحاحان السادس والثامن تشهد على استخدام اسلوب المذكرات أو السير الذاتية Denkschriff فبالتالي يُمكن اعتبار أشعياء 7 : 1- 17 جزء من تلك المذكرات، ولكن الأكثر احتمالا هو ان الاصحاح السابع كان في الاصل وحدة مستقلة وضعه جامعي سفر أشعياء بعد الإصحاح السادس بسبب تتابع محتواه الزمني (فأشعياء 7: 1- 17) انتشر أولاً كرواية منفصلة تدور حول مقابلة أشعياء مع بيت داود قبل هجوم إفرايم وآرام على أورشليم أي يهوذا، هذه الرواية التي ارتبطت بنزعة اسطورية الظاهرة في العدد العاشر للسابع عشر حيث صُور النبي على كونه صانع العجائب، إن القصد من كل الاصحاح هو توثيق ان أشعياء تنبأ بشكل صحيح على بيت داود وإنه سينجو بالفعل من تهديد اتحاد إفرايم و آرام ضده.

إلا انه بالإضافة لهذا السرد أضيفت عليه سلسلة من التهديدات (أشعياء 7 : 18 - 25) اطلقها أشعياء و الموجهة لشعب يهوذا وليس لـبيت داود مثلما في أشعياء 7: 1- 17لكن متى قال أشعياء هذه الكلمات بدقة هو امراً من الصعب الفصل فيه، إلا انه من المعقول أن نفترض أن تلك الكلمات تعود لفترة حرب إفرايم وآرام على يهوذا بشكل عام.

فبِشكل مُختصر يركز أشعياء 7: 1- 17 على احاز والبلاط الملكي ، تفترض الاعداد (1- 9) ان النبي يستطيع التأثير على سلوك أحاز السياسي، بينما تمثل الاعداد (18 – 25) إدانة أشعياء سكان بني يهوذا بالرغم من بقاءه مؤيداً لبيت داود.
.
بسبب ما قام به المُحرر من جمع بين الاعداد (1 -17) والاعداد (18 - 25) ادي الى إدخالات تنقيحيه خاطئة مثل إدخال جملة " ملك اشور" في نهاية العدد السابع عشر"و يَجْلِبُ الرَّبُّ عَلَيْكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى بَيْتِ أَبِيكَ، أَيَّامًا لَمْ تَأْتِ مُنْذُ يَوْمِ اعْتِزَالِ أَفْرَايِمَ عَنْ يَهُوذَا، أَيْ مَلِكَ أَشُّورَ" (أشعياء 7 : 17) والذي يُفهم من هذا الادخال أن الله سيجلب كارثة على بيت داود وشعب يهوذا والمتمثلة في هيئة الغزو الاشوري، إلا اننا كما سنري فهي تعتبر محاولة لإظهار احاز في صورته السلبية لأنه بحسب اللاهوت التثنوي ]نسبة لسفر التثنية [ يجب ان يعاقب أحاز لما قام به من اعمال مشينة يصفها لنا سفر الملوك الثاني كالتالي " كَانَ آحَازُ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. وَلَمْ يَعْمَلِ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِهِ كَدَاوُدَ أَبِيهِ، بَلْ سَارَ فِي طَرِيقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، حَتَّى إِنَّهُ عَبَّرَ ابْنَهُ فِي النَّارِ حَسَبَ أَرْجَاسِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَذَبَحَ وَأَوْقَدَ عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ وَعَلَى التِّلاَلِ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ"( 2 مل 16 : 4) إلا ان هذا الرأي كما سنري يبتعد عن الواقع الفعلي.

يُمكن تقسيم (أشعياء 7 : 1- 17 ) الى ثلاثة اجزاء:
أ) ملخص عن حرب أفرايم و أرام على يهوذا ( يُمثله العدد 1)
ب) تفويض الله لإشعياء لنقل خطاب للملك أحاز (يُمثله الاعداد 2-9)
ج) خلاف بين الملك والنبي ، تنتهي بنبوءة عمانوئيل (يُمثله الأعداد 10 -17)

هذه الاعداد معاً تمثل وحدة واحدة أي انها تتلاءم مع مخطط تحقيق النبوة ، فالعدد (الأول) يعلن فشل الملك رصين ملك آرام والملك فقح للاستلاء على اورشليم، بينما باقي الأعداد تسجل رسائل وتشجيعات لآحاز، وتطمئنه بفشل الاتحاد الارامي والإفرايمي ونجاة بيت داود (نجد نفس الاستراتيجية في أشعياء 20: 1-6 حيث تبدأ الاعداد بذكر المخلص ثم توقعات النبي السابقة لوقوع الحدث والعلامة التي قام بها النبي للتأكد على نتيجة الحدث)

تحليل النصوص Interlinear interpretation بناء على التقسيم الثلاثي السابق ذَكره:

أ‌) ملخص عن حرب أفرايم و أرام على يهوذا : "وَحَدَثَ فِي أَيَّامِ آحَازَ بْنِ يُوثَامَ بْنِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أَنَّ رَصِينَ مَلِكَ أَرَامَ صَعِدَ مَعَ فَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِمُحَارَبَتِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا" (أشعياء 7 : 1)

وهي عبارة تمهيدية ومختصرة عن الاتحاد الذي تم بين أرام وأفرايم وحربهما ضد يهوذا والذي كان في اواخر سنة 735 ق.م أو اوائل عام 734 ق.م ، وكان الهدف منه استبدال احاز بقائد ليس من بيت داود ليكون أكثر طواعية لدعم رصين (ملك أرام) و فقح (ملك اسرائيل) في ثورتهم ضد الأشوريين ، لهذا يستكمل الاصحاح قائلاً: "لأَنَّ أَرَامَ تَآمَرَتْ عَلَيْكَ بِشَرّ مَعَ أَفْرَايِمَ وَابْنِ رَمَلْيَا قَائِلَةً: نَصْعَدُ عَلَى يَهُوذَا وَنُقَوِّضُهَا وَنَسْتَفْتِحُهَا لأَنْفُسِنَا، وَنُمَلِّكُ فِي وَسَطِهَا مَلِكًا، ابْنَ طَبْئِيلَ" (أشعياء 7: 4- 5)، وتكرر الرواية في كلاً من (2 مل 16: 5- 9 ، 2 أخ 28: 5- 21)، ونلاحظ بشكل كبير انه في كل الثلاث روايات نجد ذكر لرصين أو لآرام أولاً قبل فقح ملك اسرائيل مما يعكس دور رصين كقائد لهذا الاتحاد ، ولهذا تأتي الجملة "فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا" بصيغة المفرد ، قاصداً بها رصين.

عند المقارنة بين نصي سفر الملوك الثاني و أشعياء نلاحظ التالي:
نص سفر الملوك:
" حِينَئِذٍ صَعِدَ رَصِينُ مَلِكُ أَرَامَ وَفَقْحُ بْنُ رَمَلْيَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِلْمُحَارَبَةِ، فَحَاصَرُوا آحَازَ وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَغْلِبُوهُ." (2 مل 16: 5)

في حين نص سفر أشعياء:
"وَحَدَثَ ...أَنَّ رَصِينَ مَلِكَ أَرَامَ صَعِدَ مَعَ فَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِمُحَارَبَتِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا" ( أشعياء 7 : 1)

إن الاختلاف بَيَّن بين النصين، فسفر الملوك يذكر ان الاتحاد بين ارام و أفرايم كان يستهدف "أحاز" بشكل اساسي "... فَحَاصَرُوا آحَازَ وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَغْلِبُوهُ" بينما في نص أشعياء فإن الاتحاد كان يستهدف اورشليم ".. صَعِدَ.. إِلَى أُورُشَلِيمَ لِمُحَارَبَتِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا"، ولهذا اعتبرت العلاقة الأدبية بين النصين مَحل نزاع وخلاف بين العلماء فالبعض جادل أنه تم تعديل نص أشعياء بعد اقتباسه واعتماده على نص سفر الملوك لتقليل التهديدات المركزة على احاز شخصياً وتشجيع كل أورشليم على الايمان والصلاة، بينما على الجانب الآخر يجادل بعض العلماء الآخرون أن مُحرري سفر الملوك الثاني كان لديهم تقريراً مُشابهاً لما موجود في أشعياء حقاً ولكن تم تعديله منهم لكي يتناسب مع اللاهوت التثنوي (العقابي) للتنديد بما قام به أحاز،لأنه طبقاً لهم فأن احاز يستحق العقاب لما قام به من ارتداد ديني (أنظر 2 مل 16 : 4).


ب‌) تفويض الله لإشعياء لنقل خطاب للملك أحاز: " فَقَالَ الرَّبُّ لإِشَعْيَاءَ: «اخْرُجْ لِمُلاَقَاةِ آحَازَ، أَنْتَ وَ شَآرَيَاشُوبَ ابْنُكَ، إِلَى طَرَفِ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا، إِلَى سِكَّةِ حَقْلِ الْقَصَّارِ، وَقُلْ لَهُ: اِحْتَرِزْ وَاهْدَأْ. لاَ تَخَفْ وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكَ مِنْ أَجْلِ ذَنَبَيْ هَاتَيْنِ الشُّعْلَتَيْنِ الْمُدَخِّنَتَيْنِ، بِحُمُوِّ غَضَبِ رَصِينَ وَأَرَامَ وَابْنِ رَمَلْيَا. لأَنَّ أَرَامَ تَآمَرَتْ عَلَيْكَ بِشَرّ مَعَ أَفْرَايِمَ وَابْنِ رَمَلْيَا قَائِلَةً: نَصْعَدُ عَلَى يَهُوذَا وَنُقَوِّضُهَا وَنَسْتَفْتِحُهَا لأَنْفُسِنَا، وَنُمَلِّكُ فِي وَسَطِهَا مَلِكًا، ابْنَ طَبْئِيلَ. هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لاَ تَقُومُ! لاَ تَكُونُ! لأَنَّ رَأْسَ أَرَامَ دِمَشْقَ، وَرَأْسَ دِمَشْقَ رَصِينُ. وَفِي مُدَّةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً يَنْكَسِرُ أَفْرَايِمُ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَعْبًا. وَرَأْسُ أَفْرَايِمَ السَّامِرَةُ، وَرَأْسُ السَّامِرَةِ ابْنُ رَمَلْيَا. إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا فَلاَ تَأْمَنُوا»." (أشعياء 3 -9)

يأتي بعد المقدمة تكليف الله للنبي لنقل خطاب مُشجع لآحاز ، بالطبع العدد الثاني يُمثل مدخل للخطاب واصفاً حالة بيت داود قبل الغزو الآرامي -الأفرايمي: "وَأُخْبِرَ بَيْتُ دَاوُدَ وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ حَلَّتْ أَرَامُ فِي أَفْرَايِمَ». فَرَجَفَ قَلْبُهُ وَقُلُوبُ شَعْبِهِ كَرَجَفَانِ شَجَرِ الْوَعْرِ قُدَّامَ الرِّيحِ " (أشعياء 7 : 2) مما يفسر لنا لماذا احتاج النبي في هذا الوقت بالتحديد الى كلمات تشجيعية نبوية لأن قلب الملك و قلوب شعبه مُرتجفة من الخوف.

توجد عدة مُلاحظات على العدد الثاني :
1- تصارع العلماء لوقت طويل على الفعل " ناح נָ֥חָֽה" واشتقاقه من جذور غير طَبِيعية أو مُعتادة، و كل هذا من اجل ترجمته الى "وتحالفت أَرَامُ مع أَفْرَايِمَ"، الا إنه يجب الاحتفاظ بالصيغة اللفظية كما هي وترجمته وفقاً للمعني المعتاد للفعل وهو " يستريح، يستقر، يَحل" ، وبالرغم اننا لا نعرف ماذا كان يدور بعقل الكاتب إلا إنه من الممكن كان يقصد تحرك القوات الآرامية ودخلوها اسرائيل من اجل الانضمام لقوات فقح لمهاجمة يهوذا ، ولكن الاكثر احتمالاً من استخدام تلك العبارة " حَلَّتْ أَرَامُ فِي أَفْرَايِمَ" هي الاشارة لانقلاب فقح على السامرة في عام 736 ق.م ،الذي عقب عنه سيطرة أرام على المملكة الشمالية بأكملها، فسابقاً قام رصين بضم شمال شرق الاردن والجليل وساحل شارون، وفي اوائل عام 740 ق.م كان فقح يحكم الجليل لحساب آرام، وبحلول سنة 730 ق.م لم يتبقى الا أفرايم من كل مملكة اسرائيل، وعندما اغتال فقح فقحيا –الملك السابق- في عام 736 تولي عرش السامرة ، وبهذا أصبحت سيطرة رصين على مملكة اسرائيل بصورة تامة و كاملة ومن ثم إفرايم، فأصبحت ارام حَالة أو مستقرة و مسيطرة على اسرائيل.


2- لا تذكر عبارة "فَرَجَفَ قَلْبُهُ وَقُلُوبُ شَعْبِهِ " بيت داود (قلبه) فقط ولكن كذلك "شعبه" والتي من المُمكن تُفهم على كونها تُشير لكل لسكان يهوذا إلا اننا سنعرف فيما بعد إن معظم شعب يهوذا كان يميل بشكل ايجابي لملوك آرام واسرائيل ودعم اتحادهم ضد الاشوريين، فتَحرك آرام وافرايم لم ليس ضد الشعب وإلا لما قالوا " نَصْعَدُ عَلَى يَهُوذَا وَنُقَوِّضُهَا وَنَسْتَفْتِحُهَا لأَنْفُسِنَا، وَنُمَلِّكُ فِي وَسَطِهَا مَلِكًا، ابْنَ طَبْئِيلَ" (أشعياء 7: 6) ولكن تَحركهم بصفة رئيسية واساسية كان ضد أحاز وبيت داود، ولهذا يجب فهم ان المقصود بـــ " شعبه" هي القلة المؤيدة لنظام بيت داود وسياساته قد يكون هذا مقتصراً على سكان اورشليم و افراد الجيش.


3- اللفظة العبرية المُعبرة عن (القلب) هنا هي" לֵבָב" إلا انها متعددة المعاني فهي تعني "الانسان الداخلي، العقل، المعرفة، الذاكرة، الضمير، الرغبة ، القلب" ولكنها كذلك تعني: "التصميم، الارادة و القرار"[3] فالنص يضع في اعتباره التفكير في الارتداد عن الاستمرار أرض حياد بدون الدخول في حرب مع اشور.

فمن المحتمل أن رصين ملك ارام طلب الدعم من بيت داود وذلك من اجل اقامة تحالف لردع التوسع الاشوري، إلا ان مسعاه باء بالفشل، ودفعت حيادية بيت داود الملك الآرامي ليمارس ضغوط اضافية عليهم، فعلى سبيل المثال استعاد رصين السيطرة على آيلة و المنطقة المحيطة بها من مملكة يهوذا و اعطاها للأدوميين: "وفي ذلك الزَّمان، نَقَلَ رَصين، مَلِكُ أَرام، أَيلَةَ إِلى أَرام، وطردَ اليَهودَ مِن أَيلَة، وجاءَ الأدومِيُّونَ إِلى أَيلَة، وأَقاموا هُناكَ إِلى هذا اليَوم" (2 مل 16: 6)، وبالتالي شجع حلفاءه من الفلسطـينيين وغيرهم على التعدي على السهل الغربي لـمملكة يهوذا" فَإِنَّ الأَدُومِيِّينَ أَتَوْا أَيْضًا وَضَرَبُوا يَهُوذَا وَسَبَوْا سَبْيًا، وَاقْتَحَمَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ مُدُنَ السَّوَاحِلِ وَجَنُوبِيَّ يَهُوذَا، وَأَخَذُوا بَيْتَ شَمْسٍ وَأَيَّلُونَ وَجَدِيرُوتَ وَسُوكُو وَقُرَاهَا، وَتِمْنَةَ وَقُرَاهَا، وَحِمْزُو وَقُرَاهَا، وَسَكَنُوا هُنَاكَ، لأَنَّ الرَّبَّ ذَلَّلَ يَهُوذَا بِسَبَبِ آحَازَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ أَجْمَحَ يَهُوذَا وَخَانَ الرَّبَّ خِيَانَةً. (2 أخ 28: 17- 19)، و حتى سنة 735 ق.م لم تكن يهوذا مُهددة من أرام لان تلال أفرايم التي كان يحكمها مناحيم وابنه فقحيا كانوا مؤيدين للأشوريين وبالتالي كانت تعتبر منطقة عازلة بين يهوذا و آرام، إلا مع انقلاب فقح في السامرة وسيطرته على أفرايم فإن السيطرة الآرامية امتدت حتى حدود يهوذا مباشرة.

وطبقاً لهذا الموقف، أُجِبر بيت داود على إعادة تقييم سِياساته وموقفه من الحياد لان مقاومة آرام كلفت يهوذا اراضي كثيرة و قطعت إمكانية وصول الدولة لطرق التجارة الرئيسية، و بالتالي بدأ الضغط الآرامي يلقي بظلاله على المزاج العام للشعب اليهودي واصبح معظم شعب يهوذا الان مفضلاً الانضمام لجانب رصين وفقح، وطبقاً لتلك المعارضة التي وجدها بيت داود من الخارج والداخل أُجِبَر على اعادة النظر في ما اذا كان عليهم الاستسلام لمطالب رصين والانضمام للتحالف ضد الاشوريين أم لا، تتبع هذا نقاش محتدم بلا شك داخل البلاط الملكي، حيث طالب البعض بتسوية الخلاف مع آرام ، بينما دافع البعض الاخر على الاستمرار على الحياد، هذا هو الخلاف الذي يتكلم عنه أشعياء "فَرَجَفَ قَلْبُهُ وَقُلُوبُ شَعْبِهِ" (أشعياء 7: 2ب)، حيث ارتجفت "عزيمة" بيت دواد و مؤيديه "كرجفان شجر الوعر قدام الريح"(أشعياء 7: 2ج).

تنقسم الأعداد بدءاً من ( العدد 3 : 9 ) لجزئيين :
أ) أمر الله للنبي بالذهاب مع ابنه شآرياشوب Shear-jashub لمقابلة آحاز(العدد 3).
ب) توصيل أشعياء الرسالة للملك (الأعداد 4 -9)، والتي تنقسم بدورها لجزئيين :
1) نصيحة لآحاز (العدد 4).
2) تأكيد وتحذير بيت داود (5- 9).


أ) أمر الله للنبي بالذهاب مع ابنه شآرياشوب Shear-jashub لمقابلة آحاز" فَقَالَ الرَّبُّ لإِشَعْيَاءَ: «اخْرُجْ لِمُلاَقَاةِ آحَازَ، أَنْتَ وَشَآرَ يَاشُوبَ ابْنُكَ، إِلَى طَرَفِ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا، إِلَى سِكَّةِ حَقْلِ الْقَصَّارِ" (العدد 3).

كان ذكر اسم "شآرياشوب שאר ישוב " (ع 3) محل نقاش وخلاف بين العلماء لأنه لم يذكر مرة اخرى إلا إنه بلا شك يحمل معنى رمزي مثل ( أشعياء 7:14 ، 8: 3 ، هوشع 1: 2- 9)، من الناحية النحوية فهو يُمثل جملة قصيرة تتكون من فاعل (שאר) ومن فعل (שוב) ، يُشتق الفاعل من فعل שאר والذي يعني " يبقي أو يفضّل" لهذا تتم ترجمة الاسم بصفة عامة الى "البقية" غالباً يستخدم المصطلح " شآر" للإشارة لما نجى من الدمار الإلهي مثلما في " وَبَقِيَّةُ שְׁאָ֥ר أَشْجَارِ وَعْرِهِ تَكُونُ قَلِيلَةً حَتَّى يَكْتُبَهَا صَبِيٌّ " ( أشعياء 10: 19)، " لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَعْبُكَ يَا إِسْرَائِيلُ كَرَمْلِ الْبَحْرِ تَرْجعُ بَقِيَّةٌ שְׁאָ֖ר مِنْهُ. قَدْ قُضِيَ بِفَنَاءٍ فَائِضٍ بِالْعَدْلِ" ( أشعياء 10: 22)، أنظر كذلك (أشعياء 17: 3 ، 21: 17)، بينما يعنى الفعل שוב " يرجع أو يعود" وعلى هذا يكون هناك تفسيرين مُحددين:
أ) العودة ليهوه مثلما في (أشعياء 9: 13، 19: 22 ، 1: 27، 6: 10 ، 30: 15) وهو معنى ديني ،
ب) أو العودة و الرجوع من المعارك والنجاة ، انظر (أشعياء 10: 22 ،1 مل 22: 28) وهو يحمل معنى سياسي وعسكري.

مع ملاحظة هناك قلب في ترتيب الجملة العبرية وهو قلب ذات معنى ، فالفاعل يسبق الفعل و ذلك للتشديد والتأكيد وهذا نحوياً ممكناً ،فالكاتب كان إما يريد التوكيد بمعني :" بكل تأكيد البقية سترجع" أو بمعنى انتقائي و مًخصص أي " فقط البقية فقط هي من سترجع"

يمكن تلخيص هذه الملاحظات النحوية و المعجمية في قائمة للترجمات المحتملة لاسم شآرياشوب كالتالي:
1- البقية سترجع بالتأكيد /في النهاية (سترجع ليهوه بكل تأكيد)
2- سترجع البقية بالتأكيد أي (ستنجو من المعركة بكل تأكيد)
3- فقط البقية هي من سترجع (ليهوه)
4- فقط بقية من سترجع (ستنجو من المعركة)

تبث الترجمة الاولى و الثانية الامل فهي تركز على توبة البقية و بقاءها السياسي، في حين تبث الترجمة الثالثة و الرابعة التشاؤم.

اي من هذه المعاني قصدها النبي حقاً عند تسمية الطفل؟
فلا يوجد في أي مكان في الكتاب المقدس ما يشرح اسمه ، إلا من المحتمل ان أشعياء يقصد باسمه " الترجمة الاولى او الثانية" لأنه يقول:" تَرْجعُ الْبَقِيَّةُ، بَقِيَّةُ يَعْقُوبَ، إِلَى اللهِ الْقَدِيرِ، لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَعْبُكَ يَا إِسْرَائِيلُ كَرَمْلِ الْبَحْرِ تَرْجعُ بَقِيَّةٌ مِنْهُ. قَدْ قُضِيَ بِفَنَاءٍ فَائِضٍ بِالْعَدْلِ(أشعياء 10 : 21 -22) ، ان معني الاسم هنا يمكن فقط استنتاجه فقط من خلال النص ، فكما سنري أن أشعياء كان مهتماً بشكل رئيسي بتشجيع احا متوقعاً فشل خطة رصين في اسقاط حكم بيت داود. وعلى هذا فإن اسم "شآرياشوب " من المحتمل انه كان يقصد باستخدامه على كونه رمز و رسالة لبث الامل مُعلناً النجاة المؤكدة للبقية وكذلك من المحتمل ان يكون لها دلالة دينية سياسية بأن البقية التي سترجع ليهوه سترجع من المعركة.

اما عن هوية تلك البقية فهي محل نزاع وخلاف بين العلماء، المقترحات التقلـيدية تقترح انه يقصد بها مملكة يهوذا، البعض الاخر يقترح انه يقصد بها النبي وتلاميذه، وبعضهم يقترح انه يقصد بها أي شخص يرجع الى يهوه لحمايته من الغزو الآرامي السوري، الا اننا نقترح انه يقصد بالبقية هنا بيت داود، لان القطعة النصية 7 : 1- 17 تهتم كلياً ببيت داود، مثل "أُخْبِرَ" بَيْتُ دَاوُدَ (ع 2)، "اسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ" (ع 13) وهو أرجح الاحتـمالات. فنتيجة المعارضة التي واجهها حكم بيت داود وحكمه سواء من الضغط الخارجي او الداخلي من الشعب ، فقد كان بالفعل لديه كل الاسباب ليخاف من عدم استمرار حكمه و وجوده ، فاستخدم أشعياء الاسم الرمزي لابنه ، كوسيلة ليؤكد لآحاز ولأسرة بيت داود بنجاتها من الازمة ان احتفظوا بثقتهم في وعد يهوه لكي يحمي اورشليم و مختاره (مسيحه)، فبالرغم من احتمالية ان الجزء الاكبر من شعب مملكة يهوذا سيعاني من كارثة ، الا انه البقية ستنجو وهي بيت داود و من يناصروه.

كان من المقرر ان يتقابل أشعياء و شآرياشوب مع آحاز عند "آخر قناة البركة العليا، على طول طريق حقل القَصّار" (ع 3)، وهو بلا شك خارج اسوار اورشليم (انظر 2 مل 18: 17 ، أشعياء 36: 2)، على الارجح جنوب المدينة بالقرب من نبع قدرون ، و برغم ان النص لا يذكر لنا لماذا احاز كان متواجداً هناك، الا انه يبدو انه كان يتفقد تحصينات المدينة والامداد من المياه تحسباً للهجوم/ والمحاصرة، فمن الواضح ان الملك كان يميل - إن لم يكن قد عزم بالفعل- للصمود ضد المطالب بالتحالف ، وعندما اقترب أشعياء منه ، كان الهدف هو تشجيع الملك في صموده ضد المطالب بالائتلاف.


ب) توصيل أشعياء الرسالة للملك (الأعداد 4 -9):-

1) نصيحة لآحاز:

" اِحْتَرِزْ وَاهْدَأْ. لاَ تَخَفْ وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكَ مِنْ أَجْلِ ذَنَبَيْ هَاتَيْنِ الشُّعْلَتَيْنِ الْمُدَخِّنَتَيْنِ، بِحُمُوِّ غَضَبِ رَصِينَ وَأَرَامَ وَابْنِ رَمَلْيَا" (العدد 4).
يفتح خطاب النبي بسلسلة من الاوامر" اِحْتَرِزْ وَاهْدَأْ. لاَ تَخَفْ وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكَ " ويري العلماء هنا ان أشعياء غالباً كان حطابات الكهنة التي كانت تلقيها للجيوش قبل الدخول في معارك وهو يعتبر من ضمن سمات الحروب القديمة "عِنْدَمَا تَقْرُبُونَ مِنَ الْحَرْبِ يَتَقَدَّمُ الْكَاهِنُ وَيُخَاطِبُ الشَّعْبَ وَيَقُولُ لَهُمْ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: أَنْتُمْ قَرُبْتُمُ الْيَوْمَ مِنَ الْحَرْبِ عَلَى أَعْدَائِكُمْ. لاَ تَضْعُفْ قُلُوبُكُمْ. لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَعِدُوا وَلاَ تَرْهَبُوا وُجُوهَهُمْ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ سَائِرٌ مَعَكُمْ لِكَيْ يُحَارِبَ عَنْكُمْ أَعْدَاءَكُمْ لِيُخَلِّصَكُمْ" (التثنية 20: 2-4)، و بالرغم ان كلاً من " لا تخف ولا يضعف قلبك" بالفعل لفظياً متوازية مع الخطاب الكهـنوتي قبل الحرب، الا اننا نلاحظ ان الخطاب الكهنوتي كان يوجه لكل اسرائيل او على الاقل للمحاربين، بينما نص أشعياء هنا موجة لآحاز وللبلاط الملكي فقط ، لهذا فمن الافضل رؤيتها على كونها نصح بعدم الخوف في مواجهة الخطر و نجد امثلة كثيرة من الشرق الأدنى القديم على هذا ، حيث تلعب تلك النصائح دوماً دوراً بارزاً[4].

يُشتق أول أمر من الاوامر الالهية "أحترز הִשָּׁמֵ֨ר" من الجذر العبري " שָׁמַר" الذي يعني "انتبه" ، إلا اننا نجد ان الكلمة تستخدم في الاسفار الكتابية ومعها بعض الشروط إما بفعل امر معين او التحذير من عدم فعل امر معين ، أنظر على سبيل المثال: ( تكوين 24: 6، 31: 24 ، خروج 10: 28، 34: 12 ، تثنية 12: 13 ، 15: 9 ، 24: 8 ، 2 مل 6: 9 و هكذا ، ما عدا 1 صم 19: 2) ولهذا فإن هذا الامر المذكور في أشعياء 7: 4 ، ليس واضحاً كلياً، فهل كان النبي يحذر من الاجراءات الدفاعية مثل تأمين الملك لموارد المياه ؟ إن أشعياء لم يكن بهذه السذاجة السياسية لكي يطالب بعدم التأمين، أم كان يحذر من الملك من مناشدة المساعدة العسكرية من ملك اشور؟ أم كان يُحذر من التحالف مع أرام واسرائيل؟

أبسط تفسير هنا هو أن أشعياء دعي لصد الهجوم و رفض التحالف، فبيت داود يجب ان يظل على سياسة الحياد، لهذا يشجع أشعياء احاز بأن لا يخاف من "هاتين الشعلتين المدخنتين" اشارة منه لملوك ارام و اسرائيل ، يضيف الناسخ او المعلق في وقت لاحق على النص العبارة التفسيرية (رصين ملك أرام وآبن رمليا)، و اختار أشعياء بعناية تشبيه "الشعلة المُدخنة" مُشبهاً خطط رصين و فقح بالشعلة المُدخنة التي اذا تركت لوحدها فسوف تخبو كناية على ان خططهم ستفشل ، بينما الله يمثل "النور" و "الشعلة" لإسرائيل : " وَيَصِيرُ نُورُ إِسْرَائِيلَ نَارًا وَقُدُّوسُهُ لَهِيبًا، فَيُحْرِقُ وَيَأْكُلُ حَسَكَهُ وَشَوْكَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ " (أشعياء 10 : 17) ، ذاك النور المشتعل هو من سيحمي اورشليم و مسيحه، وراي أشعياء انطفاء شعلتهم لأن الائتلاف التي كانت تقوده آرام كان في طريقه للفشل ، فقد بدأ في الانهيار في سنة 734 ق.م، لان كلاً سمسي (شمسي)[5] ملكة العرب والكثير من المدن الفلسـطينية خضعت لتغلث فلاسر ، الا ان مقاومة الأشوريين استمرت عامين آخرين ، اطول مما توقع أشعياء.


2) تأكيد وتحذير بيت داود (5- 9):-

لا يذكر لنا نص العدد 4 سوي بعض المعلومات القليلة جدا عن الـطبيعة الــدقيقة للتهديد الارامي- الأفرايمي ، و لكن هذا يتغير في العدد 5 - 6 حيث يذكرا لنا بكل وضوح برنامج و مخطط هذا التهديد : "لأَنَّ أَرَامَ تَآمَرَتْ عَلَيْكَ بِشَرّ مَعَ أَفْرَايِمَ وَابْنِ رَمَلْيَا قَائِلَةً: نَصْعَدُ عَلَى يَهُوذَا وَنُقَوِّضُهَا وَنَسْتَفْتِحُهَا لأَنْفُسِنَا، وَنُمَلِّكُ فِي وَسَطِهَا مَلِكًا، ابْنَ طَبْئِيلَ" ، النص في شكله الحالي يُظهر ارام واسرائيل كقوى متساوية، الا ان كثير من العلماء يرجحون ان الاشارة الى أفرايم و ابن رمليا في النص اضافة متأخرة على النص ، ولو كان –فرضاً– صحيحاً اذا فالنص يتحدث اساساً عن المؤامرة الآرامية فقط ودور رصين كقوة دافعة وراء هذا التحالف، كانت خطة غزو يهوذا هي الخطوة الاخيرة من السلسلة الطويلة للجهود الآرامية لجعل يهوذا شريك اساسي في التحالف ، فالمبادرات الدبلوماسية السابقة فشلت ، ولم ينجح الضغط الاقتصادي في محاولة الانقلاب الداخلي في اورشليم "وَقَتَلَ فَقَحُ بْنُ رَمَلْيَا فِي يَهُوذَا مِئَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، الْجَمِيعُ بَنُو بَأْسٍ، لأَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِمْ.وَقَتَلَ زِكْرِي جَبَّارُ أَفْرَايِمَ مَعَسِيَا ابْنَ الْمَلِكِ، وَعَزْرِيقَامَ رَئِيسَ الْبَيْتِ، وَأَلْقَانَةَ ثَانِيَ الْمَلِكِ" ( 2 اخ 28: 6-7) ، لهذا شعر رصين في النهاية بأن الوقت نفذ من مملكة يهوذا ، فإن كانوا غير مستعدين للانضمام اليه بإراداتهم ، فسيتعين عليه غزوهم و استبدالهم بنظام حكم أكثر تعاوناً.

يذكر أشعياء هدف الغزو : "نَصْعَدُ عَلَى يَهُوذَا وَنُقَوِّضُهَا وَنَسْتَفْتِحُهَا /نَقتَسِمُها[6] لأَنْفُسِنَا، وَنُمَلِّكُ فِي وَسَطِهَا مَلِكًا، ابْنَ طَبْئِيلَ" (ع 6) ، الفعل العبري الذي تُرجم الى "نستفتح / نقتسم" هو (بَكا בָּקַע) و يعني اساساً "يقسم، يشق أو يقتحم"، ويستخدم المصطلح غالباً للإشارة الى الاستلاء على المدن ، و قد يٌفهم أن الضمير في " نقوضها، نقتسمها" يعود على يهوذا إلا انه بكل تأكيد يُقصد منها أورشليم فهي هدف الغزو" لقد كان رصين غير مهتماً فعلياً بالاستلاء على يهوذا[7]، لكنه كان مهتماً بترسيخ سيطرته على يهوذا ، و هذا يتطلب فقط استبدال السلالة الحاكمة بنظام آخر جديد ، مثلما ما حدث في المملكة الشمالية بانقلاب فقح.


سارت قوات التحالف جنوباً من السامرة على طول طريق المياه حتى وصولا لبيت إيل و من هناك توغلوا في اراضي يهوذا، ثم داروا حول حصن مصفاة ، في طريق وعر وغير مخصص للسفر عبر مخماش و جبع، فقد كان الهدف هو محاصرة العاصمة في أسرع وقت ممكن وتجنب نقاط المقاومة المحتملة في الطريق و ارهاب أي معارضة تقف في طريقهم.

ولكن الاشارة الى ابن طبئيل בֶּן־טָֽבְאַֽל تستحق منا اهتماماً خاصاً، لأنه هناك مقترحات كثيرة جدا حاولت تحديد شخصية صاحب هذا الاسم ، من ضمن تلك المحاولات انه كان آرامياً من مكان ما من شرق الاردن ، أو أنه امير من بني يهوذا كانت أرضه الام هي طبئيل جنوب ، الا بالرجوع للقائمة الاشورية للضرائب والمذكور فيها عدد من الـخاضعين لأشور والذي يرجع لعام 738 ق.م نجد اسم ملك يُدعي طـيوبال Tubail وتحديده على كونه ملك صور Tyreمن ضمن اسماء حكام آسيا الصغرى (الاناضول) و الآراميين و الفلسطينيين ، ولهذا من المحتمل ان يكون الاسم العبري هو تهجئة خاطئة متعمدة لملك صور لازدرائه وهو إما قام به أشعياء أو ناسخ آخر، لأن الاسم العبري טָֽבְאַֽל يعني "لا خير فيه good for nothing" ، وهناك مثالا جيداً على ارتقاء فرد من البيت الملكي لصور لعرش مملكة يهوذا وهي عثليا ابنه ايزابيل ابنه "ايثبعل" ملك صور ، حيث حكمت كملكة على اليهودية لست سنوات ، وقد كان لرصين ان يعتمد على تعاون طبئيل ،لان ملك صور كان حليف قوي لملك آرام، ومن المحتمل أن الكثير من شعب يهوذا قد أيدوا هذا المخطط، بعد أن أزداد سخطهم على حكم بيت داود.


يذكر أشعياء الرد الالهي على المخطط الآرامي : " هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لاَ تَقُومُ! لاَ تَكُونُ! لأَنَّ رَأْسَ أَرَامَ دِمَشْقَ، وَرَأْسَ دِمَشْقَ رَصِينُ. وَفِي مُدَّةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً يَنْكَسِرُ أَفْرَايِمُ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَعْبًا. وَرَأْسُ أَفْرَايِمَ السَّامِرَةُ، وَرَأْسُ السَّامِرَةِ ابْنُ رَمَلْيَا. إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا فَلاَ تَأْمَنُوا»(ع 7-9) ويقصد بعبارة " لاَ تَقُومُ! لاَ تَكُونُ!" فشل مؤامرة آرام ضد بيت داود فيهوه وحده هو من يقرر مصائر الامم و الحكام، وليس "خطط" آرام هي من تقرر ولكن "خطط" الله فقط ( انظر أشعياء 14: 24- 27 ، 19: 12، 17، 30: 1)

يوجد ايجاز بالحذف بعد عبارة " رَأْسَ أَرَامَ دِمَشْقَ، وَرَأْسَ دِمَشْقَ رَصِينُ ... وَرَأْسُ أَفْرَايِمَ السَّامِرَةُ، وَرَأْسُ السَّامِرَةِ ابْنُ رَمَلْيَا" (ع 8، 9) ، فالمحذوف هنا هو الرد وهو " ولكن رأس يهوذا هو اورشليم ، و رأس اورشليم هو ابن داود"، فهدف النبي هو تذكير أحاز بوضعه فهو المختار من الله وليس رصين او فقح، فإن رأس يهوذا هي صهيون مدينة الله المختارة المكان الذي نصب فيه مختاره الملك الدوادي. فأشعياء يحث الملك احاز على الاخذ بالتقاليد القديمة بشكل جاد وهي القيادة الالهية للمدينة و للملك مثل :" أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي" (مز 2)، "قطعت عهدا مع مختاري، حلفت لداود عبدي ،إلى الدهر أثبت نسلك ، وأبني إلى دور فدور كرسيك " (مز 89)، انظر كذلك: ( مز132 ،1 صم 4 - 6 ، 2 صم 6، 1 صم 16 ، 2 صم 7).

اما قوله : "ان لم تؤمنوا תַאֲמִ֔ינוּ فلا تأمنوا תֵאָמֵֽנוּ" (ع 9) ، فيجب ملاحظة اولا ان الفعلين هنا مشتقا من نفس الجذر "أمن אָמַן" وهو لعب صريح بالألفاظ ، إلا تمت الاختلاف حول المعنى ، فهل أشعياء يدعو اهل بيت داود لكي يكون لديهم ثقة/ايمان وان يظلوا هادئين في مواجهة الازمة الحالية و ان يثقوا إنهم في أمان؟ أم يمكن معرفة بما يجب الايمان به من الاعداد السابقة أي الايمان بالوعود الالهية تجاه صهيون والوعود الالهية بصفة عامة التي ذكرت في الاعداد ( 7 - 9) ، ولكن الفعل كذلك يمكن ان يتضمن معنى آخر وهو "الثبات او الاستقرار" عند استخدامه بدون مفعول مثلما في حالتنا تلك و مثل قوله : "فِي جَرْيِهِ يَنْهَبُ الأَرْضَ بِعُنْفُوَانٍ وَغَضَبٍ وَلاَ يَسْتَقِرُّ فِي مَكَانِهِ יַ֝אֲמִ֗יןعِنْدَ نَفْخِ بُوقِ الْحَرْبِ" (ايوب 39 : 24) وهذا هو الأرجح، اما معنى الفعل الثاني " تأمنوا תֵאָמֵֽנוּ" هو واضح ، فهو يشير الى الاستمرار السياسي لبيت داود، وهذا يعني ان أشعياء يحذر بيت داود من اتخاذ قرارات متسرعة او تغيرات في السياسة (انظر أشعياء 28 : 16) ، ويدعوهم للمحافظة على موقف بيت داود تجاه الحياد السياسي الذي حافظ عليه مدة طويلة ، فكما رأينا سابقاً ان البلاط الحاكم في أورشليم تعرض لضغوط هائلة للانضمام اليهم ، لكن نصيحة النبي هنا هي مقاومة هذا الضغط و ان يقف" بحزم" و يلتزم بحيادة السياسي، فالعدد التاسع " إن لم تثبتوا فلن تأمنوا" هو نتيجة لعدم الالتزام بالحيادية التي امر بها الله في العدد الرابع : "اِحْتَرِزْ/ابقي ثابتاً ، ولا تخف ولا يهين قلبك/تصميمك" (7 : 4) ، وباستخدام فعل "أمن אָמַן" فالنبي يلمح الى وعد ناثان النبي :" وَيَأْمَنُ אָמַן بَيْتُكَ وَمَمْلَكَتُكَ إِلَى الأَبَدِ أَمَامَكَ، كُرْسِيُّكَ يَكُونُ ثَابِتًا إِلَى الأَبَدِ" ( 2 صم 7 :16)، فالنبي يلمح للملك بان الوعد سيـسقط إن لم يتم الحفاظ على الحيادية، فأشعياء توقع بأن اشور ستتخذ اجراءات صارمة تجاه ارام واسرائيل ولكن كذلك الى يهوذا إن انضموا لهذا التحالف.


ج) خلاف بين الملك والنبي ، تنتهي بنبوءة عمانوئيل (يُمثله الأعداد 10 -17):-

تعرض الاعداد من 10 -17 نزاع بين الملك و النبي، حيث يطلب النبي من احاز بأن يطلب علامة إلهية ، بينما يرفض أحاز، فيوبخ النبي الملك ، ويعلن هو "عمانوئيل" كعلامة، الا انه يجب عدم الفصل بين الاعداد السابقة عن تلك العلامة أي الاعداد 1 - 9 ، فلا يمكن فهم " لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ، تُخْلَى الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ خَاشٍ مِنْ مَلِكَيْهَا" (عدد 16) فمن هذه الملوك ؟ بدون ما يسبقها أي الخوف من رصين و فاقح.

يجب علينا ان نلاحظ ما يلي:-

أ‌) عندما ينص العدد العاشر: "ثُمَّ عَادَ الرَّبُّ فَكَلَّمَ آحَازَ قَائِلًا" (ع 10) فهو يعني ان الرب كان يتكلم مع احاز سابقاً الا ان الآيات 3 -9 لا تذكر تحدثه لآحاز الا من خلال النبي ، ولهذا افترض البعض ان القراءة الاصلية هنا هي "وعاد النبي وكلم احاز قائلا אוֹסִיף נְבִיָא דַייָ לְמַלָלָא עִם אָחָז לְמֵימָר" (ترجوم يوناثان لسفر أشعياء)، الا ان الناسخ فيما بعد افترض ان المتكلم هنا هو الله، لهذا ادخل كلمة "الرب" وكذلك لان الرب هو من يتكلم "هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لاَ تَقُومُ! لاَ تَكُونُ!.."( ع 7)


ب) يبدو ان مكان المشهد قد تغير اثناء السياق ، فأول لقاء تم بين الملك والنبي كان خارج أسوار المدينة " طَرَفِ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا، إِلَى سِكَّةِ حَقْلِ الْقَصَّارِ" (ع 3) ، في حين يبدو لنا من خلال سياق نص أشعياء (14) انه موجه لأميرة من بيت داود "هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»" أي ان الحديث تم داخل القصر الملكي.


ج) عادة كانت العلامة النبوية في اسرائيل تعتبر تمثيل محسوس حي لما سيحدث في المستقبل، فمثلاً اسم النبي نفسه "أشعياء" أي خلاص الرب والمعنى الرمزي لاسم ابنه " شآرياشوب" أي البقية ستنجو، ومن الواضح ان كاتب النص يُدرك هذا لهذا كتب "هأَنَذَا وَالأَوْلاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمُ الرَّبُّ آيَاتٍ، وَعَجَائِبَ فِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْجُنُودِ السَّاكِنِ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ" (أشعياء 8: 18).


يطلب النبي من احاز بان يطلب علامة ليست بالضرورة ان تكون تلك العلامة حدثاً معجزيا، الا انها بكل تأكيد يجب ان تكون شيئاً غير عادياً او غير متوقع: " اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ آيَةً مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ. عَمِّقْ طَلَبَكَ أَوْ رَفِّعْهُ إِلَى فَوْق" (ع 11)، فقد كان الاختيار المُعطي للنبي "ليكن عميقاً مثل شيول او مرتفعا مثل السماء"، يشبه الموقف هنا رواية شفاء حَزَقِيَّا الاسطورية "وَقَالَ حَزَقِيَّا لإشعياء: «مَا الْعَلاَمَةُ أَنَّ الرَّبَّ يَشْفِينِي فَأَصْعَدَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ؟» فَقَالَ إِشَعْيَا: «هذِهِ لَكَ عَلاَمَةٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ يَفْعَلُ الأَمْرَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ: هَلْ يَسِيرُ الظِّلُّ عَشْرَ دَرَجَاتٍ أَوْ يَرْجعُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ؟». فَقَالَ حَزَقِيَّا: «إِنَّهُ يَسِيرٌ عَلَى الظِّلِّ أَنْ يَمْتَدَّ عَشْرَ دَرَجَاتٍ. لاَ! بَلْ يَرْجعُ الظِّلُّ إِلَى الْوَرَاءِ عَشْرَ دَرَجَاتٍ!». فَدَعَا إِشَعْيَا النَّبِيُّ الرَّبَّ، فَأَرْجَعَ الظِّلَّ بِالدَّرَجَاتِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا بِدَرَجَاتِ آحَازَ عَشْرَ دَرَجَاتٍ إِلَى الْوَرَاءِ." (2 مل 8 – 11، انظر كذلك أشعياء 38 ،2 مل 20)، فسواء هنا اوفي رواية أشعياء 7 : 11 العلامة ليس لها علاقة بمحتوى التنبؤ النبوي و يتم اختيارها بشكل تعسفي ، هكذا ظهور ملاك الرب لجدعون في القضاة :" فَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَاصْنَعْ لِي عَلاَمَةً أَنَّكَ أَنْتَ تُكَلِّمُنِي. لاَ تَبْرَحْ مِنْ ههُنَا حَتَّى آتِيَ إِلَيْكَ وَأُخْرِجَ تَقْدِمَتِي وَأَضَعَهَا أَمَامَكَ». فَقَالَ: «إِنِّي أَبْقَى حَتَّى تَرْجعَ». فَدَخَلَ جِدْعُونُ وَعَمِلَ جَدْيَ مِعْزًى وَإِيفَةَ دَقِيق فَطِيرًا. أَمَّا اللَّحْمُ فَوَضَعَهُ فِي سَلّ، وَأَمَّا الْمَرَقُ فَوَضَعَهُ فِي قِدْرٍ، وَخَرَجَ بِهَا إِلَيْهِ إِلَى تَحْتِ الْبُطْمَةِ وَقَدَّمَهَا. فَقَالَ لَهُ مَلاَكُ اللهِ: «خُذِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ وَضَعْهُمَا عَلَى تِلْكَ الصَّخْرَةِ وَاسْكُبِ الْمَرَقَ». فَفَعَلَ كَذلِكَ. فَمَدَّ مَلاَكُ الرَّبِّ طَرَفَ الْعُكَّازِ الَّذِي بِيَدِهِ وَمَسَّ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ، فَصَعِدَتْ نَارٌ مِنَ الصَّخْرَةِ وَأَكَلَتِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ. وَذَهَبَ مَلاَكُ الرَّبِّ عَنْ عَيْنَيْهِ. فَرَأَى جِدْعُونُ أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، فَقَالَ جِدْعُونُ: آهِ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ! لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَلاَكَ الرَّبِّ وَجْهًا لِوَجْهٍ"(القضاة 6: 11- 22)، فكل تلك علامات لا تدلل على محتوى النبوة.
فنص الآيات "وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»، يَأكُلُ لَبَناً حَليباً /زبدة وعَسَلاً إِلى أَن يَعرِفَ أَن يَرذُلَ الشَّرَّ ويَخْتارَ الخَير، لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ، تُخْلَى الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ خَاشٍ مِنْ مَلِكَيْهَا"(ع 14 -16) هي مجرد اعلان عن ولادة وشيكة لطفل ملكي و تنبؤ ببقائه على قيد الحياة، و بالطبع فإن اسم الطفل ذو معني رمزي فهو يعبر عن وجود الرب وخلاصه لبيت داود، ولكن الاكثر اهمية من الاسم هو ان بقاء الطفل على قيد الحياة فلم يُجهض به او يموت لكنه سيكون أميراً ملكياً. فلن ينجح الملوك الاراميين او الاسرائيليون في ابادة نسل سلالة داود.


اما معني عبارة :" يَأكُلُ لَبَناً حَليباً /زبدة وعَسَلاً إِلى أَن يَعرِفَ أَن يَرذُلَ الشَّرَّ ويَخْتارَ الخَير، تُخْلَى الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ خَاشٍ مِنْ مَلِكَيْهَا" فهي تعني قبل ان يعرف الصبي حتى ان يختار بين الشر والخير ، ستحقق نبوءات النبي، ويوضح النبي سبب أكله "للزبدة والعسل" في العدد اللاحق له مباشرة ، لهذا نجد العدد اللاحق له يبدأ بأداة التعليل " لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ تُخْلَى الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ خَاشٍ مِنْ مَلِكَيْهَا" أي نتيجة آكله للزبد والعسل هو تحقيق نبوءات النبي وغلبه ارام و اسرائيل، وهو يشبه بالضبط ما ورد في سفر التكوين: " وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: «هَا أَنْتِ حُبْلَى، فَتَلِدِينَ ابْنًا وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ" (تك 16 : 11) ، فأشعياء لم يكتفي بتسميه الطفل لكنه يزيد عليه بوصف كيف سينمو :"زُبْدًا وَعَسَلًا يَأْكُلُ"، فقبل ان يصل الطفل لسن التفرقة بين الخير والشر ستعاني آرام وأفرايم من الدمار وسيحكم بيت داود مرة اخرى المملكة الشمالية، ومن المحتمل انه يقصد بعبارة "زُبْدًا وَعَسَلًا" النظام الغذائي الناعم الطبيعي للأطفال الصغار.

اما بالنسبة لمصطلح "علماه הָעַלְמָ֗ה" فهو مصطلح يستخدم في الكتاب المقدس للفتيات ما بعد البلوغ في سن الزواج ، انظر (تكوين 43 : 24 ، خروج 2 : 8 ، مز 68 : 26، نشيد الاناشيد 1 : 3، 6 : 8 ، أمثال 30 : 18)، الا انه هناك عدة مقترحات عن هويتها فهناك عدة مقترحات، فهي:

أ) زوجة النبي والتي هي نفسها النبيه المذكورة في السفر "فَاقْتَرَبْتُ إِلَى النَّبِيَّةِ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْنًا. فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «ادْعُ اسْمَهُ مَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ" (اش 8 : 3) أو امرأة اخرى كان متزوجها أشعياء.

ب) اما امرأة عادية بدون مكانة مُعينة الا انه حدث انها كانت تقف بالقرب من النبي اثناء حديثه في القصر الملكي.

ج) اما المرأة ترمز لابنه صهيون او لأى امرأة من بيت داود على وشك الولادة في ذاك الوقت.

د) شخصية اسطورية ترمز للآلهة الام التي بحملها من الملك الإله ستحبل بالطفل الإلهي الذي سيضمن الاستقرار و الأمان.

هـ) المرأة هي الملكة اليهودية او من حريم الملك الذي سيكون ابنها (حزقيا)هو الذي يمثل مستقبل سلالة بيت داود (وغالباً يتم الاتفاق على هذا الاقتراح).

و يبدو ان الاقتراح الاخير هو الاكثر احتمالاً ، فهدف الحرب الآرامية الأفرامية على يهوذا هو استبدال بيت داود و اعدام آحاز الى جانب جميع ورثته المُحتملين للعرش حتى اولئك الذين لم يولدوا بعد.

ولدينا امثلة من تاريخ اسرائيل على إبادات مماثلة للأسر الحاكمة بشكل جماعي فمثلاً قام بعشا بن أخيا الملك بتحريض من النبي أخيا باغتيال ناداب بن يربعام، وأباد كل بيت يربعام حتى لم يتبقَ منه نسمة، ومَلَكَ عوضًا عنه (1مل 15: 27 - 33)، فهو لم يغتال الملك ناداب فحسب بل وجميع افراد العائلة المالكة كذلك (انظر 1 مل 14 : 7 -11 ، 15 : 27 - 29) ، وكذلك انقلاب زمري الذي "عِنْدَ تَمَلُّكِهِ وَجُلُوسِهِ عَلَى كُرْسِيِّهِ ضَرَبَ كُلَّ بَيْتِ بَعْشَا. لَمْ يُبْقِ لَهُ بَائِلًا بِحَائِطٍ، مَعَ أَوْلِيَائِهِ وَأَصْحَابِهِ." (1 مل 16 : 11 ) وكذلك: "هأَنَذَا أَنْزِعُ نَسْلَ بَعْشَا وَنَسْلَ بَيْتِهِ، وَأَجْعَلُ بَيْتَكَ كَبَيْتِ يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ." ( 1 مل 16 : 3)

وكذلك ياهو بن يهوشافاط الذي قتل جميع أبناء أخاب من اقارب واحفاد وكذلك جميع المؤيدين لذلك لأسرة عمرى: " وَكَانَ لأَخْآبَ سَبْعُونَ ابْنًا فِي السَّامِرَةِ. فَكَتَبَ يَاهُو رَسَائِلَ وَأَرْسَلَهَا إِلَى السَّامِرَةِ، إِلَى رُؤَسَاءِ يَزْرَعِيلَ الشُّيُوخِ وَإِلَى مُرَبِّي أَخْآبَ قَائِلًا: «فَالآنَ عِنْدَ وُصُولِ هذِهِ الرِّسَالَةِ إِلَيْكُمْ، إِذْ عِنْدَكُمْ بَنُو سَيِّدِكُمْ، وَعِنْدَكُمْ مَرْكَبَاتٌ وَخَيْلٌ وَمَدِينَةٌ مُحَصَّنَةٌ وَسِلاَحٌ، انْظُرُوا الأَفْضَلَ وَالأَصْلَحَ مِنْ بَنِي سَيِّدِكُمْ وَاجْعَلُوهُ عَلَى كُرْسِيِّ أَبِيهِ، وَحَارِبُوا عَنْ بَيْتِ سَيِّدِكُمْ». فَخَافُوا جِدًّا جِدًّا وَقَالُوا: «هُوَذَا مَلِكَانِ لَمْ يَقِفَا أَمَامَهُ، فَكَيْفَ نَقِفُ نَحْنُ؟» فَأَرْسَلَ الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَالَّذِي عَلَى الْمَدِينَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمُرَبُّونَ إِلَى يَاهُو قَائِلِينَ: «عَبِيدُكَ نَحْنُ، وَكُلَّ مَا قُلْتَ لَنَا نَفْعَلُهُ. لاَ نُمَلِّكُ أَحَدًا. مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ فَافْعَلْهُ». فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً قَائِلًا: «إِنْ كُنْتُمْ لِي وَسَمِعْتُمْ لِقَوْلِي، فَخُذُوا رُؤُوسَ الرِّجَالِ بَنِي سَيِّدِكُمْ، وَتَعَالَوْا إِلَيَّ فِي نَحْوِ هذَا الْوَقْتِ غَدًا إِلَى يَزْرَعِيلَ». وَبَنُو الْمَلِكِ سَبْعُونَ رَجُلًا كَانُوا مَعَ عُظَمَاءِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ رَبَّوْهُمْ. فَلَمَّا وَصَلَتِ الرِّسَالَةُ إِلَيْهِمْ أَخَذُوا بَنِي الْمَلِكِ وَقَتَلُوا سَبْعِينَ رَجُلًا وَوَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ فِي سِلاَل وَأَرْسَلُوهَا إِلَيْهِ إِلَى يَزْرَعِيلَ. فَجَاءَ الرَّسُولُ وَأَخْبَرَهُ قَائِلًا: «قَدْ أَتَوْا بِرُؤُوسِ بَنِي الْمَلِكِ». فَقَالَ: «اجْعَلُوهَا كُومَتَيْنِ فِي مَدْخَلِ الْبَابِ إِلَى الصَّبَاحِ». وَفِي الصَّبَاحِ خَرَجَ وَوَقَفَ وَقَالَ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: «أَنْتُمْ أَبْرِيَاءُ. هأَنَذَا قَدْ عَصَيْتُ عَلَى سَيِّدِي وَقَتَلْتُهُ، وَلكِنْ مَنْ قَتَلَ كُلَّ هؤُلاَءِ؟ فَاعْلَمُوا الآنَ أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ مِنْ كَلاَمِ الرَّبِّ إِلَى الأَرْضِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَلَى بَيْتِ أَخْآبَ، وَقَدْ فَعَلَ الرَّبُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ عَبْدِهِ إِيلِيَّا». وَقَتَلَ يَاهُو كُلَّ الَّذِينَ بَقُوا لِبَيْتِ أَخْآبَ فِي يَزْرَعِيلَ وَكُلَّ عُظَمَائِهِ وَمَعَارِفِهِ وَكَهَنَتِهِ، حَتَّى لَمْ يُبْقِ لَهُ شَارِدًا." ( 2 مل 10 : 1 – 11)


وما فعله كذلك مَنَحِيمُ بْنُ جَادِي ضد مواطني تَفْصَحَ/ تِفْساح بما فيه من شق بطون الحوامل: " وَصَعِدَ مَنَحِيمُ بْنُ جَادِي مِنْ تِرْصَةَ وَجَاءَ إِلَى السَّامِرَةِ، وَضَرَبَ شَلُّومَ بْنَ يَابِيشَ فِي السَّامِرَةِ فَقَتَلَهُ، وَمَلَكَ عِوَضًا عَنْهُ. وَبَقِيَّةُ أُمُورِ شَلُّومَ وَفِتْنَتُهُ الَّتِي فَتَنَهَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. حِينَئِذٍ ضَرَبَ مَنَحِيمُ تَفْصَحَ وَكُلَّ مَا بِهَا وَتُخُومَهَا مِنْ تِرْصَةَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَفْتَحُوا لَهُ. ضَرَبَهَا وَشَقَّ جَمِيعَ حَوَامِلِهَا "(2 مل 15: 14 - 16 )، فلو كان موطن الملك المقتول "شلوم" هو "تَفْصَحَ فأننا نعرف لما قام به منحيم من شق بطون الحوامل في تلك المنطقة ، فقد كان الهدف هو القضاء على نسل شلوم الذين قد يتحدون الملك الجديد.

وهناك ملاحظة هامة وهي انه حتى ولو لم يكن الطفل المقصود هو حزقيا ، فمن الواضح ان المرأة معروفة لهذا جاءت مُعرفة بال التعريف فهي شخص مُحدد حاضر في البيت الملكي.


الهوامش :-
---------------------
[1] مثل ترجمة Contemporary English Version التي ترجمت العدد الثالث بعد تحويل ضمير الغائب لضمير المتكلم :" Then the LORD said to me" بدلاً من " The LORD said to Isaiah".

[2] الاستدلال الدائري circular reasoning (يعرف أيضًا باسم المنطق الدائري) هو مغالطة منطقية يبدأ فيها الاستدلال بما يحاول استنتاجه، غالبًا ما تكون مكونات مراحل الاستدلال الدائري صحيحة منطقياً. الاستدلال الدائري ليس مغالطة منطقية رسمية بل هو خلل واقعي في الحجة المطروحة حيث تكون الحجج بحاجة إلى إثبات أو دليل بقدر النتيجة المطلوبة، المثال التالي يشرح الاستدلال الدائري الخاطئ: "ولنجتون في نيوزيلندا. لذلك ولنجتون في نيوزيلندا"، فعلى الرغم من أن الحجة صحيحة استنتاجيًا إلا أنه لا يمكنها إثبات أن ولنجتون موجود بالفعل في نيوزيلندا لأنها لا تحتوي على أدلة مختلفة عن الاستنتاج، مما يعني أن الاقتراح لا يفي بشرط إثبات البيان، وبالتالي فهي مغالطة.

[3] أنظر على سبيل المثل معجم A Hebrew and English Lexicon (Brown-Driver-Briggs)جذر לֵבָב ص 523.

[4] انظر على سبيل المثال:
Ancient Near Eastern Texts Relating to the Old Testament (ed. J. B. Pritchard 3rd ed. Princeton: Princeton University Press, 1969), p 451, 655

[5] كانت سمسي (شمسي) ملكة عربية سادت في الشرق الأدنى القديم، في القرن الثامن قبل الميلاد. خلفت الملكة زبيبة " الزبيب " و حكمت لمدة 20 عاما، تصف الأخبار الآشورية في ذلك الوقت الملكة شمسي كحاكمة قوية جريئة بما يكفي لمواجهة الملوك الآشوريين في (730 – 720 ق.م). و ذكرت أنها كانت موالية لأشور خلفا للملكة العربية السابقة لها زبيبة، التي تنازلت لصالح شمسي، و استمر قسم زبيبة والولاء من قبل شمسي بأنها سوف تكون مخلصة لأشور، إلا انها في وقت لاحق غيرت رأيها و تمردت، وانضمت إلى ارام لمحاربة الملك الآشوري تغلت فلاسر الثالث في 732 قبل الميلاد.
وفقا للسجلات الآشورية، هاجم تغلث فلاسر العديد من المناطق القبلية العربية و هزم شمسي وأخذ الآشوريين العديد من أسرى الحرب، 30,000 إبل، وأكثر من 20,000 ثور كغنيمة. يسجل نقش أن 9,400 من جنودها قتلوا، بالإضافة إلى 5,000 كيس من أنواع مختلفة من التوابل، و هربت شمسي إلى الصحراء، و أضرم تغلث فلاسر النار في الخيام المتبقية في موقع المعركة، بعد هزيمتها، فرت شمسي -كما قيل من قبل المؤرخين الآشوري- من أرض المعركة مثل "الحمار الوحشي"، إلا انها لم تبقى طليقة لفترة طويلة لأنها سرعان ما اعتقلت و جلبت كأسيرة إلى تغلث فلاسر، و أعاد لها مملكتها. تضمنت شروط الاستسلام دفع الجزية من قبل شمسي.، و قد اختارها الآشوريين لأنهم بحاجة إلى حاكم عربي مرن من أجل الحفاظ على طريق التجارة المربحة بين الشمال و الجنوب من الأراضي الآشورية في جميع أنحاء المملكة. و طلب من سبعة الممالك الأخرى المشاركة في التجارة العربية أيضا بعد دفع الجزية و توفير الأمن لتجارة البخور؛ كانت الجزية التي يجب أن يدفعها العرب الذهب و الفضة ، الإبل الذكور و الإناث ، و جميع أنواع التوابل.

[6] مثل الترجمة المشتركة و ترجمة كتاب الحياة.

[7] قامت نسخة RSV بترجمة الجملة كالتالي" دعنا نحلتها لأنفسنا "، الا ان تلك الترجمة تعطينا انطباع خاطئ بأن التحالف العسكري بين آرام و اسرائيل كان يقوم بعمل عسكري واسع النطاق ضد كل يهوذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج