الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دافيد فريدريك شتراوس (1808 - 1874)

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2021 / 1 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



"عالم عقيدة، وفيلسوف، وكاتب سِيَرْ، وثيولوجي بروتستانتي ألماني صَدَمَ أوروبا المسيحية بتصويره يسوع التاريخي ونفيه طبيعته الإلهية، ارتبط عمله بمدرسة "توبنغن" التي أحدثت ثورة في دراسة العهد الجديد والمسيحية المبكرة والأديان القديمة.

كان لكتاب شتراوس "حياة يسوع" تأثيراً هائلاً وضجة كبيرة، فعلى الرغم من عدم إنكار وجود يسوع، جادل شتراوس، بأن المعجزات في العهد الجديد، كانت إضافات أسطورية، مع القليل من أساسها بشكل حقائق مؤكدة، وبعد تحليل "الكتاب المقدس" من ناحية الترابط المنطقي الذاتي وإعارة الانتباه للعديد من التناقضات، خَلَصَ إلى أن قصص المعجزات لم تكن أحداثًا حقيقية، ووفقًا لشتراوس، طورت الكنيسة الأولى هذه القصص من أجل تقديم يسوع بوصفه المسيح للنبوءات اليهودية.

في عام 1840، نشر "شتراوس" كتابه عن العقيدة المسيحية في مجلدين، وكان المبدأ الرئيسي لهذا العمل الجديد هو أن تاريخ المذاهب المسيحية كان في الأساس تاريخ تفككها، كان ديفيد شتراوس أول من طرح السؤال حول شخصية يسوع التاريخية وفتح الطريق لفصل يسوع عن الإيمان المسيحي.

كَتَبَ سلسلة من أعمال السير الذاتية، والتي ضمنت له مقعدًا دائمًا في الأدب الألماني، وفي عام 1870 نَشَر محاضراته عن فولتير.

أنتجت أعماله الأخيرة، "الإيمان القديم والجديد" 1872، "ضجة كبيرة تقريبًا مثل "حياة يسوع"، وحتى بين أصدقاء شتراوس، الذين تساءلوا عن وجهة نظره من جانب واحد للمسيحية وتخليه المزعوم عن الفلسفة الروحية لمادية العلم الحديث، انتقد نيتشه بشدة في كتابه الأول "تأملات في غير وقتها"([1]).

"أعتبر شتراوس أن قصة السيد المسيح بميلاده المعجزي وطفولته ومعجزاته وقيامته وصعوده، ما هي إلاَّ أسطورة ظهرت في القرن الثاني الميلادي بقصد إعلاء المسيح، وتصويره في صورة المسيا الذي تنبأ عنه العهد القديم، وبالرغم من أن المجتمع رفض أفكار شتراوس وحُرم من الوظائف اللاهوتية، لكن كان له تأثيره البالغ على مدرسة النقد الأعلى.

كان من أكثر مؤيدي شتراوس " برونو باور" (1809 - 1882) تلميذ هيجل، والذي ادَّعى أن شتراوس قام بالخطوة الأولى نحو الفهم العلمي للإنجيل، كما قال أن المعجزات التي سجلتها الأناجيل لم تكن أساطير وإبداعات عفوية، إنما وُضعت من قِبل المسيحيين عن وعي وقصد، وقال " باور " أن شخصية المسيح لا وجود لها في التاريخ، لأنها شخصية وهمية، ودعى باور إلى فصل الكنيسة عن الدولة، وأن التحرُّر من الدين هو مقدمة للتحرُّر الاجتماعي"([2]).

وفي هذا السياق، يقول محمد رصاص: "من دون كتابَيْ ديفيد شتراوس ولودفيغ فويرباخ "حياة المسيح" (1835) و"جوهر المسيحية" (1841) ما كان للماركسية أن تُولَد، فقد حطّم شتراوس وفويرباخ أسس إلحاد القرن الثامن عشر الموجود عند المادية الميكانيكية الفرنسية، والتي كانت تتناول الدين من منطلقات ومساطر "العلم" و"المحسوس" و"المنطق"، حيث اعتبر شتراوس أنّ "الله" فكرة، يجب تناولها بوصفها تمثل كائناً حَمَلَهُ البشر في تاريخ مُعَيَّن، وبالتالي لا تجب دراسته ماورائياً، بل عبر دراسته كمحمول بشري لفكرة كائن ما وراء طبيعي، أيضاً، قال شتراوس بأن الأساطير والمعجزات لا تعالج علمياً أو من خلال المنطق ولا من خلال الشك الفلسفي، فهي ليست قصصاً للوعي، أو مبالغات لحوادث واقعية، بل هي رموز تخيلية لا تعبّر عن وقائع بل عن حالة الذهن البشري في مرحلة تاريخية محددة"([3]).

بعبارة أخرى –كما يضيف محمد رصاص- "شتراوس يرى الدين، كحالة تاريخية، يجب معالجته، كفكرة ماورائية، من خلال وظيفيته الاجتماعية عند حوامله البشريين في مكان وزمان معينين، وبالتالي فإن الأفكار لا تعالج بذاتها، ولا من منطلق هيغل بوصف الفكرة منطلقاً للواقع، بل بالعكس: الواقع هو منطلق الفكرة، أي الواقع الملموس والطبيعة كمبدأ أول وليس الفكر"([4]).

من هذا المنطلق، "لم يعالج شتراوس معجزات يسوع من خلال المنطق العلمي أو العقل أوباعتبارها حصلت فعلاً في الواقع التاريخي (أم لا)، بل بإعتبارها أساطير "تعبر عن التجارب الدينية، والأفكار الفلسفية، وحتى الحقائق التاريخية، في شكل ملموس هو أكثر تناسباً مع العادات الذهنية للعصر الذي ولدت تلك الأساطير فيه". وبالتالي فإن "الولادة المافوق طبيعية للمسيح، معجزاته، قيامته، وصعوده، تبقى حقائق داخلية في نفوس المؤمنين بها، حتى ولو حامت الشكوك حول صحتها كحقائق تاريخية""([5]).

ديفيد ستراوس "يرى أنه ينبغي ألا نفسّر قِصص العهد الجديد عن المسيح حرفيًّا وظاهريًّا على أنها حقائق تاريخيّة، ولكن يجب تأويلها على أنّها – مثلاً- رداء رمزيّ للحياة الدينيّة ليسوع المعلم اليهوديّ.

رأى شتراوس أن الإمبراطورية الرومانية عالمية وساهمت في صوغ دين يسوع الروحي الذي تخطى القبيلة والأمة"([6]).




([1]) موقع ويكيبيديا - الموسوعة الحرة- الانترنت

([2]) حلمي القمص يعقوب– كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العقد القديم من الكتاب المقدس) – موقع: لنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت -

([3]) محمد سيد رصاص – سطحية الإلحاد العربي الحديث والمعاصر – الحوار المتمدن – 17/12/2015.

([4]) المرجع نفسه.

([5]) محمد سيد رصاص – من أجل نظرة ماركسية وعلمانية عربية جديدة للدين – موقع الجولان – 14/9/2009.

([6]) عبده طلبة – من تاريخ الإلحاد (2/2) – موقع: ساسة بوست – 27 نوفمبر 2014.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس