الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الأسطورة والمعجزة!

مهند أحمد

2021 / 1 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بُنيت الذهنية الدينيّة تاريخياً على أسس مثيولوجيا، عربيا تعرف "بعلم الأساطير"؛ وهو كمصطلح يعني امكانات خارقة، لا يملكها أيّ كائن طبيعي، فهي قوّة تفوق كل ما يمكننا رؤيته او تخيّله، مع أن بعض الشخصيات المعروفة بقصصها الأسطورية؛ هم بشر بالأخير، ألا أن ما يميزهم في هذه الحالة حسب التفاسير التي بيّنت قدراتهم، أن بعضهم أمتاز بمكانة دينيّة كالنبوة، أو قدرات إلهية كإبن الإله، أو إله متجسد بصورة إنسان.

من التراث الدينيّ، نتعرف على العديد من البشر والحيوانات ذوي القوّة الخارقة، وكانت تمثّل رموز مقدسة في الأديان القديمة، وحتى الأديان الإبراهيمية، تنافست مع هذه الشعوب، التي كانت لديها هذه الهالة والقدسيّة للشخصيات الأسطوريّة، وكانت واحدة من المحاولات العديدة لترسيخ العقيدة الدينيّة الجديدة، لدى شعوب كانت تتعبد مثل هذه الشخصيات، وتمثل في ثقافتهم القديمة آلهة أو نصف إله عند البعض منهم، مثل الشعوب الفارسيّة، والمصريّة، وبلاد ما بين النهرين "أوروك".
أو حتى يمكن أن يكون نبياً كزرادشت عند الفرس، وموسى ومحمد وعيسى في الإبراهيميات.

وحتى هذه الأديان القديمة، بالرغم من تأثرها الشديد بالشخصيات الأسطورية، التي لا وجود مادي لها حتى الآن، ألا أنها كانت تخلُق قصص جديدة في كل حقبة زمنيّة، لتتعايش هذه الأسطورة حتى مع تغيُّر السلطة السياسيّة، أو إخضاعها من قِبل قوّة دوليّة، أو إقليميّة مجاورة، فكان لهذا الاخضاع أحياناً دوره في تغيير الثقافة بشكل شبه جذري، أو دمج معتقدات جديدة مع معتقداتهم القديمة، فمع مرور الزمن والتماذج الفكري وتراكم عدة ثقافات دينية؛ تتداخل جميعها لتنتج ربما دين جديد، أو طائفة جديدة، وتحت مسمى جديد، ولكن تبقى تحت تأثير موروثاتها القديمة، ولا تستطيع بأي شكل الإنفصال عنها، وتعتبر مثل هذه الشخصيات الأسطوريّة، امتداد لظهور وجوه جديدة، مع إضافة تعديلات شكلية كالزمكان.

فعلى سبيل المثال وليس الحصر؛ مسألة الإسراء والمعراج عند الإسلام والمسلمين، كما في الأثر الدينيّ الإسلامي، الذي دوّن بعد أكثر من قرنين من ظهور الدين؛ أن رسول الإسلام محمد امتطى دابة أسطورية تسمى البراق، نصفها حمار ونصفها الأخر بغل ولها جناحان، وسافر عليها خلال لحظات ليصل للقدس، بسرعة إذا قسناه من مكة إلى القدس، تعتبر أسرع من سرعة الضوء!، حسب الأحاديث المروية، والمتناقضة فيما بينها، ولا نعلم أي حديث نصدق وأي راوي نكذب!!. أما بالنسبة لذكرها في القرآن؛ المعراج لم يتم ذكره مطلقاً، وهو الكتاب الأولى بأن يبين لنا هذه الحادثة، أما ذكر الإسراء فقد جاء : (سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ)
[سورة الإسراء 1]

لنتسائل أولاً من هو العبد، ولماذا أسم محمد لم يُذكر في الآية، ولم يحدد أساساً ما هو المسجد الحرام وما هو المسجد الاقصا!!، بما أن هذه الآية نزلت في وقت مبكر من الدعوة الإسلامية، ولم تكن تُعرف مكة بالمسجد الحرام، ولا القدس بالمسجد الاقصا، الذي كان يعرف عند العرب بإسم ايلياء، وهذا واضح من حوار سيد العير (رأس التجارة) في قريش ابو سفيان مع هرقل.

وبالرغم من هذا كله، ألا أن الرواية الزرداشتية تشترك بشكل كبير مع القصة الإسلامية، فجاءت قصة معراج النبي زرداشت الى السماء في كتاب (آردا فيراف)، بمعنى رحلة إلى (الجنة والنار)، وهو من بين عديد الكتب للديانة الزرداشتية، حيث تذكر القصة أن زرداشت صعد إلى السماء والتقى بالله، ومرّ على الجنة والنار، وشاهد أهلها، كما مشى على الصراط، ووصل لمكان يقع بين الجنة والنار؛ فيقول زرادشت: (وصلت الى مكان وجدت فيها عديد من الناس هيئتهم متشابهة فسألت سروش (اسم ملاك)، من هؤلاء؟ ولماذا هم هنا؟ فقال لي: هذا المكان هو همستجان "المكان الأوسط"، حيث تبقى فيه أرواح من تساوى حسناتهم مع سيئاتهم).

وهذا المكان يعرف بالإسلام بإسم الأعراف، وهو مكان للذيّن تساوى حسناتهم مع سيئاتهم أيضاً.

ولكن حسب الموقع الموسوعة الإيرانية، أن هذا الكتاب أخذ تنقيحه النهائي، بين القرنين التاسع والعاشر الميلادي، وربما تكون بعض نصوصه قد تأثرت بحكم دخول الإسلام لإيران، حسب الموقع.

هذا التداخل للمعتقدات، بالرغم من إختلاف الأعراق والأثنيات، ألا أن الجغرافية مشتركة، وهذا عامل مهم في تبادل الأفكار وتداخل الأديان، بحكم الهجرات والحروب وأيضا دور التجار المهم منذ القِدم، وهو من الأسباب الرئيسية لتخليد الأساطير، وبقاءها رغم تغير شخصياتها عبر الزمن، والاختلاف البسيط في بعض رواياتها.

المصادر:

كتاب آردا فيراف من المكتبة البريطانية:

https://blogs.bl.uk/asian-and-african/2013/12/zoroastrian-visions-of-heaven-and-hell.html

الكتاب نفسه من الموسوعة الفارسية:

https://iranicaonline.org/articles/arda-wiraz-wiraz








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا