الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في كتاب -ترتيبات الوضع القائم في كنيسة القيامة-، لمؤلفه سايمون أزازيان ومراجِعِهِ د. يوسف النتشة: القدس مدينة لم تنَمْ.. وبعض الدول الحاكمة عبثت في مقدساتها

عزيز العصا

2021 / 1 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في كتاب "ترتيبات الوضع القائم في كنيسة القيامة"، لمؤلفه سايمون أزازيان ومراجِعِهِ د. يوسف النتشة:
القدس مدينة لم تنَمْ.. وبعض الدول الحاكمة عبثت في مقدساتها
معهد القدس للدراسات والأبحاث/ جامعة القدس
[email protected]
http://alassaaziz.blogspot.com/
صدر للباحث المَقْدِسِيِّ "أ. سايمون كيفورك أزازيان" كتابٌ بعنوان "ترتيبات الوضع القائم في كنيسة القيامة: النزاع القبطي الإثيوبي على دير السلطان أنوذجًا"، عن مؤسسة أمرزيان للطباعة في القدس، عام (2020م)، ويقع في (235) صفحةً من القِطَعِ المتوسط، يتوزَّع عليها أربعة فصول، أُتبعت بملاحق مهمّة وداعمة للمحتوى العلمي للكتاب، تشكل (46%) من حجم الكتاب.
لقد جاء الكتاب نَتاجَ برنامجِ "دراسات مقدسية" للدراسات العليا، يقوم عليه "مركز دراسات القدس" الذي أنشأته جامعة القدس منذ عام 1998. وأما الفكرة-البذرة فقد جاءت من خلال حُلم كان يراود د. يوسف النتشة؛ خبير الآثار المقدسي والمدرّس في البرنامج المذكور، للبحث في موضوع "الوضع القائم" الخاص بكنيسة القيامة، والذي يشغل باله كباحث حريص على المدينة وحمايتها من الرياح الحارقة التي تشوي الوجوه وتستهدف عروبتها؛ بإسلاميتها ومسيحيتها.
يبدأ الكتابُ بغلافٍ لا يمكنك المرور عنه قبل أن تتفحَّص تفاصيله المعمارية المدهشة؛ لما يحمله من هوية معمارية متعددة الأنماط والعصور، وفنّ رصين لا يخلو من التعقيد والجهد الكبير المبذول في إتقانه.
أحاط "أزازيان" بتاريخ "كنيسة القيامة" التي يُطلق عليها باللغات الأخرى: "كنيسة الراحة الأبدية" أو "كنيسة القبر المقدس". كما يتسلسل في رحلة بنائها، في مكانها الحالي –الجلجلة أو الجلجثة- منذ عام (326م). ثم يستعرض ما تعرضت له كنيسة من تدمير عام (614م) على يد الفرس، بالتعاون مع اليهود، ثم إعادة إعمارها بمرسوم من الكسرى الفارسي عام (622م).

ثم جاء الإسلام، على يد الخليفة عمر بن الخطاب (عام 638م) برسالة سمحة بحق المسيحيين وكنائسهم، وعندما احتل الصليبيون القدس، حاولوا جعل القدس محطة مركزية للمسيحية وقاموا بتنصيب أرنولف أول بطريريرك غير أرثوذكسي لمدينة القدس، وأضافوا الجرس لبنائها. وفي عام (1187م) حرّر صلاح الدين الأيوبي القدس، فلم يصغ للأصوات التي نادت بهدم "كنيسة القيامة"، وإنما فتحها أمام آلاف الحجاج المسيحيين، وأعاد السيطرة عليها للأرثوذكس اليونان، وأعاد المفتاح لعائلة جودة المسلمة، وهنا تجلت الأسس الأولى لاتفاقية "الوضع القائم".
وشهدت فترة حكم المماليك توترًا آخر بين الطوائف الشرقية والغربية؛ نتيجة إسناد البابا عام (1342م) رعاية الأرض المقدسة للرهبان الفرنسيسكان. وإبان الحكم العثماني تعرضت كنيسة القيامة عام (1545م) لزلزال أصاب برج الجرس بضرر، تم ترميمه عام 1555م. وخلال الفترة وبين الأعوام 1630-1637 للميلاد انتقلت السيطرة على عدة أجزاء من كنيسة القيامة من طائفة إلى أخرى أكثر من ست مرت؛ وكان ذلك مرتبطًا بالسلطة والمال.
وبشأن التركيبة الطائفية المتعلقة بكنيسة القيامة، يرى المؤلف "أزازيان" بأن "الأهمية الروحية لكنيسة القيامة تحولت إلى صراع على السلطة والسيطرة، بين ست طوائف، هي: الروم الأرثوذكس، واللاتين، والأرمن، والأقباط، والإثيوبيين، والسريان. وفي موضع آخر يضيف طائفة سابعة، هي: "عائلات بروتستانتية". فلكل طائفة من هذه الطوائف سيطرة تامة على قسم من أقسام الكنيسة، بموجب مرسوم تركي أصدره السلطان العثماني عبد المجيد عام 1852، يحدد الأقسام التي تنتمي الى كل من الطوائف المسيحية الست المذكورة، وما يزال ساري المفعول حتى اليوم.
يتتبع "أزازيان" الصراعات الطائفية المسيحية على كنيسة القيامة، مشيرًا إلى أن أول صراع طائفي كبير على كنيسة القيامة حدث في الفترة الصليبية، ثم شكلت الصراعات المرتبطة بإدارة الأماكن المقدسة داخل كنيسة القيامة تحديًا حقيقيا للقوى الحاكمة أو قوى الاحتلال. ولا تقع أي بقعة أو زاوية في الكنيسة خارج ترتيبات "الوضع القائم". وعندما تنشأ الخلافات، يلجأ الأطراف إلى الحكومة للحصول على حلول؛ لكن لا يعني ذلك أن الحكومة تكون قادرة على تقديم الحلول العملية في جميع الأوقات. ويشبّه "أزازيان" "الوضع القائم" بشبكة سلسة: فإذا أعطيت حرية الانتقاء ولاختيار تنهار الشبكة؛ غير أن التغيير غير مستبعد تمامًا، لكن بشرط موافقة جميع الأطراف. ويناقش "أزازيان" مثالين على الوضع القائم، هما:
أولًا: السلم الخشبي ذو الخمس درجات: يقع على حافة النافذة اليمنى فوق المدخل الرئيسي لكنيسة القيامة، يعود أقدم وضع له إلى عام (1834م)، يتم تجديده كل خمسين سنة، وعندما تتردى حالته.
ثانيًا: دير السلطان والنزاع القبطي الإثيوبي: يقع دير السلطان الذي يتجاوز عمره ألف عام على سطح كنيسة القديسة هيلانة فوق سطح كنيسة القيامة0
ويعدّ دير السلطان موضع خلاف كبير بين الكنيستين القبطية والإثيوبية. فقد بقي الدير في يد الأقباط، رغم الصراعات المريرة لحد الاشتباكات بين الطرفين. وفي عام 1905م، إبّان الحكم العثماني، حكم بطريرك الروم الأرثوذكس لصالح الإثيوبيين، ثم انضم إليه جميع رؤساء الكنائس في القدس. وعندما تم الاحتلال البريطاني للقدس، لم تسمح السلطات البريطانية لأي من الطرفين بإجراء الترميمات في الدير وتجهيزه بشبكة مياه، وفي عام 1945م أعاد الإثيوبيون زخرفة القدسية هيلانة، فوبَّختهم مفوضية منطقة القدس البريطانية. وعندما أقام الإثيوبيون بفتح بعض أبواب الدير عام 1952م وبّختهم الحكومة الأردنية. ومنذ عام 1967م، تلاعب الاحتلال الاسرائيلي في "الوضع القائم"، وقد قام "أزازيان" بتتبع تصرفات دولة الاحتلال وعلاقتها بكل من إثيوبيا ومصر، وذلك في محاولة جادّة منه لفضح ممارسات الاحتلال ووقوفه "بقوة" خلف الإثيوبيين.
لنا كلمة،
مع صغر حجم الكتاب، الا انه يحمل معطيات واشارات وتلميحات عديدة تلقي بمسؤولية جسيمة على كل مهتم حينما يتابع تفاصيل النصّ، وما يكمن خلف كل جزئية فيه من سرّ بنكهة سياسيّة –تتناقض مع الحقيقة- أو طائفية –ببعد أنانيّ ذاتيّ- أو خطة تهدف إلى تعميق الفتنة بين أبناء الديانة الواحدة، وحتى بين أبناء العقيدة الارثوذكسية الواحدة كحالة الاقباط والاثيوبيين الذين هم أقرب إلى غصنيْن في نفس الشجرة؛ لهما نفس الجذور العقائدية التي تتميز عن مواقف وعقائد الكاثوليك او البروتستانت.
ونشارك ملاحظة المراجع والمقدم في أن المؤلّف كان مضطرًّا إلى النقل عن مصادره ذات الاجندات المختلفة والمتضاربة، الأمر الذي يجعلني أوصي الباحثين والمهتمين بشأن كنيسة القيامة، بضرورة إعادة كتابة تاريخ كنيسة القيامة برواية وطنيّة دقيقة وواضحة، ومنصفة لجميع الأطراف ذات الصلة.
وأما الاحتلال الاسرائيلي فإنه لم يتورّع في اللعب غير النظيف على حبال العواطف الدينية والصراعات الطائفيّة. إذ وضع نصب عينيه ركوب موجة الصراع الاثيوبي القبطي، للوصول إلى أعماق إثيوبيا، وتوظيفها جيو-استراتيجيًّا، وديمغرافيًّا، وسياسيًّا في خدمة اغراضها التوسعية والأمنية والاقتصادية، مقابل دعم الاثيوبيين للاستقواء على مصر-عبد الناصر من جهة وعلى على الاقباط بالشرطة الإسرائيلية من جهة أخرى، ضاربين بعرض الحائط حساسية الامر وعدم الاعتبار من القوى السياسة التي سبقتهم علاوة على التجاوز على رأي القضاء الإسرائيلي الذي حكم لصالح الاقباط.
أخيرًا، بقي القول بأن هذه الدراسة تعلق الجرس لسلسلة من الدراسات والبحوث المعمّقة حول "الوضع القائم" ودور الحكّام الذين مرّوا على القدس عبر الالفي عام، على أن يُسبر غور كل فترة حكم على حدة، وتتبع "الوضع القائم" من حيث ثباته أو تغيره من فترة إلى أخرى. وعليه، فإن هذه الدراسة تشكل ركيزة علمية واكاديمية وبحثية مهمة، وجدتُ فيها محتوى غير مسبوق حول كنيسة القيامة وتاريخها، منذ تأسيسها حتى تاريخه.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 24/12/2020م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي