الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان هيدجر ملحدا بالفعل ؟ ....إجابة مختصرة

محمد المختار أحمد فال

2020 / 12 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل كان هيدجر ملحدا بالفعل ؟ ...إجابة مختصرة

محمد المختار أحمد فال / باحث في الفلسفة


يستغرب المرء عندما يحكم بعض الأكادميين وبعضهم يدعي التفلسف وينسب لنفسه أحيانا صفة الفيلسوف دون أن يجد في ذلك غضاضة على هيدجر بكونه أكثر الفلاسفة إلحادا والغريب أن هذا يتم بالعودة لمراجع ثانوية على غرار محاضرة سارتر الوجودية مذهب إنساني وبعض المجتزآت الأخرى والتي لا تغني في جوهرها شيئا أمام الأسس النظرية الفلسفية الراسخة في حدود تقمص موفق حاسم من المسألة الدينية والتي حاول هيدجر أخذ مسافة تجاوزية منها ضمن مسارات التقويض التي انتهجها لكافة الطرح الأنطوتيولوجي والذي يختزل تقريبا جوهر طرح الميتافيزيقا المتعلق بالكينونة sein والإله Gott ولعل" إثارة السؤال المتعلق بالبعد الديني في فكر هيدجر تعني طرح تحد ، أو على الأقل الشروع في مهمة متناقضة ظاهريا وبهذا الصدد على المرء أن يفكر بجان بول سارتر ، أحد المعجبين بهيدجر من منظور نیتشوي ، و الذي قدم هيدجر بوصفه واحدا من ممثلي الفكر الإلحادي في عصرنا . وعلى الرغم من ذلك فأنا أود أن أبين أن فهم هيدجر بوصفه مفكرا ملحدا إنما هو فهم يستند فقط إلى فهم سطحي لفلسفته "(1)
ليس فقط هذا بل إننا لنجد في تحليل هانس كوكلر الطريف للمسألة الدينية عند هيدجر في كتابه: (الشك ونقدالمجتمع في فكر هيدجر ) بعدا آخر يستحيل معه حسب كولكر أن يكون هيدجر نفسه ملحدا حتى ولو أراد ذلك ، ذلك أن الحدود النظرية التي اكتنفت الطرح الهيدجري هي حدود تتجاوز في جوهرها البرديغم الديني والانضواء في ثنائية الإيمان والإلحاد التي هي جوهرها تشكل أساس النظرة الأنطوتيولوجية onto-théologie سواء في تحديد الكينونة أو في تناول الإله على هجتي الحضور والوجود الأكثر سموا، و التي أراد هيدجر تقويضها من أجل تخليص الكينونة والألوهية من كل تصور حاسب في كل مرة .
هذا كله مع الإبقاء على التمايز الحاد بين الكينونة وألوهية الإله Göttheit إبقاء يسمح بإسناد الكينونة لمهمة الإظهار وترك هذه الإلوهية لمهمة الإضمار المتعلقة باستبطان للكينونة كسر يختئ على الدوام ، ومن هنا قد نفهم العبارة التي وردت في مقابلة 1966م مع جريدة دير شبيغل "وحده إله جديد بمقدوره أن ينقذنا"
نفهمها على أنها فسح للأفق فسحا تاما في حيز الانتظار "warten" إذ "يبدو أننا جئنا متقدمين جدا عند الآلهة ومتأخرين عند الكينونة " .
والحال أن علاقة هيدجر بنيتشه والتي يزعم سارتر أنها علاقة إعجاب بجانبه الإلحادي هي في الحقيقة وبحسب أكثر تلامذة هيدجر قربا منه
-أقصد غادمير- علاقة لا تتعلق سوى بالجانب العدمي المبني على تصور إرادة القوة المبثوثة في كل فج عميق ، والتي تتيح عمليا القول بالعقل الحاسب ذلك أن العقل الحاسب في جوهره ليس سوى خسف للقيم العليا وتحديد إرادة جديدة لإعادة بناء هذه القيم بناء مستقلا ذاتيا تشع فيه إرادة القوة وتحكمه العدمية
فمن "الخطأ في الحقيقة أن نعتقد أن نيتشه كان مهما بالنسبة له من جهة مضامين فكره الإلحادي فلقد تجاوز هيدجر دغمائية فكر نيتشه الإلحادي ، فهو في الحقيقة كان منجذبا إلى الجرءة المفرطة التي وضع فيها نيتشه أسس الميتافيزيقا موضع تساؤل والتي من خلالها تعرف على "إرادة القوة" في كل مكان كما لن تجذبه محاولة نيتشه إعادة تقييم جميع القيم ، فلقد بدا هذا له الجانب السطحي من فكر نيتشه ، بل ما جذبه هو أن الكائنات الإنسانية بعامة قد فكر فيها نيتشه بأنها تستطيع أن تقرر القيمة وتقييمها وكان هذا مولد التعبير الهيدجري المعروف أعني تعبير التفكير الحسابي الذي يحسب قيمة كل شيء ، والذي أصبح قدر الثقافة الإنسانية في شكل تيكنولوجيا ومؤسسات تكنولوجية تدير الوجود في العالم وما وصفه نيتشه بظهور العدمية الأوروبية فقد فهمه هايدغر ليس كعملية لإعادة تقييم القيم بل فهمه على العكس على أنه التأسيس النهائي للتفكير في القيم وهو ما دعاه بنسيان الوجود ".(2)
وإذا ما تجاوزنا الفهم السارتري الذي انتصب في ضربين، ضرب يتعلق بتعضيد الوجودية الإلحادية كما دافع هو نفسه عنها بإقحام هيدجر لتقوية كفته في مواجهة الوجودية المؤمنة وخاصة الفرنسية منها و التي يمثلها غابريل مارسيال يمكن اعتبار( محاضرة الوجودية مذهب إنساني خير تحديد لهذا الضرب)
أما الضرب الثاني فهو الفهم الخاطئ بصفة عامة والذي وصفه هيبوليت باعتباره الفهم العبقري الذي ولدت من رحمه الوجودية :"سارتر قرأ هيدجر وارتكب سوء فهم عبقري خرجت من رحمه الوجودية".(3)
فإننا بهذا التجاوز يمكن أن نعتبر ومن دون مماحكة تذكر إلا ما كان من قبيل الطرح المتسرع لبعض دعاة التفلسف العلاقة الحميمية التي جمعت هيدجر بأصوله الدينية والتي بدونها لم يكن بإمكانه أن يكون أي أن يتلمس الكينونة تلمسا أوليا في المرحلة الأولى عن طريق تحليلية الدازاين أو حتى ما بعد المنعطف kehre ,le tournant بالإبقاء على أمل الانتظار أو فيما سماه مشير باسيل عون الانتقال من الإنسان السيد إلى الإنسان الراعي .(4)
ذلك أننا ألفينا أنفسنا بحاجة ماسة -وضمن تعيينات كينونتنا في العالم -إلى ضرورة تفعيل الحس الرعوي تفعيلا حاسما من أجل المحافظة على نتوءات الأصيل خاصة فيما يتعلق باللغة أو لنقل ما يتعلق منها بما هو تحت طور التلاشي قد نفهم نص اعتذارية هيدجر لرفض كرسي جامعة برلين في هذا الصدد رغم أنه نص مبكر نسبيا لكنه ينتمي لهذه الرعاية للوجود من خلال اللغة التي تتحدث بها الأشياء حديثا يحتاج ضربا أصيلا من الإنصات الوحدوي
"المدينيّون(سكّان المدن) يندهشون أحيانا لعزلتي الطويلة الرتيبة في الجبال، بين المزارعين. إلاّ أنّ ما أعيشه ليس العزلة، وإنما الوحدة. في المدن الكبيرة، بإمكان الإنسان أن يكون منعزلا أكثر ممّا في أيّ مكان آخر، وبسهولة متناهية. غير أنه لا يستطيع أن يكون وحيدا البتة. ذلك أن الوحدة لها نفوذ متميّز تماما في ألاّ "تعزلنا". بل بالعكس، هي تلقي بحياتنا بجوار كلّ الأشياء. هناك،أي في المدن، بإمكاننا أن نحصل على الشهرة السريعة من خلال الصحف والمجلات. وهذا هو الطريق المؤكد للسقوط السريع في هاوية النسيان خلافا لهذا، نحن نجد ذاكرة الفلاحين تتمتع بوفاء بسيط ودونما ضعف".(5)
إننا نعبر نحن كينونات عالم اليوم عبورا كبيرا نحو مجاوزة الإنسان برمته وليس فقط موته ، فالإنسانية نفسها لم تعد أفقا صالحا للإقامة الا في حدود رعي مستمر لا يجد هو نفسه أي آذان صاغية، بفعل خلق إمكانات لا تتحس طريق الكينونة إلا مواصلة لمسار نسيانها .
والحقيق بالذكر هنا هو أن نسيان الكينونة ليس سوى الميزة التي انبت عليها نقدية مدرسة فرانكفورت سواء فيما يتعلق بإعادة تملك مفاهيم هيدجيرية صلبة على غرار الوجود الزائف المتعلق باللغو le bavardage اليومي الذي استثمرته هذه المدرسة استثمارا جيدا من خلال التركيز على خاصية التشيؤ (*) كميزة عامة لعصر التقنية أو فيما يتعلق عموما بنقد الحداثة التي هي بالنسبة لهيدجر ليست سوى الاستكمال الحثيث للطرح الميتافيزيقي المحكم والذي رغم انهزازه أمام نتائجه المتعلقة بالعلم الا أنه يبقى أكثر جدية من كل خلاصة له قد تروم الدقة والصلابة على حساب الجدية ولعله يمكن أن يكون هذا مدار فهم جملة هيدجر الذائعة :"لا تبلغ صرامة أي علم جدية الميتافيزيقا" فهما يتقوم ضمن تحليل عام لما هو فلسفي رصين ملدن هيدجر .






(1)-(غادمير طرق هيدجر les chemins de heidegger الترجمة العربية ص343
والترجمة الفرنسية p164 رغم ما في الترجمتين من فروق غير جوهرية )
(2)-(غادمير نفسه ص 363-364)
3-(Voir:Simont juliette le néant et l être sartere et heidegger deux stratégies ,p159)
4-(يمكن الرجوع لمجلة الاستغراب العدد الخامس ص 52 وما بعدها )
5-(انظر ترجمة حسونة مصباحي لبعض نصوص هايدغر ورسائله تحت عنوان:قريبا من هايدغر ، دار توبقال للنشر ، الدار البضاء المغرب ، الطبعه الأولى 2018 ، ص 13)
(*)بخصوص وشائج مفاهيم هيدجر وبعض مفاهيم مدرسة فرانكفورت على غرار التشيؤ يمكن العودة إلى الفصل الثاني من كتاب أكسيل هونيث حول "التشيؤ" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل صغيرة منسية.. تكشف حل لغز اختفاء وقتل كاساندرا????


.. أمن الملاحة.. جولات التصعيد الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسر




.. الحوثيون يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل ويوسعون ن


.. وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع: الاتفاق بين حماس وإس




.. شاهد| كيف منع متظاهرون الشرطة من إنزال علم فلسطين في أمريكا