الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة لعبة وهذه هي قوانينها | 6

إسلام بحيري

2021 / 1 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"لفترة طويلة كنت أتوقع ما أعرفه من نفسي وأريد أن أظهر. فترة طويلة أطول مما يمكن أن نتذكره أنت وأنا، أطول من عمر هذا الكون مرات. والآن أنت ترى إذن كم هي فتية وجديدة تجربة ظهوري لنفسي!"

لقد فقدتني مرة أخرى. تجربة ظهورك لنفسك؟
= نعم. دعني أشرح لك الأمر بهذه الطريقة:
في البداية، كل ماهو موجود كان هناك، ولم يكن معه شيء آخر (1)
هذا هو الشيء العظيم الذي أشار إليه المتصوفون منذ بداية الزمان.
الآن الكل المعروف كان موجودًا، لكن لم يكن هذا كافيًا، لأنه كان بإمكانه فقط معرفة روعته المطلقة من الناحية المفاهيمية، وليس من خلال التجربة. ومع ذلك، فإن التجربة التي بها يرى نفسه هي التي يتوق إليها، لأنه أراد أن يعرف كيف يشعر أنه رائع للغاية. ومع ذلك، كان هذا مستحيلًا، لأنه لا يمكن أن يعرف ما هو شعور رائع ما لم يظهر.
هل تفهم هذا؟

اعتقد ذلك، استمر.
= حسنًا، الشيء الوحيد الذي يعرفه الكل أنه لم يكن هناك شيء آخر. وهو لا يمكنه أن يعرف نفسه أبدًا من نقطة مرجعية خارج نفسه. مثل هذه النقطة لم تكن موجودة. توجد نقطة مرجعية واحدة فقط، وهو المكان الوحيد داخله. "الموجود/غير الموجود" أنا/ليس أنا.
ومع ذلك، اختار (الكل شيء) أن يرى نفسه بشكل تجريبي عملي.
هذه الطاقة النقية، غير المرئية، غير المسموعة، غير المرصودة، وبالتالي غير المعروفة من قبل أي شخص آخر - اختارت أن ترى روعتها مطلقة. من أجل القيام بذلك، أدركت أنه سيتعين عليها استخدام نقطة مرجعية في الداخل.
لقد استنتجت، بشكل صحيح تمامًا، أن أي جزء من نفسه يجب أن يكون بالضرورة أقل من الكل، وأنه إذا قسم نفسه إلى أجزاء، يمكن لكل جزء - أقل من الكل - أن ينظر إلى الباقي ويرى روعته!
وهكذا فإن كل ما ينقسم على نفسه - يصبح، في لحظة واحدة مجيدة: هذا وذاك. لأول مرة، كان هذا وذاك منفصلين تمامًا عن بعضهما البعض. ولا يزال كلاهما موجودًا في وقت واحد. بينما النفس الكلية التي هي الكل، كانت: لا هذا ولا ذاك.
وهكذا ظهرت فجأة ثلاثة عناصر: ما هو موجود هنا، ما هو موجود هناك، وما هو ليس هنا ولا هناك، ولكن يجب أن يوجد هنا وهناك ليكون موجودًا.
إنه اللاشيء الذي يظهر في كل شيء. إنه اللامكان الذي يشغل المكان. إنه الكل الذي يستغرق الأجزاء (2).
هل يمكنك فهم هذا؟
هل تتابع هذا؟

أعتقد أنني كذلك.. في الواقع - صدق أو لا تصدق – لكنك استخدمت قدراً من التصوير والتوضيح بالقدر الذي أعتقد أنه جعلني أفهم بالفعل.
= سأذهب أبعد من ذلك. الآن هذا اللا شيء الذي يشغل كل شيء هو ما يسميه البعض بـ الله. ومع ذلك، فإن هذا ليس دقيقًا أيضًا، لأنه يشير إلى أن هناك شيئًا ليس هو الله، أو أن كل شيء ليس هو "اللاشيء". لكن أنا كل الأشياء - المرئية وغير المرئية - لذا فإن هذا الوصف لي على أنه الغيب العظيم اللامرئي، اللاشيء، أو الفراغ فحسب - وهو تعريف صوفي شرقي لله - ليس أكثر دقة من الوصف العملي الغربي لله: أنه كل شئ مرئي. أولئك الذين يؤمنون بأن الله هو كل ما هو موجود وكل ما هو ليس كذلك، هؤلاء الذين أصابوا الفهم (3).
وهكذا وبخلق ما هو "هنا" وما هو "هناك"، أمكن لله أن يظهر ويعرف نفسه. في لحظة هذا الانفجار العظيم من الداخل، خلق الله النسبية.. أعظم هدية قدمها الله لنفسه على الإطلاق. وبالتالي، فإن العلاقة هي أعظم هدية يمنحك الله إياها على الإطلاق، وهي نقطة يجب مناقشتها بالتفصيل لاحقًا.
من اللا شيء ظهر كل شيء.. حدث روحاني متناغم تمامًا، عرَضاً، أو ما يسميه علماؤكم نظرية الانفجار العظيم. وبينما كانت كل العناصر تتسابق، تم خلق الزمن، لأن الشيء الذي كان أولاً هنا (4)
صار بعد ذلك هناك - والفترة التي يستغرقها الانتقال من هنا إلى هناك كانت قابلة للقياس.
وتمامًا كما بدأت الأجزاء المرئية في التعرف على نفسها "بالنسبة" لبعضها البعض، كذلك فعلت الأجزاء غير المرئية، وكان الله يعلم أنه لكي توجد المحبة - وتعرف نفسها على أنها محبة نقية - يجب أن يوجد نقيضها تمامًا.
لذلك خلق الله طواعية القطبية العظمى - النقيض المطلق للحب - كل ما ليس هو حب، وهو ما يسمى الآن الخوف. (5) في اللحظة التي وُجد فيها الخوف، أمكن للحب أن يُعرف ويظهر.
إن خلق الازدواجية بين الحب ونقيضه هو ما يشير إليه البشر في أساطيرهم المختلفة على أنها ولادة الشر، وسقوط آدم، وتمرد الشيطان، وما إلى ذلك.
ومثلما اخترتَ تشخيص الحب النقي على أنه الشخصية التي تسميها الله، كذلك اخترت تشخيص الخوف باعتباره الشخصية التي تسميها الشيطان.
أنشأ البعض على الأرض أساطير مفصلة إلى حد ما حول هذا الحدث الروحاني، مكتملة بسيناريوهات المعارك والحرب، والجنود الملائكة والمحاربين الشيطانيين، وقوى الخير والشر، وقوى النور والظلام.
كانت هذه الأساطير محاولة بشرية مبكرة لفهم وإخبار الآخرين بطريقة يمكنهم فهمها، وهو حدث كوني تدركه الروح البشرية بعمق، ولكن بالكاد يستطيع العقل تصوره.
باستدعاء الكون لنسخة مقسّمة منه، أنتج الله من الطاقة النقية كل ما هو موجود الآن. سواء كان مرئي أو غير مرئي. بعبارة أخرى، لم يتم إنشاء الكون المادي على هذا النحو فحسب، بل أيضًا الكون الميتافيزيقي الغيبي. جزء الله الذي يشكل الطرف الآخر من معادلة أنا/ليس أنا انفجر أيضًا في عدد لا نهائي من الوحدات أصغر من الكل. وحدات الطاقة هذه يمكن أن تسميها أرواح. في بعض أساطيرك الدينية، يُذكر أن الله كان له العديد من الأبناء الروحانيين. يبدو أن هذا الموازي للتجارب البشرية في الحياة، أن التكاثر هو الطريقة الوحيدة التي يمكن بها للجماهير أن تحمل في الواقع فكرة الظهور المفاجئ لأرواح لا حصر لها في "مملكة السماء".
في هذه الحالة، حكاياتك وقصصك الأسطورية ليست بعيدة كل البعد عن الواقع المطلق - لأن الأرواح اللامتناهية التي تشكلني في المجمل، وبالمعنى الكوني: ذريتي.
كان هدفي الإلهي في تقسيمي هو إنشاء أجزاء كافية مني حتى أتمكن من معرفة الشعور بنفسي بشكل تجريبي. هناك طريقة واحدة فقط للخالق ليعرف نفسه تجريبياً باعتباره الخالق، وهي الخلق. ولذا فقد منحت كل جزء من أجزائي التي لا تعد ولا تحصى (لجميع أبنائي الروحيين) نفس القدرة على الخلق - التي أمتلكها – ككل.
هذا ما تعنيه دياناتكم عندما يقولون أنك خُلقت على "صورة الله ومثاله". هذا لا يعني، كما اقترح البعض، أن أجسادنا متشابهة (على الرغم من أن الله يمكنه أن يتبنى أي شكل مادي يختاره الله لغرض معين). هذا يعني أن جوهرنا هو نفسه. نحن مؤلفون من نفس الاشياء نحن "نفس الصفات"! نفس الخصائص والقدرات - بما في ذلك القدرة على خلق واقع مادي من فراغ.
هدفي من خلقكم - ذريتي الروحية - كان أن أعي نفسي من خلالكم كإله. لم لدي طريقة أخرى للوصول لذلك إلا من خلالكم. وهكذا يمكن أن يقال (وقد قيل مراراً) أن هدفي بالنسبة لك هو أن تعرف نفسك أنك أنا (6).

وللحديث بقية..
نقلاً عن كتاب Conversations with God
للمعلم الروحي الأمريكي نيل دونالد والش

_______________________________
(1) قال رسول الله ص: (كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان) رواه ابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة.
لكن الكل لا يمكن أن يعرف نفسه – لأنه لم يكن هناك شيء آخر – كالمرايا - يرى نفسه من خلاله.
(2) الله هو خالق عالم الغيب الذي يتضمن الأرواح والجنة والنار والملائكة والشياطين الخ، وهو سبحانه غيب عن هذا العالم الغيبي، فلا يراه الملائكة على سبيل المثال، ولذلك يسميه الصوفية "غيب الغيب" فالغيب غيبان:
غيب نسبي – وهو عالم الملكوت
وغيب مطلق – وهو الله –
والعالم الأخير هو عالم الشهادة الذي نعرفه الآن.
ولذلك كان من أسماء الله الحسنى: الواجد، وليس من أسمائه الموجود كما يطلق عليه عامة الناس في كلامهم، فالموجود هو مظاهره – أي ظهوره لنفسه – وأما الواجد فلا يشمله معنى الوجود لأنه نزول عن رتبته جل شأنه.
إذن ما هو موجود هنا: في عالم الملك
ما هو موجود هناك: عالم الملكوت
وما هو ليس هنا ولا هناك : غيب الغيب، الواجد وليس الموجود، فافهم هذا.
أعتقد أنك الآن سيدي القارئ الكريم قد فهمت معنى العناصر الثلاثة المذكورة أعلاه.
(3) من أسماء الله الحسنى في الإسلام (الظاهر الباطن) أي الموجود غير الموجود، وأسماء الله الحسنى كنز عظيم مجهول القدر، سواء في معرفة الله أو في النمو الروحي وتحقيق أكبر استفادة من تجربة الحياة، ولذلك أوصانا فقال: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) أي أن نعبده بها بأن نطلبه من خلالها أن نتخلق بها.
(4) هنا: أي في عالم الغيب، والحديث عن الأسماء والصفات
(5) كيف نتعامل مع الخوف وكيف نتحرر منه ؟ الخوف هو نتيجة الرغبات ومن ثم فتج باب توقع الحرمان.. تجرر من رغباتك يذبل خوفك
https://www.youtube.com/watch?v=UJibM8TLROk&ab_channel=%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%AD%D8%A7%D9%86%D9%8A
(6) كان الحسين بن منصور الحلاج يتحدث عما يتحدث عنه اليوم نيل دونالد والش في المجتمع الأمريكي، ولكن قبل ألف سنة حيث لم يكن الناس مؤهلون لفهم هذا بشكل جيد، يقول الحلاج ضمن قصائده العذبة : رأيت ربي بعين قلبي فقلت من أنت ؟ قال أنت!
https://www.youtube.com/watch?v=I1w2zQrxfA0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س