الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسينيون خلافا لما هو سائد / سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية المحدثة /الجزء السادس

أحمد راشد صالح

2021 / 1 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الجزء السادس

المقارنة الثانية
الاسينيون ولفائف قمران
بعد ان اطلعنا على ما ذكره لنا كل من يوسيفوس وبليني حول الاسينيون، نجري الان دراسة مقارنة بين كل من الأسينيون واللفائف التي تمت ترجمتها الى الان، والتي تعرف بلفائف قمران [6] والتي ومن خلالها سنرى الحجج الدامغة التي تؤكد الاختلاف العقائدي بين المفاهيم الأسينية وتلك اللفائف.
يتفق يوسيفوس وفيلون على ان الاسينيون يحرمون المحارق والاضاحي ويعتبرونها من الكبائر، الا اننا ومن خلال مراجعتها لنصوص لفائف قمران [7]، نرى تأكيد تلك اللفائف على قدسية الاضاحي، فقد جاء في فصل المحرقات اليومية والاسبوعية والشهرية ما يلي: ((والاضاحي ...الدم من اجل الشعب تلكم هي التقدمة التي ستقدمونها ليهوه: حُملان حولية تامة عددها اثنان في اليوم محرقة دائمة. وتضحي بأحد الحملين في الصباح. والتقدمة المرافقة لها ستكون عشر افة من الطحين الملتوت بربع من زيت الزيتون المدقوق، والسكيب المرافق لها سيكون ربع هين من خمر. انها محرقة دائمة، وتقدمة طيبة الرائحة ليهوه [ــ] المحرقة. ان ما يخصه سيعود اليه. اما الحمل الثاني، فإنك ستضحي به عند الغروب مع التقدمة نفسها التي كانت في الصباح ومع السكيب نفسه انها تقدمة طيبة الرائحة ليهوه. لن تشعلوا النار على مذبحي سدى .......وفي يوم العام وثامن أيام التكريسات: (ص 130) اليوم الاول من الشهر الاول من السنة، لا تعملوا فيه اي عمل حقير، تقربون تيسا من اجل الخطيئة ويضحى به بشكل منفصل، حتى يكفر عنكم وستقربون ايضا محرقة جذع وكبشا وحملان حولية، عددها سبعة تكون تامة ...... في كل يوم حملان حولية عددها سبعة وتيس ذبيحة خطيئة والتقدمة والسكيب المرافقان لها بما يوافق هذه القاعدة. وبالنسبة للتكريسات يؤخذ كبش لكل يوم وسلال خبز لكل اكباش التكريسات سلة لكل كبش. وليوزعوا كافة الاكباش والسلال على ايام التكريس السبعة من اجل كل يوم، بحسب مراتبهم ليقدموا ليهوه الفخذ الايمن من الكبش، محرقة، كما والشحم الذي يغطي الاحشاء، والاثنين من الكلى مع الشحم الذي من فوقها، والشحم الذي على الحقوين، واللية كاملة مأخوذة من اعلى العجز، وفص الكبد، ويرافق المحرقة القربان والسكيب وفقا للشريعة، وليأخذوا عجينة غير مستعملة في السلة، وعجينة ملتوتة بالزيت وفطيرة. وليضعوا ذلك كله فوق الشحم مع فخذ الجزء المقتطع، الفخذ الايمن، وليرفع المقدمون الاكباش وسلال الخبز امام يهوه. انها محرقة، وتقدمة طيبة الرائحة امام يهوه ......
هذا وتتكرر طقوس القرابين في لفائف قمران في الفطر والفصح وفي يوم رفع الضمة، وكذلك في عيد الاسابيع، وعيد الخمرة الجديدة، وعيد الزيت الجديد، وعيد تقدمة الخشب، واليوم الاول من الشهر السابع، ويوم التكفير، وعيد الاكواخ.
كما وتحتوي مخطوطات قمران المفرج عنها على شروحات وافية ومسهبة حول طريقة عمل وتقديم القرابين والمباني اللازمة وكذلك الادوات، وهذا ما يؤكد على ان طقوس الاضاحي عند القمرانيين ليست مهمة وحسب، وانما تمثل معتقدا جوهريا يعتبر الحياد عنها خروج عن الدين، في الوقت الذي يحرم فيه الاسينيون هذا الطقس تحريما تاما. وفيما يخص الارتداد عن الدين، ففي الوقت الذي يمتلك الفرد الأسيني حرية ترك الجماعة، نرى القمرانيون يبالغون في العنف نحو من يحاول الخروج منهم كما في مخطوطة الارتداد :(ص152) (( واذا عمل خلسة اخوك ابن ابيك او ابن امك، او ابنك او بنتك، او المرأة التي في قلبك او شخص آخر هو كنفسك على اغوائك قائلا :((هلم نعبد الهة اخرى )) الهة لا تعرفها، واذا سمعت انهم يقولون في احدى مدنك، من تلك التي اعطيتك اياها لتسكن فيها، ان قوما لا خير فيهم خرجوا من وسطك واضلوا سكان مدينتهم قائلين : (( هلموا نعبد آلهة اخرى لا تعرفونها )) فسأل عن ذلك، واستعلم عنه وتقص بعمق حتى تتثبت من هذا الخبر ، ان هذه القبيحة قد اقترفت في اسرائيل، فلا تتردد بضرب كافة سكان المدينة تلك بحد السيف، وحرمها بكل ما فيها. ولتضرب حتى بهائمها بحد السيف، واجمع غنيمتها كلها في وسط الساحة، واحرق المدينة وغنيمتها كلها، التي تكون قد جمعت محرقة ليهوه إلهك. فتكون خرابا للأبد ولا تبنى من بعد، ولا يعلق في يدك شيء مما حرم. عندها ارجع من غضبي المحتدم وارحمك واباركك واكثرك كما اعلنت لآبائك، شرط ان تسمع صوتي وتحفظ جميع وصاياي، تلك التي اعطيتك اياها اليوم، صانعا ما هو قويم وحسن امامي، لي انا يهوه إلهك. إذا وجد وسطك في احدى مدنك، من تلك التي اعطيتك اياها، رجل او امرأة يصنع ما هو شر في عيني منتهكا ميثاقي، ويعبد إلهة اخرى ويسجد لها، اكانت الشمس او القمر، او سائر قوات السماء، فأُخبرت بأمره، وسمعتهم يتحدثون بهذا الامر، فاستعلم وتقصّ بعمق، فما ان يثبت واقع ان هذه القبيحة اقترفت في اسرائيل، فاخرج هذا الرجل او هذه المرأة وارجمه.
وفيما يخص شريعة الملك (ص 153) ومع ان النص يوصي بعدم المبالغة في اقتناء الذهب والفضة، وكذلك النساء والخيول، الا انه لا يحرمها، بل يوصي بالاعتدال، وهذا ما يخالف حياة الاسينيين، والتي تعتمد كليتا على الابتعاد عن كل ما يثير الشهوات، سواء اكان مالا او ارضا.
((عندما تدخل الارض التي اعطيها لك وتملكها وتسكن فيها، فتقول ((اريد ان اقيم علي ملكا كسائر الامم التي من حولي )) فاقم عليك ملكا اختاره فمن بين اخوتك تقيم عليك ملكا. ولا تقم عليك غريبا ليس بأخيك، لكن لا يكثر لنفسه من الخيل والفضة والذهب، فقد قلت لك: ((لا ترجع عبر هذه الطريق)) ولا يكثر لنفسه ايضا من النساء، ولا يقصين قلبه عني، ولا يبالغ في الاكثار من الفضة والذهب.
وفي مخطوطة سلوك الحرب (ص 154) يتأكد لنا يقينا من انهم يتقاطعون كلية مع الاسينيين كما نرى في ادناه:
سلوك الحرب
[عندما يسمع الملك حديثا عن امة او عن شعب، أيا كان يحاول انتزاع اي شيء مما يخص اسرائيل، يرسل الاوامر لقادة الالف، ولقادة المائة، التابعين لمدن إسرائيل، ويرسل له هؤلاء عشر الشعب، ليذهب للحرب معه ضد اعدائهم، ويذهبون معه. وإذا كان قد دخل جيش كثير العدد الى بلد إسرائيل، فانهم يرسلون للملك خمس رجال الحرب. وإذا كان الغازي ملكا مع عجلاته وخيله، وجيش كثير العدد، فانهم يرسلون له ثلث رجال الحرب، والثلثان الباقيان يحفظان مدنهم واراضيهم، بحيث لا يدخل الجيش الى بلادهم. وإذا كانت الحرب أقسى من ذلك عليه، فانهم يرسلون له نصف الشعب (العساكر)، والنصف الآخر من الشعب لا يترك مدنه. فاذا انتصروا على اعدائهم، يصرعونهم ويضربونهم بحد السيف، ويأخذون اسلابهم، ويعطون للملك عشرها، وللكهنة جزءاً من الالف وللاويين جزءاً من المائة، من مجموعها، ويقسمون الباقي مناصفة، بين الذين شاركوا في الحرب واخوتهم الذين ظلوا في المدن.
وفي باب فتح المدن (ص 157)
[عندما تقترب من مدينة لتقاتلها، فادعها للسلم. فاذا اجابتك: ((لنقم للسلم)) وفتحت لك ابوابها، فان الشعب كله الذي يوجد فيها لك عليه السخرة والخدمة. وإذا لم تقم السلم معك بل الحرب، فاقم الحصار عليها، وسأسلمها ليديك فتضرب سكانها الذكور بحد السيف، واما النساء والاطفال الصغار والبهائم وكل ما يكون في المدينة فتأخذه كغنيمة، وتأكل الغنيمة المسلوبة من هؤلاء الأعداء، التي سأسلمها لك. هكذا تصنع بالمدن البعيدة جدا عنك، التي لا تنتمي لتلك الشعوب. اما المدن التي تخص الشعوب، والتي اعطيك اياها ميراثا، فلا تستبق حياً فيها اي كائن حي. والحق انه لن يفوتك ان تحرم الحثي والعموري والكنعاني والحيوي واليبوسي والجرغشي والفرزي كما امرتك، بحيث لا يعلمونك تقليد كافة القبائح التي يصنعونها لآلهتهم].
ان وجود عناصر السلاح، الغزو والنهب وتقاسم الغنائم، وكذلك تقديم القرابين، والمحارق والنذور وبشكل مفرط، يؤكد وبما لا يقبل الشك عدم وجود اي رابط حقيقي يجمع الأسينيون باللفائف المكشف عنها. اما تأكيد اندرية دوبون سومر وغيره من المستشرقين على عائدية تلك اللفائف للأسينين، فلا يعدوا ان يكون دافعاً عقائدياً أكثر منه بحثي متجرد، خصوصا اذا ما علمنا ان الأسينيون، كانوا قد تركوا تلك الكهوف، واتجهوا الى المدن الكبيرة، ابان انهيار الدولة الحشمونية، وصعود هيرودت الى الحكم، بتعيين من الرومان. لتستخدم فيما بعد من قبل الزيليين وهم من اليهود المتشددين، ابان حرب العصابات اليهودية على الرومان ما بين الاعوام 66 م الى 70.م وكذلك الحال في زمن بر كوخبا كما سنرى.
كهوف قمران بين الاسينية والزيلية :
على العكس من اليونانيين، لم يكن الرومان ليبالوا بعقلية اليهود، تلك العقلية الرافضة لكل ما هو غير يهودي، في منطقة اعتبرت مقدسة بالنسبة لهم لقرون عدة. لقد عُرف عن الرومان تسامحهم الديني في تقبل جميع الأديان، مالم تكن تلك الاديان تؤثر على الوضع السياسي للمنطقة، وهذا الوضع قد حفز الديانات المتخفية تحت الراية اليهودية، الى الظهور العلني، ورفض اليهودية. أضف الى ذلك التدخل المباشر من قبل الرومان في تنصيب الولاة، وهذا ما أحدث حالة من الارباك والهلع في اوساط المحافظين اليهود، الذين يمتعضون من رؤية اديان مخالفة لليهودية في مناطقهم المقدسة. لذلك فقد تشكلت في العام 4 م حركة أُطلق عليها بالحركة الزيلية. وهي حركة دينية متشددة، تطمح لإعادة السلطة الى المؤسسة الدينية لليهود، وقد اخذت تلك الحركة باستهداف الرومان، اضافة الى انتهاج اسلوب التطهير العرقي ضد كل ما هو غير يهودي. وبطبيعة الحال، فان الرومان لم يقفوا مكتوفي الايدي تجاه تلك المليشيات، والتي اخذت تشكل خطرا عليهم، سيما وان تلك المليشيات، استطاعت السيطرة على الجليل والقدس، وكذلك منطقة جبل مسادا، المطل على الساحل الغربي للبحر الميت عام 66 م. لذلك فقد شن الرومان، حملة شرسة بقيادة فيسبسيانوس، والذي استطاع ان يسيطر على الجليل، وان يحاصر بيت المقدس، الذي تحصن فيه المتمردون اليهود. وكذلك تدمير الهيكل، من قبل تيتيوس نجل فيسبسياتوس. وبحسب يوسيفوس، فان المدينة قد دمرت بالكامل، وسويت بالأرض.
انتهى التمرد بشكل، تام بعد ان سقطت اخر معاقل المتمردين في مسادا عام 70م. وازاء هذه الاحداث، فقد كانت خسائر اليهود بحسب يوسيفوس، قد تجاوزت المليون قتيل يهودي، ومع ان الرقم مبالغ فيه الى حد كبير كما يبدوا، الا ان ذلك يوضح مدى الدمار الذي تعرض له اليهود على ايدي الرومان، ولهذا فقد اتجه كهنة اليهود الى تلك الكهوف، (وربما هنالك كهوف اخرى لم تكتشف بعد) لخزن موروثهم الديني، لإدراكهم المخاطر الحقيقية التي كانت تنتظرهم ككيان ديني، خصوصا بعد خسارتهم الحرب وتدمير بيت المقدس.
لذا يمكن القول ان اضفاء الغطاء اليهودي وتعميمه على الاسينيين، بحجة وجود لفائف توراتية في تلك الكهوف، اشبه ما يكون بعملية ذر الرماد في العيون، لغايات أيدولوجية معروفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [6] المخطوطات التي تمت ترجمتها هي المخطوطات العبرية واليونانية إلا ان البعض منها والذي كتب باللغة بالآرامية لم يتم الى الان ترجمته .
[7] تم اعتماد نصوص لفائف قمران على كتاب [مخطوطات البحر الميت] للكاتب احمد عثمان اصدار دار الشروق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر