الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلقاسُ الغطاس … في بيت ميرنا ذكري

فاطمة ناعوت

2021 / 1 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


Facebook: @NaootOfficial

ليس أشهى من حبّة تمرٍ قدّمتها لي يدٌ قبطية لأكسرَ بها صيامي مع آذان المغرب في أحد أيام رمضان 2013؛ يوم نزلنا في 26 يوليو لنطالبَ جيشَنا العظيمَ بحماية هُويتنا والضرب على يد الغول الإخواني البغيض، الذي انتوى إحراق الوطن بعدما أسقطناه عن عرش مصر في ثورة 30 يونيو 2013. مازال مذاقُها في فمي. قدمت لي التمرةَ يدُ صبية لمحتُ في رُسغِها صليبًا أزرقَ، بلون النيل، ولون عين حورس، فتأكدّتُ أن مصرَ ستظلُّ عصيةً على الشتات، غنيةً بشعبها الذي لا يعرفُ إلا الحبَّ ولا يسمحُ بالفُرقة والشقاق، مهما حاول المُبغضون. يومها استوثقتُ أن شعبنا الطيبَ الذكيَّ يعرفُ كيف يحفظَ عهدَ الله؛ لنظلَّ في رباطٍ إلى يوم الدين.
وليس أشهى من أقراص الكعك تخبزها الجاراتُ المصريات مسلمات ومسيحيات، في ليالي رمضان استعدادًا لعيد الفطر، وفي عشيات قدّاسات عيد الميلاد وعيد القيامة. فإذا ما نضج الكعك على ضحكاتهن، يبدأن في رشّ السُّكر على وجهه المتوهّج بنار الفرن ودفء المحبة في قلوبهن. فإذا ما أشرقتْ شموسُ الأعياد، طافتِ الصحونُ بين أبواب الدور مُحمّلةً بالكعك والبيتيفور والبسكويت. أقراصُ الكعك لا تعرفُ التمييز بين هلال وصليب وإنجيل ومصحف، فالكلُّ يذوبُ في فيوض الودّ والمحبة، مثلما يذوب سكّر الكعك على الألسنِ الطيبة التي لا تعرفُ إلا كلماتِ السلام.
وليس أشهى من حبّات القلقاس البيضاء، تسبحُ في نهرِ الأخضر الزاهي في صحنٍ تقدّمه لي يدٌ مصريةٌ قبطية مسيحية، في عيد الغطاس المجيد من كلّ عام. قبل كلّ غطاس، تصلني عشراتُ الدعوات الطيبات من أسر مصرية كريمة، تدعوني لتناول القلقاس والقصب على مائدتها بين أفراد العائلة, ليس (كأنني) واحدة منهم، بل (لأنني) بالفعل واحدةٌ منهم. فكلُّ بيوت المصريين الطيبين بيتي، وجميعُ عائلات المصريين الشرفاء أقربائي.
وكان قلقاس هذا العام 2021 في بيت عائلة الفنانة الكوميدية الجميلة "ميرنا ذكري"، آسرة القلوب التي تعرفُ كيف تُحوّل همومَك إلى فرح بموهبتها وخفّة ظلّها التي التقطها الفنانُ العظيم "محمد صبحي"، فضمَّها إلى فرقته لتكون نجمة الكوميديا المتوهجة في مسرحياته: "خيبتنا"، "أنا والنحلة والدبور"، وننتظرُ بشغف أن يُكملوا لنا المسرحية الجديدة قيد التنفيذ: “عائلة اتعمل لها بلوك". فكلُّ عمل يقدّمه صبحي وفريقه، ليس إلا جوهرةً أنيقة تُزيّن تاج مصر البهي. مثلما ننتظرُ كذلك أن نشاهد هذه الفنانة الجميلة "ميرنا ذكري" في أعمال درامية كثيرة؛ لأنها طاقة فنية هائلة وكوميديانة فريدة. كان يومًا دافئًا قضيتُه مع عائلتها الجميلة التي تُتقنُ فنَّ "المحبة التي لا تسقطُ أبدًا". فأصبح بيتُهم "محطَّة إنسانية" في محيط الحيّ الذي يقطنون فيه؛ يحلُّ مشاكلَ أصحاب الضائقات ويلجأ إليهم كلُّ مأزوم. شكرًا لهم على يوم جميل في حياتي، لا يُنسى.
وذكر المؤرخون أن المسلمين من أهل مصر، كانوا يشاركون في الاحتفال بعيد الغطاس مع أشقائهم المسيحيين، بالخروج إلى نهر النيل والإبحار في المراكب والغناء والسمر. فيقول "تقيّ الدين المقريزي" المؤرخ الإسلامي الشهير: "على مدار التاريخ المصري، اعتمد المحتفلون المصريون، مسلمين ومسيحيين، بعيد الغطاس طريقة بديعة في الاحتفال، عن طريق تزيين صفحة نهر النيل بمئات الشموع والمشاعل المزخرفة، والخروج في مواكب حاشدة كُبرى قاصدين النهر، وكان الخليفةُ المصري يُعرب عن سعادته بتوزيع النارنج والليمون والسمك والقصب”. ويقول المؤرخ "أبو الحسن المسعودي" في كتابه "مروج الذهب": " ليلة الغطاس في مصر لها شأن عظيم عند أهلها، لا ينامُ الناسُ فيها. في ذلك اليوم يذهب إلى نهر النيل مئات الآلاف من المسلمين والمسيحيين، منهم في الزوارق، ومنهم من الدور القريبة من النيل، ومنهم على الشطوط، ظاهرين كل ما يمكن إظهاره من المآكل والمشارب والملابس والذهب والفضة والجواهر وآلات العزف. وهي أحسن ليلة تكون بمصر.”
عيد الغطاس هو يومُ تعميد السيد المسيح عليه السلام في نهر الأردن. والتعميد في الأدبيات المسيحية، هو غسلُ الإنسان من الخطيئة، والتبرؤ الرمزي من معصية الله. ويحمل القلقاسُ هذا الرمز لأنه ثمرةٌ جذرية تنمو مدفونةً تحت الأرض. وتحت قشرتها السميكة تقبعُ طبقةٌ تؤذي حنجرةَ الإنسان إن تناولها دون غمرٍ في المياه. فيرمزُ تقشيرُ الثمرة ونزع قشرتها إلى: نزع ثوب الخطيئة عن الإنسان، حتى يتطهّر. ثم يرمز غمرُ الثمرة العارية في الماء إلى غمر الإنسان في ماء العِماد للاغتسال من الآثام. كلّ عام ونحن مغسولون من الآثام بالمحبة والتواد والتسامح. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يزرع الحبَّ في الوطن.”

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح


.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص




.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن