الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهافت المفكرين والخبراء الخلبيين

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 1 / 11
المجتمع المدني


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: ما هو سبب رفضك لتوصيفات «مفكر»، و «خبير» وما كان على شاكلتها؟

مصعب قاسم عزاوي: هناك نموذج خطير من «تمايز المعرفة المخاتل» المقترن بأطروحة أن «كل خبير في حقله عليم»، وهو ما أنتج في كثير من الأحيان استقالة لعقل الإنسان العادي في التفكر بكل ما هو «تخصصي لا بد من تركه للخبراء وأولي العلم» سواء كان ذلك في الاقتصاد أو المجتمع أو السياسة أو الثقافة. وهو نموذج مهول في نتائجه السلبية على صحة أي مجتمع. فالحقيقة أنه لا يوجد أي مستوى من المعارف الذي وصلت إليه البشرية متضمناً أعقد الكشوفات الطبية في علم المورثات والطب المورثي، وحتى الفيزياء النووية لا يمكن تبسيطها بشكل ممنهج ومنظم يُمَكِّنُ أي طفل في المرحلة الثانوية من استيعابها بشكل واف، والتحدث عنها لاحقاً لأقرانه، والحوار النقدي الفاعل بخصوصها إن استدعت الضرورة لذلك. ولكن مصالح «أولي العلم والأمر»، تقتضي توطيد ذلك «الوهم المعرفي» بأن هناك بشراً اعتياديين غير قادرين على فهم «العلائق المعقدة في الحقول التخصصية» ولذلك لا بد من الاستعانة بأولئك «الخبراء»، الذين يستمرئون بدورهم ذلك «المقام الرفيع»، إذ أنه «مفتاح ثمين» للحفاظ على «مورد رزقهم»، وهو ما يقتضي منهم لضمان عدم «تنطع أي عقل غير ذي خبرة» على ذلك «المورد الثمين» الاستمرار في تعقيد كل ما يمكن تبسيطه وتكثيفه بشكل ميسر لأي «إنسان عادي»، في تورية عامدة للحقيقة بأن القدرات العقلية بين البشر متقاربة جداً في قدرتها على الفهم و الاستبطان و إعادة الإنتاج حينما يتم تقديم المعارف لها بشكل مبسط وميسر ودون تعقيد متعمد.

وأعتقد بشكل جازم بأن هناك الكثير من المجتهدين الذين لم تتح لهم ظروفهم الحصول على تأهيل أكاديمي رفيع مشخص بشهادة «دكتوراه» أو غيرها، دون أن يقلل ذلك من الأهمية الاستثنائية لجهودهم المعرفية الحقة والضرورية لتأصيل «العقلانية» الضرورية في كل المجتمعات البشرية إذا كان لهذه البشرية أن تستمر في وجودها على كوكب الأرض.

ومن ناحية أخرى فهناك الكثير من «الخبراء الخلبيين» الذين هم في أحسن الأحوال من نموذج «مثقفي الأبراج العاجية» المتباهين بألقاب رنانة من هنا وهناك يتم استخدامها لإضفاء صفة من المصداقية على مقولهم النابع من كونهم «خبراء ومؤهلين بألقاب طنانة»، وهو ما يعزز عملية التشويش المتعمد الذي يقوم به الكثير من «الخبراء» للحفاظ على مورد رزقهم، و هو ما لا يساعد أبداً في تأصيل المصارف الأساسية الضرورية لمساهمة كل إنسان عادي وبسيط في دوره اللازم في المساهمة النقدية الفاعلة في محيطه الاجتماعي، وكل ما يتعلق بشروط الحفاظ على ذلك المجتمع وحيوات أبنائه ومستقبلهم؛ وهو ما يعني ببساطة إعادة الاعتبار لقيمة الإنسان «ككائن اجتماعي فاعل» وراغب باستخدام قدراته العقلية الفطرية بطاقاتها القصوى، لاكتشاف الحقائق بنفسه، والوصول إلى الاستنتاجات الضرورية للحفاظ على وجوده الاجتماعي ومستقبل من يهتم لأمرهم بنفسه أيضاً، دون أن يترك ذلك الخيار «الوجودي» لأولئك الخبراء ذوي الألقاب الرنانة الطنانة.

وفيما يتعلق بصفة «المفكر»، أظن أنها جزء من أدوات صناعة «الأبواق الإعلامية الوظيفية» التي تستخدمها آلات الدعاية السوداء بكثافة في العالم الغربي منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اللحظة الراهنة، وهي تهدف إلى إضفاء صفة من «القدسية» على النتاج الفكري لفرد ما بوصفه «مفكراً»، لتعزيز «انتشار وتأثير» ما قاله ويقوله، والذي غالباً ما يتصادف أنه يصب في مصلحة الفئات المهيمنة المسيطرة وأذرعها الإعلامية في لحظة ما. وهو ما يجعل ويقود ذلك «المفكر» لفهم شروط اللعبة واستمرائها، ومن ثم الإيغال في «تكرار وترديد» ما تريد الفئات المهيمنة منه قوله دون أن تفصح عن ذلك بصراحة. وهنا يولد «اللبيب المفكر الوظيفي» الذي فهم الإشارة واستمرأ «رنين ووهج» لقب «المفكر» الذي أُسبغ عليه، والذي لا بد له من «الاجتهاد الوظيفي» بعد ذلك للدفاع والحفاظ عليه، وإن اقتضى ذلك لاحقاً «لي عنق المعرفة والحقيقة»، إذ لا يعلو هدف فوق هدف «الاحتفاظ باللقب».

وبشكل أكثر تشخيصاً أعتقد أن مصطلح «مفكر» هو مصطلح «متهافت» من الناحية اللغوية كحد أدنى. فالحقيقة أن التفكر السببي، والقدرة على التحليل والاستنتاج والاستبصار هي صفة فطرية لدى جميع البشر، وهي الصفة الوحيدة التي ميزت البشر عن غيرهم من أقرانهم في مملكة الحيوانات. وبشكل واقعي وأخلاقي منصف أظن بأن جهد التفكير الذي يضني أماً تجاهد ليل نهار لإيجاد قوت أبنائها، وحمايتهم من الشرور التي تحيق بهم من كل حدب وصوب، أو جهد التفكير المبرح لأب وهو ينقب عن مصير ابنه المغيب في غياهب سراديب المستبدين، أكثر عمقاً وأكبر كماً وأغنى كيفاً من نتاج تفكر «عظام المفكرين الساحقين» على أقنية وشاشات كل وسائل الإعلام المتسيدة.

وحتى إن كان جهد ذلك «المفكر» أو ذاك عرمرماً، فإنه لا يستدعي «الاستمراء النرجسي لعظمة الذات» إذ أن ذلك «وعي متعام» عن الحقيقة الدامغة بأن التفكير والتثقف والتعلم من نتاج السابقين، والبداية من حيث انتهوا كانت السمة الأكثر أهمية في صناعة المعرفة البشرية التراكمية. إذ أنه لا يوجد «مفكر اختراقي ملهم» أنتج من «بنات وحفيدات أفكاره» معرفة جديدة لم يسبقه لها أحد، على الرغم من أن الظاهر للعيان قد يكون ذلك. فالحقيقة في تاريخ المعرفة البشرية عموماً والكشوف العلمية خصوصاً هو أن الاتصال، وإعادة إنتاج المعارف السابقة بشكل أكثر نضجاً هو القاعدة شبه المطلقة لكل معرفة أنتجها بنو البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإطلاق سراح ا


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - استشهاد طفلين بسبب المجاعة في غزة




.. أمريكا.. طلاب مدرسة ثانوي بمانهاتن يتظاهرون دعما لفلسطين


.. وفاة 36 فلسطينيا في معتقلات إسرائيل.. تعذيب وإهمال للأسرى وت




.. لاجئون سودانيون عالقون بغابة ألالا بإثيوبيا