الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نموذج تحليل السؤال -هل وجود الغير ضروري للذات- ؟

عماد الحسناوي

2021 / 1 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعتبر مفهوم الغير من أبرز المفاهيم الفلسفية الحديثة والتي احتلت مع مجموعة من الفلاسفة، خاصة الفيلسوف الألماني فريدريك هيجل موقع الصدارة، بعدما كان كل اهتمام التفكير الفلسفي يتمحور حول الذات، وبما أن الذات يمكنها انتاج أفكارا خاطئة حول موضوعات خارجية وذلك نتيجة خداع الحواس، فإن هذا الأمر قد يدفع إلى الشك في الغير، ووضع وجوده بين وجود ضروري وغير ضروري. كل هذا يفتح لنا المجال لمجموعة من الاشكالات المتعلقة بوجود الغير:
ما طبيعة وجود الغير ؟ وهل وجود الغير ضروري لوجود الذات ام غير ضروري ؟
من خلال القراءة الأولية للسؤال يتضح لنا أنه يتضمن مجموعة من المفاهيم الاساسية، مثل مفهوم الغير والذات. فالغير من الناحية المعجمية يحيل الى الاخر المخالف والمغاير والمباين والمنفي والمتحول. ومن الناحية الفلسفية فالغير هو آخر الأنا، منظورا إليه ليس بوصفه موضوعا، بل بوصفه أنا آخر، إنه الآخر الذي يتجلى ضمن علاقة تعايش معطاة ، ويحيل إلى إمكانية تماه أو تطابق. وبعبارة أوجز، وكما يقول جون بول سارتر فالغير هو الآخر، الأنا الذي ليس أنا. اما مفهوم الذات فهي التي نرد إليها أفعال الشعور جميعا، وجدانية كانت أو عقلية أو إرادية، وهو دائما واحد مطابق لنفسه وليس من اليسير فصله عن أعراضه. ويقابل الغير والعالم الخارجي ويحاول فرض نفسه على الاخرين، وهو أساس الحساب والمسؤولية.
كما أن السؤال يحيل على أطروحة أساسية مفادها أن وجود الغير ضروري للوجود الذات. وجود الغير إذن هو شرط لوجود الأنا، فبدون حضور الغير لا يمكن للأنا التعرف على العديد من مستويات و مظاهر وجودها، ولا يمكن أن يحصل الوعي بالذات إلا بوجود الغير ، فهو بمثابة " وسيط بيني أنا ونفسي " كما يقول سارتر. ورغم ما تعانيه الذات من وضعية استلاب وعبودية أمام الغير (مثال النظرة) فإن وجوده شرط لوجود الذات. بعد كل هذا التحليل الى أي حد يمكن القبول بهذا التصور وما قيمته وحدوده؟
قيمة هذا التصور تتجلى أساسا في عدم إقصاء الاخر وإعتبره جزءا اساسيا من الوجود الانساني، وهذا الموقف نجده عند مجموعة من الفلاسفة خاصة هيجل رائد الفسلفة الديالكتيكية، فهو دائما ما يحاول البرهنة على شيء بنقيضه.. وجود الغير اذن مع هيجل ضروري بالنسبة للانا من اجل ادراك وجود الذات، أي أنه لا يمكنني أن أدرك وجودي في غياب الغير بل فأنا أحتج الى وجود الغير من أجل ادراك وجودي.
لكن هذا التصور يظل محدودا أمام كونه يربط وجود الانسان لذاته بالاخر المختلف والمغاير عنا. وهذا ما رفضه بشدة مجموعة من الفلاسفة من أبرزه أب الفلسفة الحديثة رينيه ديكارت: الذي ينطلق من قولة الكوجيتو "أنا اشك اذن انا افكر اذن انا موجود" فمن خلال هذه القولة تبين لنا أن ديكارت شك في كل شيء، إلا أنه لم يشك في وجود الغير كذات مفكرة وواعية، أي أنه كذات يمارس عملية الشك، وما دام يمارس عملية الشك فهو في نفس الوقت يمارس عملية التفكير، بحيث انه يدرك وجوده من خلال التفكير، ويعي تماما بأن ذاته هي ذات واعية ومفكرة. وبالتالي فوجود الانا بالنسبة لديكارت هو وجود يقيني لا يطاله الشك لأن ادراك الذات يتم بشكل حدسي دون وساطة الغير.
من خلال التحليل والمناقشة يمكن القول أن تصور كل من هيجل وسارتر حول ضرورة وجود الغير بالنسبة للأنا، قيمته الفكرية والتاريخية، ذلك أن الغير ضروري لوعي الذات وممارسة وجودها في العالم، إنه الوسيط بين الذات والوعي بوجودها، وفي غيابه تسقط الذات في عزلة مطلقة. لكن ما يؤخذ على موقفهما من علاقة الانا بالغير، أنهما جعلا الصراع والتفاوت والتشييء والخضوع هو الميزة لتلك العلاقة، وقد عبر سارتر عن هذه العلاقة الصدامية بقولة ختم بها إحدى مسرحياته المشهورة “الآخرون هم الجحيم. ويتجلى ذلك حسب سارتر في نظرات الآخر، التي تضايق حرية الذات وتنزل بها إلى مستوى الأشياء. هنا تصبح قولة كانط “تصرف على نحو تعامل في الإنسانية في شخصك كما في شخص غيرك دائما وأبدا كغاية وليس كمجرد وسيلة”، ذات بعد إنساني رفيع.
وفي مقابل التصورات السابقة نجد تصورا يختلف عنهما جذريا، ألا وهو تصور ديكارت، ففي هذا التصور نجد الذات في غنى عن الغير، وذلك لأن ديكارت اعتبر الفكر كمحدد لجوهر الذات وكمحدد كذلك لوجودها، وما دام المحدد داخليا، فلا حاجة للأنا إلى ما هو خارجي، والغير مثال على ماهو خارجي. هذا ما وضحه ديكارت من خلال مثال رؤية الأشخاص من النافدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج