الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غارة فزارة على الظهر بالغابة ( غزوة ذي قرد)

محمد بن ابراهيم

2021 / 1 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قال ابن سعد في طبقاته : " كانت غزوة ذي قرد في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية ، وقيل : في جمادى الأولى ". وفي الغزوة اختلاف غير ما ذكرناه في غارة عيينة بن حصن الفزاري متابعة لابن اسحاق، والقول بالتعدد على ضوء اختلاف قائد فزارة في هذه الغارة (عيينة بن حصن في الاولى بعد غزوة بني لحيان) و (عبد الرحمن الفزاري في الثانية قبل الخروج الى خيبر) امر لا نستروح له كثيرا في ظل اتخاذ القوم له كمنهج لفض الاشكال كلما استعجم عليهم أمر، والغارة التي قبل الحديبية هي غارة العرنيين على لقاح الرسول بذي الجدر في شوال العدة من السنة السادسة للتأريخ العمري. والتي بعدها على ضوء ما زعموه من التعدد استنادا الى حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه كما عند مسلم، فقد كانت على ذلك قبيل خيبر في ربيع الاول العدة من السنة السادسة للتأريخ العمري على رأس 73 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بمحرم النسي مستهل الطور 20 على رأس 80 (+ 3 = 83) شهرا من التوطين الفاسد للهجرة، والظاهر انها كانت بقيادة عبد الرحمن الفزاري، ورجعوا منها استنادا الى حديث اياس بن سلمة قبل الخروج الى خيبر بثلاث. والاشكال لا يرتفع - لان سند الواقدي ايضا في هذه القصة الى اياس بن سلمة عن أبيه- الا باتهام الواقدي بالخلط بين متن الغزوتين، و قد اعتبرنا ذلك لقوة سياق حديثه، و لما شق علينا رد قسم الرجل ليس إلا. وان تمحلوا لذلك مخارج غير ما ذكرنا، والدمج بين المتون والوقائع آفة التاريخ الشفوي ( انظر تنبيهات سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي - ج 5 - الصفحة 106/ صحيح مسلم - مسلم النيسابوري - ج 5 – الصفحة 189/ الطبقات الكبرى - محمد بن سعد - ج 2 - الصفحة 82/ إمتاع الأسماع - المقريزي - ج 8 – الصفحة 380)، وتكشف المقارنة بين متن الواقدي ورواية مسلم عن اختلافات جوهرية تلزم بضرورة القول بالتعدد:
- الواقدي: فَكَانَ أَبُو ذَرّ يَقُولُ: وَاَللهِ، إنّا لَفِي مَنْزِلِنَا، وَلِقَاحُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رُوّحَتْ، وَعُطّنَتْ، وَحُلِبَتْ عَتَمَتُهَا وَنِمْنَا، فَلَمّا كَانَ فِي اللّيْلِ أَحْدَقَ بِنَا عُيَيْنَةُ فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا، فَصَاحُوا بِنَا وَهُمْ قِيَامٌ عَلَى رُءُوسِنَا، فَأَشْرَفَ لَهُمْ ابْنِي فَقَتَلُوهُ.
- الواقدي: فَكَانَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ يَقُولُ: غَدَوْت أُرِيدُ الْغَابَةَ لِلِقَاحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنْ أُبَلّغَهُ لَبَنَهَا.
- الواقدي: وَجِئْت (أبو ذر الغفاري) إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته وَهُوَ يَتَبَسّمُ.
- الواقدي: قَالَ سَلَمَةُ: فَأَحْضَرْت فَرَسِي رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ حَتّى وَافَيْت عَلَى ثَنِيّةِ الْوَدَاعِ فَصَرَخْت بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا صَبَاحَاهُ! ثَلَاثًا، أسمع من بين لا لَابَتَيْهَا.
- مسلم: ثم قدمنا المدينة (من الحديبية) فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا معه وخرجت معه بفرس طلحة أنديه مع الظهر.
- مسلم: فلما اصحبنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه اجمع وقتل راعيه.
- مسلم: قال فقلت يا رباح (غلام الرسول) خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان المشركين قد أغاروا على سرحه قال ثم قمت على اكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا يا صباحاه ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وارتجز.
المتحصل من هذه المقارنة:
ان الروايتين مختلفتين تماما- وان كان بينهما خلط على مستويات متعددة ، وهذا أمر مفهوم ومن طبيعة الذاكرة البشرية، كما ان الواقدي والرواة عموما أيا كانوا يخلطون بين احداث الوقائع ويدخلون بعضها في بعض – فرواية الواقدي واضح انها تتحدث في جزء منها عن غارة عيينة بن حصن على لقاح رسول الله قبل الحديبية بزمن ( غارة عيينة بن حصن الفزاري بعد غزوة بني لحيان )، فيما تتحدث رواية مسلم عن غارة عبد الرحمن الفزاري على ظهر رسول الله بعد العودة من الحديبية، لان اللقاح اللبون حينها هو الهدي الذي لم يبلغ محله في الحديبية، و ذكروا ان الرسول ساق معه 70 بدنة (مغازي عقبة بن موسى، ص 234) فلم يبق بعد الحديبية الا الظهر فأغار عليه عبد الرحمن الفزاري قبيل الخروج الى خيبر في ربيع الأول العدة من السنة السابعة للتأريخ العمري، وينتهي بنا هذا الى التمييز بين غزوة الغابة وغزوة ذي قرد على مستوى الاسم وان كانتا الى محل واحد الغابة/ ذي قرد). والظاهر ان الوهم في رواية مسلم في الروابط الزمنية ، في قول راويته "ثم قدمنا المدينة ( من الحديبية ) فبعث رسول الله بظهره... فلما أصبحنا أغار عبد الرحمن الفزاري.... قال فوالله ما لبثنا الا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم." ذلك ان هذا الترتيب ذهب ضحية تاريخ صلح الحديبية بالتاسع من ذي الحجة النسي، المواطئ لصفر العدة على رأس 72 شهرا من الهجرة الفعلية، وعلامات ذلك بادية بالقياس الى ما أورده عقبة بن موسى وغيره، قال: "ولما قدم رسول الله المدينة من الحديبية مكث بها عشرين ليلة أو قريبا منها ثم خرج منها غازيا الى خيبر، وكان الله قد وعده اياها وهو بالحديبية" ( مغازي عقبة ص 247) فبين التاسع من ذي الحجة النسي الى 15 ربيع الاول المواطئ بمحرم النسي، تأريخ خروج الرسول لخيبر على التحقيق 35 ليلة نطرح منها 11 ليلة للمسير من مكة الى المدينة في المتوسط فتبقى 24 ليلة نطرح منها ثلاث ليال بين رجوعهم من غزوة ذي قرد وخروجهم الى خيبر فتبقى 21 ليلة بين عودة الرسول من الحديبية وخروجه الى خيبر، والواقع الذي يرتفع ان صلح الحديبية كان في ذي الحجة العدة على رأس 70 شهرا من الهجرة الفعلية المواطئ بشوال النسي وبين التاسع منه الى خروج الرسول الى خيبر 93 ليلة. "وقد جزم البخاري في صحيحه بأن غزوة ذات قرد قبل خيبر بثلاثة ليال وأخرج نحو ذلك مسلم في صحيحه عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: فرجعنا من الغزوة إلى المدينة فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر، فما في الصحيح أثبت مما يذكره أهل السير مما يخالف ذلك كقول ابن سعد: إنها كانت في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية وكقول ابن إسحاق: إنها كانت في شعبان من سنة ست بعد غزوة لحيان بأيام." (أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٢٦٣).
و كخلاصة نميز منهجيا بين:
غارة عيينة بن حصن الفزاري وخروج الرسول في طلبه ونسميها غزوة الغابة بعد غزوة بني لحيان متابعة لابن اسحاق وقد فصلنا فيها القول سابقا.
غارة عبد الرحمن الفزاري وخروج الرسول في طلبه ونسميها غزوة ذي قرد بعد صلح الحديبية وقبل خيبر بثلاث، فكانت على ذلك في:
ربيع الاول العدة من السنة السابعة للتاريخ العمري، على رأس 73 شهرا، المواطئ بمحرم النسي من الطور 20 على رأس 80 (+3 = 83 ) ( وهو ربيع الثاني القوالب الفاسدة) وحتى نكون اكثر دقة في ضبط تاريخ هذه الغارة نذكر:
ان الواقدي نص في متنه ان الخروج الى خيبر كان في ليلة مقمرة.
ان: ابن عباس قال ان الرسول اقام بخيبر يقصر الصلاة ستة أشهر.
ان : حديث اياس بن سلمة بن الاكوع عن ابيه اقسم فيه ان بين الغارة والخروج الى خيبر ثلاثا.
ان عودة الرسول من خيبر كانت على الجمع بين الروايات في الثامن عشر من رمضان بعد ستة اشهر من الاقامة. منها اربعة اشهر من الحصار.
وبناء على ذلك فقد انتهى بنا التحقيق الى تأريخ الخروج الى خيبر بليلة السبت لخمس عشرة ليلة خلت من ربيع الاول العدة، من السنة السابعة للتأريخ العمري، المواطئ بمحرم النسي من الطور 20 على رأس 80 (+ 3 = 83 ) شهر من التوطين الفاسد للهجرة، الموافق 25 – 26 يوليوز 628 .غ وكان الفتح يوم السبت 24 رجب العدة من السنة السابعة للتاريخ العمري، الموافق 29 نونبر 628 م.غ وعاد الرسول الى المدينة بعد ستة أشهر يوم الخميس لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان العدة من السنة السابعة للتأريخ العمري، على راس 79 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ برجب النسي من الطور 20 على رأس 86 (+ 3 = 89) شهر من التوطين الفاسد للهجرة، الموافق 22 يناير 629م.غ. وحيث ان:
غارة الفزاريين بقيادة عبد الرحمن كانت على قول الواقدي يوم الاربعاء وعاد المسلمون بعد خمس ليال من الطلب وقبل الخروج الى خيبر بثلاث، فانه على ذلك كانت الغارة ليلة الاربعاء لخمس خلون من ربيع الأول العدة من السنة السابعة، وعادوا منها ليلة الاثنين لعشر خلون منه وأقاموا الثلاثاء والاربعاء والخميس وخرجوا ليلة الجمعة – السبت الى خيبر. ذلك ان التاريخ الذي قدمه الواقدي لا ينسجم وباقي الحيثيات. ويبدو ان هذه الغارة هي التي ردت بها فزارة على سرية زيد بن حارثة الى ام قرفة بعد خرقها الموادعة لما اعترضت مسير زيد بن حارثة واصحابه الى تجارة لهم بالشام، غير ان انفراد الواقدي بهذه السرايا وضعف حيثياتها الداخلية يجعلنا نتريث طويلا في توطينها، وفي النهاية فلن يخرج توطيننا الزمني لها عن محاولة اصلاح القالب الفاسد للواقدي او اقرار توطينه او ترجيح توطين هامشي لها، ومن الصعوبة بمكان الجزم بزمنها على وجه التحقيق الكرنولوجي الدقيق، ذلك ان الواقدي انما نثر هذه السرايا على خط الزمن كما ينثر الطباخ البهارات على صحون الطعام.
المرفقات: الكلندار النبوي: ( انظر الاعوام 58 و59 و 60)
https://drive.google.com/drive/folders/18Rfe2SwMAd60Gwch0r5p1falHvGVh37c?usp=sharing








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إيران لإسرائيل: كيف غيرت قواعد اللعبة؟| بتوقيت برلين


.. أسو تخسر التحدي وجلال عمارة يعاقبها ????




.. إسرائيل تستهدف أرجاء قطاع غزة بعشرات الغارات الجوية والقصف ا


.. إيران قد تراجع -عقيدتها النووية- في ظل التهديدات الإسرائيلية




.. هل ستفتح مصر أبوابها للفلسطينيين إذا اجتاحت إسرائيل رفح؟ سام